تغيرت الحياة الإنسانية منذ مطلع الألفية الثالثة، وها يجني الإنسان ثمار العلم والمعرفة المتراكمة عبر العصور، وأبرز التغيرات التي طرأت على حياة الناس؛ تمثلت في الالتصاق الشديد بالشاشة، والغوص بعيدا عن الواقع إلى عالم افتراضي، لا يبدو مثاليا، لكنه مبني وفق تصورات الإنسان واختياراته.
الحياة الافتراضية؛ حياة مختارة بعناية من قبل أصحابها وتمارَس في سرية تامة بعيداً عن الأضواء والشهرة، حيث يستطيع أي إنسان فتح الواتساب مثلا وإجراء المحادثة مع من يشاء، دون عائق، بل يستطيع إرسال البيانات والملفات لمشاركتها والتعليق عليها، والواتساب بطبيعة الحال مجرد برنامج حاسوبي وهناك الكثير مثله.
البرامج الحاسوبية أو التطبيقات كما هي تسميتها تقوم باستقطاب الراغبين في الحصول على خدماتها مقابل أجر زهيد أو بدون أجر، وتكتفي بما تدره الإعلانات التجارية من أرباح، فبرنامج الفيسبوك على سبيل المثال يفتح أمام المرء الأبواب لممارسة حرية الكتابة وإرسال مقاطع الفيديو وكذلك السناب شات والتويتر.
ليس لأجل الأرباح فقط، سوف تسعى الشركات الكبرى إلى استقطاب المشاركين، بل هي تعمل على توفير قاعدة بيانات زمنية (بحسب المناطق) فهنا الشرق الأوسط ومنطقة الخليج وهناك أمريكا الجنوبية وثالثة تمارِس عملها في أوروبا، هذا التقسيم الزمني ينظر لاعتبارات كثيرة ولكن أهمها القرب الجغرافي.
تستطيع برامج التواصل الاجتماعي وعبر المشاركين فيها من القيام بتأثيرات ملحوظة على الواقع الاجتماعي؛ حيث تعمل على تركيز النظر على قضية من القضايا، كمشكلة غلاء أسعار المواد الغذائية، أو عدم توفر نوع من الأدوية، أو الخطأ في سياسات التخطيط للمدن، هي أمثلة متداولة وموجودة على الشبكة وتُطرح الآراء بشأنها باستمرار.
لكل شركة من شركات التكنولوجيا سياسات خاصة، لا تشبه غيرها غالبا، ولكنها جميعا تتحدث عن خصوصية المستخدم، وعدم استخدام بياناته بأي شكل من الأشكال، وهي كذبة كبيرة أطلقتها لكسر الحاجز النفسي بينها وبين عملائها، فبيانات الهاتف يمكن الوصول إليها بسهولة.
شركات التكنولوجيا ليست في حاجة لبرامج تجسس لأنها أساسا تمتلك المعلومات والبيانات الخاصة بالمستخدمين وأماكن تواجدهم وما الذي يقومون به، بل وفي أي شيء يفكرون، وبماذا يرغبون، حيث تحول العالم من إطار إلى إطار، فخرج عن الواقعية إلى الافتراضية وسيادة الأحلام والأوهام.
الحرية الفردية والحرية الجماعية هي إحدى مزايا برامج التواصل، فللجميع الحق في ممارسة ما يشاء وكتابة ما يرغب عبر صفحته في الفيسبوك أو الانستجرام، وفي ذات الوقت ربما يجتمع البعض لتكوين جماعات متجانسة تنتمي لنوع محدد من الأفكار بحيث تتشارك الاهتمامات والهموم.
هاتان الحريتان ليستا مطلقتين، وخصوصا مع انكشاف الأسماء والوجوه فبرنامج السناب شات والبث المباشر عبره لا يجوز استخدامه لبث الأجواء الخاصة والحميمية، أو لبث الأخبار الكاذبة حول أمر ما، أو شخص من الأشخاص، بل الواجب عند استعماله مراعاة المحيط والمتلقي، وهما الغائبان عن ذهنية القائم بالتصوير.
تتعارض الحرية الفردية مع الحرية الجماعية أحيانا، حيث التوجهات الشخصية يقابلها منع اجتماعي حازم، كمسائل الاعتداء على فرد أو القيام بفعل فاضح أو الدعوة إلى أمر غير مرغوب، الجماعة الاجتماعية ترفض مثل هذه الممارسات وتدينها وتعاقب فاعلها بالإقصاء وتشويه السمعة وربما بما هو أكثر.
ينبغي الحذر عند استخدام الحرية الممنوحة للمرء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فليست جميع الأمور مباحة للتصوير والنشر، وإنما هنالك آداب عامة، وحدود لا يمكن تجاوزها، يقف الإنسان عندها، ولا يسير أبعد من ذلك، وهذا ما يغيب عن أذهان الكثيرين والكثيرات ويوقعهم في مشاكل كبرى، لا يجيدون الخروج منها.