العام

عُمان تختار أعضاء “السبلة” التاسعة

حمود بن سالم السيابي

—————————

بحماسة السبلة الأولى سأقف هذا الصباح في الطوابير الممتدة كالحلم لأشهد ميلاد “السبلة التاسعة”.

وبفرحة العيد سأخرج هذا الصباح الأكتوبري الجميل لأسابق ظلي في الطرقات ، ولألحق بالمقر الإنتخابي حيث يصلي الوطن وينحر ويتبادل التهاني و”يرزف”.

وسأعاتب جهاز التصويت الذي سيومض بالعمائم و”المصار” والعباءآت عن هذا التساوي المتعب في القامات وهذه الندِّيَّة بين الأكتاف والأكتاف ، وهذا التقارب بين البرامج الإنتخابية ، وهذا التشابه في الرؤى والوعود.

وقبل أن أستمع لسيل الذرائع والتبريرات سأطفئ وميض جهاز التصويت فقد بيَّتُّ النيَّة للتعصُّب لأولئك الذين يشبهون النخيل في التشبث بجذوره بالأرض وبالشامخين كغدور النخيل في السماء.

ولأنني أدرك أن فساد الرأي يكمن في التردد فسأتجاوز إشكالية المساواة بين المتنافسين كما يظهرها جهاز التصويت ويُصَعِّبْهَا على الناخبين فقد حزمت الأمر بالإنحياز وبقوة لعشاق السواقي الذين يضربون مواعيد مع “بادَّة” الفجر لتشرب الحقول وتتسع المساحات الخضراء.

وسأعتبر كل الذي قيل في الحملات الدعائية مجرد ظواهر صوتية للإستهلاك الإنتخابي فلن تدغدغ المشاعر ، وكل الوعود التي ضربها المرشحون للناخبين إنما ليرفعوا بها السقف لغايات في النفوس ، فلا الفائز من صلاحياته البر بوعد لايملكه ، ولا الناخب من شيمه رفع سبابة الإلزام.

وسأختار الأكف الكادحة التي إن صافحتها شممت عبق الأرض فأطمئن على صواب قراري في العضو الذي سيمثل الولاية في السبلة العمانية التاسعة.

وسأختار الذين يضعون أقلامهم على مناحير الدشاديش والتي إنْ استلوها لوضع تواقيعهم على الحاجات التي يقدرون عليها اخضوضر الحبر.

وسأختار ابن الولاية الذي يسمع خرير الفلج من نافذة بيته المفتوحة على المقصورة فيتذكر في خرير الفلج نشيج الناس .

وسأختار من يفتتح مكتبا في ولايته ليقترب من نبض الناس ، لا الذين يحتجبون عن ناخبيهم ساعة إعلان الفوز ، ولا تشرق طلعاتهم غير البهية إلا مع طلب التجديد للفترة التالية حين تبلغ القلوب الحناجر وتجف الأقلام وترفع الصحف ، فيدخلون البيات الشتوي طوال فترة العضوية ويمتنعون عن فتح الأبواب للطارقين من أبناء ولاياتهم بذريعة أن صوت التكييف عزلهم عن نداء الأبواب واستغاثة الأجراس.

وسأختار ذلك المنزرع في ولايته كمئذنة ، لا الذي يزورها كسائح من قبيل تغيير الجو وكسر الروتين ، ولا ذلك الذي يدخلها كغريب في “الويك أند” ، أو كمرافق لأحد عملائه الأجانب ليريهم خشب البوابات العتيقة في الحصن ودلاء نزف الماء في المساجد وروازن البيوت الأثرية.

وسأختار الذي يصلي الفجر مع ناخبيه قبل أن يخطر الترشح للمجلس بباله ، ويبقى ملازما لجماعة المسجد وهو عضو ، ويصلي معهم وهو يسلم الأمانة لمن سيخلفه بانقضاء المدة.

وسأختار الذي تعرفه الولاية في السراء والضراء قبل أن يتأنق ببريق العضوية ، وقبل أن تفتح له الأبواب وتفسح له الأمكنة.

سأختار ذلك الذي اعتاد أن يشرب فنجان قهوة الضحى في سبلة الحارة قبل العضوية ، ويبكِّر في دخول السبلة قبل مرتاديها بعد أن تثقله العضوية بالمسؤوليات.

وسأختار من يتعامل مع إضافة شعار مجلس الشورى على لوحة سيارته كتكليف وطني ليغزل الدروب بين أماني الناس وصنَّاع القرار لا “كبرستيج” يمنحه خاصية الإفساح له إذا سار والتلويح له إذا مرّ .

ولأن السبلة التاسعة قد ولدت بكل ما يعنيه رقم تسعة في رحم الأوطان من ولادات مكتملة النمو فإن مجلس الشورى وكما صاغه سيد عمان وبانيها ولد ليتطور.

ولأن وميض جهاز التصويت قد بدأ في التجاوب مع أنفاس هذا الصباح الضحوك فإنني سأمارس تكليفي الوطني بالضغط على الزر الذي تمليه الفراسة العربية في الوجوه ، والحدس العربي في العشاق الذين يحبون الوطن ويكتوون بالجمر ، ليتقدم الوطن ويكبر وينتصر ، فالعشاق هم الأقدر على استشراف الغد ، وهم وحدهم الذين يصنعون بوجعهم المستقبل.

مسقط في السابع والعشرين من أكتوبر ٢٠١٩م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق