الفني

عبد الغفور أحمد:أحلم بانتشار الفن المسرحي في كل أرجاء السلطنة

عبد الغفــور بن أحمـــد البلوشــــي مسيرة من العطاء والإدارةحاصل على دبلوم عالٍ الفنون المسرحية من معهد الفنون الجميلة بجمهورية العراق عام 1980م في الإخراج والتمثيل، وبكالوريوس إخراج و تمثيل من الجامعة الحرة في هولندا، ماجستير إخراج مسرحي بدرجة امتياز من الجامعة الحرة ويحضر حاليا لرسالة الدكتوراه في المسرح في الجامعة الحرة بمملكة هولندا. تدرج في الوظيفة من كاتب إداري حتى أصبح مديرا للمسرح وحاليا يعمل مديرًا مختصًا بالفنون في المديرية العامة للآداب والفنون بوزارة التراث و الثقافة.كما أخرج العديد من الأعمال المسرحية معظمها لفرقة مسرح الشباب بمسقط. وكانت له مشاركات في العديد من المسرحيات كممثل وبعضها في الإدارة و الإشراف و الإضاءة والصوت. كما كان له العديد من الأعمال الدرامية ممثلا في الإذاعة و التلفزيون فكان خير ممثل لبلده خليجيًا، عربيًا، ودوليًا. رصدت «التكوين» جانبا من طموحاته وأحلامه وتجربتة في هذا الحديث.

حاورته: شيخة الشحية

كيف عرفت طريقك للمسرح؟
منذ الطفولة المبكرة كنت منبهرا بالفن السينمائي من خلال حضوري للعروض السينمائية بصحبة والدي الذي كان يعمل في إحدى دور السينما في بغداد حيث كنا نعيش بعد ذلك استعلمت من أحد الأصدقاء أن هناك معهدًا يدرس جميع أنواع الفنون ومن ضمنها المسرح و السينما وهو معهد الفنون الجميلة ويقبل من لديهم الموهبة والرغبة في دراسة الفنون فأخذت أوراقي و توجهت إلى المعهد حضرت للمقابلة  الشخصية التي يعتمد عليها في قبول الطلبة المتقدمين للدراسة وتم قبولي بالمعهد وكانت سعادتي لا توصف لم أفوت علي أي عرض مسرحي عرض في المعهد حتى إنني كنت أحضر أكبر عدد من البروفات المسرحية.
هل بدأت مع المسرح أم التلفزيون أولا؟ وأيهما الأصعب؟
البدايات الأولى كانت مع المسرح أثناء الدراسة ثم مع الإذاعة ثم التلفزيون و بعد عودتي إلى ارض الوطن عملت مع الإذاعة أولا و الإذاعة هي الأصعب فالعمل في الإذاعة هو أن تمتلك القدرة على المثيل بكل مشاعرك وأحاسيسك بصوتك فقط..هذا يعني أنك محترفٌ في التمثيل الدرامي الإذاعي، ولكن أن تكتب الدراما الإذاعية لتفتح مجال الخيال لدى المستمع فهذا هو الاحتراف بذاته!
في الماضي وقبل انتشار «الدراما التلفزيونية» كانت الدراما الإذاعية تحتل مكانةً في حياة الناس، للإذاعة جمهور خاص وهناك فئات من عشاق الإذاعة أو متابعيها منهم قطاع كبير من كبار السن الذين قضوا أحلى أيام شبابهم في الجلوس أمام المذياع (الراديو) وفئة كبيرة من المكفوفين وكذلك الفئة الأكبر من ربات البيوت النساء… الأساس الثاني هو «الكلمة» التي يكتب بها النص، فإذا كانت الكتابة جيدة أمكن للمخرج والممثلين الإبداع في العمل الدرامي، ولكن إذا اعترَاها الخلل فإن جهود المخرج والممثلين تضيع هباء، على كاتب النص خلال كتابته أن يكتب «المؤثر المطلوب» كـ «فتح باب» أو «إغلاقه»، كأن يكتب الصورة ويرسمها بقلمه موضحًا المؤثرات اللازم إضافتها عند تمثيل المشهد، مضيفًا: «الصعوبة في الكتابة تنبع من الاعتماد على الخيال أكثر، على عكس المسرح أو التلفاز الذي تكون الأحداث فيه مباشرة، فعلى كاتب الدراما الإذاعية أن يعطي الإحساس وتحفيز خيال المستمع ليعرف المكان الذي تدور فيه الأحداث لا أن يخبره به». كتب للإذاعة العديد من الكتاب والأدباء والشعراء بعضهم بدأ بالكتابة للإذاعة ثم انتقل للكتابة للتليفزيون والسينما والمسرح، والبعض الآخر بدأ صغيرًا ثم كبر من خلال الإذاعة، وهناك البعض الذي كتب للإذاعة وهو في أوج شهرته.
من وجهة نظرك ما هو تأثير المسرح فكريا في حياة المجتمعات الخليجية والعربية؟
اسمحوا لي أن اكرر المقولة الشهيرة «أعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا» التي ان دلت على شيء فهي تدل على أثر المسرح و أهميته منذ القدم للمجتمعات كأحد منابر الأدب والثقافة ومختلف الفنون، ويؤكد هذا الكلام الدكتور محمد زكي العشماوي حيث يقول: «ما أظننا نغلو في القول إننا اليوم أشد منا في أي يوم آخر حاجة إلى العناية بالمسرح… ولعلنا كذلك لا نغالي إذا قلنا إن الأدب التمثيلي هو أكثر آدابنا حاجة إلى الرعاية وبذل الجهد والتماس النضج والأصالة، والتطلع إلى النهوض نهضة تكفل للمجتمع الخليجي ما هو أهل له، وعلى الأخص في هذا الوقت الذي نخطط فيه لمستقبلنا وندعم فيه البناء لغد آمن مستقر».
ما الذي يميز المسرح عن باقي الفنون؟ وهل سيأتي يوم يتخلى فيه الناس عن حضور المسرح؟
المسرح هو حقا أبو الفنون قاطبة في العمل المسرحي الواحد قد تجتمع جميع الفنون مع التمثيل، والموسيقى، والرقص، والغناء، والفنون التشكيلية من خلال خلفيات المشاهد وكما يقول الناقد المسرحي الدكتور سمير سرحان « المسرح أبو الفنون لأنه.. أكثر الفنون تأثيرًا في الناس فمشاهدة أي مسرحية هي عملية التحام حي بين الجمهور والممثلين على خشبة المسرح، هؤلاء الممثلون يجسدون أمام المشاهد جانبًا من التجربة الإنسانية ويفسرونها فيخرج المشاهد وقد أضاف إلى نفسه إلى جانب المتعة معرفة بالحياة… سواء كانت في شكل سلوك إنساني أو نظرة إلى الكون أو موقف من الحياة».
والمسرح هو أيضًا أبو الفنون لأنه يجمع أكثر من فن.. فهناك فن الكتابة الأدبية كما تتمثل في النص المسرحي، وهناك فن أداء الممثل وفن المخرج، والفن التشكيلي المتمثل في تصميم وتنفيذ الملابس المسرحية وفن الإضاءة وتصميم الرقصات.. وفن الموسيقى، وتجتمع كل الفنون في تناغم وتناسق لتكون في النهاية المسرحية ذاتها التي تشكل في كل هذه العناصر وحدة فنية واحدة.‏
وفي نهاية الأمر، فالفن المسرحي ليس نتاج عقل واحد كما هو الحال في الشعر أو الرواية أو حتى الرسم أو الموسيقى.. إنما هو مجهود عدد من الفنانين في مختلف التخصصات التي تشترك جميعًا في إيجاد وتشكيل العرض المسرحي… إلا أن من بين هذه العناصر عنصرًا أساسيًا لا تستطيع العناصر الأخرى دونه أن تتكامل وتؤدي دورها.. وهو النص المسرحي.‏
المسرح هو الحياة و ما دامت الحياة باقية فالمسرح باق ولا يمكن ان يتخلى الناس عن المسرح ربما يكون الحضور الجماهيري هو الذي سيتأثر بنوعية ما يقدم من أعمال، جميع الفنون تتطور مع تطور العصر و المسرح عليه مواكبة هذه التطورات و القائمون على تقديم هذا الفن عليهم أن يكتشفوا الوسائل الكفيلة بإنجاح عوامل الجذب المطلوبة من إبداع في الأداء الفني و احترام الذائقة العامة وغيرها من العوامل الأخرى.
ما الذي يغريك في تجربة الإخراج؟
يقوم فن المسرح على ثلاثة عناصر أساسية هي : الممثل، النص المسرحي، والجمهور. ولكن، كي تتحقق النتيجة المرجوة من العمل المسرحي، لابد أن يكون هناك شخص يفرض وجهة نظره على جميع عناصر العمل المسرحي، هذا الشخص هو المخرج فالمخرج هو الشخص المنوط به ربط جميع عناصر العمل المسرحي مع بعضها البعض من خلال رؤيته الخاصة.
و قد ظهر تأثير المخرج كعنصر منفصل و مؤثر في المسرح عام 1874، حين قام الدوق جورج الثاني، دوق ساكس ميننجن (إحدى الدوقيات السكسونية)  بجولة في دول أوروبا مع فرقته المسرحية وخلال هذه الجولة، حرصت الفرقة على إبراز وتوضيح القيمة الفنية لعمل المخرج أمام الفرق المسرحية المختلفة وقبل هذه الجولة بست سنوات، كان الدوق يطبق مبادئ الإخراج الأساسية، التي لا تزال مستخدمة حتى الآن و إن دخلت عليها بعض التعديلات. هذه المبادئ شملت :عمل تدريبات مكثفة، وتشجيع الأداء التمثيلي الجماعي، ومراعاة الدقة في الملابس و الديكورات المستخدمة بحيث تتماشى مع السياق التاريخي للأحداث، ضرورة أن يتحلى المخرج برؤية خاصة و سيطرة تامة على كل جوانب الإنتاج، و الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة
و كما قلنا سابقا، فإن الممارسات و الأساليب الإخراجية التي اتبعها الدوق جورج الثاني لا تزال محل التطبيق حتى الآن. فالمخرج يتولى مسؤوليتين أساسيتين :
1 – تنفيذ رؤيته الشاملة
1 – قيادة الآخرين نحو تحويل النص المكتوب إلى عمل حي على خشبة المسرح. فان ممارسة فن الإخراج المسرحي تمنحك متعة المتابعة و الإشراف الدقيق على تنفيذ جميع المهن المسرحية وهي مسؤولية كبيرة و كي يتمكن المخرج من الاضطلاع بهاتين المسؤوليتين، فعليه أن يستقر على التأويل الذي يتبناه للنص المكتوب، و أن يتعاون مع المؤلف (إن أمكن )، ومصممي الملابس والإضاءة والديكور، وكذلك الفنيين في تخطيط العمل المسرحي، و أن يختار فريق الممثلين المشاركين في العمل و يقود البروفات بالإضافة إلى تنسيق كل هذه العناصر حتى يصل بالعمل إلى شكله النهائي.
و أخيرا، يجب أن يكون المخرج قادرا على رؤية المسرحية على المستويين المادي  واللفظي وفي مرحلة اختيار الممثلين، يجب أن يكون المخرج على وعي بالسمات البدنية لكل شخصية فلا بد أن يتواءم الشكل الخارجي مع الطبيعة الشخصية، فعلى سبيل المثال، شخصية فولستاف في مسرحية «زوجتان مرحتان من وندسور» او «زوجات وندسور المرحات» – كما يسميها بعض المترجمين – لا يمكن أن يقوم بها ممثل نحيل وبشكل عام، لابد أن يكون هناك نوع من التناغم بين الشخصيات المختلفة في المسرحية.
الإخراج رحلة ممتعة تبدأ من القراءة الأولى للنص و القرار باختياره كمشروع إخراجي ثم تتوالى القراءات واحدة لاختيار الممثلين المناسبين لأداء الشخصيات وأخرى لتحليل النص وصولا الى توضيح الأبعاد الثلاثة للشخصيات (اجتماعية، صحية، جسمانية الخ) والإخراج كتابة جديدة للنص لبث الروح في شخصيات العمل لتتحول من مجرد شخصيات على الورق الى شخصيات تعيش وتتنفس و تنطق و يجري في عروقها الدم كما أن الإخراج يتيح لك أن تقدم فلسفتك في الفن المسرحي وأسلوبك المفضل
هل توجد انتقادات على العمل من حيث الإخراج من قبل الجمهور وهل تتقبل الانتقاد منهم أم أنك ترى الاخراج مكتملا دائما من منظورك؟
أحيانا بعض فئات من جمهور المشاهدين وخصوصا من الفنانين الآخرين مخرجين كانوا ام ممثلين لأن كل شخص يرى العمل من زاويته و يحلل الشخصيات حسب معتقده وفلسفته في الفن و لا يوجد لدينا ناقد مسرحي متخصص يقوم بعملية النقد وتبقى في النهاية هذه الانتقادات مجرد نقد انطباعي مستند الى مشاهدة واحدة للعمل و لا يستند إلى أسس علمية للنقد إذن لكي يقوم النقد المسرحي بواجبه، على الناقد أن يلم بكل هذه المعطيات، ولا يحق له أن يغفل احدها فتفشل عملية النقد أو تكون ناقصة، وإذا كان من الواجب على الناقد الإلمام بكل هذه المعطيات لمقاربة عمل مسرحي ما سواء كان كوميديًا مضحكًا أو تراجيديًا حزينًا أو شكلا تجريبيا، فإن الحيز الذي يمكن أن يخصصه منبر غير متخصص من صحف وملاحق ومجلات لا يمكنه أن يضم عملا نقديا متكاملا ولذلك فما يمكن أن يقدم على هذه المنابر لا يمكن أن يكون سوى مقاربات نقدية.
وللقيام بعملية النقد على أحسن وجه يجب أن تتوفر للناقد مجموعة من الأدوات الوظيفية فيجب أن يتوفر لديه النص المكتوب للعمل المسرحي، وإذا أمكن الحصول على النص المكتوب للإخراج، ويجب أيضا أن يشاهد العرض أكثر من مرة حتى يمكنه ضبط كل آلياته. أما بالنسبة لتقبلي لانتقادات الجمهور فانا لدي الجمهور دائما على حق فهو يطرح وجهة نظره الشخصية و هذا لا يزعجني مطلقا بل أتقبله بكل رحابة صدر ربما أستفيد من بعض الآراء كما أن العملية الفنية لا يمكن أن تكتمل أبدا وتبقى ناقصة و إذا أردت أن ترضي الناس فان إرضاء الناس غاية لا تدرك والكمال لله وحده.
عندما نتحدث عن المسرح العماني. هل نتحدث عن ازدهار أم انكسار؟
المسرح في عمان يمر بمرحلة من الازدهار المستمر حتى وإن كان هذا الازدهار لا يلبي الطموح بسبب البطء في التطور المنشود وهذا له أسباب ومسببات كثيرة أبرزها توفر أماكن لتقديم العروض والمجهزة فنيا والوصول إلى أن يتوفر لدينا نجوم شباب من الفنانين العمانيين المبدعين، والفنان النجم صناعة، تشترك في صناعتها عدة عوامل وتتحمل مسؤوليتها عدة جهات و هي مهمة لا يمكن الإغفال عنها لأنها عنصر مهم من عناصر جذب الجمهور للمسرح انتهاء بتكوين جمهور مسرحي ذواق يرتاد المسرح بشكل مستمر حتى تصبح زيارة المسرح حالة طقسية لديه مما يؤدي إلى كثافة الإنتاج المسرحي وتنوع مصادر التمويل المادي، ومسارح الشباب بالمحافظات والفرق الأهلية العمانية يعملون بجد و تفانٍ و إخلاص وفي تطور مستمر وكل ذلك بدعم و إشراف جهات الاختصاص بوزارة التراث و الثقافة الموقرة.
بعد عمل استمر عقوداً من السنوات كيف ترى المسرح العماني؟
حركة المسرح في عمان وبدعم وزارة التراث والثقافة وجهود الفرق المسرحية من وجهة نظري تبشر بالخير إن شاء الله تعالى والدليل التطور الملموس و النجاح المستمر لمهرجان المسرح العماني الذي تنفذه وزارة التراث والثقافة دوريا كل سنتين والحضور الجماهيري المتميز الذي تشهده هذه المهرجانات والأثر الايجابي الطيب الذي أحدثه انتقال المهرجان إلى المحافظات العمانية الأخرى والحضور الكثيف الذي شهده المهرجان من قبل أهالي هذه المحافظات والنجاحات التي حققتها هذه المهرجانات من الأول وصولا إلى الخامس.
ما رأيك في تجارب جيل الشباب في العمل المسرحي وهل برأيك تنقصهم الخبرة المسرحية؟
تجارب الشباب تستحق التوقف عندها و تأملها لأنها تجارب لا تخلو من إبداعات الشباب وكشف لمواهبهم الدفينة التي تستحق كل التقدير والاحترام أما عن الخبرة ففي كل الأحوال الخبرة مطلوبة للجميع لان المسرح في حالة تطور مستمر مع تطور الحياة فعلى الجميع أن يعمل ويعمل و يستمر بالعمل ومواكبة التطور لان المسرح هو الحياة.
ما سبب عدم حضور المسرح اجتماعيا في السلطنة إلى اليوم؟ هل السبب في ضعف الكوادر المسرحية أم ماذا؟
الجمهور العماني جمهور ذكي و ذواق ويستطيع أن يميز بين الغث و السمين كما أن ما يقال عن عزوف الجمهور عن الحضور في العروض المسرحية غير دقيق لان الحضور الجماهيري موجود و هذا ما لمسته من خلال جميع العروض المسرحية التي تشرفت بمشاهدتها طوال الأعوام التي مضت وحتى هذه اللحظة وكوادرنا المسرحية معظمهم أكاديميون درسوا و تخصصوا في مجال الفنون المسرحية والذين لم يتخصصوا في المسرح اكتسبوا خبرة طويلة ويملكون الموهبة الكافية لجعلهم فنانين أكفاء مبدعين في مجال أدائهم.
أصعب الأعمال التي قمت بإخراجها؟
كل الأعمال التي عملت بها كانت صعبة لأنها تأخذ مني وقتًا طويلاً وجهدًا كبيرًا ولكن الأعمال التي تكثر بها المجاميع تأخذ جهدا أكبر في ضبط الالتزام وخاصة عندما تتعامل مع هواة ولا تجد مع يساعدك في العمل وتتحمل وحدك مسؤولية كل شيء بدءاً من ضبط المفردات اللغوية أثناء القراءات الأولى وحتى الملابس واختيار الموسيقى والمؤثرات الصوتية.
يقوم البعض بإخراج نصوصهم، ألا يمكن أن يكون إخراج وتأليف المسرحية من شخص واحد قد يتسبب في ضعف العمل؟
لا أرى ضيرا من أن يكون مخرج العرض المسرحي هو نفسه مؤلف النص لان البدايات الأولى لنشأة المسرح لم يكن لهذه التخصصات وجود وهنا لابد لنا أن نؤمن بان المسرح تاريخيا هو مسرح المؤلف فقد كان هو المسؤول عن كل تفاصيل العملية الفنية بدءًا من كتابة المسرحية وحتى لقاء الجمهور كان المؤلف هو المخرج و الممثل أيضا أما مهنة الإخراج فانه ترجع لفظة مخرج من الناحية التاريخية إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر وإن وجد دائما من يتولى القيام بأعباء بعض الوظائف التنفيذية المعينة ففي اليونان القديمة  كان هذا الشخص في أغلب الأحيان هو المؤلف وفي إنجلترا أو أبرز ممثلي الفرقة إلا أن فكرة المخرج هي في الواقع وليدة التطور في القرن العشرين والإخراج المسرحي قبل عام 1850ميلادية لم يكن يعدو أن يكون ضربًا من المعلومات ولقد عرف المخرج الإغريقي في أول عهده باسم دايدا سكالوس أي (المعلم المنوط) بتوصيل المعلومات إلى الممثلين والكورال والراقصين، ومن أشهر نماذج مخرجي ما قبل ظهور فن الإخراج «سوفوكليس ومسرحه ابوللو» «وشكسبير ومسرحه الجلوب» «وموليير ومسرحه القصر الملكي» «وجوته ومسرحه فايمر» وغيرهم من الفنانين وهم جميعا مؤلفون مخرجون وممثلون لم يتبلور الدور الحيوي والرائد للمخرج إلا في أواخر القرن التاسع عشر حينما بدأ العاملون في الحقل المسرحيًا يدركون ضرورة الاعتماد على شخص يستطيع أن يمسك بيديه خيوط العرض المسرحي وبالتالي يمكنه منح هذا العرض عناصر التناغم والتناسب والوحدة ومساعدة كل فنان مشترك فيه على إخراج أفضل ما عنده من إبداعات وإضافات ولم يقتصر الأمر على الاعتراف بهذه الحقيقة الجوهرية بل امتد ليشمل نظريات وضعها كبار المخرجين لتقنينها من خلال الدراسات المستفيضة والممارسات المتجددة والتجارب الطليعية إذ كان يقوم بدور المخرج في البدايات الأولى للمسرح المؤلف المسرحي لسيادة النص المسرحي على كل العناصر المكونة للعرض المسرحي وفي العصر الحديث ظهرت مهن أخرى مساعدة للمخرج ولا تقل أهمية عن المخرج ولها دور كبير على العملية الإبداعية مثل ( السينوغرافي ) و (الدراماتورجي ) و بالرغم من كل ذلك فانا شخصيا لا أحبذ أن يكون المؤلف هو نفسه مخرج العرض المسرحي.
حاصل على المرتبة الأولى من معهد الفنون الجميلة في بغداد. حدثنا عن ذكريات ذلك الوقت؟
الذكريات أيام المعهد كثيرة بسبب عدد الساعات التي كنا نقضيها فيه وفيها المؤلم وفيها المفرح و الحديث عنه ذو شجون كما يقال مرة عندما كنا في السنة الثانية وكانت حصة التمثيل في بداية العام الدراسي شاغرة بسبب استقالة المدرس وفجأة جاء من يبلغنا بان الأستاذ الجديد قد حضر وهو موجود في القاعة وكنت اشرب الشاي في مطعم المعهد وبما أنه أول يوم للمدرس قررت أن أكمل الشاي ولا ضير من التأخير دقائق قليلة وعندما ذهبت وجدت الباب مغلقًا فتحت الباب بهدوء لأرى الأستاذ قد جعل من الطلاب جميعهم أمامه و ظهره للباب دون أن ينظر إلي صرخ «اخرج برا» و أشار بسبابته إلى الباب دون أن ينظر إلي خرجت و هذا كان درسا لي ومنذ ذلك اليوم لم أتاخر لا عن درس أو بروفة مسرحية بل كنت دائما أحضر قبل الموعد المحدد وهذا الأستاذ الجليل كان الفنان العربي الكبير المرحوم كرم مطاوع رحمه الله.
بالنسبة للمستقبل بماذا تحلم؟
احلم بان ينتشر الفن المسرحي في كل إرجاء وطني الحبيب و أن يكون في كل محافظة أكثر من دار عرض مسرحي مجهز بأحدث التقنيات الفنية وان يكون لنا أكثر من موسم مسرحي وأكثر من مهرجان مسرحي.

نشر الحوار في العدد التاسع من مجلة التكوين …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق