العام
قراءة في المرسوم السلطاني رقم (44/2020)
بشأن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (1 ـ 2)
محمد عبده الزغير
خبير شؤون الطفولة بوزارة التنمية الاجتماعية
مقدمة:
تُعد ظاهرة الاختفاء القسري واحدة من الظواهر الاجتماعية، التي رافقت كل العصور، وأغلب المجتمعات بأشكال ومسميات مختلفة، والتي لم تحظَ باهتمام دولي إلا في منتصف القرن العشرين، منذ ارتكابها على نطاق واسع في مناطق أوروبا، التي خضعت للحكم النازي في عام 1941م(1). ومنذ ذلك التاريخ، وقع مئات الآلاف من الأشخاص ضحايا لهذه الجريمة. وشهدت هذه الجريمة لاحقاً توسعاً في أمريكا اللاتينية في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، وانتشرت في جميع أصقاع العالم(2).
وبسبب تزايد ممارسة الاختفاء القسري بصورة شائعة ومنهجية في أمريكا اللاتينية وعدد من مناطق العالم، في السبعينيات من القرن الماضي، عمدت الأمم المتحدة إلى متابعة ذلك في إطار جهودها لحماية حقوق الإنسان، وسعت إلى وضع صك قانوني لمكافحة هذا الانتهاك، ومنذ 20 ديسمبر/كانون الأول 1978، وهو تاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة أول قرار بشأن الأشخاص المختفين، وهو قرار إحياء اليوم الدولي للمختفين الموافق لـ 30 أغسطس من كل عام؛ حيث يتم في هذا اليوم وفي الذكرى السنوية لفت الانتباه إلى مصير الأفراد، الذين سجنوا في أماكن وظروف سيئة، ويجهل ذووهم أو ممثلوهم القانونيون كل شيء عنهم.
كما اعتمدت الجمعية العامة، لاحقاً، قرارها (47/133) بتاريخ 18/12/ 1992م بشأن الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول.
ويُعد المرسوم السلطاني رقم (2020/44)، الذي أصدره حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظّم-حفظه الله ورعاه- بالموافقة على انضمام سلطنة عمان للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، من المراسيم المهمة في مجال حقوق الإنسان، كونه يصون عديداً من الحقوق والحريات الخاصة بحقوق الإنسان. ويعبر عن حسن نية والتزام السلطنة بتنفيذ الاتفاقية.
ويكتسب المرسوم أهميته أيضاً لكون السلطنة واحدة من دول العالم والدول العربية القليلة، التي صادقت أو انضمت إلى الاتفاقية. فعلى المستوى الدولي؛ تردد شبه عام، بمصادقة أو انضمام الدول إلى هذه الاتفاقية، فحتى 1/7/2019م بلغ عدد دول العالم، التي وقعت على الاتفاقية (98) دولة، وعدد الدول التي صدقت عليها أو انضمت إليها (60) دولة، منها خمس دول عربية صادقت (ص) أو انضمت (أ) إلى الاتفاقية، هي: العراق (23/11/2010 أ)، والمغرب (14/5/2013 ص)، وتونس (29/6/2011 ص)، وموريتانيا (3/10/2012 ص)، وسلطنة عمان (حال إتمام مراسيم الانضمام)، بينما وقعت كل من الجزائر، وجزر القمر ولبنان، ولم تصادق بعد(3). وهذا الأمر له مدلول إيجابي في التصدي لظاهرة، يكاد عديد من دول العالم لا يسمح بمناقشتها.
وللتعريف بالاتفاقية وموقف المرسوم منها، يسعدني بداية أن أستعرض أهم المعلومات عن الاتفاقية، كالتالي:
-
خلفية عامة بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في آليات الأمم المتحدة
بدأ موضوع حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، يأخذ مساره في إطار الآليات غير التعاهدية، وتحديداً من خلال لجنة حقوق الإنسان، التي قررت بموجب القرار 20 (د-36) المؤرخ 29 شباط/فبراير 1980، أن” تنشئ فريقاً عاملاً لمدة سنة واحدة، يتألف من خمسة من أعضائها يعملون كخبراء بصفتهم الشخصية لبحث المسائل ذات الصلة بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي للأشخاص”. وتكررت تلك القرارات، وتتكرر سنوياً.
وتتمثل إحدى مهام الفريق العامل مع حالات الاختفاء القسري الأساسية في مساعدة الأسر على معرفة مصير أو أماكن وجود أفرادها، الذين يُبَلَغ عن اختفائهم. ويقوم الفريق العامل في سياق هذه الولاية الإنسانية بدور قناة اتصال بين أفراد أسر ضحايا الاختفاء القسري والمصادر الأخرى، التي تبلغ عن حالات الاختفاء، من جهة، والحكومات المعنية، من جهة أخرى. ولهذا الغرض، يتلقى الفريق العامل البلاغات المقدمة عن حالات الاختفاء من أقارب الأشخاص المختفين أو من منظمات حقوق الإنسان العاملة بالنيابة عنهم ويدرس هذه البلاغات ويحيلها إلى الحكومات. ويطلب الفريق العامل من الحكومات إجراء التحقيقات وإعلام الفريق العامل بالنتائج. ويتابع الفريق العامل طلبات المعلومات هذه على أساس دوري، وتظل هذه الحالات مفتوحة في قاعدة بيانات الفريق العامل إلى أن يتم تحديد مصير الشخص المعني أو مكان وجوده. وهذه الآلية في المتابعة تنطبق على كل الدول الأطراف في الأمم المتحدة.
ولا يتعامل الفريق العامل مع حالات الاختفاء في سياق النزاعات المسلحة الدولية، على اعتبار ان اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي صاحبة الاختصاص في هذه الحالات، مثلما تقرر بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949م وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1977م.
وباعتماد الجمعية العامة، في عام 1992، الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، كُلِّف الفريق العامل أيضاً برصد التقدم، الذي تحرزه الدول في الوفاء بالتزاماتها المترتبة على الإعلان، وبتقديم المساعدة إلى الحكومات في تنفيذ الإعلان. ويسترعي الفريق العامل اهتمام الحكومات والمنظمات غير الحكومية إلى مختلف جوانب الإعلان، ويوصي بالسبل الكفيلة بالتغلب على العراقيل، التي تعترض إعمال أحكامه. وبهذه الصفة، يضطلع الفريق العامل بدور وقائي، وذلك بمساعدة الدول في التغلب على العراقيل، التي تعترض إعمال الإعلان. ويضطلع الفريق العامل بهذا أثناء قيامه بزيارات قطرية، وبتقديمه خدمات استشارية عندما يُطلب منه ذلك.
ومنذ عام 1993م، دأبت لجنة حقوق الإنسان، ومن بعدها مجلس حقوق الإنسان على اعتماد قرارات بشكل منتظم داعياً فيها جميع الحكومات إلى اتخاذ الخطوات التشريعية المناسبة أو غيرها من الخطوات لمنع ممارسة الاختفاء القسري والمعاقبة عليها، آخذة في الاعتبار الإعلان على وجه الخصوص، واتخاذ الإجراءات اللازمة لهذا الغرض على الصعيدين الوطني والإقليمي، وبالتعاون مع الأمم المتحدة(4).
(1) يعود ابتكار جريمة الاختفاء القسري إلى أدولف هتلر، ففي 7 ديسمبر 1941، أمر بإصدار، مرسوم “الليل والضباب”، وبموجب هذا المرسوم كان يتم القبض على المعارضين واحتجازهم في مقرات احتجاز سرية، وفقًا لأحكام هذا المرسوم. وفي 30 يوليو 1944، أصدر هتلر قانون “الإرهاب والتخريب” لتوسيع أحكام مرسوم “الليل والضباب”.
(2) منظمة العفو الدولية المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال افريقيا، تعزيز التربية على حقوق الإنسان وبناء القدرات، الموقع الإلكتروني:http://www.amnestymena.org/ar/Magazine/ISSUE22/EnforcedDisappearences.aspx?articleID=1146
(3)تقرير الأمين العام الى الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة (74)، 23/7/2019م، ص 2.
(4)للمزيد من التفصيل، انظر: موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان – اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، الموقع الإلكتروني:https://www.ohchr.org/AR/HRBodies/CED/Pages/ElaborationConvention.aspx، وصحيفة وقائع رقم 6 التنقيح 3، الخاصة بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، چنيف، 2009، ص 11 – 15.