العام

مـنـى المنذرية: جلالة السلطان الداعم الأول للمرأة العمانية

هي وجه إعلامي بارز ربط بين الماضي والحاضر، وأول صوت نسائي عبر الأثير العماني سنة 1971، بدأت بخطوات التميز ولم يتجاوز عمرها 11 عاما، ذللت الصعاب وواجهت التحديات إيمانا بنفسها وبثقة والدها رحمه الله. الدكتورة منى بنت محفوظ المنذرية شخصية قوية، بما اكتسبته من خبرة عبر عقود من السنين.. ثقة بالنفس حيث تسير ثابتة الخطوة، ارتقت في المناصب متنقلة من مذيعة إلى مستشارة البرامج التلفزيونية ومن ثم مديرا عاما للإذاعة والتلفزيون. تركت الإعلام وقلبها معلق به فكانت مستشارة وزير التربية للإعلام التربوي، وبعدها عضو مجلس الدولة، إلى رئيسة لجنة العمل النسائي التطوعي. في حوار ملأه الحب والعاطفة والذكريات الجميلة استقبلناها، فغمرت المكان حنانا وعذوبة فكر زادتها السنوات نضْجًا وألقا.

حوار: شيخة الشحية

بداية الرحلة والمشوار الإعلامي
البدايات وأولى الخطوات هي التي تنير لنا الدرب أمام ما نحب ونعشق. تقول الدكتورة منى بنت محفوظ المنذرية: «شعور جميل لم أكن أدركه وأنا في عمر لم يتعد الـ 10 سنوات وهو أن أتحدث اليوم عن إنجازات ربما سجلها التاريخ عبر صفحاته لبدايات الرحلة الميمونة في الإعلام مع الإذاعة والتلفزيون. كنت أملك صوتا قويا وكانت مخارج الحروف لدي سليمة، وما زالت والحمدلله، بفضل قراءة القرآن الكريم، وبدأت الحكاية معي من ثقة والدي رحمة الله عليه بي فكان يميزني بين أخواتي فلعله وجد فيّ هذه المرأة الناضجة والقوية اليوم منذ الصغر وأفخر اليوم كوني دخلت كل بيت عماني وأصبحت ابنة وأختًا وأمًّا لكل العمانيين».
وأضافت: «توجهت يوم اختبار أداء الصوت إلى مبنى الإذاعة وبعد سماع صوتي والموافقة عليه كان يظن المسؤول أن عمري 25 عاما فقد قال لي يومها (يا ماما أنتي لازم تروحي الروضة) فكانت كلماته بمثابة التحدي الذي قادني إلى المثابرة لتحقيق النجاح في عالم الإعلام. والحقيقة أني كنت أتوقع أن أكون يومها مقدمة برامج منوعات وبرامج للأطفال ولكن شاءت الأقدار أن أكون مقدمة البرامج الإخبارية وقتها».
بعد أربع سنوات غادرت الدكتورة منى عمان متجهة إلى مصر في دورة تخصصية لمدة ثمانية أشهر للتعرف على ماهية التلفزيون وإعداداته استعدادا لافتتاح أول محطة تلفزيون عماني سنة 1974م. وصفت تلك الفترة بكل حب وتعاون وأشادت بمن أخذ بيدها وشدّ من أزرها ممن عملوا في المجال قبلها، ذكرتهم والابتسامة لم تفارق وجهها وقالت: «كانوا يجتمعون حولي وكأن منهم الأب والأخ والصديق والزميل فكنت الفتاة الوحيدة بينهم، وأجمل ما كان يجمعنا هو التعاون وحب النجاح لبعضنا البعض، كنا نجتمع على المنافسة الشريفة والصحية لعقولنا، لنجاحنا، ولتحقيق هدف كل واحد منا بأيادٍ متكاتفة ومتماسكة، وأرى أن ذكر سيرة من علمني واجبة علي لأنني بدونهم ما كنت أجلس أمامك اليوم».
تضيف: «عندما ننتهي من العمل كان الواحد منهم يوصلني إلى البيت فلا يذهب إلا بعد أن يسلمني لوالدي، كانوا يتعاملون معي كأمانة لابد أن ترد بخير وسلامة إلى مكانها بين أهلها، إضافة إلى أن الدعم الذي حظيت به من الأهل والأصدقاء والزملاء كان السلاح الذي واجهت به الاعتراضات لاعتبار ظهور المرأة على الشاشة أمرا مخالفا للتقاليد».
عضوة.. في «الدولة»
وعن مجلس الدولة وكونها كانت عضوة فيه مدة 14 عاما قالت: «إن صاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله كرمني بهذا الاختيار، فكان تشريفا وتكليفا بالنسبة لي، ومن لم يدخل المجلس وتخض في اختصاصاته وأعماله لن يدرك أهميته الحقيقية فهو منبر الدراسات والأبحاث التي يقوم عليها المجتمع العماني بعد أن يتم العمل عليها بما يتناسب ويتكيف مع بيئتنا». وتشير الدكتورة منى إلى أنها خلال هذه السنوات تركت الإعلام لانشغالها مع زميلاتها في المجلس لتحقق الأهداف التي حملنها على عاتقهن، فعضوية مجلس الدولة منصب كبير وعميق في معناه وأعماله وتكاليفه.
بين البحرين ومصر
ولدت الدكتورة منى في مملكة البحرين حيث غادر والدها عمان برفقة والدتها للعمل في البحرين، كانت كثيرا ما تسأل والدها عن بلدها عمان الذي لم تره يوما، كان الشوق والحنين الذي زرعه والدها بداخلها عن عمان جعلها تشتاق للعودة لتحتضن بلدها بمحبة ولهفة.
وتضيف الدكتورة منى: «أحب البحرين فهي البلد الذي ولدت فيه وأزورها دائما، ولكن والدي زرع حب عمان فينا وأنبت هذا الزرع في قلوبنا منذ الصغر، كبرنا ونحن نحلم بالعودة لنلتقي بعُمان الجميلة والزاهية والعظيمة كما كان يصفها والدي». وأضافت: «في يوم العودة إلى عمان كنت أنظر إلى كل شيء بشغف وكأنني فقدت شيئا وعدت إليه أخيرا، وجدت عمان كما وصفها لي أبي رحمه الله ،وجدت الجبال شامخة كما قال، والبحر الممتد، والسهول، حيث فاقت بجمالها كل الأحاديث التي سمعتها عنها».
وفي الحديث عن مصر التي ذهبت إليها أول مرة من أجل دورة تخصصية في التلفزيون قالت: «أحب مصر وأعشقها وأزورها دائما مع عائلتي، فالفرصة فيها كانت كبيرة ولا (تفوّت) وكان الشغف يملأني، فقد كانت تلك المرحلة حافلة، وبعد الجهد الكبير والعمل المستمر كنت أول امرأة تظهر على التلفزيون المصري لتقدم نشرة الأخبار مع الأستاذ الذي علمها، وإذ كان التحدي كبيرا والخوف حاضرا ولكنني سعيدة اليوم وأنا أتحدث عن هذه المراحل بكل حب والسعادة تغمر قلبي».
وحول سؤالنا عن الألقاب قالت: «لُقبت في مصر بـ موناليزا الإعلام العربي وجاء اللقب عفويا من الصحفي الأستاذ محمد عامر، وكنت وقتها في مصر، وأذكر أنني قدمت نصيحة لهم لأنهم كانوا يريدون هدم مبنى قديم للإعلام فقلت إنه من الأفضل أن يترك كمتحف فأنا تربطني علاقة كبيرة بالأماكن والآثار والذكريات».
المرأة العمانية.. ومكانتها
الدكتورة منى المنذرية كثيرا ما تتحدث عن المرأة وإنجازاتها وتفخر بأنها تنتمي للمرأة العمانية ذات العطاء والإنجاز، وكثيرا ما تتحدث أيضا عن حالها الذي وصفته بالممتاز. تقول الدكتورة: «جلالة السلطان قابوس المعظم، حفظه الله، هو الذي نادى بمكانة المرأة وأهميتها منذ بداية توليه الحكم، ففي القوانين التي وضعت منذ الأعوام الأولى ومكانة المرأة شامخة، وكانت تذكر دائما مع ذكر الرجل إذ صبّت هذه القوانين في مصلحتها علميا وعمليا وفكريا ومعنويا وماديا، وتحظى المرأة اليوم بكافة حقوقها، وأفخر اليوم بأن صاحب الجلالة قال إننا الجناح الثاني للطائر إلى جانب الجناح الأول وهو الرجل فلا يستطيع أحدهما الطيران دون الآخر، ويكفينا بأن يكون السلطان قابوس هو الداعم الأول لنا».
وتضيف: «أشعر بأن المرأة العمانية لا ينقصها شيء فقد كرمها وشرفها قائدنا على أرضها، أرض عمان، وأرى أنها محظوظة بين النساء العربيات والخليجيات كثيرا، وكون أن قائدنا حفظه الله اهتم بها منذ البداية فلم يضيع حقها سابقا فهو لن يسمح بأن يضيع أبدا».
الإعلام اليوم.. تغير
الإعلام جيد هكذا وصفته في البداية ثم قالت: «تغيرت بيئة الإعلام كثيرا، تغيرت النفوس وتغير الناس كما تغيرت رؤيتهم للأشياء حتى إن المنافسة لم تكن بتلك الصورة التي بدأنا بها. تركت الإعلام مدة 14 عاما عندما كنت عضوة في مجلس الدولة بعدها طلب مني أقدم برنامجا إنسانيا بالدرجة الأولى وهو «حياتنا» شعرت حينها بأن المكان يناديني وأن حنيني للأماكن في ازدياد، وبأن الجدران تخاطبني وتطلب مني العودة إلى حيث كنت، ولكنني لم أجد مكاني هناك، فقد أصبح المكان لغيري وأنا قدمت الكثير وحان اليوم دور الشباب والإعلاميين الجدد فلا يمكن للمرء أن يأخذ كل شي وكل الأدوار ولابد أن يترك الفرصة لغيره، ولكن لابد من العمل على الإعلام بشكل أكبر فهو الذي يمثلنا أمام العالم».
وأضافت: «الشباب والشابات العمانيون طموحون والمواهب الموجودة اليوم كبيرة ونشيد بها، وأنصح كل الإعلاميين لكي تكون لغتهم سليمة بأن يقرأوا القرآن الكريم باستمرار ففي مفرداته قدرة على تقويم اللسان، وهذا ما لا يخفى علينا جميعا».
ما بعد الإنجاز والعطاء
بعد مرور تلك السنوات وبهذا العمر الذي زخر بالعديد من الإنجازات وتحقيق الأمنيات والأحلام، سألنا الدكتورة منى عن نشاطها اليوم فقالت: «بما أننا مازلنا نعيش ونتنفس فلا يمكن أن نتوقف عن العطاء، لذلك أنا قريبة اليوم من المؤسسات والجمعيات التطوعية، أحب أن أقدم كل ما لدي من محبة لهذه الفئات وأشجع دائما على العمل التطوعي وأدعو إليه لما فيه من راحة للإنسان».
وأضافت قائلة: «أسعى إلى أن أحقق إنجازات ثقافية من خلال الكتب التي أعمل على تأليفها حاليا، وبالرغم من عدم توفيقي في الكتاب الأول «الإعلام وتأثيره على المجتمع» الذي لم ير النور بسبب بعض الظروف التي أدت إلى فقداني المخطوطة الأصلية، إلا أنني أبحرت نحو كتابي «المرأة العمانية مصباح لا ينطفئ» أسعى من خلاله إلى تقديم المرأة العمانية المثابرة التي استطاعت أن تهزم الصعاب وتذللها من أجل تحقيق رفعتها، إذ أنني وجدت ذلك واجبا علي فاهتمام صاحب الجلالة، حفظه الله، بالمرأة يدفع بنا إلى الفخر والشعور بالعزة، ويكون حافزا للحديث عما قدمته وما ستقدمه هذه العظيمة في حياتها».
وفي السؤال عن أهمية أن تكون المرأة قارئة ومثقفة قالت: «إن المرأة وتعليمها وثقافتها وإبحارها في العلوم والثقافات ليس من أجل أحد إنما لابد أن يكون من أجل نفسها لكي لا تقف عاجزة عن عمل شيء أمام نفسها وأمام الآخرين».
شخصيتها عن قرب
للطبيب والمهندس والإعلامي والمصمم وغيرهم شخصيات تختلف عن شخصياتهم المهنية لذلك رأينا في التكوين أن نبحث عن الجانب الآخر من هذه الشخصية الكبيرة والمُحبة. تشير الدكتورة منى المنذرية إلى أن الأغاني في نظرها ترتبط بالحزن لذلك لا تستمع للأغاني أبدا بالرغم من تعرضها لبعض المواقف ولكنها تتجنب الاستماع المباشر لها، إضافة إلى أنها تحب ممارسة الطبخ في بيتها فهي تهتم بشؤون الطبخ شخصيا، وترى أن سبب زيادة وزنها هو هذا الاهتمام.
وعندما سألناها عن القراءة وأين هي منها قالت: «في اليوم أخصص ساعة كاملة للقراءة وهذا ما عودت عليه عائلتي أيضا فالإنسان لابد أن يوسع مداركه ويبحث في الآفاق والعلوم المختلفة، ولهذا اجتهدت لأبعد أبنائي عن الإعلام لما فيه من الجهد الكبير والوقت الكثير الذي يبعدنا كثيرا عن عوائلنا».
واقتربنا من قلبها ومن مشاعرها لنرى أي اللحظات التي مرت بها فبقيت عالقة في ذاكرتها، تقول: «كل شيء في حياتي أرى فيه شغفًا وأحبه لذلك أحب أن أتحدث عن كل شيء بكل محبة وحنان، أما عن الموقف الذي لا أنساه هو تقديمي حلقة عن عقوق الوالدين بكيت فيها أمام الشاشة بحرقة على آباء وأمهات تركهم أبناؤهم لأسباب لا أجد فيها من الرحمة شيئا».
في عالم الغربة وفي قلب الوطن ومن نسائم الحب وجهد العمل سألنا الدكتورة منى: ماذا تعني لها مجموعة من الكلمات، فقالت: «الغربة هي أن تعيش وسط أسرتك وبين عائلتك وفي وطنك ولكنك تشعر بأنك غريب عنهم، أما الوطن فهو كل شيء جميل وهو الحب الذي لا يموت بداخلنا، والحب هو أن تحب كل شيء من حولك، أما العمل فهو الاجتهاد والمثابرة للوصول إلى مرحلة الإستمتاع بما بعد العمل».
كلمة أخيرة
وفي نهاية الحوار وجهت ضيفتنا الكريمة كلمات إلى الجيل الإعلامي الجديد، تمنت لهم التوفيق وطالبتهم ببذل المزيد من الجهد لتحقيق التميز لمواكبة التقدم والتطور لنكون في أول الصفوف. وفي كلمتها قالت للمجلة: «مجلة التكوين وبالرغم من عدم متابعتي الدائمة إلا أنني أرى قوتها نابعة من الصفحات والجهد فيها دائم وأرى أنها وجه إعلامي قوي لها مستقبلها المشرف بإذن الله».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق