العام
حقوق الانسان في صلب إجراءات التصدي لفيروس كورونا (كوفيد 19): (1 ـ 2)
د. خليفة بن محمد بن عبدالله الحضرمي
نائب رئيس المحكمة العليا
مقدمة :
في أوائل يناير 2020 أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية who عن تفشي مرض كورونا كوفيد 19 لتعلن المنظمة عن آلاف الحالات المؤكد إصابتها بالفيروس خارج الصين ومع ازدياد الحالات بعدد من البلدان صنفت المنظمة وصف الفيروس بالجائحة وأعلنت الوضع بأنه حالة طوارئ صحية عالمية(1) مما حدا بالدول إلى أن تضع خطة طوارئ تصدياً لهذا المرض انطلاقاً من مسؤولياتها تجاه مواطنيها وتضامناً مع المجتمع الدولي على حد سواء .. فاقتضى الوضع الصحي تظافر الجهود المجتمعية وبمعنى آخر اقتضى تدخل الحكومة باتخاذ تدابير احترازية للحفاظ على حياة الناس بالمجتمع ، هذه التدابير انتقصت من الحقوق الطبيعية ( المعتادة ) للإنسان .
-
فما هي هذه التدابير الاحترازية المتخذة في هذا الصدد؟
-
وهل حالة الطوارئ الصحية التي نعيشها في ظل ظروف الجائحة اقتصرت على ضمان الوضع الصحي فقط ؟
-
وما تأثير تلك التدابير المتخذة على الحقوق المدنية للإنسان ؟
أولاً : التدابير الاحترازية المتخذة
أ – تشكيل اللجنة العليا لكورونا :
بأوامر سامية من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد – المعظم شُكلت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد19) برئاسة معالي السيد وزير الداخلية بغرض : وضع الحلول والمقترحات والقرارات والتوصيات المناسبة ورصد تطورات الفيروس والتعامل مع الجهود المبذولة إقليمياً وعالمياً للتصدي له ومتابعة الإجراءات المتخذة بشأنه . كما ترأس مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه اجتماعاً باللجنة بهدف طمأنة المواطن باهتمام جلالته حفظه الله وأبقاه وإعطاء ثقلاً كبيراً للجنة بل وثقة كبيرة بما تتخذه من قرارات.
قرارات اللجنة كانت تصدر تدريجياً وهو مراعاة لكل وضع :
-
حظر الانتقال من محافظة إلى أخرى إلا للضرورة القصوى وبحالة محدودة حصراً.
-
تقييد الخروج من المنازل إلا لحالات الضرورة .
-
غلق المساجد بهدف منع التجمعات السكانية .
-
تقليل عمل الموظفين وتقليص وجودهم إلى الحد الأقصى 30% من إجمالي عدد الموظفين لإنجاز الأعمال الضرورية، فيما يباشر بقية الموظفين أعمالهم عن بُعد حسبما تحدده الجهة التي يعمل بها الموظف .
-
منع إصدار الصحف الورقية .
-
تعليق الدراسة بالمدارس والعمل على تفعيل الدراسة عن بعد .
-
تقليل التعامل البنكي .
-
وقف عمل الصرافة المالية والاقتصار على عمل البنوك .
بمطالعة هذه التدابير ، نجدها تحد من تمتع الناس بحقوقهم المدنية التي كانوا يستمتعون بها سابقاً.. فهل ذلك اقتضاه الوضع الصحي فقط ، هذا ما سنوضحه بالفقرة التالية .
ب – الحفاظ على الوضع الصحي وأمور أخرى :
إن التدابير الاحترازية المتخذة لم تقتصر على ضمان الوضع الصحي فقط بل تعدى ذلك إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى الحفاظ على حياة الناس بالمجتمع من خلال تنظيم حصولهم على الخدمات الأساسية كما بينا سابقاً وتبعاً لذلك اقتضى الأمر اجراء قانونياً تمثل في الآتي :
-
تعديلات في قانون مكافحة الأمراض المعدية (2)
بفرض عقوبات جزائية على المخالفين لقانون الأمراض المعدية سواء بالإبلاغ عن المرض أو الالتزام بالحجر الصحي أو نقل العدوى للغير أو عدم تنفيذ الإجراءات والتدابير المقررة لمنع انتشار العدوى أو نقلها للغير .
-
متابعة هيئــة حماية المستهلك
للأسعار ومدى توفر السلع وعدم استغلال الوضع الراهن في زيادتها حماية للمواطن والمقيم.
-
بلدية مسقط والبلديات بالسلطنة
وتفعيل دورها الملموس في مراقبة الأسواق والمحلات التجارية من أجل الحفاظ على التدابير المتخذة بهذا الصدد ونقصد بها إغلاق المحلات وعدم تقديم الطعام بالمطاعم حيث قامت البلديات بتحديد قواعد تنظيم تلك الأمور (3) ومراقبة تنفيذها .
-
شرطة عمان السلطانية
تابعت ولم تزل تتابع كذلك مدى تقيد أفراد المجتمع بالتدابير الاحترازية المطلوبة وضبط المخالفين .
-
السلطة القضائية
كان للسلطة القضائية دور بارز كذلك في الحفاظ على الالتزامات المفروضة على المجتمع حيث تم إحالة المخالفين للادعاء ثم احالتهم للمحكمة لتوقيع الجزاءات عليهم تبعاً للقانون .
ولما كان الوضع اقتضى مجهوداً عظيماً من أجل حماية الصحة العامة للمواطن والمقيم على حد سواء فكانت التدابير الاحترازية المتخذة لم تقتصر فقط على ضمان الوضع الصحي بل تعدته إلى غيره .. فهل أثرت تلك التدابير سلباً أم إيجاباً على حقوق الإنسان المدنية والسياسية، ذلك ما سنتناوله في الفقرة التالية .
ثـــانيـــاً : تأثير التدابير المتخذة على حقوق الإنسان :
هناك العديد من المعايير لتصنيف حقوق الإنسان لكن أفضلها استعمالاً التصنيف الذي ورد في معظم الاتفاقيات والإعلانات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، فهناك الحقوق المدنية والسياسية وهي الحقوق التي توصف بأنها حقوق سلبية بمعنى أنه لا يتعين للدولة ضماناً لها سوى الامتناع عن التدخل في ممارسات الأفراد لها أي أنها تلتزم بالاحترام والحماية(4) لذا صدر الجيل الأول لقوانين حقوق الإنسان .
وعلى عكس الحقوق المذكورة أعلاه برز الجيل الثاني من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث تميزت هذه الحقوق بالطبيعة الإيجابية ونعني بذلك أن تأمينها يتطلب تدخل الدولة وليس امتناعها كما جاء بالجيل الأول من الحقوق والهدف تأمين المشاركة المتساوية في انتاج وتوزيع القيم(5).
كما ظهر الجيل الثالث من الحقوق بفرض دور إيجابي على كل الأطراف : المواطنين والحكومة والمجتمع الدولي إذ لهذه النوعية من الحقوق بعد إنساني عام سيما التضامن مع الأجيال المقبلة(6) .
ثم ظهر الجيل الرابع لحقوق الإنسان نتيجة للتحولات الحضارية التي يعيشها العالم اليوم.. تلك الحقوق تتبنى حماية الكرامة الإنسانية من تعديات العلوم الحديثة .
بطبيعة الحال إن مثل تلك التصنيفات لحقوق الإنسان بأدبيات القانون الدولي لحقوق الإنسان هو وصف للحالة العامة لتطور هذه الحقوق في الفكر القانوني والسياسي تكشفت تباعاً نتيجة للتطور التاريخي(7).
لذا كان لعمان تعاوناً مع المجتمع الدولي ( الدخول في الاتفاقيات الدولية سيما المتعلقة بحقوق الإنسان :
-
الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي دخلت بها السلطنة عضواً بل صدقت عليها (8).
-
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز(9) ضد المرأة .
-
اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها السلطنة في 1996 .
العهد الدولي لحقوق الإنسان والمادتين 12،2 منه على وجه الخصوص .
(1) https: // www.who.int
(2) انظر التعديلات في المرسوم السلطاني رقم 32/2020 الصادر في 23مارس2020 علماً بأن قانون مكافحة الأمراض المعدية صادر بالمرسوم السلطاني رقم 73/92 في 28/10/1992م .
(3) انظر القواعد المنظمة للمحلات التجارية للبلديات، مسقط والبلديات الأخرى عبر موقعها الالكتروني .
(4) تنص المادة 12-2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه ” تتعهد كل دولة طرف باحترام الحقوق المقررة في الاتفاقية الحالية لكافة الأفراد المقيمين ضمن اقليمها الخاضعين لولايتها وبقاء هذه الحقوق واتخاذ التشريعات اللازمة لذلك .
(5)علي ليله ، المجتمع المدني العربي ، قضايا المواطنة وحقوق الانسان ، مكتبة الانجلومصرية ، القاهرة طبعة أولى ، 2007 صفحة221 وللمزيد يراجع : http://ara.amnesty.org للاطلاع على الوثيقة التمهيدية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
(6) وردت مصطلحات معبرة عن تلك الحقوق منها ( حقوق الجيلنة ) انظر في ذلك : جون ببليس وستيف سميث، عولمة السياسة العالمية، ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث ، دبي ، الامارات العربية المتحدة، طبعة أولى 2004 .
(7) محمد يوسف علوان، محمد خليل الموسى، القانون الدولي لحقوق الإنسان، الحقوق المحمية، الجزء2، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، طبعة أولى، 2007 صفحة 30 .
(8) انضمت السلطنة للاتفاقية في 2002 بالمرسوم السلطاني 87/2002 .
(9) انضمت السلطنة للاتفاقية في 2005 بالمرسوم السلطاني 42/2005 .