السياحي

حديقة القرم الطبيعية: أمل «معقود» لاستثمار «مفقود»

حديقة القرم الطبيعية، جمال آسر، يكاد المرء أن يحتار كيف كل هذا الجمال ولا يجد ما يستحقه من اهتمام يضيف على المكان حيوية، فتتسابق العائلات، كما الأفراد إليه، بدلا من أن تبقى وروده قابلة للعبث ممن لا يعنيهم ذلك الجمال، فالدخول مجاني، وعين الرقابة غائبة، وتوفر الإنترنت المجاني يجعل عشبه مرتعا للعمال الآسيويين الذين يفترشون العشب بصورة تغيب عن التهذيب.

كتب: رئيس التحرير

قبل سنوات كانت هناك رغبة في إحياء حديقة القرم الطبيعية، ويكفي المحافظة عليها لتؤكد مدى أهميتها والرغبة العميقة في أن تكون متنفسا حقيقيا وسط العاصمة مسقط، بجمالها الساحر، وامتدادها الطبيعي الممتد حتى البحر، حيث أشجار القرم تصنع مشهدا إضافيا للجمال.
ومنذ عقد من الزمان أو أكثر تحدث مسؤولون عن الاستفادة من الحديقة لوضعها على خارطة الاستثمار، بما يحفظ هويتها، ولكن أيضا بما يحقق فائدة اقتصادية مرجوة منها، فأقيمت عليها بضعة مطاعم، على الواجهة الأمامية، تتراوح في مستواها لتخدم مختلف شرائح المجتمع، تضاف إلى تلك المقاهي داخل الحديقة، والتي بقيت على حالتها مع تقادمها، وبقيت أيضا تعاني ضعف الإقبال حيث إنها تقدم أشياء بسيطة جدا، فيما تأتي العائلات بوجباتها جاهزة إلى داخل الحديقة.
قبل سنوات قال مسؤول كبير، في جلسة خاصة، إن هناك توجّها لمنح شركة عمران، وهي الذراع الاستثماري للحكومة، لتطوير واستثمار الحديقة، ومرت خمس سنوات على سماع ذلك، دون وجود مؤشرات تدل على أن وضع الحديقة، الثرية بمقوماتها الطبيعية الكبيرة، سيكتسب حيوية تستحقها، وهي في قلب مسقط.
بقي «الأمل المعقود» على وضع الحديقة ضمن أجندة الاهتمام (المستحق) ينتظر ذلك الاستثمار «المفقود»، والمؤجل، بما يمكنه أن يقدم تلك البقعة الساحرة كمصدر دخل، ونقطة جذب سياحية حبانا الله بنعمتها، وتنال اهتماما كبيرا من بلدية مسقط ضمن التشجير والعناية بجمالياتها، لكن مفردة الاستثمار تختلف عن تلك الجهود، وتحتاج إلى قرارات حقيقية.. تدفع بالمشروع إلى الأمام.
##
قبل سنوات طوال كانت القوارب الصغيرة تمخر عباب البحيرة الجميلة وسط حديقة القرم الطبيعية، فيأنس الزوار بتلك القوارب في حركتها على الماء، خاصة في الفترات المسائية، متعة للمجدفين بأقدامهم، وللجمهور المراقب لحيوية تكسر ركود تلك البقعة الجميلة..
واليوم.. تبدو البحيرة تعاني من ركود المياه، حتى يمكن رؤية الطحالب فيها، فليست تلك التي كانت تملأ العين جمالا، رغم كل الجهود التي بذلك لإعادتها للحياة بعد ما طافها من غوائل الأنواء المناخية (جونو) عام 2007، فبتلك الجهود بدت منطقة البحيرة أجمل مما كانت عليه، والممرات حولها أنيقة فوق المتوقع..
لكن أين ذهبت الحياة عن الماء؟ّ وكيف غابت تلك القوارب عن صنع المشهد «السياحي» كما فعلت بوادي دربات في محافظة ظفار، حيث الحيوية على الماء تمنح الجميع حيوية المشاهدة والتجربة؟!.
##
وقبل سنوات طوال كانت المياه تتراقص على وقع الموسيقى في ميدان اليوبيل الفضي، مشهد مسائي جميل يجذب إليه المارة، فيكسب الميدان حيوية كالتي تعرفها تلك الميادين في عواصم العالم وقت أن يرتفع صوت الموسيقى بسيمفونية العزف فتتفاعل المياه بحركات جميلة تصنع بهجة في قلوب المتحلقين حولها، ويتم الترويج للمكان عبر عشرات الهواتف التي ترتفع لتحتفي بالمشهد تصويرا.. وفرحة.
واليوم: قاع النافورة يشكو الجفاف، وبقيت تدرجاتها محلا لتشاقي الأطفال وهم يتقافزون عليها، صمتت تلك الإيقاعات لأنها لم تجد الماء الذي تعمل لأجل أن ينهض متقافزا وصانعا لدهشته، ولم يعد المكان يلفت الزوار القليلين، الأقل مهما تكاثروا من أن يبلغوا ما يبلغه ذلك الجمال الطبيعي في الحديقة، وبقي الميدان يفتقر إلى ما يمكن أن يضيف إليه الحيوية، حيث لا وجود لفعاليات أو أنشطة، ولو في إجازة نهاية الأسبوع، فيمكن للسياح أن يجدوا في الحديقة ملاذا، يمنحهم جمالا إضافيا في قلب العاصمة مسقط.
##
وقبل سنوات طوال كانت القرية التراثية تحتفي بالحياة، ولو شهرا كل عام، فالمكان مهيأ للجمال التراثي، واحتفى ذات مرة بعرض مسرحي، كما يمكنه أن يبقى حيويا على مدار العام، فالمعمار جاهز، والبشر متعطشون لرؤية موروث المكان وعاداته.
اليوم: تبدو القرية التراثية كمكان مهجور، أطلالا تشتكي من عوامل الزمن، أبوابًا مغقلة، أو آيلة للسقوط، كما هو وضع الجدران من حولها، أشجارًا كانت شاهدة على تغاريد الفرح والبهجة في نفوس الصغار والكبار بقيت تتذكر أي فرحة عبرت من هنا، قبل أن ينقل مهرجان مسقط إلى حديقة العامرات، لكن يد النسيان مرت على هذه القرية، رغم ما يمكنها أن تقوم به من دور حقيقي يضاف إلى جمال الحديقة.
##
قبل سنوات كان المسرح المفتوح، وليس مسرح المدينة فحسب، حافلا بالأوبريتات التي كانت تفتتح مهرجان مسقط، أموال صرفت لإقامة (المسرحين) إلا أن المسرح المفتوح كانت له إطلالته على البحيرة، حيث الماء يشكل إضافة جمالية لكل عرض، وتبقى النافورة العالية نقطة ارتكاز رائع تحتفي بها مدن شتى في العالم، بينما توقفت نافورة حديقة القرم، 

كتوقف أشكال جمالية أخرى.
اليوم.. يبدو المكان خاويا، كأنما «لا لزوم» له، ولم تنفق من أجله تلك الأموال، وبقيت أجهزة الصوت والضوء أمام المسرح شاهدة على ما مر عليها من إهمال، يأكلها الصدى، كحال أشياء كثيرة.
##

خطوات صغيرة
ما الذي تغير؟!
هناك بضع خطوات صغيرة جدا، لكنها تبقى أقل من أن تذكر، فوجود الدراجات الهوائية القابلة للتأجير يعطي المكان حيوية ما، لكن منظرها، ومؤجريها، وحدود مستخدميها تدعو لطرح الأسئلة حول المردود المتوقع من هكذا خطوة، وكذلك وجود «المنطاد» الذي يقبع كوجه قبيح بالقرب من ألعاب الأطفال، بينما خطوة تشجيع القراءة لا يكفيها ذلك الصندوق المفتقر لبضعة كراسٍ حوله يجلس عليها محبو الكتب.
أفكار.. لعلها تصل
تبدأ الخطوات للتطوير من وضع رؤية واضحة لتحقيق أقصى استفادة من المكان، لتحقيق تنمية مستدامة للحديقة، حينها يمكن القول بوجوب وجود تذاكر دخول، أسوة بما نجده في مدن «السياحة والسفر» حيث دخول أمكنة بسيطة بمقابل مادي، المواطن بسعر تذكرة أقل.
تلك التذاكر تقود إلى داخل الحديقة ليجد الزائر ما يحفزه لدفع مبلغ «دخول»، حيث عناصر الفرجة والجمال والتشويق متوفرة، وذلك عبر تطوير:
القرية التراثية: إدخال فعاليات تعيد المشاهد الجميلة إلى هذه القرية كوجود يوم في الأسبوع مخصص للمأكولات العمانية التقليدية، واستضافة فرقة للفنون الشعبية، وغيرها من عروض «تراثية» تجذب الزوار.
إدخال التقنية الحديثة إلى عناصر الترفيه والإثارة داخل الحديقة، خاصة في عروض النافورة الراقصة، أو الألعاب، أو البحيرة، مع إعادة القوارب إليها، والاستفادة من الأخطاء التي يمكن أن تكون وقعت سابقا، فوجود أخطاء / تجاوزات لا يبرر إلغاء الصواب.
وجود مبنى زجاجي صغير مخصص للقراءة والفعاليات الثقافية المبسطة، حيث يمكن التنسيق مع مؤسسات عدة، مكتبة الطفل على سبيل المثال، لتقديم فعاليات قرائية للأطفال، وهو ما يشجع أولياء الأمور على إبقاء أولادهم يستفيدون من ذلك، بينما يمكنهم ممارسة الرياضة في مكان آخر، وليكن في مركز رياضة مصغر، ما أروعه وسط ذلك الجمال.
والأهم: الاستفادة من جمال أشجار القرم لإقامة رحلات بقوارب كبيرة يمكنها التجوال وسط تلك الأشجار الرائعة وصولا إلى الشارع البحري، بما يوفر فرص عمل للشباب العماني، ومتعة للزوار..
ما أكتبه هنا ليس بالمعجزات التي توصلت إليها، بل متوفر في أغلب بلدان العالم التي زرناها، وزارها المسؤولون بالطبع، وتبقى عقدتنا في الدراسات، وما بعد الدراسات، وتعدد الاختصاصات، والتريث.
هذه الكلمة التي نعاني منها أكثر في الاستثمار «لترفيهي» حينما يتعلق بقرار حكومي: التريث!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق