العام
نوار الكلبانية تبتكر “قائمة طعام إلكترونية” بنظام ذكي
ترى أن الابتكار لا عمر محددًا له، وإنما يجب الانطلاق في تحقيق الأفكار على أرض الواقع، لا حدود لطموحها، تحلق عاليا في إبداعها، نوار بنت عبدالله الكلبانية، صاحبة فكرة «قائمة الطعام الإلكترونية» الفريدة من نوعها.
وهي على مقاعد الدراسة الجامعية بجامعة السلطان قابوس، راودتها فكرة المشروع، فاتخذت أولى الخطوات في سبيل التنفيذ الفعلي للمشروع، فتلتها خطوات وخطوات مليئة بالعمل والإنجاز. كانت في حوار خاص مع التكوين، للحديث عن حلمها وطموحها وقصة حبها للغة الألمانية، وتفاصيل أخرى في السطور الآتية.
حوار: أنوار البلوشية
بداية تحدثت نوار عن أولى الخطوات في عمل المشروع، وبداية الفكرة حيث ذكرت قائلة: بدأت العمل في المشروع منذ أن كنت في السنة الرابعة من دراستي الجامعية، وانتهيت من عمله عند التخرج، والمشروع اتخذته كهواية ولا يرتبط بأي مقرر أو مشروع تخرج. أسميت المشروع باسم «المنيو الالكتروني» فهو عبارة عن قائمة طعام إلكترونية تعمل على خاصية الواقع الافتراضي، أي بمعنى يمكن مشاهدة الصورة وكأنها في الواقع بأبعادها المختلفة، وكذلك استخدمت تقنية ثلاثية الأبعاد في التصاميم، فالمشروع عبارة عن دمج بين الواقع الافتراضي والثلاثي الأبعاد. والدافع من اختيار فكرة المشروع هو الحاجة والضرورة لي بشكل شخصي لتقنية تساعدني على فهم ومعرفة مكونات الأطعمة المقدمة من قبل المطاعم المختلفة، حيث أعاني من حساسية تجاه بعض أنواع الأطعمة، كالمكسرات مثل اللوز والجوز والبندق والفستق والكاجو، لذلك كنت دائما ما أقع في معضلة ضرورة سؤال النادل حول مكونات الوجبات المدرجة ضمن قائمة الطعام، وفي كثير من الأحيان يكون النادل غير ملم بهذه التفاصيل، أو يذهب لسؤال المتخصصين في المطبخ، ومنهم من لم يكن مدركا لماهية هذه المكونات بسبب وصولها جاهزة من أماكن مختلفة كالعجائن وغيرها. بسبب شدة الحساسية التي أعاني منها كان لزاما علي السؤال أو اللجوء إلى أخذ جرعة من الدواء قبل الشروع في الأكل حتى لا أتعرض لأية متاعب، وهذه الأدوية لها أعراض جانبية قوية يجب أن أتجنبها.
اختصارا للوقت
وأضافت قائلة: والسبب الآخر في إصراري على فكرة المشروع، حسب ملاحظاتي رأيت أننا في المجتمع العماني كثيرا ما نتجنب طلب الأطعمة ذات المسميات الغريبة، لجهلنا بمكوناتها، إلا إذا أحبّ الشخص تجربة شيء جديد ويشرع في السؤال عن ماهية هذه الوجبة، وعوضا عن تضييع الوقت والسؤال يقوم هذا «المنيو الالكتروني» بتقديم كل المعلومات التي يرغب فيها الزبون, يمكن من خلال هذه القائمة أن يتعرف الشخص على كافة التفاصيل المتعلقة بالطعام الذي سيتناوله قبل الطلب، كطريقة التحضير ونوع المكونات وغيرها. وأصبحنا في عصر السرعة حيث لا مجال لقراءة التفاصيل الكثيرة في قائمة الطعام ذات الصفحات الكثيرة، ومن الملاحظ الكثير من المطاعم الأوروبية اختصرت الوقت وأصبح «الشيف» يخصص وجبات معينة في اليوم ويمكن لمرتادي المطعم اختيارها دون تضييع الوقت في السؤال والبحث، أي أصبحنا بحاجة إلى طريقة تبسط عملية اتخاذ القرار في الاختيار من قائمة الطعام اختصارا للوقت.
عرض ثلاثي وافتراضي
وتحدثت نوار عن التفاصيل الدقيقة حول التطبيق الذي عملت عليه في مشروعها، حيث ذكرت قائلة: هو تطبيق يمكن تحميله على الأجهزة الذكية، وبشكل خاص على جهاز الآيباد الخاص بالمطعم، ويعمل التطبيق على طريقة «الكودينج» أي التشفير، حيث يحتوي على شفرات محددة وخاصة لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال مصمم هذه الشفرات، أي هو تطبيق خاص يعمل على الأسطح المشفرة فقط، بعد تحميل التطبيق على الجهاز يمكن تمريره على قائمة الطعام الإلكترونية المصممة حسب الشفرات، حينها تظهر الصور والفيديوهات والمعلومات المتعلقة بالأطعمة. كان بالإمكان تصميم التطبيق بشكل متكامل حيث يحتوي على كافة المعلومات والصور والملحقات ولكن رأيت أن الأمر غير مشوق لدعوة الناس لزيارة المطعم، لذا تكون القائمة المشفرة متواجدة في المطعم والتطبيق محمّل على أجهزة الآيباد لإمكانية تمريره ومشاهدة عرض ثلاثي الأبعاد وواقع افتراضي مدهش يمكن التحكم فيه ورؤيته بزوايا مختلفة. وكذلك من مميزات التطبيق بأنه لا يخرج عن الواقع الحالي الذي يجلس فيه الزبون على طاولة المطعم، ويقوم بإظهار الأشياء كما هي إضافة إلى الصور والمشاهد الخاصة بقائمة الطعام، أي لا يخرج عن الجو العام.
تطوير وتجديد الفكرة
وعن إمكانية تطوير الفكرة قالت نوار: يمكن تطوير الفكرة بإضافة معلومات دقيقة أكثر، فعلى سبيل المثال في فئة اللحوم، يوجد أشخاص يرغبون في دمعرفة نوعية اللحوم والسعرات الحرارية ومن أي جزء تم اقتطاعه ومن أي بلد، ودرجة الاستواء وغيرها من المعلومات، لذا فكرت بأن لا يكون عرض صور وفيديو فقط، وإنما عرض وثائقي يحمل معلومات دقيقة حول المكونات، وذلك يزيد من وعي الناس وإدراكهم بما يأكلونه. عملت على المشروع عندما كنت في السنة الدراسية الرابعة بالجامعة وانتهيت من العمل فيه في عام 2017م أثناء تخرجي، عمل معي زميلي سالم الزيدي على هذا المشروع، حيث كنا معا في الدراسة الجامعية، فهو متخصص في علوم الحاسب الآلي، وهو إنسان مبدع له عدة ابتكارات وحصد ميداليات ذهبية وفضية وله العديد من المشاركات في المعارض من داخل وخارج السلطنة، ومهتم في مجال البرمجة والتشفير.
تحديات وصعوبات
وأكملت الكلبانية حديثها حول المشوار الذي قطعته للوصول إلى تطبيق الفكرة على أرض الواقع، قائلة: قمت بمخاطبة الكثير من المطاعم في السلطنة للتعاون معي لتطبيق الفكرة في المطعم، لم يبدِ أحدهم الاستعداد لتقبل فكرة المغامرة وقبول المشروع كتطبيق فعلي في مطاعمهم، لا يوجد من يفكر في تنفيذ خطوة جريئة بإدخال فكرة مبتكرة في مجال مشاريعهم، لم يسبقهم أحد فيها. عوضا عن أنها فكرة جديدة ومبتكرة، فهي تحمل ميزة القابلية في التعديل بسهولة كبيرة، حيث لا يضطر صاحب المطعم إعادة طباعة قائمة الطعام لمجرد حذف أو إضافة وجبة معينة، يمكن التحكم في ذلك من خلال التطبيق فقط، فمن أول التحديات التي واجهتها هو عدم تقبّل أصحاب المطاعم للفكرة وتنفيذها، لم يقترحوا علي حتى مجرد اللقاء والنقاش في الأمر، ولكني أصررت وواصلت البحث والمخاطبات، حتى تواصلت مع الأخ عادل اللواتي الذي عرض مقابلتي للمناقشة وتوضيح المشروع، فور علمه بالتفاصيل انبهر كثيرا ورحب بالفكرة ووافق على احتضان المشروع وتطبيقه في مشروع المطعم الخاص به «ريشيو» في الأوبرا جاليريا، وهو مطعم بريطاني. والتحدي الثاني هو إيجاد من يدعم الفكرة ماديا، قدمت فكرتي لمركز الابتكار بجامعة السلطان قابوس، وبعد المرور على عدة لجان تمت الموافقة على الفكرة، وبدأنا العمل في المشروع، وبعد سنة من العمل والجهد واجهت بعض العراقيل وتم إيقاف العمل من قِبل المركز، واجهت أصعب مرحلة في عمل المشروع، اقترحت أسرتي الوقوف معي ودعمي ماديا ولكني رفضت بشكل تام، بسبب رغبتي الفعلية في بناء نجاحي بنفسي وبمجهودي، وأن أجعل عائلتي فخورة بي لا أن أفتخر بما فعلته لي عائلتي. توصلت إلى الدكتورة رحمة المحروقية نائبة رئيس جامعة السلطان قابوس للبحث العلمي، بعد الحديث معها تقبلت الفكرة و أعادت تشغيل العمل في المشروع.
جائزة المركز الأول
وعن خطوات العمل في المشروع ذكرت نوار قائلة: بداية قمنا بأول خطوة وهي جلسة التصوير بالتعاون مع الأخ المصور خليل الحسني، ثم خطوة التحرير، وبعدها مونتاج الفيديوهات، ثم قمنا بتصميم صور الوجبات بتقنية الثلاثي الأبعاد، ثم قمنا بشراء الموافقة من قبل شركات أبل وأندرويد لتحميل التطبيق، وتصميم التطبيق، ومن ثم بدأنا في البرمجة والأمور التقنية، وفي النهاية قمنا بطباعة القائمة الالكتروينة. اكتمل العمل في المشروع وتم التدشين في أغسطس من عام 2017م. انتشرت فكرة المشروع وظهرت في عدة لقاءات ومقابلات تلفزيونية وصحفية. في أكتوبر 2017م شاركت في مسابقة الرؤية لمبادرات الشباب بدعم من شركة أوكسيدنتال عمان، وفاز المشروع بالمركز الأول في فئة الابتكارات الرقمية. ثم التحقت بمجال وظيفتي الحالية وانشغلت عن المشروع، ولكن بإذن الله بصدد الرجوع للعمل على المشروع وتطويره بشكل أكبر، والعودة بتقديم الفكرة لأصحاب المطاعم بطريقة جديدة تكون متقبلّة أكثر، حيث تم تطبيق الفكرة حاليا بشكل جزئي، أسعى إلى أن يتم تطبيقها كقائمة طعام أساسية وشاملة للمطاعم.
ختاما..
نوار ذات الأربع وعشرين ربيعا تحلق عاليا بطموحات ترغب في تحقيقها، حيث قالت: أتمنى أن أنال شهادة الدكتوراه بإذن الله، أن يسبق اسمي لقب «الدكتورة»، أرغب في التميز وعمل شيء مختلف عن الآخرين، والمواصلة في تعلم اللغة الألمانية، والالتحاق بدورة متخصصة في مجال معين ولكن تتم دراستها باللغة الألمانية حتى أستطيع التمكن من اللغة بشكل صحيح. قدوتي في الحياة والدي الذي ما انفك يساندني ويعلمني ويقف معي، وتربيته الصالحة وثقته بي، أتبع نهج والدي في تدبير أموري في الحياة. الابتكار لا عمر محدد له، يستطيع الإنسان العمل فيه متى ما سنحت له الفرصة. أقدم شكري وتقديري إلى الدكتورة رحمة، الإنسانة الإيجابية والمتفاءلة التي تفتح الأبواب لتطبيق الأفكار الجديدة، وتشجيع الشباب لتقديم ما لديهم ودعمهم بالشكل المطلوب هي ملهمتي في مجال عملي على المشروع، إلى جانب الأستاذة شيخة الأخزمية، مديرة الابتكار للبحث العلمي في جامعة السلطان قابوس، هي أول عمانية حاصلة على الملكية الفكرية في السلطنة، ساعدتني كثيرا في تطوير وتنفيذ المشروع وابتكار استراتيجيات جديدة ووقفت معي كثيرا، وكذلك الأخ عادل اللواتي الذي تقبّل فكرتي، جميعهم لا أكف عن شكرهم على الوقوف معي ومساندتي.