السياحي

سوريا: هل تُصلِح السياحة ما أفسدته الحرب

بجانب جامع الصحابي خالد بن الوليد في مدينة حمص السورية وقف الصحفي الأرجنتيني أنطونيو، وهو يرى أطلال المباني حول الجامع، وقال بلهجة سورية مُكسّرة تعلّمها في الأرجنتين، والدموع تملأ عينيه «ما في كلمات تُعبّر عن هذا المشهد، كلّه دمار، كلّه خراب». والإحساس نفسه راود أغلب الإعلاميين العرب والأجانب الذين استضافتهم وزارة السياحة السورية لمدة أسبوع، بهدف الترويج للسياحة السورية عبر مواقعها المختلفة، وتغيير الصورة التي رسمتها بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية حول الأوضاع في سوريا بسبب الحرب، لكن المُرشدين السياحيين السوريين المرافقين للوفود الإعلامية كانت لهم رؤية أخرى حول هذا الموضوع.

دمشق: خاص للتكوين

التعويل على السياحة
الدكتور عُثمان العثمان -محاضر لغة إنجليزية في جامعة دمشق ومرشد سياحي- أكّد أن الكلمات التي لم يستطع الأرجنتيني أنطونيو وصف الحالة بها، والإحساس الذي خالج صدر بعض الإعلاميين أمرٌ قد تجاوزه السوريون بـ «صمودهم وصبرهم» طوال فترة الحرب التي تعدّت مدتها الـ 7 سنوات، موضحًا أنهم يُعوّلون على «السياحة» لتجاوز ما أفسدته الحرب وما خلّفته من آثار على كل الجوانب الحياتية للمواطن السوري، مؤكدًا أن إرجاع الأمور إلى طبيعتها يتطلب وقتًا، وجهدًا في الترويج للمناطق السياحية.
وفود إعلامية ومعرض دولي
تأكيد الدكتور عُثمان سبقه تخطيط من وزارة السياحة السورية التي استقدمت عدة وفود إعلامية من دول عديدة، منها السلطنة، والعراق، والأرجنتين، والتشيك، لتستثمر فترة وجودهم مع انطلاق أعمال الدورة الـ 61 من معرض دمشق الدولي الذي يُعدّ من أقدم وأعرق المعارض في الشرق الأوسط، حيث أقيم خلال الفترة من 27 أغسطس إلى 5 سبتمبر الماضي، وشهد أكبر مشاركة في تاريخه منذ انطلاقه عام 1954، حيث بلغ عدد الدول المشاركة 38 دولة عربية وأجنبية بأكثر من 1700 شركة، افتتحه رئيس الوزراء السوري في رسالة واضحة بأن سوريا تتجه إلى الاعتماد على السياحة والاقتصاد لإعادة شريان الحياة من جديد.
حضور تجاري لعُمان
شاركت السلطنة في معرض دمشق الدولي بحوالي 60 مؤسسة تجارية تنوّعت في مجالاتها، كبيع العسل العماني، والعقارات، ومشتقات الزيوت، والكابلات، والمنتجات النفطية، إلى جانب مؤسسات مجتمعية لها علاقة بأنشطة المرأة. وخلال أيام المعرض أقام الوفد التجاري العُماني الذي ترأسه سعادة يوسف اليوسف رئيس غرفة تجارة وصناعة عمان وضم حوالي 35 شخصًا اجتماعات ولقاءات مع رجال أعمال سوريين لبحث الفرص الاستثمارية الواعدة بين البلدين خصوصًا في مجالي النفط والغاز والمجال الزراعي والعقاري.
بعد سنوات عجاف
حمود أبو الفخر وهو مرشد سياحي مع الوفد الإعلامي العُماني قال: خلال هذا العام ومع استقرار الأوضاع أكثر، بدأت الوفود السياحية تتوافد بزيادة ملحوظة، وهو أمرٌ نتأمل أن يزيد خلال الفترة المقبلة بإذن الله، بعد سنوات يُمكن وصفها بأنها عجاف، حيث قلّت الأعداد بشكل كبير جدا خلال السنوات الماضية». ويوافقه في ذلك مازن أبو شاح وهو مترجم ومرشد سياحي باللغة الإسبانية قائلا إنه كان يخرج في العام الواحد «قبل الأزمة» مع عشرة وفود سياحية على الأقل، بينما جاءتهم فترة لا يتجاوز العدد فيها وفدًا واحدًا طوال العام، مؤكدًا في الوقت نفسه وجود بوادر لعودة «المياه إلى مجاريها» خصوصًا في ظل استقرار الأوضاع الأمنية في أغلب المناطق.
ووضح مازن أن هناك مشكلة لبعض السياح الأجانب مع حكوماتهم خصوصًا الخليجية التي ليست لها علاقات مع سوريا في الوقت الحالي، حيث بعد عودتهم من سوريا يتم التحقيق معهم – أحيانًا- وربما يصل الأمر إلى معاقبتهم لوجود الختم السوري على جوازاتهم، مشيرًا إلى أنهم يعملون على ابتكار طريقة تُساعد السائحين في هذا الأمر، بحيث لا يخاف السائح من المجيء إلى سوريا.
جدول حافل
تضمن برنامج الزيارات للوفود الإعلامية جدولًا حافلًا بمناطق سياحية وأثرية في عدة أماكن بسوريا، بدءًا بدمشق القديمة ومرافقها المختلفة، مرورًا بمعلولا وآثارها المسيحية المشهورة، ثم مدينة حمص وما تتضمنه من أماكن سياحية، وبعدها تدمر ذات الشواهد الحيّة، وانتهاءً باللاذقية التي تُمثّل الجمال الساحلي لسوريا. كما لم ينس البرنامج تخصيص فترتين لزيارة معرض دمشق الدولي من خلال حضور الافتتاح الرسمي، وتنظيم جولة على أركان المعرض ومحتوياته.
دمشق القديمة..
الأقدم في العالم
تُعدّ دمشق القديمة أقدم مدينة مأهولة في العالم، وأقدم عاصمة في التاريخ. وتمتاز بأبنيتها وآثارها من جوامع وكنائس تعود لعدة عصور. وقد تم تسجيلها عام 1979 م على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو. وتعرض العديد من معالم المدينة تاريخيًا للتدمير بفعل الزلازل والحروب حيث دمرت أجزاء من دمشق القديمة في فترات تاريخية سابقة، وكان في كل فترة يُعاد بناء وترميم المباني المتضررة فيها. كما تعرضت بعض الأوابد والأسواق للتخريب وأعيد ترميمها، ومع ذلك فإن معالم المدينة العريقة وشوارعها وبواباتها وأسواقها ظلت محافظة على قدر كبير من عبق التاريخ.
ومن أبرز المعالم التاريخية التي تزخر بها دمشق القديمة، الجامع الأموي وفيه مقام رأس القديس يوحنا المعمدان، ومقام النبي يحيى بن زكريا، وضريح صلاح الدين الأيوبي، والشيخ البوطي، وكذلك التكية السليمانية التي يوجد بها المتحف الحربي السوري وسوق المهن اليدوية، بالإضافة إلى سوق الحميدية الشهير الذي يكون مزدحمًا بشكل كبير في وقت العطلات.
معلولا..صلاة بلغة آرامية
 تقع مدينة معلولا التي تُعدّ أقدم مدينة مسيحية سورية في شمال شرق دمشق وتبعد عن مركزها حوالي 56 كم، وتعود تسميتها بـ «معلولا» إلى أصول آرامية قديمة؛ حيث يعود الأصل بها إلى كلمة ماعلا التي تعني المدخل أو المبدأ. كما حملت عدة مسميّات عبر العصور؛ من بينها: سيليوكوبوليس في العصور الرومانية.
ويتحدث أهلها وسكانها المسلمون والمسيحيون إلى جانب اللغة العربية باللغة الآرامية التي كان المسيح عليه السلام يتحدث بها، ويُقيم بعض المسيحيين الصلاة في بعض الكنائس، مثل «ريتا وهبة» من دير القديسين «سركيس وباخوس» التي قدمت للوفود الإعلامية «تراتيل» باللغة الآرامية وقالت أنها أرسلت من خلالها دعوة من أجل أن يعم السلام سوريا والعالم أجمع.
ومن أشهر معالم معلولا، دير القديسين سركيس وباخوس الذي يرجع تاريخ تشييده إلى القرن الرابع الميلادي؛ حيث جاء بناؤه فوق أنقاض معبد وثني قديم، وجاءت تسميته نسبة لأحد الفرسان الذين قضوا في عهد الملك مكسيمانوس في سنة 297م، ويمتاز هذا الدير بطابع عريق. بالإضافة إلى «دير مار تقلا» الذي أُقيم ليضم رفات الأميرة تقلا ابنة أمير سلوقيّ؛ التي تكون إحدى تلميذات القديس بولس. ويقع هذا الدير داخل جوف الكهف الصخري الذي احتضن الأميرة بعد فرارها، كما شرح ذلك أحد المرشدين السياحيين.
3 أضرحة في جامع واحد
يوجد في جامع خالد بن الوليد الذي يُعدّ درة جوامع  مدينة حمص ويعود بناؤه إلى القرن السابع الهجري، ويمتاز بالبناء الجميل، ثلاثة أضرحة هي للصحابي الجليل خالد بن الوليد الملقّب بسيف الله المسلول، وابنه عبد الرحمن، بينما الضريح الثالث لعبيدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
ويتصف الجامع ببنائه الأنيق، والزخارف الكثيرة، وبه تسع قباب بيضاء متباينة الحجم، وحديقة خارجية تحيط به، بالإضافة إلى مئذنتيه الرشيقتين العاليتين اللتين تجاوران القباب التسع. كما يوجد به متحف للفن الإسلامي.
ويظهر جليًا بأن الجامع تأثر بفترة الحرب، ويرى الزائر آثار ذلك بشكل واضح؛ فسوره الخارجي تم هدمه، وجدرانه الخارجية تحطم بعض أجزائها، أما المنازل والعمارات المحيطة به فقد أصبحت خاوية على عروشها، وخالية من ساكنيها، حتى إن العشب المحيط به تحوّل إلى لونه الأخضر اليابس.
عروس الصحراء: دُمِّرت
وأنت تتجوّل في مدينة تدمر الملقبة بعروس الصحراء التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث، وتمتاز بآثار ذات طابع عالمي، جعلتها تُدرَج عام 1980م على لائحة اليونيسكو للتراث العالميّ تندهش من الآثار المتحطّمة هنا وهناك، فقوس النصر، ومعبد بل، ومعبد نابو، و الأغورا، ومعبد بعل شمين، ومَتحف الفلكلور، ووادي القبور، وشارع الأعمدة، كلها آثار لم تعد على طبيعتها بعد أن طالتها يد التخريب.
ورغم ذلك إلا أن هذه الأحداث لم تُثنِ القائمين على هذه المدينة التاريخية من محاولة إعادة بوصلة السياحة إليها، حيث أقامت وزارة السياحة السورية حفلًا ضخمًا في أحد المسارح الرومانية هناك، وهو أشبه بالأوبريت، بحضور وزير السياحة السوري ومحافظ حمص، والوفود الإعلامية، وجمع غفير من السوريين بمختلف فئاتهم، وهو أول حفل يُقام هناك بعد سيطرة الحكومة السورية على الموقع الأثري في عام 2017م.
القلعة المهمة عالميًا
الزائر لقلعة الحصن في حمص يستشهد التاريخ القديم لها من موقعها ومحتوياتها، إذ تم تسجيلها في عام 2006م على لائحة التراث العالمي. وتُعدّ القلعة المتميزة بشكلها البيضاوي بكونها واحدة من أهم قلاع القرون الوسطى المحفوظة في العالم، وإلى جانب الأكراد الذين سمّوها بـ «حصن الأكراد»، فقد سكنها الفرنسيون وصاغوا اسمها الجديد «الحصن» في القرن التاسع عشر.
تتكون القلعة من حصنين داخلي وخارجي، وخندق مائي، وسور خارجي، وقد كُتِب على أحد جدرانها حكمةً باللغة اللاتينية تقول: «إذا مُنحت النعمة، ومُنِحت الحكمة وفوقها الجمال. لا تدع التعجرف يقترن بها لأنه يذهب بها جميعًا».
في الشارع المؤدي إلى القلعة الواقعة على جبل وقفت المواطنة السورية أمينة مرعي في دكانها لتوضح للإعلاميين بأنها وعائلتها انتقلت إلى دمشق فور وقوع الاشتباكات، وعادت منذ أشهر قليلة فقط لفتح المحل الذي تعتمد عليه كدخل لعائلتها.
مرعي التي رفضت أخذ أي مبلغ من الإعلاميين الذين دخلوا دكانها واشتروا بعض الحاجيات، بحجة أن المواطن السوري يُحب إكرام ضيفه، رفضت تعليقًا من أحد الصحفيين عندما سألها «هل فكرتم في الهرب خارج سوريا»، قائلة « نحن لا نهرب من بلادنا فهنا وُلدنا وهنا موتنا» واصفةً بداية الأحداث معهم بـ «الصادمة والمؤلمة».
تحدٍ للحياة
في مشاهد ومواقف متعددة، يرى الزائر والسائح صمود الإنسان السوري أمام التحديات التي تواجهه، وتعايشه مع كل ما يمر به، مُنطلِقًا في ذلك من حبّه لأرضه واعتزازه بها، ويظهر ذلك جليًا على الحياة في الأسواق التقليدية، التي يكتظ فيها المتسوِّقون خصوصًا في فترة الإجازات؛ حيث شهد سوق الحميدية يوم الأحد الذي صادف إجازة ذكرى الهجرة النبوية وبدء العام الهجري الجديد 1441هـ ازدحامًا شديدًا وحركة شرائية كثيفة جدا، لدرجة أن الزائر له لا يجد موطئ قدم له بين تلك الأعداد، وكذلك في معرض دمشق الدولي الذي لم ينقطع زائروه بأعداد كبيرة منذ انطلاقته. كما يظهر ذلك في حديث البائعين والمارة الذين يستقبلون الزائر بابتسامة ودودة، وبحديث المتأمل خيرًا في المستقبل، وليس أصدق من ذلك قول تلك المسنّة السورية على باب سوق الحميدية التي اشتكت من ارتفاع سعر «الشاورما» وأردفت قائلة: «مهما يصير هذي أرضنا وما نخرج منها، وبيعين الله على كل أحوالنا».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق