العام
الشيخ د. هلال الشيذاني: المجتمع العماني ليس بجاهل وإنما لم تصله الفكرة المتكاملة بعد
«الصحة تاج على رؤوس الأصحاء»، «الوقاية خير من العلاج»، وغيرها الكثير من المقولات التي كبرنا ونحن نقرؤها أو نسمعها عن ضرورة الوقاية من الأمراض والمحافظة على الصحة، بالرغم من ذلك ما زال الكثير من الأمراض الوراثية التي تظهر وتنتشر بين أبناء المجتمع، أعادت التكوين فتح ملف شائك تتذبذب حوله الآراء، ألا وهو أمراض الدم الوراثية، وسبب انتشارها في المجتمع العماني بشكل كبير، بالرغم من الجهود المبذولة للحد منها، وتخصيص مركز للفحص المبكر قبل الزواج، وغيرها من الجهود الحثيثة لتقليل نسبة المصابين الذين يعانون في التعامل مع ظروف الحياة الجسدية والاجتماعية. للإجابة عن الكثير من تساؤلاتنا قابلنا الشيخ د. هلال بن سعيد الشيذاني، رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية، للحديث معه عن الآثار المترتبة على المصابين، ومدى وعي المجتمع حول تفادي هذه الأمراض والوقاية منها، وتفاصيل أخرى عن دور الجمعية، في حديث مثر خلال السطور الآتية.
حوار: أنوار البلوشية
عرفنا بنفسك ومركزك في الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية..
أنا متخصص في الإدارة الاستراتيجية، وليس لي أي ارتباط بالجانب الطبي، أرأس مجلس الإدارة في الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية، وأنا أحد المؤسسين لها حيث بدأ العمل الفعلي في الجمعية منذ عام 2006 وتم إشهارها في عام 2009، حسب القرار الوزاري 75/2009 تنوع الشاغلون لمنصب رئيس المجلس منذ إشهار الجمعية، ولم يشغل المنصب طبيب إلا مرة واحدة، وفي فترات أخرى شغل المنصب مصابون.
بما أنك متخصص في الإدارة الاستراتيجية، وهو تخصص لا علاقة له بأمراض الدم الوراثية، إذا ما الدافع لانضمامك إلى الجمعية؟
هناك عدة أسباب دفعتني للانضمام إلى الجمعية أهمها، أولا العمل التطوعي، فالعمل التطوعي لا حدود له، وعلى الإنسان يسعى لخدمة المجتمع من أي زاوية يراها هو في حياته، فأنا لست مصابًا ولا طبيبًا ولكن لدي أصحاب وأصدقاء مصابين ومن دافع مساندتهم والوقوف معهم انضممت إلى الجمعية، والهدف الأسمى من كل ذلك هو خدمة عمان.
بالحديث عن أمراض الدم الوراثية، ما نسبة انتشارها في السلطنة؟
إن أمراض الدم الوراثية «ونعني بذلك فقر الدم المنجلي والثلاسيميا ونقص الخميرة» منتشرة إنتشاراً واسعاً في عمان وتشير آخر الإحصائيات في هذا المجال إلى أن: عدد الحاملين لجينات مرض الأنيميا المنجلية يصلون إلى حدود 6% من المجتمع العماني بما في ذلك ٢ .٠% مصابون بهذا المرض. في حين أن نسبة ٦.٢٪ هم حاملون لجينات الثلاسيميا “β“ مع نيبة أصابة تبلغ حدود ٠.١٪. بمعنى أن حوالي 10% من سكان عمان يحملون جينًا لأحد أمراض الدم الخطيرة.
إضافة إلى ذلك،فإن حدود 25% من الذكور و 10% من الإناث في عمان مصابين بنقص الخميرة، محافظة الباطنة ومحافظة مسقط من أكثر مناطق عمان تأثرًا بالثلاسيميا، ومحافظتا الداخلية والشرقية هي أكثر المحافظات تأثراً بفقر الدم المنجلي. وفي حقيقة الأمر هذه النتائج ظهرت بعد دراسات أقيمت قبل حوالي 7 سنوات، حيث لا توجد لدينا دراسا تؤكد أن نسبتها زادت أو قلت، فمن الممكن أن يكون هناك تناقص في انتشارها ولكن مع زيادة نسبة عدد السكان إلى بقيت على نفس المسار. وعلى أية حال فنحن نسعى في ظل زيادة عدد السكان إلى أن ينخفض انتشار الإصابة بأمراض الدم الوراثية، ولدينا أهدافنا في أن نعمل مع الجهات المعنية والقطاعات المختلفة لأن نجعل نسبة الإصابة (صفر%) في الولادات الجديدة، حيث نسعى إلى مجتمع خالٍ من الأمراض.
عوامل خارجية وأخرى نفسية
حدثنا عن دور الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية في التخفيف من أثر المرض على المريض، وكيف تعين الجمعية هؤلاء المرضى على مواجهة التحديات في الحياة؟
أمراض الدم الوراثية تندرج تحتها عدة أنواع، بعضها نادر جدا انتشارها، ومنها ما هو منتشر بشكل كبير، وكذلك هناك تفاوت فيما بينها في درجة الخطورة والتأثير على حياة المريض، فعلى سبيل المثال المصاب بمرض نقص الخميرة لا يعاني بشكل كبير ويمكنه ممارسة حياته معها بشكل طبيعي، وفي المقابل هناك ما هو تأثيره كبير ويغير من منظومة حياة الشخص المصاب ويحتاج إلى عناية. والجمعية تصب اهتمامها الأكبر على الأنيميا المنجلية والثلاسيميا بيتا، على أن هذين النوعين من أشد أمراض الدم الوراثية خطورة. فمريض الثلاسيميا إن التزم بالنقل الدم وانتظم في أخذ الأدوية يعيش في حالة مستقرة وجيدة، أما مرضى الأنيميا المنجلية يواجهون تحديات أكبر، حيث تنتابهم نوبات ألم وأزمات مرضية مفاجئة احيانا، حينها يحتاج المريض إلى عناية خاصة، أما عدا ذلك في ظل ظروف مناسبة وأوضاع مستقرة تقل هذه النوبات، وبالتالي يكون المريض فعليا إنسانًا طبيعيًا جدا، لأن البعض يرى هؤلاء المصابين وكأنهم من ذوي الإعاقة، وعلى العكس تماما، فهم أشخاص أسوياء كحال باقي أفراد المجتمع، حتى وإن كانت حالة المصاب من الحالات الأكثر تأثيرًا، فهو إنسان بخير وعافية. الجمعية تهتم بهذه الفئة من المجتمع حتى يعي من هم حول هؤلاء المصابين ماهية مرضهم وفهمه، ونعمل بالتعاون مع الجهات المختصة على توعية الممرضين والأطباء غير المتخصصين بشكل عام بكيفية التعامل مع المصابين بأحد أمراض الدم الوراثية في المراكز الصحية والمستشفيات بشكل أعمق. ومن جانب آخر فإن الذين يعانون من أزمات متكررة يكونون بحاجة إلى تفهم ووعي أصحاب أعمالهم وأيضا في المدارس والكليات، حيث يحتاجون إلى معرفة أن هذا الشخص لا يتغيب عن العمل استعباطا وإنما لديه ظروفه الصحية التي تدفعه لمراجعة المستشفى أو تعرضه للتنويم بشكل مفاجئ، لذلك تسعى الجمعية للوقوف مع المصابين وتوعية المجتمع المحيط بهم حتى يتعامل معهم بوعي أكبر.
هل هناك عوامل خارجية بيئية تؤثر على حالة المصابين بأمراض الدم الوراثية؟
هناك عوامل تزيد من نسبة تكرار الأزمات وعوامل أخرى تخفف منها، ومن العوامل المخففة بأن يعيش الإنسان في مستوى معيشي جيد من ناحية عدم تعرضه للبرودة القصوى أو الحرارة القصوى، وشرب المياه بشكل مستمر، والمحافظة على التغذية الصحية بشكل جيد، وأن لا يعمل المريض في وظائف متعبة ومنهكة تحت أشعة الشمس الحارة مثلا، أي يحتاج أن يعيش المريض الحياة المتوسطة العامة دون جهد إضافي ينهك جسده، وأيضا من الجانب النفسي فالمريض يتأثر كثيرا إن كان يعيش في حالة عدم استقرار نفسي، فذلك يسبب زيادة النوبات لديه، ولهذا فإن مراعاة المصابين نفسيا تسهم في رفع معنوياتهم وبالتالي تكون حياتهم أكثر أستقرارًا ويساعدهم ذلك مقاومة المرض وتخطي الأزمات.
وعي وإدراك المجتمع العماني
من خلال الحديث، لتمسنا أهمية مراعاة المريض من الناحية النفسية والاهتمام به وتوفير الحافز الإيجابي له من قبل المحيطين به، حدثنا عن مدى وعي المجتمع في السلطنة بهذا الجانب سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات؟
عادة على مستوى الأفراد وفي منزل المريض بشكل خاص تكون هناك نسبة عالية من الوعي والإدراك، فهذا المرض تتم معرفته منذ الولادة، ويتم التأكد منه في عمر 6 أشهر، وهي فترة مبكرة جدا حيث تكون الأسرة بعد فترة من الزمن واعية ومدركة باهية المرض وكل ما يختص به، فهم يتعاملون مع المريض منذ سن مبكرة جدا. في البداية تصدم الأسرة ولكن سرعان ما يتغلب أفرادها على التحديات ويتم التعامل مع المريض بشكل جيد في تقبل مرضه. أما على مستوى المؤسسات والأقران خارج المنزل فهي مسألة ليست واضحة، مع عدم وجود الاستدلالات والدراسات الأكيدة، لذا تسعى الجمعية في المرحلة القادمة للقيام بهذه الدراسات، ولكن من جانب قربنا وتواصلنا مع المصابين هناك نسبة ممن يعانون في مؤسسات العمل وفي الكليات والمدارس من عدم تفهّم طبيعة المرض ووضع المصاب نفسه، وكيفية التعامل معه، ولكن هي واحدة من أهم أهدافنا ألا وهي توعية المجتمع سواء أفراد أو مجتمعات، وتثقيفهم لفهم هذا المرض وكيفية التعامل مع المصابين، وكذلك نسعى إلى الوقاية منها بتجنب انتقالها من جيل إلى آخر من خلال حث المجتمع على الفحص المبكر والفحص ما قبل الزواج، حتى تقل هذه الحالات في السنوات القادمة، وهو واحد من الأهداف الأساسية لرؤية الجمعية التي نحاول تحقيقها، حيث وضعنا رؤية في عام 2009 عند إنشاء الجمعية، وهي أن تصل خدمات الجمعية وتوعيتها إلى كل بيت في عمان مع حلول عام 2020م.
حدثنا عن الجمعية وعلاقتها مع المؤسسات الأخرى التي تعنى بعلاج ومتابعة أمراض الدم الوراثية؟
الجمعية مستقلة تماما ولا ترتبط بأي جهة سواء كانت حكومية أو خاصة، فهي إحدى جمعيات المجتمع المدني التي تشرف عليها وزارة التنمية الإجتماعية، ولكن هناك مشاريع نتعاون فيها مع جهات مختلفة، فمنظومة البناء المجتمعي الصحيح هو تعاون القطاع العام والقطاع الخاص مع مؤسسات المجتمع المدني، وبغير هذه المنظومة سيختل النظام، فهذه المنظومة مترابطة بشكل كبير، فعلى سبيل المثال أنا عضو في الجمعية وفي نفس الوقت أعمل موظفا حكوميا، وأيضا لدينا أطباء أعضاء في الجمعية ويعملون في المستشفيات الحكومية كذلك، فالإنسان في الجمعية هو أب وأم وابن وأخ وموظف ورئيس عمل، ففي النهاية العمل المنفرد لا يجدي نفعا. وحتى نعي دور الجمعيات في المجتمع يجب أن نعي ماهية التكامل في المنظومة الثلاثية التي تشكل القطاع الحكومي والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. ودعمنا يأتي من المجتمع من خلال الصناديق الخاصة بالتبرعات، وهذا ما يدفع بالجمعية أن تتقدم إلى الأمام. عملنا مع وزارة الصحة في عدة مشاريع، حيث تم تشكيل لجنة وخرجنا من خلالها إلى «بروتوكول الأنيميا المنجلية»، وهو بروتوكول علاج تم تعميمه على جميع المستشفيات، يتم اتباعه مع كافة المرضى المصابين بالأنيميا المنجلية، فمعرفة تفاصيل هذه الأمراض وعلاجها هي معرفة في حدود المتخصصين فيها، ولكن أطباء العموم غير متخصصين في هذه الحالات، وهذا البروتوكول ساعد على نشر الثقافة في المستشفيات في كيفية التعامل مع مرضى الأنيميا المنجلية من ناحية الاجراءات والخطوات وجرعات العلاج وغيرها. وهذا المشروع دشنته الجمعية جنبا إلى جنب مع وزارة الصحة، لذا فالجمعية تعمل ضمن منظومة متكاملة مع باقي عناصر المجتمع، وفي النهاية كل ذلك يصب في مصلحة الوطن والمواطن.
خدمات تطوعية وجهود مبذولة
ما المشاريع التي قامت بها الجمعية والتي تخطط لتنفيذها في المستقبل؟
دأبت المؤسسات التطوعية على العمل في وتيرة عامة، لذا نحن نسعى إلى ان نسلك منحى آخر في ظل العمل التطوعي الإنساني، نصب جل اهتمامنا في توعية المجتمع حول أمراض الدم الوراثية، نحن بحاجة إلى امتلاك الاستدلالات الواقعية من أجل إيصال المعلومة وترسيخها، لذا نعمل على تخصيص دعم ولو بصورة رمزية من الجمعية لعمل الدراسات والبحوث المعنية بأمراض الدم الوراثية والآثار الاجتماعية المترتبة عليها، وارتباطها بالمصابين، وغيرها من الجوانب التي تشمل المصاب والأنواع المختلفة لهذه الأمراض، لأننا نرى مدى أهمية هذه الدراسات في امتلاك أرقام ونسب وحقائق تعيننا على توعية المجتمع بصورة أفضل، عوضا عن الكلام بشكل فضفاض دون أدلة ونسب حقيقية من واقع المجتمع. ونسعى أيضا إلى إقامة مؤتمر دولي في الأعوام القادمة عن أمراض الدم الوراثية لفتح آفاق أوسع في معرفة هذه الأمراض والاطلاع على الدراسات والبحوث من خارج السلطنة، وتوسيع دائرة الاهتمام والوقاية. نظمنا لعدة سنوات حملات للتبرع بالدم بالتعاون مع بنك الدم المركزي، حيث قمنا في شهر رمضان بحملة للتبرع بالدم في مختلف محافظات السلطنة، وكذلك لنا تعاون مع بنك الدم الجامعي. كما أننا نحيي اليوم العالمي للثلاسيميا واليوم العالمي للأنيميا المنجلية، والهدف الأساسي من هذه الفعاليات هو التوعية ورعاية المصابين في بعض الأحيان، بحكم أننا لا نتدخل في رعاية المصابين بشكل مباشر، فعلى سبيل المثال، نحن نعمل حاليا بالتعاون مع إحدى المؤسسات الحكومية، على تضمين المصابين بأمراض الدم الوراثية في التغطية التأمينية للمسافر، لأن بعض الشركات تعتبر هذه الأمراض مزمنة، وهي ليست مزمنة وإنما وراثية، وهناك فرق كبير بينهما، لذلك لا يأمنون المصابين ضدها لأنهم يعدونها أمراض مزمنة. لذا نعمل نحن مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص على توضيح حالة المصابين، بأن المصاب بإحد هذه الأمراض الذي تأتيه نوبات بين الفينة والأخرى وبشكل مفاجئ، هو إنسان طبيعي يعيش حياته بشكل طبيعي جدا، ولكن احتمال الأزمة وارد في بعض الأحيان، لذا نحن بحاجة إلى تغطية تأمينية للمريض في حال وجوده خارج السلطنة حينها. وأيضا نعمل على إخراج مجموعة من الأفلام للتوعية بالأمراض والفحص المبكر وغيرها، وسيتم تدشينها بإذن الله، ولدينا خطة لإقامة حملة توعية بأمراض الدم الوراثية والتشجيع على الفحص المبكر. كما نسعى لإيجاد مسار نخدم من خلاله المجتمع والمرضى، وخدمة الناس الأصحاء حتى لا يقعوا في نفس المعضلة، ونحن بحاجة إلى أن يدرك الناس بأن حامل المرض يعتبر إنسانًا سليما جدا إذ لم يقترن بحاملة مرض أو مريض، وحامل المرض لا يشكل أي خطورة عند اقترانه بأي إنسان غير مصاب، وحتى الإنسان المريض إن اقترن بشخص سليم فنسبة تكرار المرض في الأبناء تقل بشكل كبير تصل إلى 25% . فهذه الاحتمالات يجب أن يدركها المجتمع حتى لا يتم عزل هؤلاء المرضى عن المجتمع بسبب خوف الناس من هذه الأمراض، وأيضا في نفس الوقت ضرورة الوقاية للحد من تفشيها.
مواجهة الصعاب والتحديات
ما التحديات التي تواجهها الجمعية من أجل تحقيق أهدافها؟
التحديات عديدة وأهمها هو مدى إدراك معنى العمل التطوعي في المجتمع، فالأعضاء الفاعلين في الجمعية عددهم قليل مقارنة بالعدد الفعلي للمسجلين، وأرى أن الجمعيات التطوعية أغلبها تعاني من هذا الأمر، لأن العضو في الجمعية التطوعية لا يحصل على مميزات كثيرة كالعضو في الجمعية المهنية مثلا، فالعائد الذي يعود على المتطوع هو الرضى من الله تعالى إن كان قد أخلص النية، والعائد الآخر هو سعادة الوطن في خدمته، نحن بحاجة إلى أن يدرك الناس بأن هذه الرسالة أكثر أهمية من المكاسب الشخصية، فأنا لست مصابًا ولا طبيبًا ولكن أرى أن تجربة العمل في الجمعية هي تجربة مثرية جدا، اكتسبت من خلالها المعرفة الواسعة، كل شخص إن أدرك الكم الهائل من المعلومات التي سيكتسبها من خلال الانضمام لأي جمعية تطوعية لساهم وبادر على الفور، وأنا أدعو إلى ذلك وأشجع عليه من واقع تجربتي الشخصية.يحتاج المجتمع خدمة نفسه ورعاية أفراده ضمن إطار المبادرة في العمل التطوعي، لهذا على جزء من المجتمع أن يتولى دور التوعية ببذل الجهد دون انتظار عائد مادي. هناك أيضا تحديات مادية، فالجمعيات تقوم أعمالها على التبرعات من خلال الصناديق العامة والتبرعات الشخصية وأيضا من الشركات والمؤسسات التي ترغب في التبرع. نحن بصدد البحث عن طرق أكثر استدامة وذلك باتخاذ فكرة «الاستثمار»، حيث نقوم بإنشاء ممتلكات للجمعية نستطيع الاستثمار فيها، لكي يصبح للجمعية رأس مال ثابت كالعقارات والتأجير الذي قد يأتي بدخل ثابت للجمعية، حينها لا نتأثر بانخفاض أو ارتفاع صناديق التبرعات، ونستطيع تغطية المصاريف الأساسية للجمعية ومبادراتها. هذه الفكرة ضمن الأهداف القادمة التي نسعى إلى تحقيقها في المستقبل القريب.
استقلالية وإخلاص في العمل
تندرج الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية ضمن دائرة الجمعيات التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، حدثنا عن هذه العلاقة التي تجمع بين هاتين المؤسستين الأهلية والحكومية؟
بعض المؤسسات تنظر إلى الجمعيات الأهلية التطوعية على أنها جمعيات منافسة، والبعض يعتبرها جمعيات غير معتمدة والآخر يراها عبئًا إضافيًا على المسؤوليات الملقاه على عاتقهم. كل الجمعيات مصنفة تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية، ولكن في نهاية المطاف الجمعيات بحاجة إلى أن تسوق لنفسها، وهذه ليست مسؤولية وزارة التنمية الاجتماعية، فالوزراة مسؤوليتها تتمثل في ضمان أن هذه الجمعيات تسير في المسار المحدد لها بشكل صحيح، وتعمل على أهدافها التي وضعت لها، والإخوة في دائرة الجمعيات متعاونون معنا بشكل كبير.
لا أومن بإلقاء اللوم على الآخر وإنما أحث على السعي والاجتهاد وإتيان كل السبل لتحقيق الأهداف، وإن استنفدت كل الوسائل هنا أستطيع إثبات التقصير من الآخرين، ولكننا حتى الآن لم نسلك كل الطرق المتاحة لنا، ومازال لدينا أهدافنا وخططنا التي نسعى إلى تحقيقها وتنفيذها، ويجب أن نكون جهة مستقلة حتى نعمل ونسعى بجهد أكبر. والنجاحات التي حققتها الجمعية يعود الفضل فيها إلى أعضاء الجمعية النشيطين الذين يعملون بإخلاص.
ختاما..
وفي الختام ذكر الدكتور هلال قائلا: الإنسان بطبيعته عدو ما يجهل، فهو لا يقصد أذية المصاب وعدم التعاون معه وإنما هو يجهل ماهية هذا المرض، لذا أدعو كل شخص أن يوعي نفسه في هذا الجانب حتى وإن لم يكن مصابا أو حاملًا للمرض أو حتى مرتبطًا بأي فرد مصاب في المجتمع. نحن نسعى إلى أن تكون رسالتنا الموجهة للمجتمع ظاهرة بصورة إيجابية، دائما نلتمس العذر للمجتمع لأنه لا يعرف المعلومة، فالمجتمع ليس جاهلًا وإنما لم تصله الفكرة بعد، والإنسان العماني طيب بأصله، ولا يقصد التعامل بسلبية مع المصابين بأمراض الدم الوراثية، فور معرفته وإدراكه للأمر نلتمس الاستجابة والتعاون من المجتمع بشكل أفضل. شكرا لمجلة التكوين على هذه البادرة الطيبة فنحن بحاجة ماسة إلى أن تلقي المؤسسات الإعلامية الضوء على مؤسسات المجتمع المدني، لأنها رسالة مشتركة والمنفذ الإعلامي هو الذي يطلع عليه الناس، لدينا موقع إلكتروني وصفحات خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولكن ربما لا تكون بنفس قوة الوسائل الإعلامية الرسمية في المجتمع.
الأمراض الوراثية
تنتقل الأمراض الوراثية من الآباء والأمهات إلى الأبناء عن طريق الجينات (المورثات) الموجودة في نواة الخلية في الجزء المسمى «بالكروموسومات». ويرث الوليد نصف صفاته الوراثية من الأم والنصف الآخر من الأب، وهناك بعض الأمراض التي تنتقل بالطريقة السائدة، بمعنى يحتاج إلى وراثة جين واحد من أحد الأبوين لانتقال المرض، أو بالطريقة المتنحية بمعنى أنه يحتاج إلى انتقال الخاصية الوراثية من كلا الأبوين لوراثة المرض. وللوقاية من هذه الأمراض يجب إجراء الفحص المبكر والفحص ما قبل الزواج، حيث توجد عيادة متخصصة لهذا الأمر، والأمراض التي يتم فحصها في هذه العيادة هي: ثلاسيميا الدم، وفقر الدم المنجلي، ونقص الخميرة.