العام

الاهتمام السامي بالتراث الثقافي

تعد السلطنة من الدول التي تولي اهتماماً كبيراً بالتراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي، وقد بذلت الجهات المختصة وعلى رأسها وزارة التراث والثقافة جهوداً كبيرة لتوثيق عناصر التراث الثقافي غير المادي لسلطنة عمان إبان تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – حقيبة وزارة التراث والثقافة بين عامي ( 2002- 2020م).

عماد بن جاسم البحراني
كاتب وباحث في التاريخ

وقد أكد جلالة السلطان المعظم – حفظه الله- في حوار سابق له مع مجلة «شرفات المجلس» – عندما كان وزيراً للتراث والثقافة- على حرص وزارة التراث والثقافة بالتنسيق مع الجهات والمؤسسات الحكومية والأهلية المعنية على المحافظة على التراث الثقافي في السلطنة، وذكر أن وزارة التراث والثقافة قد نفذت العديد من المبادرات في المجال الثقافي غير المادي بهدف توثيق وحفظ العديد من المفردات الثقافية لهذا البلد، ومن أبرز المشاريع في مجال توثيق التراث الثقافي غير المادي «مشروع التاريخ المروي» الذي يتم تنفيذه بشكل سنوي والذي يأخذ في الاعتبار الأهمية المكانية والزمانية لكل عنصر.
أما على الصعيد الدولي، فقد أوضح جلالته بأن وزارة التراث والثقافة تمكنت من إدراج عدة عناصر في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية باليونسكو مما يُعطي بعدًا آخر للنهج الذي تتبعه في المحافظة على التراث الثقافي غير المادي ويعكس ذلك أهمية هذه العناصر على الصعيد الدولي.
كما أشار جلالة السلطان إلى أن الوزارة أنشأت القائمة الوطنية لعناصر التراث الثقافي غير المادي التي ضمت مئات العناصر الثقافية وتم الحرص على تبويبها لمختلف مجالات التراث الثقافي غير المادي (كالحرف، العادات والتقاليد والأزياء وغيرها) بحيث تتوافق والمعايير الدولية التي تشترطها اليونسكو فيما يتعلق بقوائم الحصر الوطنية.
وكانت وزارة التراث والثقافة قد نجحت في تسجيل تسعة من عناصر التراث الثقافي غير المادي العماني في هذه القائمة، وهي: (البرعة، العازي، التغرود، العيالة، المجالس، القهوة العربية، الرزفة، عرضة الخيل والإبل، النخلة).
ويأتي إدراج هذه العناصر ليعكس الاهتمام الذي توليه السلطنة لموروثاتها الشعبية، كما أنه يمثل اعترافاً دولياً بأهمية هذا الفن كجزء من التراث العماني الذي حظي بالعديد من الإشادات الدولية، لعل أهمها إدراج العديد من المواقع العمانية في التراث العالمي كقلعة بهلا عام 1987م، وموقع بات والخطم والعين عام 1988م، فضلاً عن طريق اللبان عام 2000م والأفلاج العمانية 2006م، وفي المقابل مثلت مرحلة إعداد ملفات التراث غير المادي تفعيلاً للاتفاقية الدولية، وهو مؤشر على نضوج التجربة العمانية في مجال جمع وحفظ التراث الثقافي غير المادي العماني، وقد بدأ العمل في هذا المجال من خلال تقديم 12 ملفاً لعدد من مفردات التراث الثقافي غير المادي العماني تم قبول ستة ملفات منها في عام 2010م وهي (البرعة، تقطير ماء الورد، الخنجر، الرزحة، الرزفة، العيالة) في حين تم تحويل ستة ملفات أخرى للسنوات التي تليها، وفي عام2011م قدمت السلطنة ملفين جديدين هما (الميدان والعازي).
هذه الملفات تم إعدادها في البداية من قبل كوادر عمانية بوزارة التراث والثقافة بالتعاون مع خبراء دوليين وكذلك وزارة الإعلام واللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم بالإضافة إلى مندوبية السلطنة في اليونسكو، وكانت البداية من خلال جمع معلومات عن كل مفردة وتوثيقها من قبل الممارسين والمعنيين في المجتمع بهذا الموروث، وذلك وفق قوائم وشروط التسجيل المنبثقة من اليونسكو، كما قامت الوزارة بالاستعانة بخبراء دوليين مختصين في مجال الإشراف على إعداد الملفات من أجل مراجعة تلك الملفات منهجياً وعلمياً، ومن بين تلك الملفات الستة تم اختيار ملف البرعة ليكون أول ملف عماني يدرج ضمن القائمة العالمية للتراث غير المادي، وذلك بعد أن أوفى الملف بكل المعايير المتعلقة بالتسجيل.
وفي إطار نفس الهدف، أصدرت وزارة التراث والثقافة ضمن سلسلة من مفردات التراث الثقافي غير العماني، ومشروع جمع التاريخ المروي عدة كتب هامة ساهمت في توثيق هذه المفردات وهذا التاريخ العريق، والتعريف به محلياً وخارجياً.
في مشروع «من مفردات التراث الثقافي غير العماني» يتم اختيار مجموعة من مفردات التراث غير المادي العماني كالفنون الشعبية والحرف التقليدية والمناسبات الاجتماعية وغيرها وبعد ذلك يتم تكليف باحثين للقيام بعملية الجمع والبحث الميداني حول تلك المفردة من خلال الناس العارفين بها. وما يميز هذا المشروع هو المقاربة بين الروايات التي يتم استعانتها من حملة العنصر وغيرها من البيانات التي تناولتها مصادر علمية أو يمكن استنتاجها من خلال القطع والشخوص الدالة على العنصر.
أما مشروع «جمع التاريخ المروي» الذي تنفذه الوزارة سنوياً، فيهدف إلى جمع وتوثيق مفردات اللهجة العمانية ودراستها وتحليلها، و توثيق مختلف الموروثات الشعبية العمانية كالفنون الشعبية والعادات والتقاليد والاحتفالات المختلفة للمناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية في المجتمع العماني، بالإضافة إلى الحرف والصناعات التقليدية، والعمارة العمانية كشكل المسكن والمواد المستخدمة كالملابس والأواني وغيرها، كما يهدف المشروع إلى توثيق مختلف الأحداث التي مرت على التاريخ العماني وذلك من خلال من عايش تلك الأحداث وجعلها في متناول أيدي الباحثين والدارسين.
ومن أبرز اصدارات المشروعين:
– كتاب عادات وتقاليد الزواج في ولاية قريات: ويحتوي على نتائج بحث ميداني للعادات والأفكار والمعتقدات المتعلقة بالزواج في ولاية قريات، ويعتبر هذا الإصدار بداية المشاريع الهادفة إلى جمع الموروث الشعبي الشفهي من مناطق ومحافظات السلطنة، وصدر الكتاب ضمن برنامج مسقط عاصمة للثقافة العربية 2006م.
– كتاب الخنجر العـماني: يتناول هذا الكتاب الخنجر كرمز من رموز الهوية العمانية، وإلى جانب المراجع والمصادر المدونة تم الرجوع إلى مراجع شفهية لممارسين وصُناع الخنجر العُماني، والكتاب صدر باللغتين العربية والانجليزية.
الخنجر إحدى المفردات التراثية العريقة التي يتمتع بها الشعب العماني، ويتمتع بمكانة مرموقة لدى الشخصية العمانية، فهو شعار الدولة، ولبسه من العادات المتوارثة من الآباء والأجداد، يتألق به الرجل في المناسبات الوطنية الرسمية والخاصة، وإن كان في القدم مثل الخنجر سلاحا للدفاع عن النفس، فإنه في الوقت الحاضر أصبح شعارا للوجاهة، ولا يخلو منه أي بيت عماني.
– كتاب العادات والتقاليد لمرحلة الميلاد ولاية سمائل: تناول الإصدار العادات المتعلقة بالميلاد في مجتمع محافظة الداخلية، ومن خلال الجمع الميداني تم توثيق العديد من أغاني الأطفال وألعابهم التي ورثوها عبر الاباء والأجداد.
– كتاب فن البرعة: صدر هذا الكتاب بمناسبة إدراج فن البرعة في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للإنسانية وأحتوى على كل ما يتعلق بهذا الفن من حيث المدلول اللغوي للاسم وطريقة أداء البرعة وأشهر المناطق في السلطنة التي يمارس فيها هذا الفن، بالإضافة إلى الفرق الأهلية المشهورة بممارسة البرعة، وقد صدر الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية وأحتوى على صور لفن البرعة.
– كتاب الميدان فن وشعر: الكتاب تناول التعريف بهذا الفن وسبب التسمية وأدواره وأدواته وقوانينه والمناسبات التي يقام فيها والمحافظات التي تشتهر به. الكتاب صدر باللغتين العربية والإنجليزية وأحتوى على قصائد من فن الميدان.
– كتاب العـازي فن الفخر والشعـر: تطرق الكتاب إلى التعريف بهذا الفن وطريقة أدائه وشعر العازي ونماذج من قصائد هذا الفن، الكتاب صدر باللغتين العربية والإنجليزية.
– كتاب فن الرواح: فن الرواح يعتبر من الفنون الجبلية الأكثر شهرة في محافظة مسندم، ويقدم الكتاب نبذة تعريفية عن هذا الفن العريق وطريقة أدائه ونحو ذلك.
– كتاب عصا الجرز: يهدف هذا الكتيب إلى التعريف بعصا الجرز، حيث إن عصا الجرز تعد جزءًا من هوية المجتمع في محافظة مسندم، ويحملها الرجال في مختلف المناسبات الوطنية والاجتماعية. وبعد التعريف بعصا الجرز، يتطرق الكتاب إلى مكونات الجرز ثم مراحل صناعة الجرز.
– كتاب أناشيد الطفولة: من خلال هذا الكتاب تم التطرق إلى ذلك الإرث الجميل الذي تغرد به حناجر الأطفال في العديد من المناسبات المرتبطة بالمجتمع العماني، ومن أبرز هذه الأناشيد:
نشيد التيمينة: وهو النشيد الذي يقال عند ختم القرآن الكريم.
نشيد المعلم: وهو نشيد يردده الأطفال عند الخروج من اليوم المدرسي في مدارس تحفيظ القران.
نشيد التهلولة: وهي نشيد يردده الأطفال في ليالي عشر ذي الحجة.
– التعليم في نزوى: يرصد الكتاب عبر خمسة فصول التراثَ التعليمي الشفاهي في مرحلة ما قبل النهضة المباركة (1970م) في واحدة من أعرق المدن العُمانية وأغناها بالتراث والمعرفة ألا وهي مدينة نزوى.
– التاريخ المروي البحري لولاية صور: تم من خلاله توثيق التاريخ البحري لولاية صور من الرواة مباشرة وفق منهج علمي متكامل بالتعاون مع المختصين في هذا المجال.
– كتاب جمع التاريخ المروي في محافظة جنوب الباطنة: يعد من المشاريع المتميزة التي قامت بها الوزارة في هذا المجال، حيث تم اختيار أربع ولايات من ولايات محافظات الباطنة جنوب وزعت ما بين الولايات الساحلية والولايات الجبلية، وقد وزع المشروع على هذا الأساس بين حجر الباطنة وساحل الباطنة، فمثلت ولايات المصنعة وبركاء ساحل الباطنة، فيما مثلت ولايات نخل والرستاق حجر الباطنة. هذا التوزيع أعطى للمشروع التنوع في البيانات والمعلومات المجموعة وثراءاً ضخماً للمحاور الرئيسية التي تم العمل عليها وهي: (الفنون الشعبية، والمعتقد الشعبي، والآدب الشعبي).
هذا المشروع شهد مشاركة أكثر من 30 جامعا ميدانيا ومقابلة ما يفوق 100 راوي من مختلف الولايات التي شملها المشروع، وقد تم توزيع المادة على 6 أجزاء بمعدل جزأين لكل محور من المحاور الثلاثة.
– كتاب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ولاية مسقط: كتاب مشروع جمع التاريخ المروي لولاية مسقط يحتوي على ثمانية فصول ويتناول تاريخ ولاية مسقط الاقتصادي والاجتماعي من خلال الرواية الشفوية، ويسلط الضوء على أهمية مسقط ودورها في التاريخ العُماني، وما تزخر به من معالم حضارية وأثرية ضاربة في عمق التاريخ، والتي تعكس عراقة هذه الولاية ودورها الريادي، وأثر ذلك على حياة المواطن العُماني في الماضي والحاضر. وقد أظهر الكتاب أهمية ميناء مسقط الذي لعب دورا رئيسيا في حركة التجارة البحرية، كما أوضح النشاط الاجتماعي الذي يتمتع به سكان مسقط وهو في مجمله لا يخرج عما كان سائدا في المجتمع العُماني ككل من حيث العادات والتقاليد. كما عرض البحث الجوانب الاقتصادية وأهم الحرف والمهن التي مارسها سكان مسقط، مع تناول العوامل التي ساهمت في خروج الكثير من السكان للعمل خارج مسقط بحثاً عن الرزق، كما بين الجوانب المتعلقة بالناحية الصحية والعلاجية وأثر ذلك على السفر نحو مسقط من باقي محافظات السلطنة.
المراجع
1 ـ مجلة «شرفات المجلس»، مجلة فصلية، مجلس الدولة، سلطنة عمان، العدد الثاني، ديسمبر 2016م.
2 ـ الموقع الالكتروني لوزارة التراث والثقافة العمانية: www.mhc.gov.om
3 ـ الموقع الالكتروني لمنظمة اليونسكو: www.unesco.org/new/ar/unesco
4 ـ النصوص الأساسية: اتفاقية عام 2003 صون التراث غير المادي، اليونسكو، باريس،2012.
5 ـ مرسوم سلطاني رقم ٤٠ / ٢٠١٦ بتحديد اختصاصات وزارة التراث والثقافة واعتماد هيكلها التنظيمي، أنظر: qanoon.om/p/2016/rd2016040

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق