السياحي

مطرح تبحث عن أطول النخلات وساريتها الشامخة

 

استدعى الحكاية المطرحية

حمود بن سالم السيابي

—————

في كل مرة أدخل دكانه يستقبلني بدلة قهوته المشعشعة برحيق الأيام الخوالي، ووجه بشوش يتوضأ من رطوبة جو مطرح.

وكانت سير آبائنا دوما عطر الحكايات.

وفي إحدى الإطلالات للدكان والفناجين وجمر الحكايات أشعل التاجر حمد الرحبي حكاية سقوط مروحة مستشفى طومس التي لونت الأفق المطرحي لأكثر من قرن   وأيقظ ارتطامها المفاجيء (أمس) بالأرض البلدة النائمة بفعل الدوي الهائل الذي أحدثته، وكأن زلزالا ضرب مطرح أو “جلمود صخر حطه السيل من علٍ” ، أو أن باب المثعاب قد انثلم سوره فتداعى.

لم تعرف مطرح ما حل بها في هجعة تلك الليلة من مطلع الألفية الثالثة  إلا مع خيوط الصباح الأولى حين عبر المتوضئون الدرب باتجاه مسجد الشجيعية لتصدمهم حقيقة سقوط  المروحة الهوائية الشامخة.

كان صديقي الرحبي يسترسل إلا أنني لم أدعه يكمل فقد كنت أسابقه في الأفق بحثا عن السارية المطرحية الغائبة، وعن أطول النخلات في المكان.

لقد أنهت صمودا دام لمائة عام فانحنت أخيرا أمام طغيان رطوبة الجو وملح البحر وصدأ السنين.

وشعرت المروحة أن استمرارها في الدوران لم يعد له معنى في غياب المستشفى وطومس وبعد أن فقدت منذ سنوات خلت توأمها، وأن استمرار مكابدة  رفع الماء من رحم الأرض عبثي بعد أن وصل الماء لكل بيت مطرحي بما فيها الأكناف القصية لمطرح، فحق لها بعد كل هذا العمر أن تموت، وأن يكتب الدوي الجنائزي الهائل شهادة وفاتها، ولتكن آخر ضربات مشرط طومس ومنشاره أن يحز رقبة المروحة الهوائية كتوقيع أخير على شهادة الوفاة.

وبينما التاجر الرحبي يسرد تفاصيل السقوط ورعبه كنت قد حلقت بعيدا عنه ونسيت  سبب مجيئ لدكانه.

ولم تعد تشغلني قائمة احتياجات بيتي، واختلطت أمامي ألوان وأشكال وروائح  جواني الرز البسمتي والبن السيلاني وكراتين الحليب والصلصة، وغاب من الشفاه مذاق قهوة دكان الرحبي وتبعثرت بشاشة وجهه لأغرق في أحزان هذه السارية  المطرحية العالية  التي اجتثها سيف الزمان من قاعدتها محدثة كل هذه الغربة وكل هذا الفراغ.

لقد عاشت هذه المروحة سنوات أطول من المستشفى، فقد مات المستشفى نفسه قبلها ولحقته.

وكانت معمرة قياسا بكل المراوح والطواحين الهوائية من فئتها في سماوات العواصم والمدن والتي اختفت منذ سنين.

ولم تعد مثيلات هذه المروحة الأمريكية القادمة عبر البحر من الأقاصي البعيدة  تدور في الأفق الأمريكي إلا في أفلام الكاوبوي أو وثائقيات البحث عن النفط والذهب.

إلا أن شموخها لأكثر من قرن جعلها من ثوابت المشهد المطرحي الذي عشته وكبرت به ومعه ، وكان من الصعب  أن أراها تموت هكذا .

لقد كانت طويلة جدا فتآكلت  بعض أجزائها فتم التخلص منها لتستمر وإن تقاصر هيكلها الفارع.

وشكلت مع توأمها المروحة الأخرى ثنائيا رائعا في زرقة الأفق بتكاملهما مع قلعة مطرح ودروازتها وجبالها ونخيلها شخصية البلدة وهويتها.

وكان لا بد لرحيلها المفاجيء من ان يترك بعض الندوب الموجعة في القلب.

ولعل من الصدف أن ألتقي في نفس يوم السقوط بعاشق مطرحي آخر له مع المكان حميمية استثنائية هو الشاعر الكبير الاستاذ الشيخ ذياب بن صخر العامري حيث وقفنا معا على رأس المروحة المسجى على الأرض وكان لا يزاال ينزف زيتا وصدأ وتاريخا.

مسحنا الغبار بأيادينا لنتبين الأحرف الإنجليزية المكتوبة على المروحة  ونؤبن قرنا من الدوران لمدينة مصدومة.

كانت المروحة تعني للأستاذ ذياب الكثير والكثير فكانت آخر ما تبقى في المكان.

وكانت تلقي بظلالها على جدران بيته في حارة جيدان.

وقد تعلم الاستاذ ذياب تحت سارية دورانها هي وتوأمها  التمريض ومارسه، وحلق مع دورانهما في عوالم تمتد من سطوح بيوت جبدان إلى ضفاف  نهر المسيسبي.

وكان مشهد المروحة التي اعتادت الدوران جثة هامدة  والنزيف الزيتي يغرق تفاصيلها كارثيا ، ولذلك جمع الاستاذ ذياب في كاميرته ما استطاع إلى ذلك سبيلا من لقطات متعددة للمروحة الساقطة.

وكان يصور كل الزوايا وكل التفاصيل كمحقق في جريمة وكعاشق يرى صبا المكان وقد تغير ، وكشاعر يؤلمه الفقد وإن كان  يتمثل فيد أشكال من حديد.

وفجر مصرع المروحة المروع بالنسبة لي تذكار جرح جد بالتذكار ، فاستعدت معه رقدة عدد من الأقارب على أسرة هذا المستشفى حيث كانت تدور هذه المروحة وتوأمها. واستعدت الوجوه الشاحبة التي لم يفلح الدختر طومس أن يعيد لها رونق الحياة ونضارتها رغم اجتهاده وتفانيه ، إلا ان مشيئة الله اقتضت أن ينتصر الموت على السماعة وقياس الحمى والحقنة وأقراص “الكنين” وقوارير الدواء فعادت تلك الوجوه  إلى مسقط رأسها شاحبة كما جاءت وباردة رغم طقس مطرح اللاهب ورغم ثقل أغطية النعوش.

وأعادتني رقدة المروحة على الأرض إلى رقدتي شخصيا على أسرة هذا المستشفى ، وإلى إطلالة  نافذة غرفتي على دورانها ، فكنت أفتح النوافذ لألطف هواء الغرفة الخالية من التكييف وأهرب من وجع وخز الحقن ومرارة الأدوية.

واستعدت مشهد دخول طومس ومرافقيه وطاقم ممرضيه لغرف المرضى ومن بينها غرفتي.

كانت ملابسهم بيضاء كدشاديش العيد، وكانت المروحتان الهوائيتان تدوران فتجعلان من كل شيء أبيض يتماوج بظلالهما.

وتمثل دخلة الطبيب أمرا مفرحا لكل مريض، إلا دخلة طومس كانت تمثل لي مؤامرة على زنودنا النحيلة، بينما حقن مستشفاه مصممة لزنود أبطال المصارعة  فكانت كبيرة جدا بحيث لا تطيقها زنودنا التي كانت مجرد جلد وعظم، ولم يدخل المستشفى بعد مرحلة الحقن الرفيعة والتي تستخدم لمرة واحدة فترمى، بل كانت كبيرة سواء الإبرة أو حاوية الدواء، وكان تعقيمها يتم بغليها بالماء.

وكانت أدوية طومس مرة كالعلقم، فنشربها خوفا من عصا الوالد وبقنطار صبر وعيون مغمضة.

وكان طومس يدخل على مرضاه وهو يرطن مع طاقمه وتلاميذه بلكنة جيمي كارتر وبوش وترمب، وكلما ازداد الرطن تأكد لنا أن مؤامرة  حقنة تحاك، وأن أمرا دبر بليل وأن الحقنة يجري غليها لساعات لتبدو أقوى وأوجع.

وكان عيدنا كمرضى حين يدخل الممرض ومعه بضعة أقراص وقوارير وأمرا بالإفراج من المعتقلين في الغرف لنعود لحقائبنا المدرسية وشقاوات الدروب وقناديلنا ودفاتر الواجبات.

ورغم السجل المثقل بالأنين للمستشفى وطومس وسماعته وحقنه وأدويته الا إنني لم أمقت المكان  ولا شخوص المكان، بل بقيت على ودي معه، وظل المكان كفصل  حميمي في العمر ومساحة زاهية في الذاكرة، ولذلك كتبت عمودا بجريدة عمان حين اقترب البلدوزر ليهشم المستشفى ويعلي مكانه بناية تجارية قميئة، فتقاطعت مع فكرة الهدم  والإزالة وناديت بجعله متحفا نقيس عليه مسيرة تطورنا العلاجي.

ومع سقوط هذه المروحة الهوائية كنت قد خرجت من الجريدة فلم يعد بمقدوري أن أبكيها حيث بكيت المستشفى. وكان طومس الذي عالجني فشفاني الله هو نفسه الذي خرج من مستشفاه العديد من الأقارب والمعارف على نعوش، فكان الطبيب الأوحد لعمان السياسية، ومشرطه وحقنه والنطاق الجغرافي لعلاجه كان يمتد من عمان السياسية لعمان التاريخية.

وكانت إبره تغوص عميقا في الزنود من مطرح إلى ما بعد قطر، وكان العابرون لأقسامه ممن يتوجون رؤوسهم بالعمائم أو الذين يثبثون الشماغ بعقال أسود من معاناة الأيام.

وكان طومس راهبا في ثوب طبيب، وكان قسمه لأبقراط، إلا أن ولاءه استمر للمجدلية ويسوع.

وكان يقيم كل أحد قداسا في الكنيسة القائمة ضمن مرافق المستشفى، ويوزع كتيبات تبشر باليسوعية وعظات مقتبسة  من الإنجيل.

وحين ذهب طومس لنزوى في خمسينيات القرن الماضي ليعالج الإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي من مرض النزول في إحدى عينيه قامت نزوى ولم تقعد، فأدخلتها زيارته  في جدل فقهي حول جواز لمس الطبيب الكافر للجسد الشريف للإمام.

وكان المتزعم لجبهة الرفص هو الشيخ سيف بن راشد المعولي الذي استبد به الغضب وهو يرى بيضة الإسلام تفتح بواباتها لنصراني ، ويرى حصن نزوى وهو يحول إحدى غرفه إلى قاعة للعمليات.

نام يومها الإمام  فوق درفة باب تم خلعها لتتحول إلى سرير نوم لقاعة عمليات متنقلة.

وتحلق طومس ومساعدوه حول الإمام المسجى على الدرفة ، وأجرى تخديرا موضعيا لتجويف العين الشريفة ثم بدأ العملية التي تمت بنجاح بلطف من الله.

ثم لف العين الشريفة للإمام على أن تزال اللفافة بعد أيام.

وكانت نزوى تنتظر تحت القلعة بين الخوف على إمامها والرجاء لأن يسبغ الله عليه نعماءه.

وكانت حلقات المساجد النزوية تتنازعها سجالات من رأى بجواز علاج الطبيب الكافر

للمريض المسلم كون الإمام  الرضي الخليلي أعلم أهل زمانه وقبوله للعلاج يصب في الجواز  ، وبين من تعصب لرأي عدم الجواز ، وأن تقدم الإمام في العمر قد اختلطت عليه بعض الأمور.

رفعت اللفافة عن العين الشريفة وعاد النور ، وتمكن الإمام من قراءة أحرف المصحف ووجوه الناس ولون الجص في الشهباء وسنطوانات مسجد الشواذنة وملامح أبناء أخيه المشايخ هلال وعبدالله وسعود.

الا إن نزوى كما رآها بعينيه بعد العملية الجراحية لم تعد نزوى كما عرفها ، ولا الوجوه هي الوجوه ، وكان الزمان يستعد لاسترداد أجمل ما بالزمان.

إلا أن سجال علاج النصراني للمسلم قد حسم  ، وحتى العلامة الشيخ سيف المعولي المتزعم للرفض رقد بعد سنين في مستشفى بالهند ، وكان المعالج لعينيه من طائفة الهندوس ، وكما نشر كتاب سيرته ان الإمام الخليلي زاره في الحلم وهو على سرير المستشفى ليذكره بطومس النصراني ، فقال الشيخ المعولي معتذرا لإمامه “لقد زاد علينا الحماس في تلك الأيام”.

أعود إلى طومس الطبيب والمستشفى فقد كان الرجل مؤمنا بمهنته ورسالته فأراد أن  يحلق بالمهنة والرسالة معا فنجح في إقناع المجتمع بإعطاء فرصة للحقنة لتحل مكان ميسم الكي ، وقارورة الدواء مكان العشبة الشعبية ،  وسماعة الطبيب مكان حدس الباصر ، والتشخيص العلاجي مكان الحروز  والتمائم ، فانتقل المجتمع من الاعتماد الكلي على ما يصطلح عليه اليوم بالطب البديل إلى الطب الحديث.

وأعود الى مستشفى طومس ومعجزته العلاجية التي مهد لها آباؤه الإرساليون قبله وكبرت به وعرفها الناس مقرونة باسمه فأستعيد من الذاكرة مرافق المستشفى وقد توزعت على تفاصيل أكثر من عشرة آلاف متر مربع تشمل المستشفى وسكن الأطباء وملعب التنس الأرضي والكنيسة ومرافق عزل الحالات المعدية.

ووسط هذه الرابية الأمريكية تشمخ المروحتان الهوائيتان لتغزلا صمت جبال اللولوة والعريانة وجيدان  والشجيعية  ووادي خلفان وحارة الشمال.

ويتكون المستشفى القادم مع القرن العشرين من واجهة رئيسية قبالة خيام الشجيعية الموقوفة لمسجد الشجيعية والتي يؤجرها الوكيل سعيد المعشري لعوائل نزلاء مستشفى طومس او المترددين على مطرح.

وتضم الواجهة المشغولة بالحجر خمسة صباحات كبيرة يتوسطها صباح البوابة الرئيسية للمستشفى بينما تتوزع الاربعة الباقية كنوافذ على يمين وشمال البوابة.

وتنفتح البوابة على رواق قبالتها وعلى اليمين قاعة انتظار للمرضى وأخرى على الشمال.

وخلف جدار رواق المدخل تقع غرفة العمليات وغرفة تصوير الأشعة X RAY وتنتهي قاعة الانتظار الشمالية بغرف الأطباء.

أما البوابة الشمالية المفتوحة على اللولوة والمروحة الهوائية فتقود إلى رواق ينتهي بقاعة كبيرة تستضيف جلسات عظات الأحد وبعض المناسبات الكنسيّة.

والداخل من البوابة الشمالية سيمر على غرفة قمبر أو قنبر الذي يتولى عمليات الختان، بينما على يمين الداخل تقع غرفة التمريض حيث تتم عملية تجبير الكسور وتضميد الجروح وإعطاء الحقن وصرف الأدوية.

وبعد غرفة التمريض يبدأ صف من غرف الطابق الأول لترقيد المرضى ينتهي بصباحات مفتوحة على فناء تتوسطه شجرة شريش معمرة ويقابله صف مماثل من الغرف.

ويتكرر صف ثالث خلف جدار هذا الصف ينفتح على الشمال باتجاه البحر.

وقبالة باب غرفة العمليات ينتصب درجان إسمنتيان ينتهيان بثلاثة مخارج أحدهما لشرفة وسطح الواجهة الرئيسية للمستشفى حيث تنتصب على اليسار غرف ترقيد المرضى وتنتهي بغرفة مخصصة لتعليم  وتأهيل الممرضين والممرضات يتوسطها سرير تنام عليه دمية بكامل ملابسها لتمثيل طرق المعالجة.

بينما يقود المخرج الثاني لغرف التنويم في الواجهة الجنوبية  حيث يتكرر الرواق والصباحات المطلة على الفناء والشجرة المعمرة.

ويقود المخرج الثالث للدرجين لغرف الواجهة الشمالية ومعها الرواق والصباحات وضجر المرضى والحركة الدؤوبة للاطباء والممرضين.

وإلى جانب البوابتين الرئيسيتين توجد بوابة ثالثة صغيرة تنفتح على معقل مرابض الجمال وباب المثعاب وحلة العريانة.

والداخل من هذه البوابة يرى حنفية كبيرة لمياه دافئة وكأنها قادمة لتوها من بئر المروحة الهوائية وحولها مصطبة تستخدم لغسيل شراشف المستشفى وألبسة المرضى وغيرها من أعمال التنظيف،  وخلف المصطبة يرى الداخل على يساره بناء صغيرا من طابقين يضم مكاتب إدارية ومخازن.

وتقود البوابة الشمالية إلى أروقة الطابق الاول للمستشفى وعنابره.

ولعل طومس كان طبيبا عاما ولذلك يعالج الكسور بأنواعها ويجري أصعب العمليات واعقدها للأطراف.

ويمد خبرته للعيون وعلى رأسها التراخوما والرمد والنزول حيث يدلف عوالم عيون العلماء وقد أجهدتها  القراءة وأوهنها الكبر.

ولا يمتنع عن معالجة الأنف والاذن والحنجرة بما فيها الغدد.

ويتعاطى علاج الاورام بأنواعها حتى الخبيث منها لعله يقهر بمشيئة الله تمددها وانتشارها.

ولا يتردد من معالجة القلوب فيغوص بمشرطه في تفاصيل قلوب الشعراء والعشاق.

ويمتد نشاطه لمعالجة الأوبئة الجلدية كالجذام محققا نجاحات مشهودة في بعضها.

الا ان عدم التخصص في مرض بذاته وقلة الأدوات تجعله يلجأ دوما للبتر مخافة ان تمتد الغرغرينا لبقية الجسم، لدرجة أن والدي كان يسميه بالجذاع لكثرة الأطراف التي احتزها منشاره، فكان بجذعه وبفؤوسه ومطارقه ومشارطه يجذع الأطراف، كما يجذع الجذاع جريد النخل فيحيله جذوعا للسقوف.

وكانت متعة مطرح مشاهدة الاطباء والطبيبات والممرضين والممرضات وهم يتقافزون خلف الكرات الصفراء في مباريات التنس بملعب المستشفى تحت ظلال المروحة الهوائية، فكانت المباريات كما تبثها الشاشات الفضائية اليوم عن مباريات جميلات التنس شتيفي جراف وفاطمة النبهاني وماريا شارابوفا وسانيا ميرزا ومونيكا سيليش، إلا أن الزمن  حوّل الملعب الباذخ إلى موقف لسيارات المركز الصحي بعد ان طوت الأيام اللاعبين واللاعبات.

ووحدها الكنيسة شمالي استمرت في المكان خلف بقايا الملعب متوارية تحت الأشجار المعمرة فتزداد نشازا وغموضا.

ولا أزال أتذكر مطرح من سطح الواجهة الرئيسية للمبنى كأجمل شرفة وإطلالة على البلدة الحالمة.

والواقف خلف سور السطح يرى تفاصيل مطرح كبيت طالب والدروازة وسور مطرح والقلعة وعنفوان الجبال ومحطة تعبئة الوقود شل والسوق ومنصة شرطي المرور وهو يوزع مرورا عبثيا لندرة السيارات المارة حوله ولعدم وجد شوارع تستحق أن يوزع بينها الفرص المتكافئة للمرور كما تعمل شارات المرور اليوم.

وبينما أغرق في حكاية  مطرح وحمد الرحبي والمروحة وطومس أعبر الزمن الذي تغير من طبيب واحد هو طومس  لعمان السياسية ولعمان التاريخية، إلى خمسة أطباء بين أفراد أسرتي  فقط، وأحدهم يرأس أهم مستشفيات البلاد.

ومثلهم الآلاف في بقية الأسر، لدرجة أننا نتحدث اليوم عن أطباء يبحثون عن العمل.

وتشاء الأقدار وأنا أكتب هذه السطور عن المروحة ومطرح وطومس الطبيب الأوحد لعمان التاريخية أن أكون  في ألمانيا وألتقي بنبيل عماني يمثل رحمة الحكومة العمانية بأبنائها هو الدكتور الجليل عبدالله البلوشي الذي يمخر  ألمانيا طولا وعرضا لمتابعة أنين مريض يتوجع ويحل مشكلة لمريض مع طبيبه.

وقد تفرع الحديث مع هذا النبيل العماني على تفاصيل عشرات الأطباء الكبار الذين يقدمون خبراتهم للمرضى من عمان، وعن المستشفيات الألمانية ومزاياها.

لقد جاء الدكتور عبدالله البلوشي من برلين بالسيارة مؤديا نبل الرسالة السامية التي بغمر بها كل عماني يتألم هنا فيوجهه وينصحه ويواسيه.

ويبقى خوف المريض حين يبتعد عن بلده يكمن في احتمالات عدم العودة للمكان والوجوه والنخل والسواقي.

ويبقى اتكاله على الله الذي بيده مقاليد الأمور وتصاريفها “وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت”صدق الله العظيم.

وتبقى مطرح تتلفت برأسها وهي تبحث عن المروحة والسارية وأطول النخلات، إلا أن المروحة لحقت بشقيقتها وبشخوص المكان.

تم نشر المقال في العدد 25

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق