السياحي

«خريف» صلالة: سؤال «المليون» زائر!!

حين نقول صلالة فإن حبات المطر تتساقط عبر كل حرف، وبياض كل غيمة تتمدّد على الكلمات فتكسبها جمالا، تعرفه سهولها وجبالها مع كل موسم «خريفي» حيث تمتزج مسميات الفصول، فيكون الصيف خريفا بنكهة الربيع..

كتب: رئيس التحرير

ليست صلالة وحدها التي تقف في مشهد الجمال خلال أشهر الصيف، كما تعرفه شبه الجزيرة العربية جيدا، بل يمتد جمال الموسم على كافة ولايات محافظة ظفار، فتكون تضاريسها أجمل، حيث التقاء الجبل بالبحر، واختلاط بياض السماء بزرقة الموج الذي لا يبقى أزرق، بل يلبس ذات البياض، كأنما عرس الطبيعة يزهو بلونين فقط، الأخضر والأبيض، ويترك للجبال أحيانا فرصة أن تنطق بألوانها الحقيقية، فيغدو اللون البني كاسرا بأنفته المعهودة، رتابة تكرار اللونين في كل مكان.
لا تحتاج الطبيعة في صلالة، وسائر شقيقاتها من ولايات المحافظة، إلى الكثير من الكتابة عنها، ففي بعض المشاهد تبقى الكلمة عاجزة عن التعبير عن ذلك السحر الحقيقي المنثال من السهول والجبال، ومن ذلك الغيم الذي يهطل بياضا أكثر من المطر..
ولا تحتاج المنجزات المتحققة على أرضها المزيد من الإشارة إليها، فهي حاضرة، وجهود بلدية ظفار لا يمكن تجاوزها، فقد عملت خلال السنوات الماضية على توفير الخدمات للزوار، خلال الموسم، وإضافة المزيد من الحيوية على مهرجانها السياحي..
إنما يبقى الطموح أوسع من أن تتحمله بلدية ظفار وحدها..
أن تبقى هناك الرؤية الوطنية للاستفادة من موسم يمكنه أن يدرّ ذهبا على «السياحة» لتكون فعلا مستحقة للشعار الذي ترفعه: «السياحة تثري»..
ما الجديد؟!
لا شيء يغتال متعة المهرجانات الترفيهية كالتكرار، وكذلك الأمكنة السياحية التي تزورها في كل مرة ولا تجد إلا صورتها الاعتيادية، المشهد في شاطئ المغسيل، وفي العيون، وفي سائر الأمكنة الرائعة، دون وجود حلول إبداعية تضفي الجمال (بصناعة بشرية) على ذلك الجمال الربّاني، مقهى بحيطان زجاجية، غرفة صغيرة للعائلات تؤجر لتبقى نظيفة، وغيرها، مما يمكن للزوار أن يتأملوا المشهد جلوسا بأريحية دون الخشية من البلل.
أما مشروع التليفريك فيبدو أنه كأننا سنعيد اختراعه من جديد، ولم تعرفه أمم قبلنا!!
هذه الفكرة التي يمكنها أن تكون مصدر دخل جيد حيث إن أغلب السياح سيرغبون في تجربته، والعيش في مغامرة رائعة يحلقون بها فوق ذلك الإبهار في مشاهد الطبيعة.
في ميدان البلدية الترفيهي أفكار جديدة، لكن أغلبها تقليدي، وفي عصر التفكير في الثورة التقنية فإن حدود التفكير ينبغي أن تتواكب مع المقدم حاليا، حيث يتوازى الاهتمام بالتراث مع الطفرة النوعية في مجال التكنولوجيا واهتمامات الجيل الحالي.
سؤال المليون
منذ سنوات يبقى رقم عدد الزوار أقل مما ينبغي، ربما يبلغ ما يريده المسؤولون، ولكن هناك من لا يقتنع بتلك الأرقام، أو نسبة الزيادة السنوية فيها..
كيف لتلك الجنة الأرضية، وهي تتأنق في عز الصيف، ووسط حرارة تبلغ الخمسين في الظل، أن لا تكتفي برقم المليون زائر، ولم تبلغه حتى في أجمل المواسم، وعلى امتداد عدة أشهر؟!
موسم الخريف يحتاج إلى رؤية استراتيجية، كيف يمكن أن نحقق أقصى استفادة منه، على الوطن والمواطن أولا وأخيرا، وكيف نصل إلى تلك الاستفادة، وما هي الخطوات اللازمة لبلوغ الأهداف، بدلا من بعثرتها، وتركها حسب «التساهيل»، حيث تنغلق الرؤية، وتضيع الطموحات بين أكثر من جهة، كل واحدة تنتظر لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا!.
المثير في الأمر أنه لا يتم توضيح كيفية وضع تلك الأرقام من قبل المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وحسب الأرقام الصادرة عنه فإن موسم 2017 انخفض عدد الزوار بنسبة بلغت 1.2 بالمائة، فكان عددهم 644 ألفا و931 زائرا مقارنة بـ 652 ألفا و986 زائرا خلال موسم 2016.
وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة الزيادة في عدد الزوار هي ذاتها منذ عام 2015، فتبلغ 11.9 بالمائة سنويا، عدا العام الماضي، نظرا لكثافة الموسم، حيث بلغت الزيادة 28 بالمائة، ليتجاوز العدد 800 ألف زائر.
لماذا بقي الموسم، رغم وصوله إلى ذروة العطاء على مستوى الطبيعة، وبفضل من الله، إلى دون المليون زائر، بينما تعد هذه الأرقام عادية جدا حتى في حديقة ضمن أجندة السياحة في دول أخرى؟
لماذا بقيت السياحة في المحافظة «عشوائية» حسب من يأتي، دون وجود مخطط واضح، لاستقطاب المزيد، علما بأن البنية الأساسية لأماكن الإقامة تحسنت كثيرا، واختفت الشكاوى من عدم وجود غرف إيوائية، كالتي حدثت قبل سنوات، والتوسع في هذا المجال واضح، والإشارة إليه واجبة؟
لم يكن ممكنا، وعلى ضوء ما حدث من كثافة ملفتة وزحام الزوار في محافظة ظفار، مع جودة الموسم، توقع عدم تجاوز العدد حاجز المليون زائر، وبقيت الأسئلة معلقة، ما الذي يمنع حدوث ذلك؟!
.. وسؤال الخدمات!..
لا يمكن القول إن الخدمات لم تتطور في الأماكن السياحية في المحافظة عموما، وفي صلالة على وجه خاص، وهناك فرق شهدته السنوات الماضية، فالبنية الأساسية تطورت كثيرا، بدءا من المطار الجديد الذي (حسّن) سبل الوصول إلى صلالة بصورة واضحة، حيث قدرته الاستيعابية على استقبال ذلك العدد من الطائرات يوميا، وأيضا الجسور والطرق، والفنادق الجديدة، وغير ذلك مما يشعر المرء بالفخر لتحققه ضمن جهود التنمية المتواصلة..
لكن تبقى أسئلة صغيرة لا بدّ من طرحها، فالسؤال عن دورة مياه قد يبدو شيئا محتقرا بين كل ذلك، لكنه بالنسبة للسائح صورة حضارية، كالذي يضعه منظرها إن كانت بائسة مثيرة للغثيان، ومع أن هناك مباني شيدت على قدر من الجمال إلا أنها انهارت تحت وطأة الإهمال واللامبالاة، وفي سهل إيتين، وفي تلك البقعة الساحرة من الجمال لا يمكن العثور بسهولة على دورة مياه نظيفة..
أما عن المطاعم المتعددة في السهول فهي بحاجة إلى عملية تنظيم، وترميم، لا توجد أمكنة مجهزة لاستقبال الزوار، أفرادا أو عائلات، إلا في خيام ضعيفة المستوى، تجاورها معدات الطبخ وغيرها من الأشياء التي تعكس صورة سلبية.
أحصر هذه الخدمات في هاتين النقطتين كونهما الأساسيتين، والحل يكمن في وضع استراحات متكاملة، يمكنها تقديم تلك الخدمات عبر رسوم، شرط وجود النظافة والاهتمام والمتابعة، ومن أراد خدمة راقية فليدفع، ومن أراد خدمات عادية سيجدها متوفرة، بشرط تحقق النظافة فيها.. كأضعف الإيمان.
تثري من؟!
تشير أرقام مركز الإحصائيات إلى أن إنفاق زوار موسم خريف صلالة في عام 2017 بلغ 66 مليون ريال عماني مقارنة بـ 65 مليون ريال عماني في العام السابق، بينما ارتفع عام 2018 ليبلغ 75 مليون ريال، بنسبة 14 بالمائة.
في المطاعم (داخل المدن أو السهول)، وفي الأسواق، وفي أمكنة بيع الفواكه (خاصة المشلى) هل يمكن أن نصادف من يمثلون هوية البلد يقفون وراء هذه الأنشطة الاقتصادية المهمة في موسم سياحي مدر للمال؟!
قلة لا تمثل نسبة يمكن التعويل عليها، والقول إن سياحتنا تثري المواطن، وبالتالي الوطن في المجمل العام، الباعة الآسيويون في كل مكان، يعرضون بضاعتهم، ولا نجد شابا يقدم نفسه للزوار على أنه من هذه البلاد التي يحق لأبنائها فرصة كسب عيشه، في وقت نتحدث فيه عن أزمة
«باحثين عن عمل»، أو عن دخل إضافي.
.. والملف مفتوح
نأمل في العدد المقبل أن نقدم الجديد في مهرجان خريف صلالة السياحي كما هو بقية الموسم، حتى نضع القارئ في الصورة أكثر، ولننشر وجهات النظر المتفقة أو المختلفة مع ما نشرناه في هذه الصفحات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق