استوقفتني مساء أمس نكتة طريفة نفضت عن كاهلي قدرا كبيرا من التعب ومشاعر السأم التي يمر بها المرء في ظل مثل هذه الظروف التي تأتي لنا بأسواء الأنباء وأثقل الأخبار والمشاهد المروعة من مختلف بقاع العالم. فإلى جانب الأخبار المنهمرة كل لحظة عن أعداد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا كوفيد 19، تتواصل الأخبار عن الانتكاسات والخيبات التي يعيشها العالم العربي في ظل التناحر والاقتتال العربي/ العربي، وما نمر به من تشرذم وشتات وتخلف وعودة مرعبة نحو الظلامية والتوحش.
إلى جانب ذلك كله من المحبطات تأتي لنا وسائل التواصل الاجتماعي بتسجيل مصور لإنسان (أو هكذا يبدو) يقتل أخاه الإنسان بدم بادر، وسط الشارع، في وضح النهار، وعلى أعين المارة. هذا وهو شرطي مكلف بحفظ الأمن وصون حياة الناس وحماية الأبرياء. السبب في ذلك لأنه يختلف عنه في اللون. وذلك في أكبر دولة في العالم المعاصر، وهي التي ترفع شعارات الحرية والديموقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، وتتدخل في الدول وترسل قواتها وجنودها، الذين هم على شاكلة هذا الشرطي القاتل، من أجل إنقاذ الشعوب الأخرى. هذا الفيديو المصور أثار كل مشاعر الظلم والعنصرية وأيقظ الأحقاد النائمة التي يعيشها الإنسان في العالم المتحضر، فاشتعل العالم بأسره واكتظت شوارع المدن بالمظاهرات والاحتجاجات الغاضبة، التي لم تخل من أعمال الشغب والسلب والنهب والسطو، التي يمارسها إنسان المدن المتحضرة!
تقول هذه النكتة التي أعادت لي شيئا من شعور البهجة: “توقعات كبيرة بأنه إذا أغلقت المدارس لوقت أطول فإن الأمهات سيكتشفن لقاح كورونا قبل العلماء”! أعلم يقينا بأنها نكتة بسيطة جدا مقارنة بما سمعناه وقرأنها من النكات والطرائف، ولكن السر فيها أنها جاءت في وقتها، وفي وقت حاجة المرء لها. جعلتني أفكر في الجانب الآخر من الجائحة، حيث يوجد أناس بسطاء وخفيون لا يعرفهم أحد، يلتقطون المواقف الطريفة، يبصرونها دون سواهم في غمرة ما يجري، ويعديون تشكلها بعبقرية مدهشة، في صياغة لا تخلو من الإبداع، تعتمد على الاختزال في اللغة بقدرتها على إحداث الصدمة لدى المتلقى، وكأنما يتأمل سقوط الصاعقة!. نكتة الأمهات والمدارس أعادت لذاكرتي نكتة أخرى انتشرت عند الإعلان عن قرارات اللجنة العليا بشأن نتائج العام الدراسي الفائت. تقول تلك النكتة: “ناجحون عن بعد”. في إشارة خفية لأوضاع الدراسة عن بعد.
وهكذا رأتني أعود إلى الكثير مما تناقله الناس من النكات المتعلقة بلحظة كورونا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء المكتوبة منها أو المصورة. لم تتطرق هذه النكات إلى الجوانب السياسية، كما هي في الغالب، بل ركزت على الجوانب الاجتماعية وتصوير حالة السأم أو “الطفش” كما يسميها البعض، جراء الجلوس في المنزل تطبيقا لإجراءات الحجر المنزلي، وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية أو إيجابية لدى الفرد والمجتمع. وأذكر أنني قرأت تصريحا لأمين عام منظمة الأمم المتحدة، يحذر فيه من أن مكوث بعض الأزواج في المنزل يتسبب في الكثير من إيذاء النساء المعنفات بفعل وحشية أزواجهن، ويدعو لحمايتهن!
النكتة تناولت هذا الجانب بشكل لاذع وساخرأيضا. وهنا بعض ما رصدته من النكات فيما يتعلق بجلوس الرجل في المنزل وعلاقته بالمرأة والأبناء: “واحد يقول: كلما تمر زوجتي بجنبي تقول: يا رب تخلصنا من هذي البلاوي. ما أدري تقصدني أنا أو كورونا”؟! وتقول نكتة أخرى: “أيتها النساء، وجودنا نحن الرجال في البيت للحجر الصحي وليس لتصفية الحسابات القديمة”. أما النكتة الأخرى فتقول: “واحد يقول: ما كنت أتوقع توصل بنا الحالة إلى هذا المستوى. زوجتي تقول لأولادي: لاعبوا أبوكم معكم شوي”. بينما تطرح النكتة الأخرى تساؤلا لا يخلو من البراعة فتقول: “يا جماعة: عندي سؤال لمن لديه معرفة بقانون الأحوال الشخصية: ريموت التلفزيون أثناء فترة الحجر، من حق الزوج أم الزوجة؟”
بعض هذه النكات ركز على الآثار الجسدية والصحية على الأشخاص، وتحديدا البدانة وارتفاع الأوزان لدى الناس جراء الحجر. فمنها على سبيل المثال هذه النكتة التي جاءت على سبيل التساؤل : “تفحصون وزنكم أو مركزين على الحرارة فقط؟”. ومنها أيضا: “الوباء سيختفي بإذن الله، وكرشك سيبقى”. كما رأينا النكتة تقوم أيضا بنقد بعض السلوكيات والممارسات الاجتماعية الخاطئة في التعاطي مع الإجراءات والقيود الاحترازية بالاستهتار وعدم الالتزام والتقيد. تقول إحدى النكات: “هناك ناس تلبس الكمامة مثل الحجاب. يلبسونها عند الناس الذين لا يعرفونهم، ويكشفونها عن الناس الذين يعرفونهم”. وتقول نكتة اخرى: “الحمد لله، الشوارع كلها ناس. نتمنى من فيروس كورونا الالتزام بالحجر المنزلي”!
ومن طريف ما ترصده النكتة هو انقلاب المفاهيم في بعض الممارسات الاجتماعية، خصوصا فيما يتعلق بالحكة أو العطاس، فقد كانت هذه الأشياء من الأمور العادية والمألوفة التي لا يلتفت لها أحد. أما الآن فقد أصبحت تثير الرعب والقلق، وعلى المرء أن يتحاشها بقدر ا يستطيع، ويتقيد ويلتزم بالكثير من التعليمات عندما يعطس أو يكح، فلا يتوقع من أحد إذا عطس أن “يشمته” او يقول له: “يرحمك الله”، وإنما سينظر له بالريبة ويتحاشاه قدر الإمكان. وفي هذا السياق تقول النكتة: “كنت متوقع كل شي في هذي الدنيا، إلا أني أكح بالسر”.
ومن التعليقات الفكاهية التي لفتت انتباهي ما جاء على صورة يظهر فيها شخصان، أحدهما يرتدي قناعا، وتعود إلى عام 1990م، أثناء حرب الخليج، حينما انتشر التهديد باستخدام الأسلحة الكيماوية ما تلاه من حرق آبار النفط وتلوث الهواء حينها، ما تسبب في آثار بيئية كبيرة طالت الكائنات الأخرى كالطيور والأسماك والحيوانات. والصورة الأخرى لشخص يرتدي كمامة للوقاية من فيروس كورونا، وجرى تحديد تاريخها 2020م. التعليق الفكاهي في أسفل الصورة يقول: “تحية للذي عاش هالفترتين”!. ورغم ما يبدو على هذا التعليق من بساطة في ظاهرة، إلا أن الصورة تحمل في مضمونها دلالات سياسية واجتماعية وتاريخية عميقة، وهي تحيلنا إلى أحداث مفصلية في التاريخ الحديث للمنطقة، ما زلنا نعيش تداعياتها لليوم، وما زالت مستمرة، ولا نعلم إلى ماذا ستؤول، لا سيما إذا ما أخذنا في الحسبان آثار كورونا على البنية الاقتصادية للمنطقة، وهي التي تعمد على صناعة النفط المتدهورة جراء الحروب وسياسات التنافس وتدخل القوى العظمى، ما يذكرنا بحرق آبار النفط واشتعال الآبار خلال تلك الفترة الكارثية.
هذا جانب من النكات التي قالها أشخاص مجهولون وتداولها الناس على نحو واسع، ونشرت بينهم البسمة، ورسمت الضحكة على شفاههم، في زمن عنوانه الأبرز الخوف والقلق.