العام

حارث السيفي: “جونو” غرس توجهي للاهتمام بالطقس والمناخ

بين حبه وشغفه في تتبع لطقس والأنواء المناخية، وبين دخوله إلى مجال أرشفة الطقس ومواجهته لتحديات ومطبات كثيرة، إلا أنه وبفضل عزيمته الوقادة وجهده الدؤوب تمكن من تجاوزها والسير على خطى طموحه في إصدار كتابه الأول الذي يحمل اسم “الغيث العتيق” والذي يعد الكتاب الأول من نوعه في عمان والشرق الأوسط قاطبة، كما أنه لم يدخر جهدا إلا ويقوم به في سبيل تبصير المجتمع وتنويره في مجال الطقس.

 

أجرى الحوار: زكــريا بن ناصر الشريقي.

 

يعرف نفسه بأنه خاض تجاربه كلها في السيب، حيث ولد قبل 25 عاما، يقول: درست تخصص الهندسة الكيميائية، مهتم بجوانب التقنية والأدب والقراءة الالكترونية والعلمية، وطبعًا عالم الطقس والمناخ هو الجانب الأهم في حياتي.

 

  •  كيف بدأ اهتمامك بمتابعة الطقس، وكيف قمت بتطويره؟

الطقس بدأت فيه من الصغر، لكن مع تدرّج العمر وتوفر بعض الإمكانيات ساعدتني على تطوير هذا الشغف المضمر داخليًا، من يوم أن كنت أراقب السحب الآتية والذاهبة من فوق سطح المنزل، وقراءة نشرات الجريدة والتلفاز المتعلقة بالطقس، إلى أن جاء الإعصار جونو والذي غيّر الكثير من التوجهات، زاد الشغف وأخرج التساؤلات الكثيرة في بالي، وكبداية مهمة أعتبرها هي منذ عام 2007م، ودخلت عالم المنتديات منذ عام 2008م، تعلّمت المصطلحات العامة في الطقس من خلال الشباب في المنتدى وطرق المراقبة والمتابعة والتحليل البسيط، ومصادر المعلومات والتنبؤات وأنواعها وأشياء كثيرة، ومع الوقت تطوّر جانب البحث لدي حتى صرت أبحث بنفسي عن المعلومة من مصادر مختلفة وبالتالي زاد ذلك من الاهتمام، وكلما بادرني سؤال؛ بادرت بالبحث، ولا فرضية كانت قديمة بقت إلا وتغيّر في ذهني من خلال هذا البحث والتقصّي، كذلك الحال مع الأرشيف المناخي ولله الحمد.

  • ما سبب شغفك وحبك لمتابعة الطقس والأنواء المناخية؟

هو يمكن أن أقول طبيعيًا كان حبي للطقس، لكن لو أردت أن أفسر السبب، سأقول لأن الطقس محيط بي، ودائمًا أحب العلوم الطبيعية والفيزيائية لأنها مُشاهدة وكذلك متشعبة وعميقة وما تزال غضّة، ويمكن تجربتها، وبها من الحماس والمتعة الكثير، وبها من صقل مهارات عديدة في الشخص نفسه، جميعها كانت عوامل ساعدت على بقائي وحبي لهذا المجال.

 

  • ما هي المراجع أو المصادر التي تعتمد عليها في تتبع الطقس؟

المصادر عديدة، يمكن تقسمها بحسب الغرض وأراها كالتالي، وهي مصادر لمعلومات وبيانات علمية في الرصد والتحليل: وأهمها وكالة نوا الأمريكية، الجامعات الغربية، الدراسات المنشورة علميا، مواقع الأرصاد الرسمية، مواقع الباحثين والمهتمين بالمجال ، أيضا مصادر الأقمار الاصطناعية والتحليل الواقعي: وهي التي تزوّدنا بمنتجات متعلقة بصور الأقمار وجميع مشتقاتها، وأهمها، الوكالة الأوروبية، وكالة نوا، الأرصاد الهندية، وكالة ناسا، وعدد من المواقع التي تقوم بإنتاج خرائط ذات فائدة من خلال استخدام البيانات من الوكالات العالمية مثل البحرية الأمريكية أو المراكز الأقليمية للأعاصير ، بالإضافة إلى مصادر التنبؤات العددية: وهي مهمة لأجل إصدار التوقعات بشتى أنواعها، وهناك الكثير من النماذج بحسب الجهة المنتجة له، ومن أهمها النموذج الأمريكي GFS  والنموذج الأوروبي ECMWF والنموذج الألماني ICON والنموذج الياباني JMA وعدد كثير من النماذج كالبريطاني والكوري والعماني المعدّل، وزد على ذلك مصادر رقمية للأرشيف: طبعا الخرائط الأرشيفية والبيانات الرقمية عديدة ومن أهم المواقع التي تنتجها هي وكالة نوا والأفرع التابعة لها، الوكالة الأوروبية والأفرع التابعة لها، عدد من مواقع الأرصاد الرسمية وغير الرسمية، بعض الدراسات وبيانات الأمطار المحلية والمُحاكية وكذلك الكتب المحلية والأجنبية، السياسية منها والتاريخية أو الفقهية وكذلك الشواهد الصخرية أو التقييدات المنثورة ما بين الكتب وكذلك المراسلات وسجلات السفن وغيرها.

 

  • في أي برامج التواصل الاجتماعي ينشط دور حارث السيفي؟

نشاطي المهم والمستمر من خلال برنامج تويتر، والسبب لأنه يتناسب مع المحتوى المراد تقديمه، وهو التحاليل الجوية، بعض المرفقات كالصور، والنقاش المحدد بشكلية معيّنة ومقيّدة، وكذلك فئة الناس التي تستخدم هذا البرنامج مقارنة بالبرامج الأخرى، يتبقى أنّ موجود في برنامج الواتساب في مجموعات الهواة الآخرين.

 

  • ما هي أبرز التحديات التي تواجه المتتبع للحالات الجوية والطقس على وجه العموم؟

هو كيفية الحصول على مصادر البيانات، فليس كل شيء متاحا بالمجان، وهناك عدد من الهواة يقومون بعمل اشتراكات في بعض المواقع للحصول على ميزات وبيانات أكثر دقة أو لإخراج أفضل للتنبؤات، هذا شيء، والتحديات الأخرى تكمن في فهم التنبؤ الجوي بحد ذاته، لأن علم الطقس هو علم فيزيائي بحت فبالتالي يحتاج أن يبحث بوعي تام وانفتاح ذهني وخيال مركّب في طرق تشكل السحب والعوامل والمؤثرات والظواهر ومدى تشابكها وتأثير الظاهرة تلك على الظاهرة الأخرى وهكذا، الممارسة الدائمة والبحث المستمر سيكونان كفيلان لصقل هذا الأمر.

 

  • هل قمت بعمل برامج أو محاضرات ضمن إطار هذا المجال؟

نعم، ربما سأبدأ بذكر الأهم وهو برنامج الغيث العتيق الذي قمت بإعداده عبر إذاعة سلطنة عمان خلال عام 2019م، فكان من 60 حلقة وهو البرنامج الأول من نوعه الذي يبث في سلطنة عمان، بالإضافة إلى قيامي بعمل عدة محاضرات إذاعية أو لفرق أهلية أو مدارس حكومية، كما لا أنسى محاضرة رائعة قمت بإلقائها في جامعة السلطان قابوس هذا العام لطلاب قسم الهندسة المعمارية، وكذلك محاضرات عن طريق البث المباشر، أو برامج شخصية أتحدث فيها عن الأرشيف أو التنبؤات.

 

  • بجانب كونك راصدًا مناخيًا ومتتبعًا للطقس، فأنت أيضًا مؤرشف مناخي، ما الذي قادك للدخول في هذا المجال؟

حبّي للتاريخ هو السبب، لكن ليس ذلك فقط،، بل أيضا رغبتي في فك شفرات الطقس في عمان حتّمت علي تكوين أرشيف واضح لعمان، فمن غير المعقول أن أتحدث عن تأثير ظاهرة معينة على البلاد بلا خلفية أرشيفية عنها، وكذلك موضوع أن عمان بلا أرشيف مناخي مدوّن جعلني أفكّر مليّا بأهمية وجوده وخاصة بعد قدوم العديد من الباحثين الذين يحتاجون في بحوثهم لبيانات أو معلومات مناخية تاريخية لمنطقة معينة في عمان أو لعمان كاملة، وفي الأخير الأرشيف مكوّن أساسي للتنبؤات والتحليل المناخي والطقسي.

 

  • نهاية العام المنصرم أصدرت كتابك “الغيث العتيق”، ما الإضافة التي حواها هذا الكتاب عن سالفه من الكتب؟

هو الكتاب الأول من نوعه في المنطقة، حيث أن جميع كل تواريخ السيول والأمطار في كتاب واحد، سهّل جهود الباحثين والمهتمين بالمناخ، كما أنه أصبح مرجعا لمن يرغب بالحديث أو دراسة مناخ عمان، وهو جزء ستتبعه أجزاء أخرى بإذن الله.

 

  • ما هي المراجع التي اعتمدت عليها في توثيق كتابك؟

يمكن تقسيم المصادر كالتالي:

 

  1. الكتب المحلية الفقهية والتاريخية وغيرها: هذه المراجع كانت جيدة لي لإيجاد العديد من الحوادث والأخبار المتعلقة بالسيول والأمطار في عمان، ومنها تحفة الأعيان للإمام السالمي، كتاب سيرة السادة البوسعيديين، وعدد كبير آخر.

  2. المراسلات المحلية والسياسية: كانت لها فائدة كبيرة لي حيث أنها تصف الوضع الاجتماعي والحالة المتعلقة بحياة الناس والمتراسلين فلا تخلو أحيانا من ذكر الأمطار أو الأودية وأضرارها، من أهم مصادر هذه المراسلات؛ النمير، هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، المكتبة القطرية بما تحتويه من عدد هائل من المراسلات السياسية وغيرها من المصادر

  3. سجلات السفن: وهذه السجلات توثّق حالة الطقس أثناء سير السفينة من مكان لآخر، وكنت أستفيد من سجلاتها للسفن العابرة لعمان أو الراسية في إحدى موانئها، وكانت السفن البريطانية أكثرها فائدة لي من هذه الناحية وخاصة للفترة من 1913-1922م

  4. الكتابات الصخرية والتقييدات: وهذه رغم محدوديتها إلا أنها تصف الحدث بشكل جيد وعادة لا توثّق إلا الحالات الجوية المؤثرة، ومن أهم ما وجدته بهذا السياق تأكيد لمصادر أخرى لمنخفض ربيعي في إبريل 1563م من خلال كتابة صخرية في وادي بني خروص بالعوابي.

  5. الخرائط التحليلية وسجلات الأمطار: كان لا بد من إضافة صبغة علمية في الكتاب لتأكيد الأنباء وإعطاء نظرة أكثر شمولية للحالات الجوية المؤثرة على عمان، وقد أضفت هذه الخرائط للفترة من القرن الـ19 وما بعده، ومنها خرائط الهطول المطري، مسارات الأعاصير، وسجلات رصد الأمطار.

  6. الذكريات الشفهية: استعنت وخاصة لفترة القرن الـ20 ببعض من كبار السن شهودًا لبعض الحالات الجوية المؤثرة ومن أهم الحالات التي أخذت عنها ذكر شفوي هي جائحة السبعين 1952، ومنخفض شتاء 1944م وغيرها الكثير.

 

  • ما مدى تعاون المؤسسات والجهات المسؤولة معك؟

الحمد لله، رغم العقبات إلا أني يجب أن أشكر من تعاون معي، حيث أن العديد من الجهات تعاونت معي منذ البداية بشكل إيجابي، والبعض منها عرقلت السير قليلًا ثم عادت لتقوم بالمساعدة، وطبعا بلا شك هناك من رفض ذلك، لكن بإذن الله نجد تعاون منهم مستقبلًا.

 

  • ما الدور الذي قدمته وسائل التواصل الاجتماعي للراصد الجوي؟

كانت حلقة الوصل بينهم وبين المجتمع، كما أن أحد أهداف هواة الطقس هو تثقيف المجتمع، ولم يكن ذلك إلا من خلال هذه الوسائل، والهدف الآخر هو إبراز قدراتهم ومهاراتهم للناس، وكلما كان تشجيع المجتمع لهم مستمرا كلما كان الراصد الهاوي أكثر عطاءًا ، والأمر الآخر هو أن وسائل التواصل الاجتماعي سهّلت من موضوع توصيل الخبر والتنبيهات من الأنواء المناخية المختلفة وكذلك إبراز لجمالات عمان كون مطاردي الأمطار يجوبون الكثير من المناطق والتي يعتبر بعضها سياحيا وجميلا، وما تزال وسائل التواصل الاجتماعي تقدم الكثير لهواة الطقس.

 

  • ما مدى دقة رصدكم وتتبعكم للأنواء المناخية؟

دقة الرصد والتتبع تعتمد على الشخص والبيانات المُستند عليها، فالمتنبئ أو الراصد المفكر يعرف من أين يستقي البيانات الدقيقة ليبني عليها توقعات أو تحاليل أو أخبار صحيحة ودقيقة، ونحن ولله الحمد ما نطرحه نكون قد قرأنا عنه الكثير، وتأكدنا من جودة البيانات لتصل للمتلقي وهي ذات دقة، فكل ما نطرحه أمانة ويجب أن تكون سليمة بقدر كبير، وفي الأخير هو اجتهاد، وكلما اجتهدنا في التقصي والتدقيق كلما كانت النتيجة المرجوة أفضل.

 

  • ما هي نصيحتك لمن يسعى للدخول في هذا المجال؟

الهمة، الشغف والبحث؛ إن أوجدتها في نفسك فأنت تسير جيدا في هذا المجال، وأن تكون لديك همّة وقّادة لتجعلك تنتج أفكار جديدة ومبتكرة، وأن يكون لك شغف وطموح ليكون لك دفة توجّه بها همّتك، وأيضا أن تبحث بعد ذلك عن المعلومات والبيانات من حيثما كانت، وكلما بحثت أكثر ازدادت معرفتك بهذا المجال، والطقس والمناخ بحر شاسع جدًا لا يكاد ينتهي.

 

  • رغم كونك لا تنتمي لأي مؤسسة أو جهة معنية بالطقس، ما الذي يجعلك تستمر في العطاء والإنجاز في هذا المجال؟

هو الجواب في نصيحتي لمن أراد الدخول لهذا المجال، فالشغف والطموح هما من يقودانني لتقديم المزيد، وكذلك رغبتي لتطوير وزيادة المحتوى المناخي في عمان نظرًا لشح البيانات عنها، عمان تستحق الكثير والأفضل لهذا ما زلت مستمرًا، وأسأل الله التوفيق.

 

  • ما الذي تسعى إليه وتتطلع له في المستقبل؟

الكثير، كما أنني أتطلع بأن أساهم بجعل السلطنة مركزًا إقليميا وبحثيا وعلميا في مجال الطقس والمناخ لما تتميز به من تجارب عديدة وتضاريس متنوعة، وكذلك أن تمتلك السلطنة أرشيف مناخي متكامل ودقيق وسهل الرجوع إليه يفيد الباحثين والمعنيين بأمور الفيضانات والتنبؤات وغيرها، وطبعا لا سقف للطموحات، ونسأل الله التوفيق والسداد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق