العام

الثقافة الصحية الغذائية كبديل عن مراكز التخسيس

السمنة.. إنها الداء الذي يتهدد صحة مجتمعاتنا وحيويتها التي تشكل هاجسا كبيرًا للكثيرين منا، هاجسا ليس من السمنة فقط بل حتى من دهون الجسم المتراكمة مهما كان حجمها، والذي يؤسف له حقًا هو غياب الثقافة الصحية المناسبة لمواجهة هذه المخاطر الصحية، والمؤسف أكثر من ذلك أن نرى الناس يلجأون إلى مراكز التخسيس التي انتشرت أخيرًا التي تهدف إلى الربح والانتفاع من غياب الثقافة الصحية لدى الأفراد مستغلة الجهل الصحي للمسؤولين الذين قاموا باعطائها تصاريح مزاولة النشاط التجاري.

محمد بن حمدان الحراصي 

وحتى لا يكون الكلام مجرد اتهامات جوفاء سنوضح في هذا المقال الطريقة العلمية الصحيحة في «فقدان الدهون» – وهو ما يختلف جذرياً عن «فقدان الوزن» كما تروج له مراكز التخسيس الزائفة- من الناحيتين الغذائية و الرياضية وهي الطريقة ذات الفعالية القصوى في تحقيق النتائج، وليتضح لنا بعدها مقدار النصب الذي تمارسه أغلب مراكز التخسيس وكيف تتلاعب بصحة الناس و تستخف بعقولهم.
بداية يجب أن نضع الخطوط الرئيسة لفهم الطريقة العلمية في فقدان الدهون والتي يمكن اختصارها في نقطتين هما:
١- السعرات الحرارية.
٢- النشاط الرياضي.
ولنبدأ بالسعرات الحرارية التي هي عبارة عن وحدة قياس الطاقة المختزنة في كمية معينة من الغذاء، هذه الطاقة يتم تحريرها في جسم الإنسان عن طريق عمليات الهضم والتفكيك والامتصاص ثم يستخدمها الجسم في أداء وظائفه الحيوية و القيام بالمجهودات الجسدية اليومية، وأما الفائض منها فيتعامل معه الجسم عن طريق تخزينه في خلايا التخزين التي سنذكرها بعد قليل، إن كل صنف من أصناف الطعام و الشراب يختزن سعرات حرارية معينة، ولأجل التبسيط فإن المختصين يقسمون كل صنف غذائي إلى ثلاثة مكونات رئيسية تختلف نسب كل منها باختلاف نوعية الغذاء وهذه المكونات الثلاثة هي: البروتينات والكربوهيدرات و الدهون، وتوجد لكل منها تقسيمات فرعية حسب التركيبة الكيميائية والخصائص الفيزيائية وطرق الهضم وغيرها.
ما يهمنا من هذه التقسيمات حاليًا محتوى السعرات في كل منها فالجسم البشري يستقبل يوميًا كمية من السعرات الحرارية يحددها مقدار كل من المكونات الغذائية الثلاثة في طعامه اليومي، هذه السعرات الداخلة إلى الجسم سوف نسميها «المدخلات» في مقابل «المخرجات» ونعني بها السعرات الحرارية التي يقوم الجسم باستهلاكها – حرقها- لأجل القيام بعملياته الحيوية )التنفس-النبض-الهضم-التفكير- الخ) وأيضاً لأجل بذل المجهود الجسدي الروتيني أو الطارئ (المشي – الكلام- الرياضة-الخ).
نأتي الآن إلى النقطة الفاصلة في موضوع السعرات الحرارية فبعد أن علمنا أن المدخلات هي السعرات التي يستقبلها الجسم من الغذاء اليومي وأن المخرجات هي السعرات التي يستهلكها في الانشطة اليومية ستأتي لتوضيح آلية اكتساب الجسم للدهون وكذلك آلية فقدانه لها، فعندما يستقبل الجسم مقدارًا من المدخلات يكافئ مقدار المخرجات فإنه نظريًا سوف يكون في حالة تعادل إذ أن السعرات التي يتلقاها من الأكل تساوي السعرات التي يستهلكها في النشاط البدني، وفي المقابل فإذا كانت كمية المدخلات أعلى من كمية المخرحات فسينتح لدينا فائض يتم تخزينه في الخلايا الدهنية، أما في حالة كون المخرحات هي الأعلى مقداراً و كمية من المخرجات فسوف يلجأ الجسم إلى استهلاك مخزون الدهون – بعد مخزون الجلايكوجين- لأجل تعويض النقص.
لتبسيط الموضوع واختصاره أكثر نقول أن الطاقة التي يحتويها الغذاء اليومي للإنسان إذا كانت أعلى من الطاقة البدنية المبذولة فإن الحسم سوف يكتسب دهوناً وإن كانت الطاقة الغذائية أقل من الطاقة البدنية المبذولة فإن الجسم سيخسر دهونًا. يتبقى سؤال مهم هو كيف أعرف مقدار السعرات الحرارية التي أحتاج إليها يومياً؟
والسؤال الأكثر أهمية هو كيف أحسب السعرات الحرارية التي تدخل جسمي يومياً من الغذاء؟ و لكن بما ان هذا المقال هو مجرد مقدمة مختصرة و تفاديًا للإطالة نوجه القارئ الكريم إلى ضرورة تنمية ثقافته الصحية والاطلاع أكثر على موضوع السعرات الحرارية وسيجد اليوتيوب زاخراً بالمحتوى التثقيفي المطلوب في هذا الجانب.
النقطة الثانية في موضوعنا تختص بالنشاط الرياضي و كيف يمكن استثمار الرياضة بالوجه الأمثل في عملية (فقدان الدهون)، و بدايةً نقول إن الرياضات من وجهة نظر السعرات الحرارية يمكن تقسيمها إلى نوعين هما:
– رياضات اللياقة و التحمل.
– رياضات المقاومة.
فالنوع الأول هو الذي يدفع بالنشاط القلبي إلى حده الأقصى ولا يتطلب نشاطًا مرتفعًا من بقية عضلات الجسم و من امثلته الركض و السباحة و صعود الجبال و ركوب الدراجات.
أما النوع الثاني – رياضات المقاومة- فهو الذي يتطلب استخدام عضلات الجسم لمقاومة قوة الجاذبية -رفع الأوزان أو الجمباز أو القيام و القعود المتكرر- وهو غير مجهد لعضلة القلب مقارنة بالنوع الأول، ونظرًا للاجهاد والاستخدام المتواصل للعضلات فإن الجسم يقوم بترميم خلايا العضلات وتقويتها خاصةً في أوقات الراحة وهو ما يتطلب طاقة كبيرة- أي سعرات عالية- مقارنة برياضات اللياقة و التحمل.
و هذا هو السبب في أن الطريقة العلمية لفقدان الدهون توصي بممارسة رياضات المقاومة نظراً إلى أن استهلاك السعرات و حرق الدهون يستمر حتى بعد الانتهاء من ممارستها بل حتى في أثناء النوم يحتاج الجسم إلى السعرات لإعادة بناء العضلات وترميم خلاياها.
إذن يتضح مما سبق أن آلية فقدان الدهون ببساطة تقوم على استهلاك سعرات حرارية أقل مما يحتاجه الجسم في ظل نشاط رياضي قائم على الاستهلاك المتواصل للسعرات الحرارية و إجبار الجسم على اللجوء إلى مخزون الدهون لتعويض النقص في السعرات المطلوية، الأمر المهم ذكره هنا هو أن تقليل السعرات يجب أن يتم بتدرج معين و ليس فجائياً لكي لا يقوم الجسم بردة فعل معاكسة و هي خفض المعدل الطبيعي للتمثيل الغذائي أي تقليل الحرق و استهلاك السعرات، و الأهم من ذلك هو أن هنالك حدًا معينًا للسعرات الحرارية هو السقف الأدنى الذي لا يمكن للجسم البشري أن يحيا بأقل منه و بهذه النقطة نكون قد وصلنا إلى بيت القصيد، فمن الملاحظ أن كثيرًا من مراكز الدايت المنتشرة تقوم – و بتصريح رسمي- بخرق صريح لقوانين حقوق الإنسان حينما تجبر المشترك معها على تجويع نفسه و حرمانها من الحد الأدنى من السعرات الحرارية مما يؤدي إلى دخول الجسم في حالة من العجز عن ممارسة أنشطته الحيوية ووضعه في حالات صحية حرجة قد تصل إلى الإغماء المفاجئ و الصداع و تشتيت الذهن ناهيك عن أن الجسم يعيش في حالة طوارئ تنطلق لها جميع صفارات الإنذار وأهمها صفارة الحفاظ على مخزون الدهون لأن الجسم يظن أنه مقبل على فترة مجاعة مزمنة تستدعي التقشف في صندوق الاحتياطي من الطاقة، والاتجاه إلى استهلاك العضلات التي لا يمكنه تحريكها في ذلك الوضع من انعدام مصادر الطاقة اللازمة للنشاط العضلي، و للأسف فإن المشارك في مثل هذا النظام الغذائي المنتهك لحقوق الإنسان يلاحظ انخفاضاً ملحوظًا في وزنه فيجبر نفسه على الاستمرار في تجويع نفسه و حرمان جسمه من متطلباته الأساسية و هو لا يدرك أن انخفاض الوزن ليس بسبب استهلاك الخلايا الدهنية بل بسبب استهلاك العضلات و سوائل الجسم المهمة، لذلك يصبح هيكله الجسمي واهنا وتظهر عليه الترهلات لانعدام طبقة العضلات مع  بقاء الدهون في أماكنها، و هذا ما أشرنا إليه في البداية من وجود فرق بين فقدان الوزن و ففدان الدهون، و هو السبب في أن النظام الغذائي العلمي يوصي بأخذ مقاسات الجسم – الخصر و العضد و الصدر و الفخذ – عوضاً عن التركيز على قياس الوزن، خاصة و أنه من الوارد جداً أن ثبات وزن الجسم في مرحلة ما بسبب أن الدهون المفقودة تحل محلها كتلة عضلية مساوية لها في الوزن.
في الختام نعيد التذكير بأن الهدف من هذا المقال توعية الناس بضرورة التثقيف الصحي وتفتيح أذهانهم نحو الأمور المهمة في مكافحة السمنة والدهون وتحذيرهم من مغبة ومخاطر الانقياد وراء مراكز النصب والاحتيال التي تهدف إلى الربح وإلى الترويج لمنتجاتها وإلى بيع الوهم للناس وسلبهم صحتهم وسلامة أجسامه، لذلك فالثقافة الصحية والإلمام بالجوانب المهمة في مجال الرياضة والتغذية الطريق الصحيح نحو حياة خالية من السمنة و الدهون و جميع الأمراض المصاحبة لهما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق