صدر عن “مؤسسة اللبان للنشر” كتاب “من ديوان السحر الحلال” للشيخ خالد بن هلال الرحبي، بجمع وضبط واستخراج للبحور من الدكتور راشد بن حمد الحسيني، ويتضمن الكتاب ما عثر عليه من إرث الشاعر الراحل الذي عنون ديوانه بهذا المسمى، لكنه فقد في ظروف غير مؤكدة.
ويشير د. راشد الحسيني إلى أن القصائد التي يتضمنها هذا الديوان موجودة في مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، وهي بخط محمد بن حسن الرمضاني، مضيفا “ولكني لم أجد نسخة أخرى حتى أقابلها بها. وقد بذلت جهدي في إخراج هذه القصائد من الأرفف علّها تكون بذرة لمن أراد أن يدرس شعر هذا الشاعر. وقد وجدت ترجمة لهذا الشاعر كتبها أمير البيان الشيخ عبدالله بن علي الخليلي، وقد ترجم له الشيخ محمد بن راشد بن عزيزالخصيبي رحمة الله عليه في كتابه شقائق النعمان”.
ووصف أمير البيان الشيح عبدالله بن علي الخليلي الشاعر الشيخ خالد بن هلال الرحبي في ترجمته التي وردت في الكتاب بأنه “الأديب العبقري”، مضيفا بأنه “كان شاعرا موهوبا يجيد السبك ويحسن الصناعة، لشعره رونق جذاب قوة في المعنى ومتانة في التركيب وسلامة في المأخذ ورشاقة في الأسلوب ورقة في اللفظ وانسجام في التأليف، وكان يقول في شتى المناسبات و يرمي فيصيب الهدف ويشف له تخييل الحقيقة فيستعير ويرمقه شبح الحبيب فيعرّض ويخشى الرقيب فيشير وتخدمه الذاكرة فيستخدم ويرى الواشي فيكنّي ويلحظ العاذل فيتجاهل وينعته الحارس فيستدرك وينشره الأمل فيطوي ويناجيه الخيال فيوري ويعجبني قوله:
قالت وقد سمعتني
أئن مثل الجريح
أروح إن لم تبن لي
ما تشتكي قلت روحي”.
ويضيف الشيخ الخليلي رحمه الله أن الشاعر الرحبي “طالما طرق الكثير من مجالات الشعر فأنشط النبوغ من عقاله وحدا العبقرية في مجاهل الخيال الساحر فلم يشمس عليه قلم ولم تجمح عنه ذاكرة ولم ينضب له مَعين حتى توصل من الطريق المسدود إلى فتحة الواقع فرأى نور الطبيعة الشفاف ولمس نداها الرطيب وزجر طائرها الميمون فتغنى بلحنه الطروب فوق أعواد الحياة النضرة وأخذ يجر ساقه من فنن إلى فنن ويطلق جناحه للهواء الطلق والشاعر يردد أهازيجه في تلك الرياض وهو بين سارح وبارح وسانح وصادح كأنما يحاول أن يطبق الموسيقى على اللحن أو يضم الفن إلى الفن ذلك هو الخلود خلود الشاعرية وتلك هي سماؤها الصافية، ومن هنا يستطيع الشاعر أن يكون مفلقا إذ ليس العلم الخالد حفظ القاعدة وفقه المعنى فقط وإنما هو شيء واقعي يشف عن خيال، وخيال يبرهن عن واقع، وبعبارة أوجز؛ هو درك الحقيقة في الخيال والعكس، وهذا من بعض نبع مَعين العقول الواعية التي تخلق القواعد ليُقَعَّدَ عليها التركيب المعنوي في قالب التركيب اللفظي، أما المعنى وأساليبه فقد تكون القاعدة عالة عليه وقلما يكون هو منحصرا عليها فالشاعرية لها معناها في قلب كل ألمعيٍّ يدرك كيف يشعر ويعرف كيف يولد العلم ويستنبطه ويركزه في كل مجالاته”.
كما يتضمن الديوان نبذة (ترجمة) عن الشاعر كتبها خالد بن محمد الرحبي، ويشير فيها إلى أن الشاعر الراحل الشيخ خالد بن هلال الرحبي يعد من فقهاء القرن الرابع عشر للهجرة، وولد حوالي عام 1325 للهجرة، وعرف بشاعر سرور حيث نظم فيها رائعته النونية:
دع عنك تذكار المعاهد والدمن
إن لم تجد كــسرورنا وطنـا ً حسن
بلـدٌ غدت للعـين أبهج َ مسرحٍ
و غدت تضاهي العقد في جيـد الزمن
سافر مع أبيه إلى زنجبار وعاش بها زمنا، ومن هناك أرسل قصيدته العصماء المرحبة بالزعيم سليمان باشا الباروني أثناء زيارته لعمان، “زنجبار تناجي ميزاب” وهو شاب في مطلع العشرينات من عمره ومطلعها:
بارقٌ من جانب الغرب سرى
فتجلى لي بأرضي سحرا
وهي القصيدة التي أطربت الشيخ أبا اليقظان فقال في حق ناظمها:”إذا كان هذا الفتى الطموح يقول مثل هذا الصنف العالي من الشعر وهو على رأس العقد الثاني من عمره فقط، فكيف به إذا أصبح وهو يقبل العقد الرابع منه إذا هو سار على هذا المنهاج القويم؟ أفلا يتربع على عرش إمارة الشعر البليغ بالقطر الشقيق زنجبار؟!!”، ولم يخب ظن الشيخ الميزابي، فقد برع الشيخ خالد في الشعر حتى وضعه بعض الباحثين في مرتبة واحدة مع الشيخ أبي مسلم البهلاني والشيخ عبدالله بن علي الخليلي.
ترك شيخنا زنجبار عائدا إلى عمان ليكون قرب الإمام محمد بن عبدالله الخليلي الذي كان يستشيره في كثير من الأمور ، فكان الشيخ رفيقا للإمام في زياراته لمناطق البلاد، كما كان يلازمه في غزواته، إلى جانب ذلك ولاه الامام رحمة الله عليه القضاء بدماء والطائيين١٣٧٢ هج ثم ولاه قضاء بدبد، توفي رحمه الله عام ١٣٧٦هج/١٩٥٣م أي قبل وفاة الامام الخليلي بحوالي سنة واحدة، ولم يترك عقبا إلا بنتا واحدة.
ومن الآثار العلمية للشيخ خالد كتاب “أبطال عمان والنهضة الجديدة” في التاريخ(مخطوط) تحتفظ به دار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة، وديوان “السحر الحلال” مفقود، ولكن بقيت بعض قصائد الديوان.