عن دار لبان للنشر صدر للدكتور محمود بن يحيى الكندي كتاب “المسكوت عنها في الخطاب” أهداه “إلى المقاومة.. سكتت عن أفصح الأقوال؛ فتكلمت بأبلغ الأفعال.. إلى من كان كلامهم شفاء وصمتهم حكمة.. بقية مما ترك محمد في عُمان.. إلى الشيخين سعود ويحيى”.
يرى المؤلف أن إشكالية العنوان تبدأ مع ما يتخيله المرء بداية من “أن البحث في المسكوت عنه بحث فيما وراء الخطاب، أو بحث في الميتالغوي، فيكون بمنزلة البحث فيما وراء الطبيعة، إذ كيف نبحث عن مسكوت عنه؟ وهل لنا أن نتبين مسكوتًا عنه أغفلته اللغة، ونَفَتْهُ الأذهان من ملفوظها؟ فهو في عالم الغيب عصي على الاستدعاء، مستتر عن التجلي”، فيشير إلى أن جملة المسكوت عنه “مفهوم جامع يمكن أن تدخل فيه معانٍ عدة، وربما توسع فيغدو أوسع من الكلام”، مضيفا أن عنوان كتابه ينهض على ثلاثية، قوامها: المسكوت عنه، والخطاب، وحرف الجر “في” المفيد للظرفية.
ويؤكد الكندي أن “التقابل بين المسكوت عنه والخطاب يبدو تقابلًا بين متناقضين، فالمسكوت عنه منسوب إلى السكوت وهو احتباس الصوت وانقطاع الكلام، والخطاب كلام بالمفهوم السوسيري؛ أي اللغة في الاستعمال، ولكن حرف الجر “في” أسقط السكوت على الكلام، وجعله من جملة سياساته، وشكلًا من أشكاله، وبذلك تنضبط حدود بحثنا إذ نبحث عن المسكوت عنه في تلوين الكلام وضروب الخطاب”، مضيفا أنه “كان لزامًا علينا تخليص مفهوم المسكوت عنه من جميع ما “لم يقل”، و”مالا يقال” و”مالا يمكن أن يقال”؛ لأن تحديد مفهوم المسكوت عنه بهذه المقولات لا يعطي مفهومًا يمكن توظيفه في دراسة مضبوطة الحدود، ونرى أنه لا نهاية للبحث في المسكوت عنه في إطار تلك المقولات”.
ويرى الكندي أن بحثه “يتنزل فيما تشترك فيه اللغات؛ أي في الكليات اللغوية؛ فظاهرة المسكوت عنه ليست حكرًا على لغة دون أخرى؛ فإخفاء المعاني والتستر بقول غيرها كالغريزة، يشترك فيها البشر، فهي في اللغات كافة: فصيحها ودارجها؛ ولذا رأينا أن نستفيد مما أتيح لنا من نظر المفكرين دون إيثار لثقافة على أخرى أو لنتاج على آخر، وأفدنا مما قيل في التراث العربي، وهو غزير غني، كما أفدنا مما أمكننا الإفادة منه في حدود إمكاناتنا من المترجم وغير المترجم من النتاج المنسوب إلى شتى المدارس اللسانية والأدبية الحديثة والمعاصرة”.
وجاء الكتاب في ثلاثة أبواب، تبدأ بالأول ويبحث في قضايا المفهوم والمصطلح، والثاني بعنوان “البنى النحوية المولدة للمسكوت عنه”، للدلالة على إمكانية “أن يكون المسكوت عنه متولدًا من بنية الكلام، أو من العدول عن البنية الأصل إلى بنية فرع” أما الباب الثالث فعن “الاستراتيجيات المولدة للمسكوت عنه” حيث عرض المؤلف المسكوت عنه في وجهه الأدبي، ووجهه الحضاري؛ “فتناولنا إمكان تولده من بنى الأجناس الأدبية، ومنزلته في الاستراتيجيات الكلامية غير المباشرة القائمة على المشابهة كالاستعارة، أو غير المشابهة كالتعريض والكناية، وجعلنا في هذا الباب مبحثًا للمسكوت عنه نتيجة إجراء سياسة الانتقاء والاستبعاد في الخطاب، وأفردنا مبحثًا لمنزلة المحرمات the taboo من المسكوت عنه”.