قبل سبعة قرون دخل تيمور لنك دمشق، وقد كان كاتب علماء الأمة وفقهاءها على الأمان للسكان إن هم سلّموا مفاتيح المدينة طوعا، فتنتهي هيمنة المماليك عليها، لكن على يد المنتصر، صاحب القوّة، أن تحدد هامش (الأمان) الذي يريده، فلم يعن تيمور غضب العلماء والفقهاء، فهو الفاتح المتغطرس الحالم بحكم عالم جديد يبنيه على مقاسات طموحات التوسعية، رافعا راية المغول على كل أرض تحقق أسطورته.
نهب المحتلون الجدد كل ثمين، وأحرق جنده حتى المساجد، لأن المغولي، حتى وهو يحسب نفسه على الإسلام، في الجيش الغازي يبدو كوحش كاسر، خرج من أمان وطنه ودفء بيته بعقلية إما أن تكون قاتلا أو ستعود مقتولا، وعلى القادة منهجة بث الرعب في الأراضي التي يجتاحونها إنذارا لسكان أمكنة لم يبلغونها، وهكذا تسير الركبان محدّثة بوحشية الجيش الذي لا يقهر فتنهزم الجيوش وتتخاذل القلوب قبل أن تحين مواعيد المواجهات بالسيوف.
ينقل عن تيمور (الأعرج) أنه لا يستطيع رد قادته وخذلان جنده بالعقاب، فهم أساس انتصاراته، وتلك فوائدهم ومحفزاتهم لمواصلة السير نحو مدينة جديدة..
على مدار التاريخ عبرت الجيوش المدن المعمورة بذات العقلية والمناهج السائرة بالقتل والتدمير وإعمال الوحشية، مع ضعف داخلي يمكّنها من اختراق جبهات ليست محصّنة بما يكفي لردّ الغزاة الطامعين والقادة الطامحين، ولكن دروس التاريخ تقول أيضا أنه لم يبق من ممالك الغزاة شيء، سوى ما سرده المؤرخون، وفي حين يرتفع في العاصمة الأوزبكية تمثال تيمور لنك باعتباره بطلا قوميا، يبقى لدى أمة العرب مجرد طاغية متوحش و”مجرم حرب” حسب “العدالة الدولية”، هذه المنكسر جناحها أبد الآبدين، تماما كما هي موازين اليوم: سقوط مريع لإسرائيل، سياسيوها وجيشها، في سائر الحروب التي قتلتنا فيها، نحن معشر العرب، بينما في نظر حلفائها دولة (غلبانة) تدافع عن وجودها إزاء الوحشية العربية التي تصيبها بالخوف.. في سقوط أخلاقي معاصر ندفع ثمنه قرنا إثر قرن.
السقوط الأخلاقي في الحروب يبدو مجرد جملة معني بها المتابعون والمراقبون، فالوحشية مكوّن أساسي للانتصار، والفظائع المرتكبة يبررها القادة دوما بأنها سمة طبيعية واعتيادية حتى وهم يرون بنايات تسقط بمن فيها فتتمزق عشرات الأجساد تحت الركام، تلك المشاهد التي أبكتنا نحن، بينما كانت بعض عدسات التصوير تتوجّه إلى المرعوبين في المخابىء، لترى ما قد يصيب أسرة القتلة من خوف!!
تبدو فكرة “الأخلاق” في الحروب قابلة للنسبية بين الطرفين المتواجهين، كإحساس ذلك الأمريكي الذي كان يطير فوق هيروشيما دافعا قنبلة “الفتى الضئيل” منفذا أمرا عسكريا اعتياديا، بينما كان التاريخ على موعد مع جريمة إبادة لمدينة بما فيها من حياة..
لكنها حركة التاريخ تمضي، وتبقى إسرائيل (وأفعالها الإجرامية) أيضا ليست سوى منعرج تاريخي، طال الزمن أو قصر، سيتفتت تحت معاول الانتصار والبناء من جديد، كما عبرت المنطقة جحافل المغول وغيرها من الجيوش، أيا كان لون الرايات، والمسببات، ومقدار الوحشية والسقوط الأخلاقي.