العام

المجتمع المدني في عمان: قراءات وتطلعات

أحمد بن علي بن محمد المخيني(1)

مقدمة

لعل من أبرز التطورات التي صاحبت نهضة عمان الحديثة التغيير الذي حصل على بعض أنماط مؤسسات المجتمع المدني التقليدية ووسائله وظهور مؤسسات جديدة أو حديثة تعبر عن التغيير الحادث على المشهد الاجتماعي والسياسي بالسلطنة المواكب للنهضة العمرانية والعصرنة الفكرية في بعض المجالات والفتوة الديموغرافية والتموّجات الاقتصادية.

وتشير الأدبيات إلى أنه من أهم ميزات المجتمع المدني في معناه الحديث ابتعاده عن التأطير النظري المفرط والمطلقات النظرية وأنه كائن مرن دائم الحراك والتشكيل كما الإنسان وظروفه. (Keane, 2009) ومن هنا فلا يوجد بالضرورة معيار دولي بالمعنى المعروف، وإن وجدت محاولتان(2) لقياس مدى قوة أو متانة مؤسسات المجتمع المدني على المستوى الدولي.

نقطة البداية: التعريفات

هناك عدة تعريفات للمجتمع المدني تشير جميعها إلى تعدديته وتشعّبه وفي الوقت ذاته إلى أهمية إيلائه مزيدا من البحث والتمحيص لينأى بهذه التعريفات عن فضفاضية المعنى ونسبية التطبيق. وأحسب أن أبرزها ثلاثة تعريفات: البنك الدولي، وكلية لندن للاقتصاد، وتقرير التنمية البشرية العماني.

فعلى سبيل المثال يرى البنك الدولي أن مصطلح المجتمع المدني يشير إلى «مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استنادا إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية.» ومن هذا المنطلق فبحسب تصنيف البنك الدولي فإن مؤسسات المجتمع المدني تشتمل على مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: «الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري». (البنك الدولي)

ويرى مركز المجتمع المدني التابع لكلية لندن للاقتصاد (Centre for Civil Society – London School ofEconomics) أن مصطلح المجتمع المدني يشير إلى العمل الجماعي غير القسري حول اهتمامات وأغراض وقيم مشتركة، ويمايز بين أطرها المؤسّسية والأطر المؤسّسية التابعة للدولة والأسرة والسوق، مؤكدا في الوقت ذاته على أن الحدود الفاصلة بين هذه الأطر المؤسّسية جميعها غالبا ما تكون غير واضحة أو معقدة في أفضل الأوقات.

أما تقرير التنمية البشرية العماني فيورد تعريفا جامعا للمجتمع المدني، حيث يرى أنه «يتشكل من نطاق واسع من التنظيمات المختلفة في أغراضها وأحجامها وهياكلها التنظيمية وأساليبها في جميع الموارد اللازمة لمباشرة نشاطاتها. وينتظم في هذه المنظمات أفراد مستقلون يعملون طوعًا بشكل جماعي لتحقيق هدف مشترك في بيئة أو محيط عام للتعبير عن مصالحهم وأفكارهم ومبادئهم. والأصل في هذه المؤسسات أن تكون مستقلة عن الدولة، وأن تعمل خارج إطار تدخلها، سواء كشريك على قدم المساواة مع الدولة أم كمعارض للدولة وما تضعه من سياسات». (وزارة الاقتصاد الوطني، 2003)

إن المجتمع المدني «ولو كانت تعود جذور اصطلاحه الحديث إلى أوروبا» ظاهرة إنسانية رافقت جميع المجتمعات الإنسانية ولو بأشكال ودرجات مختلفة ومن منطلقات متعددة، ولذا تجد هذه الظاهرة وبشكل متزايد أصداء واسعة في العالم، والمجتمع المدني في مجمله يضم جميع الجهود الموازية للجهود الحكومية. وتشتمل مؤسسات المجتمع المدني على منظومة واسعة من المؤسسات الرسمية (المسجلة) وغير الرسمية (غير المسجلة)، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

1.المؤسسات/المنظمات غير الحكومية المتخصصة مثل بيوت الخبرة والمراكز البحثية المستقلة.

  1. المؤسسات الوقفية.
  2. المؤسسات المرتكزة على المجتمع (المحلي) بمختلف أغراضها مثل مؤسسات دعم الآباء والأمهات للأطفال ذوي الإعاقة.
  3. المؤسسات الأكاديمية.
  4. جمعيات الصحفيين والإعلاميين.
  5. المؤسسات المهنية.
  6. المؤسسات الخدمية الخيرية ذات المنطلقات الدينية.
  7. الاتحادات والنقابات العمالية.
  8. المؤسسات الثقافية المختلفة.

من الأهمية بمكان قبل أن ننطلق إلى النقطة التالية التطرق إلى مسألة العمل المدني مقابل العمل الأهلي، نظرا للخلط الحاصل في مجتمعاتنا بين مصطلحي العمل المدني والعمل الأهلي، أو الجمعيات المدنية والجمعيات الأهلية.

إن العمل المدني ليس اشتغالا رسميا بالسياسة (بمعنى الأحزاب أو التعيينات السياسية أو الإدارة السياسية) ولكنه اجتهاد فكري ومعيشي فردي ومؤسسي يعنى بالشأن العام وللمصلحة العامة، وهو في أصله ومنطلقه يتجاوز المصلحة المحدودة في مكان أو فئة تربط بين أعضائها عصبة الدم. والعمل المدني ينقل الدولة والعمران (أي التنمية الإنسانية) إلى آفاق أكثر استدامة وأقرب التصاقا بالحضارة الإنسانية.أما العمل الأهلي فينصرف الفهم بشأنه إلى أنه عمل منظم ضمن سياق العصبة المحلية (سواء أكانت عصبة الدم أو الحيز المكاني المشترك أو المصلحة المشتركة).

ولذا لا ينبغي أن نتحدث عن العمل الأهلي كرديف للعمل المدني، بل هما مرحلتان منفصلتان على مسيرة التطور التاريخي والسيروري لتعالق الدولة والمواطنة لربما مما ساعد في اعتبار أن العمل الأهلي رديف للعمل المدني  أمران:

  1. ارتباط مصطلح العمل المدني بالعمل السياسي أو باعتباره مناوئا للحكومة، ومن هنا كان استخدام مصطلح العمل الأهلي أقل شدة أو حدة، أو أكثر تقبلا على صعيد المشهد السياسي والاجتماعي.
  2. ظهور العمل المدني في أطر اجتماعية محددة مكانيا منبثقة من سياق العصبة المحلية، إلا أن هذا التعالق لابد وأن ينفك مع وجود مؤسسات مدنية ذات طابع وطني شمولي.

هل مفهوم المجتمع المدني جديد على المجتمع العماني وثقافته؟

إن مفهوم المجتمع المدني وتطبيقاته ليس بالجديد على المجتمع العماني وثقافته –  مما يؤكد مجددا على أهمية المنهج التاريخي في دراسة المجتمع المدني وتجسداته – فالسبلة والبرزة، والأوقاف (خاصة التعليمية منها والمدارس المرافقة لها)، والأسواق المركزية في القصبات التاريخية لعمان (كنزوى والرستاق وبهلا ومنح على سبيل المثال لا الحصر) بالإضافة إلى الأفلاج ونظم إدارتها الرفيعة، وسنن البحر والحمى (أو الحامية) (3)؛ كل هذه شواهد على عمق وجود مفهوم المجتمع المدني ومبادئه في المجتمع العماني، وإن اختلفت صيغاته. لقد ظلت هذه النظم المجتمعية – المعيشية والعملية في آن واحد- تخدم المجتمع العماني لقرون طويلة، ونال البعض منها حظا من التوثيق والتطوير قديما وحديثا.

كل هذا يشهد بنضج حسّ المسؤولية والمواطنة في الأطر التقليدية للمجتمع العماني، كما يدلل على نضج حسّ دولة المؤسسات – بأبعادها المختلفة ولو في أطر غير حديثة – في المجتمع العماني على مدار آلاف السنين. ويمكن القول إن هذه النماذج من العمل المدني كانت – مدفوعة بغريزة البقاء على المستوى المجتمعي – حصيلة أمرين، ليسا بالضرورة مترابطين:

أ. فصل العراك السياسي على السلطة عن معايش المجتمع؛ لضمان استدامة حياتهم ومعيشتهم وأرزاقهم، ومن المعلوم – لمتابع الشأن والتاريخ العمانيين – أن عمان تناحرتها حروب قبلية وصراعات على السلطة، وتداولتها أنظمة حكم متوطنة مختلفة ومتعددة، شأنها شأن الدول الكبرى تاريخيا.

ب. توظيف التعددية الثقافية (4)  والاجتماعية والجغرافية التي يتمتع بها الشعب العماني نتيجة لجغرافية عمان وطبوغرافيتها وموقعها، ونتيجة لاحتكاك الشعب العماني على مرّ الدهور مع الحضارات والثقافات والشعوب المطلة على المحيط الهندي.

ولذا فليس غريبا أن يستمر هذا النهج إلى وقتنا الحالي، وإن اختلفت الهياكل التي تجسدت من خلالها مؤسسات المجتمع المدني، فعبر العقود الماضية توالت أشكال كثيرة من مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات والمؤسّسات الخيرية، وجمعيات التوعية ومجموعات الدعم، والجمعيات الرعائية لفئات محددة من المجتمع، والجمعيات المهنية، وجمعيات الصداقة، والجاليات الأجنبية، وصناديق التضامن (التكافل) الأهلية وأخيرا النقابات العمالية.

ما هي التحديات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني في عمان؟

تبرز المصادر المتاحة ( (المخيني، 2005)(مداولات حلقة النقاش الأولى حول مؤسسات المجتمع المدني في سلطنة عمان: الدوافع والمعوقات، 2008) (الهاشمي، 2009)) عددا من التحديات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني في عمان يمكن تصنيفها في مجموعتين: داخلية، بمعنى أنها متعلقة بالمجتمع المدني مفهوما وتطبيقا ومؤسسات؛ وخارجية، بمعنى أنها متعلقة بالبيئة المحيطة به. وسنتناول فيما يلي أبرزها أو أكثرها أولوية، التي ينبغي التصدي لها لدفع المجتمع المدني في عمان قُدما.

أولا : التحديات الداخلية

  1. ضبابية مفهوم المجتمع المدني ورسالته: توجد هذه الضبابية على مستويين:

أ. المفاهيمي: بمعنى فهم المقصود بالمجتمع المدني ودوره المهم والمؤثر في التنمية.

ب. التطبيقي: وجود (أو غياب) رؤية أو رسالة واضحة ومكتوبة لدى كل من مؤسسات المجتمع المدني.

وتعود هذه الضبابية إلى تعدد أشكال المجتمع المدني وصيغه في المجتمعات المختلفة داخل عمان وخارجها، وإلى طبيعة المجتمع المدني المتجددة والمتغيرة باستمرار.  وصاحب هذه الضبابية – حسب تقدير الباحث – توافر خدمات رعائية من قبل الحكومة في العصر الحديث مما أوجد روحا اتكالية لم تكن موجودة بهذا الثقل في السابق.

كل هذا ولَّد فهما محدودا للمجتمع المدني قصره على تقديم الخدمات الرعائية والمساعدات الخيرية، وبعض الأنشطة التوعوية في المجال الصحي، وبعض البرامج الموجّهة لبناء القدرات المحلية. والأخطر من ذلك حدوث خلط في الفهم كما سبق ذكره، فيظن أن المجتمع المدني مناوئ للحكومة في حين أنه لا يعدو أن يكون جهدا موازيا لها منبعثا من المجتمع ذاته.

إلا أنه منذ عام 2011م ظهرت أشكال جديدة من العمل المدني (الرسمية وغير الرسمية) مدفوعة بفهم الشباب لواجبهم الوطني ورغبتهم في المساهمة في توفير بعض الاحتياجات المجتمعية، ومدعومة بالتطور التقني ووسائل التواصل الاجتماعي، ومتابعتهم عن كثب لقصص نجاح في المنطقة والعالم العربي.

  1. محدودية الموارد المالية والتمويل: ويندرج تحت هذا التحدي أمران اثنان:

أ. جدلية التمويل والاستقلالية؛ حيث يتجاذب هذه المؤسسات أمران: حاجتها للتمويل، وقلقها من فقدان استقلاليتها جراء ذلك، سواء أحدث ذلك فعلا أم انطبع في أذهان المجتمع شيء منه (5)؛ مما قد يفقدها مصداقيتها.  وهذا قلق مبرر إلى حد ما، إلا أنه يغفل أمرا مهما وهو أن التمويل الحكومي في واقع الأمر حق أصيل لهذه المؤسسات كونها شكلا من أشكال المواطَنة، والموارد المالية والطبيعية للدولة – بموجب النظام الأساسي للدولة – حق للجميع. وتمتع – إلى عهد قريب – عدد لا بأس به من مؤسسات المجتمع المدني بدعم مباشر من الحكومة أو بعض المؤسسات ذات الصلة بالحكومة، مما ألقى بظلاله على مدى استقلالية صنع قراراتها عن الحكومة.

ب. الموارد المالية وأشكال التمويل التي تحقق استدامة مالية لهذه المؤسسات.

  1. هوة الأجيال: بمعنى انقطاع انتقال الريادة من جيل لآخر بشكل منظم وسلس، أو بمعنى آخر محدودية المعروض من الريادات الشابة للمجتمع أو محدودية مجالات مشاركتها أو عدم وجود طبقة متوسطة بالمعنى المعروف التي عادة ما يرتبط وجودها وظهورها بمؤسسات المجتمع المدني.

ثانيا: التحديات الخارجية

  1. السياق السياسي العام؛ وتندرج تحت هذا التحدي مسائل ثلاث، وهي:

أ. النظرة العامة لمؤسسات المجتمع المدني: بما أن نشوء المجتمع المدني وتطوره مرتبط – كما أسلفنا – بوجود ممارسات ديموقراطية ثابتة وراسخة، وليس العكس صحيحا بالضرورة، وبما أن هذه الممارسات ما تزال محدودة وحديثة عهد بالسلطنة، فإن النظرة العامة – من قبل المجتمع والحكومة – لمؤسسات المجتمع المدني ما تزال قاصرة على أنها مؤسسات خيرية ورعائية فقط. ولا ينظر إليها كعوامل مساعدة في صنع القرار أو توجيه الرأي العام. ومما ساعد في تشكيل هذه النظرة أيضا ذهنية الاعتماد على الحكومة فيما أطلق عليه (دولة الرفاه). (وزارة الاقتصاد الوطني، 2003)(مداولات حلقة النقاش الأولى حول مؤسسات المجتمع المدني في سلطنة عمان: الدوافع والمعوقات، 2008)

ب. توجس عام من قبل الجهات الحكومية تجاه مؤسسات المجتمع المدني: ولو أنه آخذ في الانحسار نوعا ما وببطء، إلا أن هذا التوجس منبثق من ارتباط مؤسسات المجتمع المدني في أذهان العديدين من صناع القرار والمؤثرين في المشهد السياسي العماني من الرعيل الأول بحركات التحرير أو بالحركات السياسية، ويعضد هذا الربط التاريخ السياسي العماني والعربي الحديث، وإشكالية الاصطلاح وارتباطه عالميا بالتغيير في سياسات الحكم ونظامه، لا سيما وأن هذا التغيير مصدره القاعدة المجتمعية وليس النخبة أو القمة التي اعتادت أن تقود دفة التغيير. غير أن هذا يجب ألا يكون عقبة أمام تمكين المواطنين من توظيف المجتمع المدني كوسيلة سلمية للمشاركة العامة وتحمل مسؤولية المواطنة.

ج. الربط الذهني لدى البعض بين المجتمع المدني والعلمانية اللادينية والديموقراطية في نسقها الغربي؛ مما يجعل المجتمع المدني في نظر البعض ممرا لأفكار «غريبة» عن المجتمع أو لا تتفق مع «خصوصيته وثوابته».

  1. محدودية الأطر التنظيمية والقانونية؛ بمعنى التفسير الإجرائي الضيق للأطر القانونية والتنظيمية لتشكيل هذه المؤسسات ويتفاوت من شخص إلى آخر وحالة إلى أخرى، أو غياب أطر قانونية مناسبة وضرورية. وأدى هذا في مجمله إلى نزع الأهلية أو القدرة القانونية لاتخاذ قرار مناسب من قبل راشدين يرغبون في خدمة بلادهم وتحويل الجمعيات إلى أشخاص، مما عنى؟؟؟ نزع المواطنة عن غيرهم.  وفيما يلي بعض النماذج من هذه المحدودية:
  2. عدم وجود إطار قانوني يسمح بإنشاء مؤسسات غير ربحية ذات طابع نفع عام خارج إطار قانون الجمعيات الأهلية الذي يضع هذا النوع من المؤسسات في نفس الفئة مع الجمعيات الخيرية ويخلطها أيضا مع الجمعيات المهنية وغيرها من أنواع الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني. وفي عام 2013م أضيف نوع من المؤسسات المدنية، ألا وهو المؤسسات الوقفية، من خلال إضافة فصل كامل بشأنها في قانون الأوقاف.
  3. الإجراءات والتطبيقات العملية المطولة التي تستغرق تسجيل وإشهار بعض الجمعيات بين سنتين و10 سنوات – إلا الجمعيات التي تأتي بمبادرة من الحكومة- بالإضافة إلى التعديلات الأخيرة في قانون الجمعيات الأهلية التي تشترط 40 مؤسسا (بدلا من 20 في القانون السابق) لإشهار جمعية ما، ناهيك عن التحريات الأمنية حول كل من هؤلاء المؤسّسين.
  4. الجمعيات ذات الأغراض غير التقليدية (أي غير الرعائية أو الخيرية)، تأخذ وقتا طويلا في إجراءات الإشهار وترفع إلى مجلس الوزراء، على الرغم من أن مجلس الوزراء خوّل وزارة التنمية الاجتماعية لاتخاذ القرار المناسب. وفي بعض الأحيان تُرفض جملة وتفصيلا.
  5. تضييق الخناق على الجمعيات المشهرة بموجب هذا القانون في الاتصال بالعالم الخارجي أو الانضمام إلى عضوية اتحادات دولية.

كيف يمكن لنا أن ندفع بالمجتمع المدني قدما؟

إن التوصيات الواردة هنا تنبع من واقع المجتمع العماني كما عايشه الباحث من خلال اشتغاله بالمجتمع المدني ومناقشاته مع عدد من المشتغلين بالعمل المدني.

المجال الأول: الإطار التنظيمي والقانوني:

  1. تسهيل تشكيل وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني وتيسير عملها وتخفيف القيود على أنشطتها من منظور أن وجودها حق إنساني يجسد حق التعبير عن الرأي وحق التجمع اللذين نص عليهما النظام الأساسي للدولة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
  2. نقل مهمة الإشراف على تسجيل وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان من منطلق ارتباط اللجنة وهذه المؤسسات جميعا بممارسة الحريات المدنية المتجذرة في حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تشعب أغراض مؤسسات المجتمع المدني الموجودة حاليا في عمان وتعدد أشكالها مما يجعلها ذات صيغة وطنية متعددة القطاعات أعمق من أن تكون تحت مظلة وزارة إجرائية ذات اختصاصات وخبرات وقدرات فنية محدودة.

كما أن نقل اختصاص الإشراف على هذه المؤسسات إلى اللجنة الوطنية يوجه رسالة مهمة وذات دلالة لجميع شرائح المجتمع من حيث محورية منظور حقوق الإنسان في التنمية و- تباعا – اهتمام الدولة بمؤسسات المجتمع المدني.

  1. تسهيل وصول العامة إلى البيانات والمعلومات التي تحتفظ بها الجهة المسؤولة عن الإشراف على مؤسسات المجتمع المدني من حيث التأسيس والموارد المالية والمشاريع والأنشطة من منظور الشفافية كقيمة حاكمة للعمل المدني، كما أظهرت التجارب العالمية أن هذا من شأنه أن يدفع إلى تقبل المجتمع لهذه المؤسسات ويتفاعل معها. (Salamon, 2005)

المجال الثاني: الموارد المالية:

  1. إعفاء المساهمات المالية والتبرعات المقدمة إلى مؤسسات المجتمع المدني من قبل القطاع الخاص من الضرائب، مما سيشجع على الإفصاح عن مثل هذه المبادرات وإيجاد نماذج ناجحة، وفي الوقت ذاته توفير موارد مالية لمثل هذه المؤسسات. وفي حين أن قانون الضرائب الحالي يقدم مثل هذه الإعفاءات، إلا أنها لا تحظى بالوعي الكافي، كما أنها بحاجة إلى مراجعة وتعديل لتوجد الأثر المطلوب.
  2. إنشاء صندوق لدعم مبادرات المجتمع المدني وفق معايير دولية، ويقدم دعما ماليا لمشاريع محددة ذات آثار ونتائج معينة. إن وجود مثل هذا الصندوق سيعزز من المسؤولية المشتركة واللحمة الوطنية بين جميع المؤثرين في المشهد الاجتماعي بالسلطنة، وسينأى بالمجتمع المدني عن أي تأثير خارجي قد يظن في وصوله من خلال الدعم الممنوح من بعض الجهات أو الوكالات الخارجية أو الدول، مع الإدراك التام (والعمل على نقل هذا الإدراك ممارسة) أن صندوق الدعم هذا لن يفت؟؟؟ في استقلالية مؤسسات المجتمع المدني المستفيدة منه.

المجال الثالث: القيادة والمجتمع والمعرفة:

  1. تدشين مشاريع حاضنات لأجيال مستقبلية من رواد المجتمع المدني؛ يحافظون على الزخم الحاصل والمتراكم في العمل المدني وينقلونه إلى الأجيال التي تليهم. ويمكن تحقيق ذلك من خلال مؤسسات المجتمع المدني أو مبادرات من منطلق حرص الدولة على إيجاد البيئة المناسبة لتمكين المجتمع المدني وترعرعه. وتشمل هذه الحاضنات برامج وحلقات عمل تدريبية وفرص للتدريب في الخارج والاطلاع على تجارب دول أخرى.
  2. تكثيف التوعية الموجهة للمجتمع المحلي حول المجتمع المدني من حيث أهميته، والممارسات التقليدية السابقة، والممارسات الحديثة، ودور أفراد المجتمع وهياكله، والعمل التطوعي.

8.عقد ندوات وطنية عامة تهدف إلى مصالحة الذاكرة المجتمعية ومعالجة الذهنية العاملة لدى عدد من شرائح المجتمع والفاعلين الأساسيين في المشهد السياسي بعمان حول المجتمع المدني لفصل أي ارتباطات سلبية بعين؟؟؟ المجتمع المدني بعمان والصور النمطية المستمدة من قضية معينة في التاريخ العماني أو التاريخ العربي والممارسات الأوروبية السابقة.

إن مثل هذه الندوات العامة من شأنها أن تنزع المشاحنة التي قد تقبع في الصدور وأن تسمح للجميع بالتعبير عن أي مخاوف أو هواجس أو قلق، وصولا في النهاية إلى الاتفاق على خط سير أو خطة عمل توصل المجتمع المدني في عمان إلى آفاقه المرجوة.

  1. إيجاد مشاريع عمل مشتركة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني تؤكد على التشاركية في مسؤولية التنمية دون وجود نظرة فوقية من طرف تجاه آخر؛ وتساعد على بناء الثقة المتبادلة بين هذه الأطراف. ويمكن أن تتضمن هذه المشاريع حوارات وطنية، وبرامج لبناء القدرات في الجهات التخطيطية والقطاع الخاص حول دور المجتمع المدني، وتدريب العاملين بالمجتمع المدني على دور الجهات الحكومية في التخطيط ودورها المشترك في الإشراف على التنمية والمجتمع، بالإضافة إلى برامج مستمرة لبناء القدرات الاستراتيجية والتخطيطية والتنفيذية لدى المشتغلين بمؤسسات المجتمع المدني من أعضاء ومتطوعين وموظفين.
  2. إيجاد قاعدة بيانيّة وتحديثها عن مؤسسات المجتمع المدني في عمان مع إجراء مسوحات دورية للتعمق في أبعاد بعينها من عمل هذه المؤسسات وخصائصها لمتابعة تطورها وصلابتها ورسوخها، ولتجسير الهوة البحثية والمعرفية الحالية منهجيا وبشكل مستدام حول أداء هذه المؤسّسات، ولتمكين الباحثين والاستشاريين من تقديم استشاراتهم ونصائحهم لصناع السياسات والقرارات ضمن القطاعات الثلاثة (العام والخاص والمجتمع المدني) على بينة؟؟؟ واضحة ومعتمدة.

كلمة أخيرة

إن مفهوم المجتمع المدني ومؤسساته لا ينبغي أن يؤخذ على أنه تقليد مستورد، ولا أن يقتصر على الأشكال المتعارف عليها في بعض الدول العربية أو الأجنبية، وإن كان في ذلك فوائد، بل إن مفهوم المجتمع المدني بما فيه من مؤسسات ومشاركة من قبل الجميع مفهوم عماني إسلامي أصيل وتقليد عربي عريق، يمكن أن يأخذ تطبيق المجتمع المدني شكل (السبلة) كإطار للعمل المرتكز على المجتمعات المحلية. 

إن هذا من شأنه أن يمنح هذا العمل مصداقية أكبر وتقبّلا أسرع لتناغمه مع مفاهيم عمانية وتقاليد عريقة أخرى تتكامل معه، وفي ذات الوقت يمنحنا الفرصة لإيجاد مجتمع مدني عماني يمكِّن المواطن والمواطنة في كل مكان بعمان من المشاركة في البناء والتنمية ويجعل من الوطن صنيعة المواطنين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق