تتأمل العالم، وتمعن النظر في إيقاع هذه الحياة التي تباطأت قليلا وخففت من لهاثها وصخبها المعهود. ترى أنها في هذه البرهة من الزمن تعيد ترتيب أشياء كثيرة بدءا من زوايا الروح مرورا بأوراق الكتابة إلى أدراج المنزل. ضيفتنا في هذه الزاوية الحوارية هي الروائية والقاصة زوينة سالم، التي تشعر أنها أصبحت أكثر قربا من ذاتها، وأن الحجر المنزلي منحها فرصة ثمينة للمراجعة وإعادة الحسابات وترتيب الأولويات، كما أن انتشار جائحة كورونا كان له الكثير من الدلالات والدروس التي يتوجب علينا أخذها في الاعتبار.
خاص: التكوين
تقول زوينة سالم: شيء ما في جائحة كورونا كوفيد-19 يريد أن يحد من طغيان الإنسان على الأرض، البشر الذين نصبوا أنفسهم كملوك الأرض الخالدين وغزاة الكون الذين لا يشق لهم غبار، هؤلاء البشر الذي أهلكوا الأشجار والحيوانات وخيرات الأرض ليسوا سوى كائنات هشة لا تملك العلم الكافي لتسيطر على فيروس لا يرى ، فكرة الإنسان سيد نفسه يجب أن تتراجع قليلا للخلف لتترك المجال لفكرة الخالق العظيم .
أعتقد أن هناك الكثير من الدروس الفكرية والسلوكية التي تطرح نفسها أمام وجدان المتأمل للتحديات الفكرية والعاطفية والاجتماعية والمادية التي نواجهها يوميا ونحن نتقي العدوى عن طريق عزل أنفسنا عمن نحبهم وعما نحبه للتعامل مع تداعيات كورونا.
وتضيف الكاتبة زوينة سالم: هذا التوقف الفجائي لأنشطة الحياة المعتادة كشفت لنا إن حياتنا مزدحمة بالأشياء غير المهمة وأن الأشياء الثانوية تثقل حياتنا أكثر من الأشياء المهمة، أعتقد إننا أخيرا حصلنا على فرصة للتوقف ومراجعة الحسابات وتبسيط حياتنا والتركيز على ما يهم حقيقة، ولنتعلم الرضا والقناعة والبساطة، ونصنع مقاييس جديدة للأولويات.
هدوء وبطء الحياة يعملنا التأمل، مهارة تم فقدها في عصر الرغبات السريعة، أصبح التركيز منصبا أكثر على نقد الأِشياء والأفكار دون التأمل الحقيقي لها، التأمل يتيح لنا مراجعة الذات، وعمل قرارات مناسب لحياتنا وليست متأثرة بحياة الآخرين، والأهم أنه يمنحنا حياة أكثر إشباعًا لأنه يملؤنا من الداخل.
اضطررنا لتغيير روتين حياتنا يعيد إلى الأذهان أهمية التحلي بالمرونة والقدرة على مواجهة التغيير التي قد تحدث سريعا خارج سيطرتنا . أعتقد أن هذه الجائحة علمتنا هذا الدرس بسرعة دون الحاجة إلى مرحلة الصراع والتفاوض لأجل الإقناع، وهذا بدوره سيعزز قدرتنا على مواجهة المستقبل بكفاءة أكبر، لأننا فعليا تغيرنا من الداخل ، وأصبحنا نشاهد ونفهم أمورا عميقة كانت تفوتنا ونحن منشغلين بسطح الحياة .
الانتشار المخيف للفيروس يذكرنا بأن الحدود الجغرافية في العالم زائفة إلى حد كبير، فهذا الفيروس عبر القارات بلا جواز سفر واخترق صدور كل سكانها بلا استثناء، الكل يركب قاربا واحدا، كبيرا لكنه مع الأسف قديم ومتهالك من الإهمال، هو الأرض، علينا إذن كلنا أن نشارك في وقف الحروب والانتهاكات وكل ممارسات البغضاء والكراهية والاستغلال لبعضنا البعض، لنكن متيقنين أننا سننجو معا .
اليوم وبعد مرور أكثر من شهرين على تطبيق “خليك في البيت” تعتقد زوينة سالم إننا يجب أن نكون قد تعلمنا أيضا كيف نواجه كورونا بحياة عادية وليس بالعزل المنزلي، بمعني، عندما نبدأ بالخروج بشكل طبيعي من بيوتنا يجب ألا ننسى الإرشادات البسيطة جدا للنظافة والتفاعل الاجتماعي التي يمكنها أن تحمينا من الإصابة ونحن نمارس حياتنا اليومية بشكل طبيعي. وإن هذا أمر هام في الوقت الحالي، تدريب الناس على الخروج من البيت بشكل آمن لكي تتحرك عجلة الحياة بشكل لا يتسبب في الزيادة الفجائية للعدوى.
وعن تطبيقها للحجر المنزلي وبرامجها وطقوسها اليومية تقول الروائية زوينة سالم: أنا بطبيعتي إنسانة بيتوتية، وعليه فإن “خليك في البيت” لم يكن مربكا لي بقدر ما أنه منحني فائض وقت لإنجاز بعض الأمور المعطلة، نظرا لتوقف مهامي خارج البيت بشكل كامل، وهذا منحني فرصة أكبر للتأمل والترتيب والكتابة، فأعدت ترتيب كل الأشياء ابتداء من أدراج المنزل وخزانات الملابس، إلى مخابئ الروح ومستودعات الذاكرة، وخصصت لنفسي وقتا أطول للكتابة اليومية ، أما على الصعيد الاجتماعي فقد أصبحت أقضي فترات أطول مع أمي .
أما فيما يتعلق بالإجراءات الوقائية فتقول زوينة سالم: أن اللجنة اتخذت الإجراءات بأسلوب تدريجي بالاستماع إلى الأرقام والبيانات، وليس بالعاطفة والمعتقدات الشخصية، حيث لاحظت إن هناك حالة جيدة من التأمل للواقع المحلي ، والاستفادة بشكل جيد من التجارب العالمية الناجحة لأجل صنع القرارات المناسبة محليا، وهذا يجعل التجربة العمانية مناسبة تماما للوضع في عمان ولها خصوصيتها ، فكما هو معلوم أن حالة العدوى ودرجات الإصابة وطبيعتها تختلف من دولة إلى أخرى، وعليه فعلى كل دولة وضع خطط مناسبة لها حيث أنه لا يوجد نموذج واحد يمكن تطبيقه في كل الدول ، كما أن أهم شيء في هذا الوضع هو تجنب حدوث انتكاسة في النظام الصحي بسبب تفشي الوباء وعدم قدرة المستشفيات على استيعاب الحالات مما يؤثر سلبا على النظام ككل، وهذا لم ولن يحدث في عمان بتوفيق من الله وبحكمة المسؤولين في إدارة الأزمة .