العام
كيف تتخيل شعورك عند رفع الحجر المنزلي نهائيا؟ .. وما هو أول شيء ستفعله؟
لحظات تمر بطيئة وصعبة. تغيرت فيها عاداتنا اليومية التي نحبها، وتغيرت معها حياتنا التي كنا نعيشها بطبيعتها وحريتها المحببة. نقضي أغلب أوقاتنا بين أربعة جدران، نحاول طوال الوقت ابتكار أشياء تخفف على النفس من وطأة هذا الوضع وما يفرضه من ضيق وسأم. ثمة الكثير من القلق والخوف ينتابنا على صحتنا وصحة من حولنا، ولا نعلم متى ينقضي هذا الكابوس الذي فرضه وباء كورونا على العالم، ومتى يسدل ستاره، لتعلن البشرية استعادة حريتها وحياتها الطبيعية من جديد .. ولعلنا نتساءل هنا، تُرى كيف تتخيل شعورك عند رفع الحجر المنزلي نهائيا .. وما هو أول شيء ستهرع لفعله في اللحظة الأولى؟. في هذا الاستطلاع نستمع إلى نخبة من الاختصاصيين والكتاب والباحثين والإعلاميين، يتحدثون عن مشاعر اللحظة المرتقبة التي ننتظرها جميعا بأمل كبير …
استطلاع: التكوين
قيمة النعم
في البدء تحدثنا الدكتورة رقيه إسماعيل الظاهرية ـ طبيبه في قانون وأخلاقيات مزاولة مهنة الطب، فتقول: عندما أسمع بأن الحجر المنزلي انتهى نهائيا، لا يسعني إلا أن أسجد شاكرة لله، وأستمتع بكل لحظة من حياتي .. حياتي التي ظننتها بسبب الاعتياد اليومي بأنها مملة وروتينية. بعد رفع الحجر أثمن قيمة النعم التي زهدنا بها، كالصحة وأهمية الجسم السليم والمناعة القوية. كما سندرك قيمة الحرية التي كانت لدينا جميعا، وأهمية الارتباط الوثيق بين أفراد الأسرة، حيث تستعيد المنازل مفهومها القديم.
وتضيف الدكتورة رقية الظاهرية: لقد علمتني هذه التجربة قيمة التأقلم على وضع التفاعل الاجتماعي المحدود، بالرغم من كوننا كبشر كائنات اجتماعية. ومع ذلك حاولنا التأقلم مع الوضع، وذلك بإشغال أنفسنا والحفاظ على معنوياتنا عالية.
وتختتم الدكتورة رقية الظاهرية مداخلتها قائلة: حرصت على استغلال وقتي بتطوير الذات واكتساب المهارات المختلفة، من خلال المطالعة والقراءة، علما بأنني إحدى العاملات بالقطاع الصحي، وما نحن عليه من استقرار صحي مطمئن يجعلنا نلزم بيوتنا، ونحن على ثقة في الحكومة الرشيدة التي تعمل على صحة وسلامة أفراد المجتمع عامة، وكذلك أبطال الصحة، وفقهم الله.
جزع داخلي
من جهته يقول الدكتور جمال الحراصي: لقد سلبت هذه الأزمة جزءا من أهم ما نملك وهي حريتنا، وجعلتنا محبوسين في بيوتنا، وشعور أن يصبح الإنسان حرا من جديد لا يضاهيه شعور إلا شعور الصحة بعد المرض، وهذا كان تهديدا آخر لهذا الوباء فأن تشعر بأنك قاب قوسين من أن تصبح مريضا وليس بأي مرض وإنما مرض قد يسلب منك حياتك فذلك شعور باعث على جزع داخلي عميق؛ وبهذا يصبح الاحتفال برفع الحجر المنزلي نهائيا هو احتفال بقيمة مضافة فالإنسان يحتفل بثلاثة أشياء معا: الحرية والصحة والحياة؛ إنه شعور جميل أن تحتفل مرة واحدة بكل هذه الأشياء الوجودية فتشعر معها أنك تطير فرحا.
أما أول شيء يعتزم الدكتور جمال الحراصي فعله فهو ممارسة الحياة والاستمتاع بالحرية والصحة، وسيخرج في رحلة يزور فيها بعض محافظات السلطنة.
الأجواء المفقودة
أما الكاتب والإعلامي نصر البوسعيدي فيقول: من المؤكد أن الشعور سيصبح شعور الممتن جدا برحمة الله وعطفه على البشرية بعدما تعدى الإنسان بطغيانه وجهله على قوانين الطبيعة، مما تسبب في انفجار هذا الوباء الذي أحزننا جميعا نتيجة حجم ضحاياه والتبعات الاقتصادية الخطيرة التي تسبب بها نتيجة توقف أغلب الأنشطة، وبالتالي فقد الكثير وظائفهم ومصدر رزقهم وانهيار العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتزايدت أعداد البطالة في العالم، مع عدم التعاون بين المختبرات العلمية المتقدمة في إيجاد لقاح لهذا الوباء نتيجة رغبة كل دولة التوصل للقاح واحتكار بيعه والتربح من خلاله في نهاية المطاف.
ويستطرد نصر البوسعيدي موضحا: أما بالنسبة لأول عمل أقوم به بعد انتهاء الجائحة فهو توجيه كلمة شكر لجميع الكادر الصحي بوزارة الصحة والجهود الحكومية كافة برعاية جلالته، حفظه الله، والفرق التطوعية ولكل من ساهم في التقليل من أضرار هذه الجائحة في عُمان.. وبالطبع من بعد ذلك أتمنى أن أعود للعمل وتلك الأجواء المفقودة من اللقاءات والأنشطة والزيارات. بالمختصر العودة للحياة العملية بعدما مكثنا طويلا بوقت مثالي مع العائلة والأبناء والذات.
فراق الأحبة
ويشاركنا الكاتب الصحفي عامر بن عبدالله الأنصاري مشاعره وتجربته التي لا تخلو من الألم قائلا: : تتزاحم الأفكار في عقلي والرغبات في خلدي حول ما سأفعله بعد إعلان فتح الحدود وعودة الحياة إلى طبيعتها، ولكن أول ما يتصدر تلك الأفكار والأهواء، فكرة اشترك بها العقل والقلب، بأن أركب السيارة أو أصعد الطائرة، حاملا جواز سفري أو بطاقتي الشخصية، لأعبر حدود السلطنة وأكون في أحضان دولة الامارات الشقيقة موجها هدفي إلى إمارة عجمان حيث يقبع ابني عمار عند جده وجدته منذ أكثر من شهر ونصف، فقد كان ولا زال هو ووالدته في زيارة جده وجدته، فحال بيننا كورونا فأغلق الحدود وفرَّق الأحبة، والزيارة أصبحت إقامة جبرية، هنا العبارات لا تصل إلى حد الشوق مهما قيلت، فعسى الله أن يجمع الشمل من بعد الفراق، والأمل بالله معقود، والرجاء بالإجراءات أن تحمي الأحبة من شر البلاء إلى أن تنتهي الغمة ويزول العناء.
وما دون ذلك من الأفكار والأمنيات ستأتي تباعا، كالرحلات المعتادة، وجمعة الأصدقاء، والتسوق الذي يشبع الرغبات، وغيرها من الأفكار.
طعم العزلة
الكاتب وليد الشعيلي له وساوسه وقلقه الخاص الذي يعبر عنه قائلا: أنا في حيرة من أمري، ولا أعرف كيف أبدد وساوسي، أتمنى زوال كورونا المستجد بلا رجعة، وإن كان طعم العزلة شهيا وسهوبه خصيبة، ثمة شيء عكسي ربما سيحدث لي، تراجع متدهور، فهنا أنا الآن في الينابيع أرقص وأتابع السينما وأقرأ وأكلم نفسي كثيرا، والكل سكون، لا اقتحامات ولا بحث عن أعذار للاعتذار، تخلصت من فوبيا قرع الجرس، لا أعرف كيف سأخرج بعد الجائحة للناس، أخرج لمن؟ لهؤلاء؟! هل أركب قاربا كي أنجو؟ لا أعرف، ربما أكتفي بالصعود إلى تخوم السطح وأهتف: في صحة العالم! رغم أنني خسرت حرية امتلاك العزلة أو المعنى القريب من هذا الذي أشار إليه بيسوا.
الخلاص المنتظر
أما الكاتب والإعلامي حسن الهنائي فيقول: رفع الحجر المنزلي هو الخلاص الذي تنتظره البشرية جمعاء ولا شك أن ذلك اليوم سوف يكون يوم خلاص وفرحة البشرية بل سوف يكون بمثابة انتصار . انتصار العلم ،انتصار العقل البشري ضد عدو لم يفرق بين جاهل وعالم وغني وفقير ورئيس ومرؤوس، بل لم يفرق بين ديانات البشر ومعتقداتهم . لم يخص طائفة دون طائفة ولا مجتمعا دون مجتمع .
ويواصل حسن الهنائي قائلا: يوم الخلاص هو يوم عيد ينبغي أن يخلد في ذاكرة الأجيال كيوم الاستقلال واليوم الوطني وليكن عيدًا تحتفل فيه البشرية جمعاء لم لا والبشرية في هذه اليوم استطاعت التخلص من جائحة استطاعت أن تحصد أرواح الملايين حول العالم هذا اليوم الذي سوف يثبت فيه الجنس الإنساني أنه قادر على الوقوف في وجه التحديات قادر على هزيمة الشر قادر على نبذ الخلافات التافهة والتوحد ضد عدو لا يرحم الصغير ولا يوقر الكبير .
ينبغي تغذية الذاكرة الجمعية في المجتمعات أننا نتوجه باتجاه التوحد والتقدم في المجال الصحي الذي ينقذ الأرواح من خلال تطوير معداتنا الطبية وكفاءة مستشفياتنا وليس في مجال التسلح وتطوير آلة القتل التي تفتك بالأبرياء .سيذهب الناس إلى أحب الأماكن إلى قلوبهم وسأذهب إلى أحب الأماكن إلى قلبي.
ويستحضر الهنائي هنا قصة الفتاة التي استطاعت استعادة نظرها بعد عملية جراحية معقدة فطلبت رؤية الألوان فذهب بها أبوها إلى حديقة مليئة بالورود بمختلف ألوانها وأشكالها .ستعود للحياة ألوانها بعد جائحة كورونا وسوف يذهب كل إنسان إلى اللون المفضل لديه .كورونا هو حرب العلم ضد الجهل، ولا بد للعلم أن ينتصر، ويومئذ سوف تفرح البشرية بنصر الله الذي لا يريدنا إلا أن نتسلح بالعلم أكثر وننبذ الجهل .
الأهم من رفع الحجر
سيدة الأعمال، حنان جناب حمد، مدير عام مستثمر، تبدأ حديثها متسائلة: تجربة الحجر المنزلي تجربة واردة، لكن السؤال هل كنا مستعدين لها أو كانت ضمن حساباتنا؟ أقول لا. كانت مفاجئة وضرورة ملحة للجميع وأمرا واقعا. أما أناشخصيا فقد تعودت على الخروج، ليس خروجا يوميا، ولكن في أقل تقدير من ثلاث إلى أربع مرات أسبوعيا، وغالبا ما تكون ساعات الخروج طويلة، تأخذ ساعات النهار كله، وهذا بحكم إشرافي على جانب من عمل الشركة، خاصة وأن موقع الشركة يبعد عن مسقط بأكثر من أربعين كيلومترا. لذا قررنا تأجيل مرافق العمل كافة وأصبحنا نتأقلم مع الحجر المنزلي بشكل طبيعي جدا، خاصة وأن الحجر في مسقط لم يكن حجرا إجباريا وإنما كان اختياريا، وهذا يضعنا أمام مسؤولية أكبر من حيث مراجعة أي محاولة للخروج ودراسة نتائجها.
وترى حنان جناب أن رفع الحجر أمر ننتظره لحظة بلحظة، والأهم عندها ليس رفع الحجر وإنما انتظار يوم لا تسجل فيه إصابات أو وفيات، لأن ذلك سيكون مقدمة لرفع الحجر كليا وتمهيدا له.