تكتسي المدرجات الخضراء في الجبل الأخضر وعلى ارتفاع أكثر من 3000 متر عن سطح الأرض بالورود بمنظر بهيج خلال هذه الفترة من كل عام، وتنتشر هذه الزراعة على مساحات واسعة من الجبل وتتركز في قرى “العين” و”الشريجة” و”سي”ق و”القشع”.
وتعد زراعة الورد أحد كنوز الجبل الأخضر ولا تزال أحد أهم مصادر رزق سكان الجبل، الذين امتهنوا سر طهوه واستخراج مائه العذب، الذي يكاد لا يخلو منه بيت في السلطنة. ويبدأ موسم الورد أواخر شهر مارس من كل عام ليصل إلى ذروته في شهر ابريل وينتهي في بدايات شهر مايو.
ماء الورد الجبلي
يقول سالم بن راشد التوبي مدير دائرة الزراعة في الجبل الأخضر إن عدد أشجار الورد التي يجري استخلاص ماء الورد الجبلي منها تقدر بحوالي 5000 شجرة بمساحة إجمالية تقدر بـ 7 أفدنة، وتقدر كمية الإنتاج بـ4000 آلاف لتر للفدان الواحد، أي حوالي 28 ألف لتر لإجمالي المساحة المزروعة بأشجار الورد.
ويصل المردود الاقتصادي من الفدان الواحد إلى 40 ألف ريال عماني، أي أنه يمكن أن يصل المردود من 7 أفدنة إلى حوالي 280 ألف ريال عماني في الموسم الواحد. وأضاف التوبي أن الوزارة قامت سابقا بتوزيع مكائن استخلاص ماء الورد البديلة عن الحطب الذي توقد به النار، كما انها تقدم البرامج الإرشادية التي تعنى بعملية التقليم والتسميد والعناية بشجرة الورد العماني، وتقدم التوصيات الإرشادية فيما يخص المعاملات الزراعية المتعلقة بمزارع الورد الجبلي.
وتعد صناعة ماء الورد حرفة تقليدية التصقت بأهالي الجبل الأخضر منذ مئات السنين، حيث بات يعرف ماء ورد الجبل الأخضر بجودته ودقة تصنيعه، نظرًا لاتباع الأسلوب التقليدي الذي يعتبره مزاولو هذه المهنة السرّ وراء الجودة والانتشار الكثيف لهذا المنتج.
وتمر عملية إنتاج ماء الورد الجبلي بمراحل عدة، إذ يبدأ المزارعون في شهر يناير بعملية تقليم أشجار الورد وحراثة الأرض وتسميدها وريّها بشكل جيد بانتظار موسم تفتح الزهور، وتجهيز المصنع ( الدهجان) الذي هو عبارة عن مبنى من الطين والحجارة والأواني الفخارية (البرمة) الموضوعة عليه، وتتفاوت مساحته وفق مساحة أشجار الورد لدى المزارع.
ومع بدء تزهير الورد يتجه الأهالي لقطف الورد في الصباح الباكر وأحيانا في المساء بحيث يقوم بقطف الورد في الصباح من أحد البساتين، وفي المساء من البستان الآخر وتتعاون الأسرة كلها في عملية قطف الورود من البستان وفي المقدمة النساء، في عملية تعاونية رائعة طوال فترة موسم الورود.
القطاف والتقطير
وبعد الانتهاء من قطف الورد تتم عملية تقطيره في المصانع الخاصة (الدهجان) التي صممها المزارعون حيث يتم إيقاد النار داخل المصنع عن طريق الخشب أو عن طريق مكائن خاصة تعتمد على الغاز، ثم يكون أعلى النار برم فخارية خاصة يوضع بداخلها كمية من الورد وفوقه قرص نحاسي يتقطر الورد بداخله من خلال عملية تبخر الورد، وتستمر هذه العملية حوالي أربع ساعات وهكذا دواليك، تكون مستمرة طوال فترة موسم العصير لدى البعض، ومتقطعة لدى البعض الآخر حسب كمية الورد المتوفرة.
ويجمع الناتج من ماء الورد ويترك لمدة تتراوح من شهر إلى أربعين يومًا حتى تترسب الشوائب، بعدها يتم تخزينه عادة في وعاء من الفخار (الخرس) ويظل فيه ثلاثة أشهر، ويكون ماء ورد في النهاية لونه أحمر زكي الرائحة، ثم يعبأ المنتج في عبوات زجاجية سعتها 750 مليمترا ثم يتم تسويقها بالأسواق المحلية، حيث تتراوح قيمتها بين 8 الى 10 ريالات عمانية، وبعض الزجاجات ذات السعة الاقل 500 مليمتر تكون قيمتها 5 ريالات عمانية. كما يتم حاليا تقطير ماء الورد بالأساليب الحديثة عبر مركز تقطير النباتات العطرية بالجبل الاخضر التابع للهيئة العامة للصناعات الحرفية.
ووضح خالد بن سعيد البوسعيدي مسؤول المركز بالوكالة أنه من منطلق حرص الهيئة العامة للصناعات الحرفية في المحافظة على الموروث الاصيل من الحرف التقليدية للأجداد والآباء وتطويرها بما يتلاءم مع روح العصر والحداثة، فإن المركز يقوم بتقطير ماء الورد عبر أجهزة التقطير الحديثة المتوفرة بالمركز، ويتم التقطير بواسطة الفصل والتكثيف، ويتم اضافة الأزهار مع الماء داخل الجهاز وتبقى ساعتين في الجهاز مع وجود مصدر حراري ، ويتم تجميع المنتج بعد التقطير في حوجلة خاصة عبر الانابيب الموصلة بجهاز التقطير حيث يعطي في نهاية المرحلة منتجا شفافا ليس له لون ورائحته نفس رائحة أزهار الورد، ويتم تقطير حوالي 3 لترات يوميًا، وخلال الموسم يتم تقطير من 15 الى 50 كيلوجراما من الورد بعد شرائه من المزارعين.
وأضاف البوسعيدي أننا نهتم كثيرا بسلامة وجودة المنتج لكسب ثقة عملائنا من المواطنين والسائحين من مختلف الجنسيات الذين يحرصون على شراء منتجاتنا عبر منافذ التسويق المختلفة والمعارض التي نشارك فيها، حيث يبلغ سعر الزجاجة سعة 500 مليلتر ريالين فقط، وأفاد البوسعيدي بان المركز يدعم المزارعين بالزجاجات الفارغة والزجاجات البلاستيكية الملائمة لتعبئة ماء الورد بها ثم بيعها.
سلالات من الورد
ويقول أحمد بن عبد الله بن سلام الصقري مؤسس مشروع مصنع ماء الورد بالجبل الأخضر: إن فكرة المشروع كانت تراوده منذ الصغر حيث كان يمارس الحرفة بمعية والده في قرية “سيق” بالجبل الأخضر، وظلت الفكرة عالقة في ذهنه ويفكر في تطويرها إلى أن أنشأ مشروعه الذي تفرغ إدارته بنفسه، ويعتبره مشروعًا زراعيًّا وحرفيًّا وسياحيًّا وتجاريًّا.
وأضاف الصقري إن الهدف الأسمى من المشروع هو تطوير المنتج العماني في صناعة ماء الورد، وتطوير الحرفة التقليدية من خلال ادخال عدد من التحسينات اللازمة، واستقطاب الورد من مزارعهم الخاصة سواء عن طريق الاستطناء أم الشراء بالكيلو لمن يرغب، ومن الاهداف أيضا إبراز المنتج العماني في الاسواق العالمية خارج السلطنة.
وأشار الصقري إلى أن مزرعته التي تضم مصنع التقطير تحتوي الآن على (800) شجرة ورد في مرحلته الأولى، منها: الورد العماني، والبلغاري، والسلطاني، والجوري، والشامي، بالإضافة إلى بعض أنواع اصناف الورود التي يصنع منها باقات الورد الجميلة، لتلبية الاحتياجات الفعلية للفنادق والمنشآت السياحية.
وبدأ اسم الجبل الأخضر خلال السنوات الأخيرة يظهر بشكل أكبر مع إنشاء العديد من المرافق السياحية التي تبناها القطاع الخاص، ويحوز اهتمامًا متزايدا يومًا بعد يوم، ويستقبل اليوم الزوار بهدف الكشف عن أسرار هذه البقعة السياحية من أرض عمان المترامية.