العام

محمد التوبي: ليس كل الوزراء أصحاب مال

شخصية تتسم بالتواضع، وبالهدوء، كما تبدو، لكن وزير البيئة والشؤون المناخية معالي محمد بن سالم التوبي لا يسعى أن يكون كذلك حينما يتعلق الأمر بقضايا البيئة. يحمل معه تجاربه في حقول عدة، العمل في إحدى شركات القطاع الخاص ثم عضوية مجلس الشورى، ووصولا إلى المنصب الوزاري، فهو يرى أن البيئة هي بيتنا، ولن يتنازل عن حماية هذا البيت ممن يريدون به ضررا، وفيه عبثا.. «التكوين» أرادته حوارا مع معاليه، يتعلق بالوزير الإنسان، بعيدا عن قضايا العمل الوزاري وتعقيداتها، فهكذا كان.

حوار: محمد بن سيف الرحبي

البداية بمفردتي البيئة والشؤون المناخية، كيف ترونها من منظوركم الشخصي والرسمي، أي ما قبل المرسوم السامي وما بعده؟
البيئة هي الماء والهواء والأرض التي نعيش عليها، وبالتالي هي في المجمل الحياة التي يجب ان نحافظ عليها لكي تستمر، وهذا لا يتأتّى إلا من خلال تكاتف البشرية جمعاء لحمايتها من كل ما يتهددها من مخاطر.. من صنع البشر أنفسهم نتيجة التدافع والتنافس والتكاثر.
قبل صدور المرسوم بتعييني وزيرا رسمت صورة وردية نوعا ما عن البيئة في عمان، وبعد المرسوم وجدت ان التحديات كثيرة، وتتزايد بتزايد عدد السكان وزيادة الأنشطة الاقتصادية (الزراعية والصناعية والسياحية وغيرها من الأنشطة) التي لا محالة تؤثر على التوازن البيئي إذا لم يكن هنالك مواءمة وحرص على التوازن من قبل الجميع.
ما الذي يشغلكم أكثر في قضايا البيئة؟
أكثر ما يشغلنا هو المستقبل البيئي في عمان، وفي الوقت الحالي نحن عاكفون على مراجعة كل ما يخص القطاع البيئي ووضع استراتيجية عملية تتناسب مع المرحلة، فالوزارة تعمل على تحديث استراتيجية حماية البيئة العمانية، ووضع خطط قصيرة ومتوسطة قابلة للتفعيل والتكييف والاستدامة، وقد قطعنا شوطا لا بأس به في التحول من التفكير الحمائي إلى التفكير التنموي الذي يولد الحلول ويتناغم مع أهداف التنمية المستدامة.
كما أن من أحد أهم قضايا البيئة المحافظة على المحميات وزيادة مساحاتها من أجل الأجيال القادمة، والحد من آثار التغيير المناخي، وهي من أبرز القضايا التي يشتغل العالم بها في للوقت الحالي، وعمان ليست بمعزل عن ذلك.
وكذلك التقييم البيئي أحد أهم القضايا التي نهتم فيها في الوقت الحالي، وهنالك فريق يعمل في هذا الجانب ويدرس سبل تعريف المنظمات الدولية والجامعات القائمة على هذه التقييمات بالجهود التي تبذلها السلطنة في سبيل إيجاد بيئه نظيفة صالحة للعيش.
كيف استقبلتم المرسوم بتعيينكم وزيرا على رأس وزارة تخصصية، وما أول عمل فكرتم به؟
لا شك ان صدور المرسوم السلطاني كان مفاجأة بالنسبة لي، فأنا امام التحدي الكبير الذي وضعني فيه المرسوم، فحماية البيئة ليس بالعمل السهل، وإنما عليك ان تدافع عن قضايا البيئة، سواء كان داخل الحكومة وتحديدا المشاريع الحكومية أومن القطاع الخاص، وفي أحيان كثيرة لا بد من التفكير بحلول تعمل على التوازن بين المتطلبات الاقتصادية والمتطلبات البيئية والاجتماعية
ماذا عن الضغوطات من داخل الوزارة وخارجها؟
طبيعي أن تكون هنالك تحديات وضغوطات، والتحدي الأكبر هو كيف يتم رفع مستوى كفاءة الموارد البشرية حتى تؤدي عملها وفق متطلبات المرحلة الحالية والمستقبل في ظل المتغييرات.. ومن خارج الوزارة هي مسألة فهم أهمية البيئة واستدامتها.
كيف تنظر الآن لتجربتك كوزير؟
الوزارة تكليف قبل أن تكون تشريفا، والنظرة الوردية ليس لها مكان عندما تكون على رأس هرم وزارة ما، فعندما تفكر في النجاح فأمامك مشوار كبير لا بد أن تعمل عليه لتحقق ما تصبو اليه من أهداف، وخدمة الوطن شرف عظيم، وعندما تكون في المكان الذي وضعت فيه لا بد ان تشمر عن ساعد الجد وتقبل كل التحديات التي أمامك، والطريق ليس كما يظنه البعض طريق سهل ومزهر.
ماذا عن التغييرات المناخية التي تشغل العالم، وتنظرون إليها بقلق؟
التغييرات المناخية حالة طبيعية يثبتها العلماء، وهناك أدلة كثيرة، منها انصهار الجليد بفعل ارتفاع درجات الحرارة وكثرة المنخفظات الجوية والاحتباس الحراري واتساع فجوة الأوزون، العالم يسعى الى ايجاد حلول لتخفيف حدة التأثيرات من جراء هذه التغييرات الحاصلة، وعمان قدمت إسهامها في التقليل من الانبعاثات الغازية بواقع 2 بالمائة تضامنا مع التوجهات العالمية في هذا الشأن.
الانتقادات الموجهة للمسؤول.. كيف ترونها قبل أن تكون وزيرا، وكيف الآن؟
الانتقادات شيء صحي ولا بد منها في عمل المؤسسات وفي الحكومة لم ألمس يوما قلقا من انتقاد تم توجيهه اذا كان يصب في مصلحة الوطن، وهذا هو الانتقاد البناء، وهذا هو الذي يقبله الفرد على نفسه، ولكن الانتقاد الذي لا يصب في مصلحة الوطن بطبيعة الحال لا يقبل كما لا يقبل الفرد على نفسه أن ينتقد بطريقة فجة تمس من كرامته، وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما عندما انتقد من قبل أحد أصحابه «لا خير فينا إن لم نسمعها ولا خير فيكم إن لم تقولوها» وللنقد ضوابط وأخلاق وأسس.
ما الذي تغير في علاقاتكم الإجتماعية بعد أن أصبحت وزيرا؟
أظن لم يتغير شيء سوى أن الوقت أصبح أكثر ضيقا عن ذي قبل، وأحاول بين الفترة والأخرى أن أجد وقتا للتواصل مع الأصدقاء وزيارتهم إن تأتّى ذلك وإلا فوسائل التواصل الاجتماعي أداة لعدم الانقطاع عن (التواصل) فما لا ينال كله لا يترك جله.
كيف كانت نظرتكم للوزير سابقا، وكيف أصبحت الآن؟
الوزير موظف عليه مسؤوليات وواجبات ان يقوم بها، وهي نظرتي سابقا ولاحقا.
كيف تعيش يومك خارج المكتب؟
غالبا مع الأسرة، فلهم حق في ذلك، والحياة الإجتماعية تأخذ نصيبا من ذلك أيضا، ومجتمعنا العماني مجتمع متآلف يقدّر التواصل في الأفراح والأتراح، وأعدّه من الواجبات عند المقدرة.
هل هناك التزامات يفرضها عليك موقعكم كوزير؟
طبيعي هنالك التزامات سياسية اجتماعية يفرضها الواقع، والجميع يدركها.
هل ترى أنكم أنجزتم ما يستحق الرضا عن النفس؟
يوجد رضا بالمنجز بحسب الإمكانات المتاحة، ولكن ليس هو عين الرضا، والطموح الكبير الذي أتمنى إنجازه تطوير المورد البشري في الوزارة، لأنه القادر على حماية مكتسبات الوطن، والمبني على المنهج العلمي، كونها وزارة فنية يعول عليها الكثير.
ما هي هواياتكم؟
القراءة والمشي والتصوير في بعض الأحيان.
ماذا تقرأون، وما الذي يستهويكم في المجال الثقافي والمعرفي؟
في الأدب والسياسة والتاريخ، ومكتبتي الخاصة بها من شتى صنوف المعرفة والثقافة.
ما آخر كتاب قرأته؟
آخر كتاب قرأته عمان في عهدي الإمام سعيد والسيد سلطان بن أحمد البوسعيدي، الصادر عن مؤسسة بيت الغشام.
وما الكتاب الذي مازال عالقا في ذهنك؟
أما الكتاب الذي مازال عالقا في ذهني كتاب «حتمية التغيير في الشرق الأوسط الكبير» للدكتور أحمد طحان.
هل تكتب؟
نعم، بعض الأحيان أسجل مواقف لبعض الأسفار وملخصات لبعض الكتب التي   أقرأها، إلى جانب كتابة الخواطر، وكتابة المقالات عادة قديمة من عاداتي في الكتابة.
وكيف علاقتكم مع أبنائكم، وهل تقيمون نظرة الناس إليهم كونهم أبناء وزير؟
أبناء الوزير هم أبناء مواطن قبل أن يكون وزيرا، وعلاقي بأبنائي علاقة أب بأبنائه، وعلي مسؤوليات تجاههم مسؤول عنها أمام الله.
ينظر إلى الوزير على أنه صاحب سلطة.. ومال، ما ردكم؟
الوزير يستمد السلطة وفق ما نص عليه النظام الأساسي للدولة، وأما صاحب مال فليس كل الوزراء أصحاب مال، ومنهم لا يوجد لديه إلا راتبه الذي يتبدد مع مسؤولياته الأجتماعية، ومن لديه مال فلا يوجد ما يمنع أن يكون لديه ذلك، فهو مواطن أيضا وعليه أن ينمي ماله ويستفيد منه الوطن.
ما الذي يشغل بالكم مستقبلا، وكيف تخططون لمرحلة ما بعد المنصب الحكومي؟
عائلتي هي ما أفكر فيه، ولا أفكر في الإستثمار المالي بقدر الإستثمار فيهم.
كيف كانت تجربتك موظفا في شركة تنمية نفط عمان؟
قضيت ١٨ عام في شركة تنمية نفط عمان، تدرجت فيها من طبّاع إلى كبير الطباعين، وصولا إلى كبير الإداريين في منطقة العمل ببهجة، ومن ثم الانتقال لميناء  الفحل في مديرية الصحة والسلامة والبيئة، وتعدّ اشركة مركزا مهما للتدريب والتطوير وتبذل جهدا كبيرا لتنمية الموارد البشريه، ونعمل الان للإستفادة من خبراتهم الكبيرة في تطوير الموارد ورفع كفاءة الموظفين.
كيف كنت تحصل على الصحف والمجلات في تلك الفترة؟
في الثمانينات كانت وزارة التربية والتعليم تشجع الطلاب على القراءة ونشر الثقافة، وفي تلك الفترة كان سعر جريدة عمان ١٠٠ بيسة، وكان مصروفي اليومي ٥٠ بيسة، وحتي استطيع شراءها كنت احتفظ بتلك العمله النقديه حتى أحظي بها، وما زالت رائحتها في ذاكرتي.
أما المجلات فما زال عالقا في ذاكرتي مجموعة منها كالغدير، واحتفظت بمجموعة من أعدادها لفترة طويلة، وأيضا مجلة الصقر ومجلة الرياضي والكواكب والعربي وماجد التي لها تأثير كبير في مرحلة الطفولة.
وبعد ذلك كيف شجعت على القراءة ونشر المعرفة؟
من الاشياء التي أفخر بها تأسيس مكتبة بركة الموز الأهلية، وقد كان يومها مجموعة من الشباب يحاولون ذلك، فشمرت عن ساعد الجد، وذهبت إلى وزارة التراث والثقافة، وحصلت على المتطلبات لإنشاء المكتبة، وعملت على استكمال المستندات التي طلبتها الوزارة، ونلنا التصريح، ويومئذ زودتنا الوزارة بعشرة كراتين من الكتب، وجزء من هذه الكتب من مكتبة سمو السيد فيصل بن علي رحمه الله.
وقبل تأسيس المكتبة أسست فريق المعرفة الثقافي، وأقام مجموعة من الأمسيات الشعرية والمحاضرات ومعارض الكتب المصغرة لتنشيط الحركة الثقافية وبقي لعدة سنوات لا تتجاوز الخمس.
لك ذكريات مع كرة القدم.. ماذا تتذكر منها؟
لعبت كرة القدم بنادي بركة الموز (سابقا) بالفريق الاول، وكنت أصغر لاعب في الفريق لموسمين رياضيين، وحصلت علي لقب أحسن لاعب في الدوري مرتين، يومها كانت الملاعب ترابية، كان النادي يبعد عن المنزل ما يقارب ثلاثة كيلومترات، وكنت أركض اليه ذهابا وإيابا، لا اتوقع أن الدوريات التي تقام الآن تحصل على نفس الشغف والتجمع مثل تلك الفترة في ظل تعدد الرياضات في الوقت الحالي.
وماذا بعد الدمج ضمن نادي نزوي؟
قضيت اربع سنوات في إدارة النشاط الثقافي في نادي نزوي بعد الدمج مع نادي بركة الموز عملت خلالها على استغلال وقت الشباب خلال الإجازه الصيفية، وما اذكره هو أن في كل عام كنّا نفتح ما يزيد عن ٢٠ مركز صيفي سواء بإشراف مباشر من النادي أو من خلال الفرق الرياضية التابعة للنادي، وفي تلك الفترة كان يساهم النشاط الثقافي بنسبه ٦٠ بالمائة‏ من التقييم في كأس جلالة السلطان للشباب.
وبعدها ترأست إدارة النادي لأكثر من ثلاث سنوات توسعنا خلالها في الأنشطة الثقافية، وأشهرت مجموعة من الفرق الرياضية، وارجعنا نشاط كرة الطائرة بعد توقف طويل، وأدخلنا رياضة أسد أطلس وهي رياضة ماليزية للدفاع عن النفس، لأول مرة وهي ايضا رياضة جديدة في السلطنة، والعمل في الأندية مليء بالتحديات، ويحتاج إلى جهد والتزام حتي تتحقق أهداف النادي.
السؤال الاخير نتركه لمعاليكم لوضع إجابته دون حاجة للسؤال..
كنت أريده للحديث عن خطة الوزارة في التحول الإلكتروني وأيضا الربط بين الوزارة والإدارات في المحافظات، لأن هذا ضمن سياقات المستقبل التي نعمل عليها كون أن التحول الرقمي لم يعد خيارا بقدر ما هو أمر حتمي سواء للمؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص، وأن وزارة البيئة والشؤون المناخية تتواكب مع مسيرة خطة الحكومة في التحول الرقمي، كما تمثل الخدمات الرقمية أهمية قصوى للمستخدم والتي تختصر عليه الكثير من الوقت والجهد، وستقدم البوابة الرقمية خدمات عدة كالحصول على التصاريح والتراخيص والموافقات البيئية لمختلف المشاريع وتراخيص الشؤون المناخية وتصاريح دخول المحميات الطبيعية للشركات والأفراد وغيرها من الخدمات، بالإضافة إلى إمكانية استقبال البلاغات والشكاوى المتعلقة بمجال اختصاصات الوزراة.
ويعدّ استكمال وتنفيذ مشروع إعادة هندسة الإجراءات خطوة كبيرة للوزارة في سبيل توفير خدماتها رقميا للمراجعين،حيث إن المشروع سيتيح توحيد إجراءات العمل والإستفادة من مبادرات الحكومة الإلكترونية سواء ضمن الوزارة نفسها أو من خلال الربط الإلكتروني مع باقي الجهات الحكومية وتبادل المعلومات والبيانات معها، كما أنه سيسهل من الحصول على مؤشرات أداء الخدمات ثم تقييم مستوى جودتها بسهولة بالتعاون مع هيئة تقنية المعلومات.
واما فيما يخص الربط فقد انتهت الوزارة من الربط مع ثلاث محافظات وجار العمل لاستكمال ربط الوزارة بباقي الإدارات والمراكز التابعة لها وهذا مما لا شك فيه سوف يساهم في تبسيط إنهاء بعض الإجراءات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق