العام

المجتمع المدني في السلطنة

 

عوض بن سعيد باقوير

صحفي ومحلل سياسي

المجتمع المدني هو مفهوم بدأ بشكل حقيقي في أوروبا خاصة مع بدء الحقبة الصناعية وانتهاء الحرب العالمية وظهور نقابات العمال والحقوق المدنية. وشكلت المنظمات المدنية في أوروبا والولايات المتحدة ركنا أساسيا مع الدولة المدنية والمؤسسات الخاصة كالشركات العابرة للقارات. ومع تشعب المسؤوليات والتمدن والتعقيدات التي صاحبت التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعاظم دور منظمات المجتمع المدني خلال الخمسين عاما الماضية واصبحت تلعب دورا كبيرا على مستوى المجتمعات ولها أجندتها الخاصة، بل وتعدى دورها الإطار الجغرافي لبلدانها لتصبح تلك المنظمات الحقوقية والمدنية. وفي مجال الصحافة وحرية التعبير منابر مهمة تحسب لها الدول حسابا وإن كانت القوانين والتشريعات الأخيرة حدت من اندفاعها علاوة على أن بعضها انسجم مع السياسات المحلية من خلال الدعم المباشر.

مؤسسات المجتمع المدني محليا على الأقل تواجه جملة من التحديات لعل في مقدمتها ضعف التشريعات والقوانين التي تنظم عمل تلك الجمعيات حيث إن جمعيات المرأة في السلطنة كانت أول ظهور لمؤسسات المجتمع المدني في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي وانحصر دورها في الاهتمام بالأسرة والطفل والنشاطات التي تخدم المرأة من خلال قانون محدد تشرف على تنفيذه وزارة التنمية الاجتماعية.  الجمعيات المدنية بدأت عام 2000 وبالتالي فهي حديثة نسبيا وخبرتها في المجال المدني لا تزيد عن عقدين، وصدر معها قانون من خلال مرسوم سلطاني عام 2000، وبالتالي هذا القانون وتعديلاته لم يعد يصلح لمؤسسات مجتمع مدني تتزايد بشكل متسارع وفي كل المهن. وقد دعونا من خلال عملنا في جمعية الصحفيين إلى إيجاد قانون جديد يتماشى مع المتغيرات المجتمعية ويعطي أيضا الاستقلالية لتلك الجمعيات من خلال إنشاء اتحادين الأول هو الاتحاد النسائي ويشرف على جمعيات المرأة من خلال مجلس إدارة منتخب، والاتحاد الآخر هو اتحاد الجمعيات المهنية ويشرف على الجمعيات المدنية، وأيضا من خلال مجلس إدارة منتخب علي غرار الاتحاد العماني لكرة القدم والاتحاد العام لعمال السلطنة، ويبقى للوزارة المعنية إعطاء الترخيص لقيام أي جمعية.  وبدون هذه النقلة في العمل المدني ستظل تلك الجمعيات في منهجية ضعيفة رغم الجهود الجيدة التي تبذل من قبل مجالس إدارات تلك الجمعيات من خلال الفعاليات التي تخدم الشرائح التي تنتمي لتلك الجمعيات.  والمجتمع المدني له أدوار مهمة تسند الدولة وأيضا القطاع الخاص، ويكون له إسهامات جليلة من خلال أدواره المهنية. فهناك جمعيات في مجال الطب والقانون والصحافة والأدب والمسرح والمحاسبة. ومن خلال إيجاد قانون مرن وشفاف سوف يكون لهذا المجتمع المدني دور أهم وأشمل، وهناك دول خاصة في الغرب يلعب المجتمع المدني فيها دورا كبيرا مؤثرا بعيدا عن البيروقراطية والإشراف المتعمق لأن ذلك يعيق العمل التطوعي والمدني.  لقد أصبح المجتمع المدني ضرورة في ظل تعقد المجتمعات، وفي ظل عدم قدرة الدول على تحمل كل المسؤوليات. نرى أن المجتمع المدني يستطيع أن يقوم بدور مساند ويكون له حضوره، الذي يخفف من عبء تلك المسؤوليات ويكون ظاهرة اجتماعية إيجابية تنعكس على أدوار الدول الوطنية.  ومن خلال تجربتي الشخصية امتدت ثلاثة عشر عاما في جمعية الصحفيين العمانية أستطيع القول إن الجهود المخلصة تسفر عن نتائج ممتازة، فإيجاد كيان مدني فاعل ليس بالأمر السهل، ولكن الإيمان بالقدرات الوطنية ينتج عنه كيان مدني تتعدى أدواره المحلية إلى العربية والدولية، وأصبح فاعلا من خلال تواجد بعض كوادره في القيادات الصحفية الخليجية والعربية والآسيوية والدولية، علاوة على فعاليات نوعية جعلت جمعية الصحفيين من أبرز الجمعيات المدنية في السلطنة والعالم العربي من خلال الأرقام والإحصائيات.

إننا فقط نحتاج إلى قانون مدني مرن بعيدا عن التعقيدات التي تعيق العمل ولا تشجع الكوادر الوطنية على الانخراط في العمل المدني التطوعي، ونأمل أن يرى قانون الجمعيات النور حيث مضت عليه سنوات دون أن يرى النور. ولا شك أن جمعية الصحفيين العمانية لعبت دورا مهنيا وطنيا مهمّا من خلال التدريب والتأهيل وتوفير المنح الدراسية وأنجزت أول مشروع لميثاق الشرف الإعلامي في السلطنة، وتم التوقيع عليه من قبل المؤسسات الإعلامية في السلطنة، وله دور كبير في الدفاع عن الصحفيين. كما أن الجمعية لها دور فاعل في الدفاع عن السلطنة والمكتسبات من خلال حضورها القوي في المؤتمرات والمنتديات العربية والإقليمية والدولية.  وكما أشرت فإن مستقبل المجتمع المدني في السلطنة يواجه تحديات منها ضعف ثقافة التطوع من خلال العزوف عن العمل، وهذا يحتاج إلى جهود مشتركة، كما أن قانون الجمعيات لا بد له من الظهور حتى يواكب التطور الذي يشهده المجتمع المدني ليكون فاعلا في خدمة المجتمع، علاوة على أهمية وجود مقرات لعدد من الجمعيات، وأيضا إيجاد دعم ثابت. فهذه أمور ساعدت بعض الجمعيات وعلى رأسها جمعية الصحفيين وجمعية الكتاب وحتى جمعية السينما أخيرا على القيام بأدوار مقدرة ومتواصلة.  كما ندعو الحكومة إلى تقديم حوافز للجمعيات من خلال استثمار الأراضي على غرار الأندية الرياضية، ومن خلال هذه الخطوات سوف يشكل المجتمع المدني قاطرة قوية تسند الدولة والمجتمع.         

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق