السياحي
مدينة قلهات حكاية في الذاكرة
آمنه بنت محمد البلوشي
حسب ما قرأت وسمعت من حكايات الجدات تعتبر مدينة قلهات الساحلية –بتقدير علماء الآثار- أقدم مدينة عُمانية على الإطلاق، وهي أول عاصمة لعُمان قبل دخول الإسلام إلى هناك. وبسبب موقعها الاستراتيجي المطل على البحر كان ميناؤها يستقطب السفن القادمة من شتى بقاع الأرض، فرست فيه سفت الهند واليمن
طبعا في السابق كان الوصول الى مدينة قلهات عبر طريق غير مسفلت من ولاية صور وحسب ما أكدت لي أمي المسافة كانت تستغرق ساعة ونصف والشارع يبرز جنبات البحر حيث يقاسم الضريح هيبة اخرى وحاليا يمكن الوصول للمكان مِن مركز ولاية صور من ٣٠ _ ٣٥ دقيقة تقريبا بحوالي 25 كم باتجاه الشمال الغربي، وتبعد عن مدينة مسقط بنحو 150 كم إلى الجنوب الشرقي.
زيارتي لمدينة قلهات هذه المرة رغبة مني لاستكشاف مكان في الذاكرة القديمة وايضاً لبحث عن نسيج من خيوط القصصية المتداولة لدى العامة الى جانب القصة التقليدية المتوارثة للمؤرخين عن مسجد بيبي مريم او كما يطلق عليه ضريح بيبي مريم ،
احاول أن أُوصِّف لكم مسجد بيبي مريم بدون ان اذكر اَي عصر يرجع نظرا لكثرة التواريخ المتباينة والمتباعدة في المعلومات بدءا من معلومة الهزة الارضيّة التي كما يقال وقعت في المدينة حيث لاحظت معلومات في احدى المواقع الالكترونية لإحدى الجهات الحكومية انه وقعت هزة ارضيه في القرن الرابع عشر وفِي احدى الصحف ذكرت انه الهزة الارضيه وقعت في القرن الخامس عشر
اركز في رؤيتي عن (الضريح) البناء من الجانب الفني وبعض معلومات العامة بشكل بسيط بعيدا عن الاحتمالات والتأويلات وأركز على الحكاية التي التصقت بذاكرتي الشخصية لشخصية (بيبي مريم)
في السابق زيارة البعض لهذا المكان كان لأسباب تتعلق بالنية او تنفيذ الوعد بمعنى مثل قالت أمي يتم زيارة من قبل البعض لعدة مرات حيث المرة الاولى يتعلق بالدعاء لشفاء من أمراض معينة والزيارة الثانية أخذ قهوة وبخور لبان وعود خشب وحلوى وذبيحة لتصدق بها في نفس المكان وكآن المريض او زائر للمكان يقدم هذه الأشياء الشبيهة كقرابين وهذه العادة استمرت حتى منتصف التسعينات تقريبا علما كان زوار يعتمدون على شخص له دراية وإلمام بالمكان ويقرء أدعية ويساعد الزائر في توزيع ما لديه من حلوى وذبائح لاهالي المكان وتوقف زائري المسجد من استمرارية هذه العادة بعد وضع سياج حديدي لترميم المكان وما يحيط بها من اثار باقية طبعا يمنع منعا باتا الاقتراب من هذا المكان الا بتصريح استثنائي من الجهة المختصة.
لربما تسئلون عن بيبي مريم الحكاية المتداولة لدى عامة الناس حسب حديث كبار السن في المنطقة والمناطق المجاورة منها انه بيبي مريم كانت فتاة تقية لديها عينين واسعتين تستطيع رؤية الأشياء البعيدة جدا.وهذا ما جعل ابيها يجمع رؤس القبيلة لأخذ رأيهم حيث شبه أبنته بشجرة وانه يتعب في الاهتمام بها لذا من احق بثمارها طبعا هنا أكد الجميع بان الأب يستحق الشجرة وسمعت الوصيفة التي كانت قريبة جدا من بيبي مريم وحللت الحديث وقامت بإعلام بيبي مريم وما حدث في الاجتماع من احاديث وفهمت بيبي مريم ما بين حروف الحديث بان والدها يرغب بالزواج منها وهنا ذهبت بيبي مريم للمسجد وصلت ركعتين كما تداول لدى البعض وطلبت بان ينشق الارض ويبلعها.
القصص الثانية المتداولة تاريخيا أن «بيبي مريم» كانت تحكم قلهات إبان حكم قطب الدين ملك هرمز خلال زيارة ابن بطوطة للمنطقة، في حين يقول السكان المحليون إنها امرأة طاعنة في السن قامت بعمارة المسجد وخدمته إلى أن توفاها الله.
كما أوضحت بعض المصادر التاريخية أن آثار المسجد الجامع تشير إلى أنه بني في عهد “بيبي مريم” في القرن الثاني عشر الميلادي في العهد القرمزي، وهي زوجة ملك قلهات “بهاء الدين أياز”، الذي كان مملوكيا خادما للملك القرمزي ثم استولى على الحكم بعد أن أطيح بالملك.
البناء الفني لمسجد وضريح بيبي مريم
الآثار التاريخية المتبقية الدالة على أهمية قلهات التاريخية حيث بني المسجد وقلهات الاثرية بنقوش بديعة مع الحجر والشعب والقواقع المرجانية، الأمر الذي يجعله متفرداً ودالاً على الطبيعة الجغرافية المحيطة به وتقف واجهات الضريح لتثبت مرور ومكوث وتأثر المنطقة هناك بالحضارة الهندية والإيرانية، فالواجهات بنيت على شكل أقواس على النمط المغولي الذي اعتاد الهنود والإيرانيون اتباعه في تلك الفترة. كما أن النقوش والزخارف أو ما تبقّى منها يزين جدران الضريح يدل على المهارات اليدوية التي تمتّع بها الحرفيون في تلك الفترة، واهتمام الحضارة القديمة بالتفاصيل الجمالية.
وللمسجد قبة متناسقة الأبعاد تهدم بعض أجزائها وتتشابه جدرانها الأربعة في التصميم والزخرفة كما يحتوي الضريح على سرداب تحت الأرض في وسط السرداب مكان طوليا صغير الحجم لربما لتجمع الماء كانت تعلوه قبة انهار جزء منها لأسباب متعلقة بالتغير المناخي والعوامل الطبيعية. كما يميز المكان طراز بناء يعتمد الشكل الأسطواني الذي يدل على طراز البناء الذي كان متّبعاً في ذلك العصر. ويوجد للمسجد ثلاث أبواب طولية الشكل ونافذة واحدة ودرج مبني من الطين والأحجار والقواقع والشعب المرجانية كما يتضمن مدينة قلهات الاثرية سُوَر مبني من نفس المواد التي ذكرتها أعلاه وما تبقى منه قليل من المؤسف حيث متهدم السور الحجري وهذا السور يجعل الفكر يذهب بعيدا كأننا امام شريط سينمائي يأخذنا نحو عالم جميل ملىء بالأسرار والحياة هي مملكة تاريخية انبثقت منها مفارقات تاريخية واجتماعية كثيرة.
أيضا في مدينة قلهات الاثرية العديد من الآثار كخزان لمياه الشرب وحوض ماء إضافة إلى بعض المباني وآثار القبور وأشجار يابسة الجذوع وكأنها تنتظر من يحرك أغصانها رامية الأطراف لتحكي حكاية مدينة أبجدياتها ونهايتها تحمل دهشة الأمكنة والأزمنة.