الفني
التربية الموسيقية.. لتعزيز سبل العيش في مصر
توفر الفنون بأنواعها فرصة للشباب لاستكشاف تراثهم الثقافي، ليكبروا وليتواصلوا معه، مع إنشاء مسارات لمستقبل واعد جديد. على الرغم من ذلك، غالباً ما يتم استبعاد الشباب عن تلك الفرص بسبب النقص في التمويل، أو خوفاً من عدم تمكنهم من تقديم أعمال ذات جدوى مالية. في مصر، نجد بين أيدينا حالة تدعو للتقدير والاعجاب، فقد ساعد برنامج الآغا خان للموسيقى، وهو إحدى مبادرات شبكة الآغا خان للتنمية- المنظمة الدولية غير الحكومية المعروفة بمشاريعها التنموية والانسانية في أكثر من 30 دولة حول العالم، في إنشاء مدرستين تعالجان تلك القضايا عن طريق تنمية المواهب الموسيقية للجيل القادم ضمن برامج تدريبية فنية شاملة ومفتوحة للجميع.
أستلهمت مدرسة الدرب الأحمر للفنون اسمها من منطقة الدرب الأحمر، أحد أقدم أحياء القاهرة وأكثرها كثافة سكانية، وتقع إلى جوار حديقة الأزهر، “الرئة الخضراء” التي تبلغ مساحتها 30 هكتار والتي أنشأها برنامج المدن التاريخية التابع لصندوق الآغا خان للثقافة. تعتبر منطقة الدرب الأحمر موطناً للحرفيين، والمشاريع الصغيرة، والسكان منذ فترات طويلة، حيث عاشت عائلاتهم في المنطقة لأجيال عديدة. ونتيجة للضغوط المالية التي يعانيها سكان حي الدرب الأحمر، غالباً ما يترك الأطفال المدرسة في سن مبكرة للعمل في مهنٍ قد تكون خطرة واستغلالية. عمل محمد موسى في العديد من المهن المختلفة، وفي سن السادسة عشر بدأ بدراسة الموسيقى في مدرسة الدرب الأحمر للفنون. بعد التخرج، وجد عملاً دائماً كعازف على آلة الساكسفون، حيث عمل مع العديد من الفنانين ومن ضمنهم المطرب المصري المشهور محمد منير والمطرب اللبناني عاصي الحلاني، وهو الآن موسيقي محترف.
توفر مدرسة الدرب الأحمر للفنون بديلاً ملموساً لطلابها الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 18 سنة من خلال نهجها المهني في التدريب على أنواع الفنون. حظيت دروس الإيقاع وتعليم العزف على الآلات النحاسية والمسرح والفنون المتعلقة بعروض السيرك بشعبية خاصة بين الفتيات، وأصبحت الطالبات من بين أكثر العازفين المتميّزين في المدرسة. وفي الوقت نفسه، تهتم المدرسة بالمشاركة المجتمعية والتواصل الاجتماعي وفي تشكيل فرق موسيقية مستقلة. يمكن قياس نجاح مدرسة الدرب الأحمر للفنون بعدد الخريجين الذين تابعوا دراسات موسيقية أخرى ووجدوا وظائف كعازفين محترفين، مثل دنيا سامي، وهي عازفة إيقاع تبلغ من العمر 23 عاماً وقد تخرجت من مدرسة الدرب الأحمر للفنون وحققت نجاحاً كبيراً في عملها كممثلة في الدراما التلفزيونية المصرية الشهيرة، وهي تعتبر أول ضاربة إيقاع في إحدى الفرق في مصر. تقول إن الثقة التي اكتسبتها خلال تعلمها في مدرسة الدرب الأحمر للفنون مكّنتها من الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، وهي الآن في سنتها الرابعة، وتشقّ طريقها نحو مهنة ناجحة كفنانة.
تعتبر مدينة أسوان، الواقعة في صعيد مصر على ضفاف النيل، موطناً لمشروع أسوان للموسيقى. لقرون، كانت أسوان بمثابة ملتقى طرق التجارة والثقافة والموسيقى، حيث تمتزج الأصوات المحلية للمجتمع النوبي المحلي بالأنماط والآلات الموسيقية المتنوعة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. تزداد هناك نسبة الفقر، ولا سيّما بين النوبيين المهمشين تقليدياً، فيضطر الشباب لمغادرة أسوان للعثور على عمل، ما يؤدي إلى تمزيق سلسلة نقل المهارات والمعارف الموسيقية. وفي الوقت نفسه، يواجه الشباب الذين يرغبون خوض تدريبات في الموسيقى تكاليف باهظة بعيدة المنال بالنسبة للأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
يعالج مشروع أسوان للموسيقى، اذلي تم انشائه في عام 2017 بالتعاون مع مؤسسة أم حبيبة، تلك التحديات من خلال تقديم التدريب المجاني للشباب دون سن 25 سنة على أنواع الموسيقى التقليدية العربية والمصرية والنوبية، والتركيز على آلة العود والآلات الإيقاعية وآلة الطنبورة. والطنبورة آلة موسيقية وترية تتميز بعنقها الطويل، وتعود أصولعا إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وكانت إحدى أهم الآلات في الثقافة الموسيقية لأسوان. كانت هذه الآلة في طريقها إلى الاندثار حتى بدأ مشروع أسوان للموسيقى بالتركيز على إعادة إحيائها، وتعليم الطلاب كزهراء عثمان على صناعتها والعزف عليها.
بدأت الطالبه زهراء عثمان دراستها في مشروع أسوان للموسيقى بقصد تعلم العزف على الطنبورة، وفي سبتمبر من عام 2019، حصلت على منحة قدرها 3000 دولار أمريكي لدعمها في إنشاء ورشة لصناعة الطنبورة وتسويقها في الأسواق المحلية، حتى وصلت في نهاية المطاف الى الأسواق الوطنية. يتعلم الطلاب أهمية الفنون ودورها الاقتصادي في تنمية المجتمع أثناء المساهمة في إحياء الثقافة، من خلال التوعية على أهمية التراث الثقافي. يهدف المشروع وعلى وجه الخصوص إلى تفعيل دور الفتيات والنساء كمؤديات ومؤسسات للفعاليات في المشهد الموسيقي المحلي. يقدم فيلم قصير عن طالبة أخرى ضمن مشروع أسوان للموسيقى، وهي زهراء يعقوب التي تدرس العزف على آلة الطنبورة، شهادة على نجاح المدرسة في هذا الميدان. بينما تعتبر آيات عبد النعيم محمد دليلاً آخر على التزام مشروع أسوان للموسيقى بالنهوض بالفتيات والنساء. تبلغ آيات من العمر 24 عاماً، وهي إحدى المساعدات في مشروع أسوان للموسيقى وتدرس في نفس الوقت الموسيقى في جامعة أسوان. فازت عام 2018 في مسابقة ريادة الأعمال واستخدمت أموال الجائزة لتأسيس صالة خاصة للفنون والموسيقى في قرية غرب سهيل النوبية، ما وفّر للمجتمع المحلي مساحة لصنع الآلات الموسيقية والاستمتاع بها.
يقدم كل من مشروع أسوان للموسيقى ومدرسة الدرب الأحمر للفنون أمثلة مشرقة عن برامج التعليم الموسيقي والتدريب الفني النابضة بالحياة التي تعمل ضمن بيئات صعبة، كما يوضح كلا المشروعان مرة أخرى أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليست فقط قوية ومترابطة، ولكن، في الواقع، لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.
المصدر: غلوبال نيوز برس