مقالات

السر الوظيفي والأماكن المحمية في سلطنة عمان (1): التعريف بالسر الوظيفي

كتب: د. ناصر بن ودير أولاد ودير

 ghantaq@gmail.com

يعد الالتزام بكتمان أسرار الوظيفة العامة أحد أهم واجبات الموظف العام؛ لتعلقه من جهة أولى بمصلحة الدولة والنظام العام وحسن سير المرافق بانتظام واطراد، وبحقوق الأفراد واحترام خصوصياتهم من جهة أخرى، ولما يثيره من مسائل بالغة الأهمية من بينها: معنى السر الوظيفي، شروطه، نطاقه، الجهة التي تحدده، علاقته بالتزامات الموظف العام الأْخرى، وآثار إفشائه من جهة ثالثة، كما ترتبط به مسائل متعددة تتعلق بحق الموظف – أياً كانت جهة عمله – في التعبير عن رأيه، ومدى الحق لأفراد المجتمع في الاطلاع والحصول على المعلومات، عند التزام جهة الإدارة بإعمال مبادئ الشفافية، عليه تأتي هذه المقالة من منطلق الحرص على تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على أنواع التعاملات الحكومية والدورات الإجرائية السليمة لمختلف الوثائق الرسمية بالإضافة الى تعزيز الانتماء المؤسسي لتهيئة بيئة وظيفية آمنة ومنتجة، كما نهدف بشكل عام إلى تنمية الثقافة القانونية للعاملين في القطاعين العام والخاص في سلطنة عُمان، وحثهم بصفتهم مواطنين أو مقيمين على الاهتمام بإتباع الاجراءات السليمة والآليات القانونية الصحيحة في التعامل مع الوثائق المصنفة، كما نتطلع بعون الله بشكل خاص إلى بيان مختصر لواجبات الموظف في إدارة الوثائق الرسمية والأماكن المحمية بحكم القانون، مع بيان المسؤولية الإدارية في تلقي وحفظ ونقل كافة أنواع الوثائق وفق تصنيفاتها، وتسليط الضوء في هذا المقال الذي قسمناه إلى ثلاثة أجزاء على الجوانب الموضوعية وتلك الإجرائية للجرائم المتعلقة بإفشاء الأسرار الوظيفية من خلال استعراض الجوانب التشريعية لهذه العناصر بالسلطنة.

لقد حث ديننا الحنيف ضمن أخلاق المهنة في الإسلام على ضرورة المحافظة على سمعة الوظيفة وأسرارها؛ فحفظ السر فضيلة وَرَدَ الحضُ عليها في السنة النبوية الشريفة منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود»، وإذا كان حفظ السر فضيلة فلمن حافظ على أسرار الناس أجر عظيم، ذلك أن الله سبحانه وتعالى يستره في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة»، والسر هو أمانة عند من استؤمن عليه، وإذا كُشف كان بمثابة الخيانة لها، فمن استُودِع سرًّا فأخرجه إلى غير صاحبه فقد خان تلك الأمانة، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله بشأن ضرورة كتمان الأسرار: 

إِذا المَــــرءُ أَفشــــى سِــــرَّهُ بِلِسانِهِ وَلامَ عَليــــهِ غَيــــرَهُ فَهُوَ أَحمَـقُ

إِذا ضاقَ صَدرُ المَرءِ عَن سِرِّ نَفسِهِ فَصَدرُ الَّذي يُستَودَعُ السِرَّ أَضيَقُ

إن أسرار الوظيفة العامة هي عنوان قصير يحمل في طياته الكثير مما يستحق الحديث عنه، فالسرية مطلوبة في العمل سواء بالنسبة لما يدخل ضمن أسرار الوظيفة بشكل عام او حتى نطاق مسؤولية الموظف بذاته عن الاعمال التي تدخل في اطار مهامه والتي تعتبر أسرارًا لا يجوز للآخرين الاطلاع عليها، وتتضمن كل وظيفة سواء كانت حكومية أو أنها تابعة للشركات والمؤسسات الخاصة أسراراً معينة، وهذه الأسرار قد تتعلق بعمل الجهة أو المؤسسة التي يعمل بها أو بأحد رؤسائه أو حتى بالمراجعين المستفيدين من خدمات المؤسسة، وكما هو معروف بأن العلنية يفترض أن تكون هي السمة العامة في أعمال الإدارة، ولكن السرية هي استثناء مهم وضروري يرد على تعاملاتها، والتي ينبغي قصرها على: المعلومات العسكرية والمتعلقة بأمن الدولة، والأسرار الشخصية للأفراد، والأمور المالية الحساسة، فبعض الوظائف تتسم بطبيعة أمنية أو عسكرية، وبعضها تكون ذات طبيعة سياسية، وبعض الوظائف تتسم بطبيعة اجتماعية تحظى بخصوصية شخصية بحتة، وبعضها تكون ذات طبيعة مالية، ولذا فإن على الموظف ألا يفشي بأي سر من أسرار هذه الوظائف إلا لمن لهم علاقة لصيقة بعمله والذين يشاركونه المسؤولية في أداء مهام الوظيفة كرؤسائه وزملائه، وهو ما يعني أن الموظف في حال قيامه بإفشاء أي من أسرار وظيفته لمن ليس له علاقة بها يُعتبر قد ارتكب مخالفة تتطلب إحالته للتحقيق ومن ثم توقيع العقوبة المناسبة عليه، وذلك من أجل زجره بشكل خاص حتى لا يعود إلى مثل التصرف الذي قام به وأدى إلى معاقبته، وكذلك ردع نظرائه من العامة عن القيام بإفشاء أسرار الوظائف التي يشغلونها، فعلى الموظف ألا يتحدث في مجالسه الخاصة والمجالس التي تجمعه مع أصدقائه عن تلك الأسرار لأن الإفشاء بها سوف يضر بالمصلحة العامة إن كانت الوظيفة حكومية وبصاحب المؤسسة أو الشركة إن كانت الوظيفة خاصة، ومن أجل ذلك فإن المحافظة على أسرار الوظيفة تعتبر من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الموظف.

ومن أمثلة الوظائف التي تتضمن أسراراً ذات أهمية وظيفة (الطبيب) فشاغل هذه الوظيفة يطلع على أسرار تتعلق بالمريض الذي كان قبل عرضه للكشف الطبي لديه يحرص على كتمانها فمن واجب الطبيب عدم التحدث مع الآخرين عن هذه الأسرار حتى للمقربين منه، كما أن وظيفة الدفاع عن المتهمين تحمل أمانة الموكل للمحامي في ايجاد الحلول لمشكلته دون نشرها أو الافصاح عنها، ووظيفة (موظف البنك) الذي يطلع بحكم عمله على أرصدة العملاء والذين يحرصون على عدم معرفة هذه الأرصدة، فمن واجب موظف البنك كتمان ما يطلع عليه وعدم إفشائه لأصدقائه أو غيرهم،  والوظائف التابعة لأقسام الشرطة أو السجون، فمن الواجب على هؤلاء حفظ أسرار أصحاب القضايا أو المسجونين سواء كان أسماؤهم أو نوع قضاياهم وعدم التحدث بذلك أمام الآخرين ممن ليس لهم علاقة بهذه الأمور، والوظائف التي لها علاقة بالقوات المسلحة وقوى الأمن، وأعداد الموظفين في بعض الجهات، وكذلك الوظائف المتعلقة بدراسة زيادة الرواتب أو منح أو تعطيل العمل بالبدلات والمكافآت أو فرض رسوم أو إلغائها قبل انتهاء الدراسات حولها والإعلان رسمياً عنها، والوظائف المتعلقة بالامتحانات الطلابية أو المسابقات الوظيفية مثل: (الترشيح والانتخاب لعضوية المجالس المختلفة) قبل الإعلان رسمياً عنها، والوظائف المتعلقة بالإحصائيات المتعلقة بتعداد السكان والمساكن أو إحصائيات أعداد المرضى والمصابين في الحوادث والأوبئة كما هو حاصل في هذه الأثناء بخصوص جائحة كورونا قبل أن تعلن عبر القنوات الرسمية، والوظائف المتعلقة بالأمور السرية المتعامل بها في مكاتب كبار المسؤولين، والوظائف المتعلقة بالمركز المالي للدولة وميزانيتها ونشراتها الدورية، وبالمؤسسات الأهلية التي يعمل فيها الموظف، فعلى الموظف الذي يعمل في هكذا وظائف ألا يتحدث بخصوصياتها أمام الآخرين. 

وبشكل عام على الموظف ألا ينقل ما يحدث في الجهة التي يعمل بها سواء كانت حكومية أو أهلية من إشكالات أو معوقات أو خصومات بين القياديين، بل الواجب عليه – إن كان يستطيع ذلك – أن يسعى بجهده لحل هذه الإشكاليات أو الخصومات، كما أن على الموظف الالتزام بالرأي الصادر عن المؤسسة التي يعمل بها بالمعاملة أو الأوامر والتوجيهات – وإن كانت تخالف رأيه – فمثلاً لو أن المعاملة أو التوجيهات انتهت في غير صالح المراجع فعليه ألا يوحي له بأن رأيه في موضوعها كان لصالحه ولكن المعاملة صدرت بموجب رأي المسؤول الفلاني بل عليه أن يُفهم المراجع بأن المعاملة صدرت باسم الجهة وحسب القواعد المتبعة التي تحكم مثل حالته من دون الإشارة إلى المسؤول الذي صدرت المعاملة بناء على رأيه، وهذا التصرف لا يُعتبر تضليلاً للمراجع بل حماية للمصلحة العامة إذ ليس بالتأكيد أن جميع المعاملات والقرارات ستنتهي برضا الأشخاص وإنما هي تصدر بشروط وضوابط الأنظمة واللوائح والتعليمات السارية إبتغاء للمصلحة العامة، ورضاء الناس غاية لا تدرك.

إلا أنه ينبغي الإشارة هنا بأن الموظف لا يؤاخذ إذا تحدث عن السر في الحالات التالية: إذا انتشر السر وأصبح شائعاً بين الناس، أو  إذا صدر قرار من صاحب الاختصاص حول مضمون الدراسة السرية بشأن موضوع معين، وإذا سمح صاحب الصلة بالسر أو المسؤول عنه في إفشائه، أو  إذا كان إفشاء السر يحول دون ارتكاب جريمة جنائية، هذا ما وجب توضيحه من تعريف السر الوظيفي في هذه العجالة، وسوف نتناول في الجزء الثاني موضوع المحاذير القانونية للسر الوظيفي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق