إصداراتنا
نقش الحنين إلى الماضي في “نوستالجيا صورية”
الإصدار الأول لمريم الحتروشية..
ما بين الغيمة والماء تنقش مريم الحتروشية حروف إصدارها الأول ليكون بمثابة “الحنين إلى الماضي” كما يعنيه عنوان كتابها “نوستالجيا صورية”، وهو يمدّ صفحاته إلى ماضي المدينة العمانية جارة البحر يهديها ورد الكلمات حيث جاء الإهداء “إلى أصداء اصواتهم العالقة في الذاكرة لا تراوحها والتي ما زالت تعبر بنا حواف الحياة حيث، النور الذي ننتظر”.
في بداية الصفحات تكتب مريم هذه النوستالجيا “حين يكون الحنين بوابة للعبور إلى ذاكرة الذات الفردية والجمعية ..تكون الخيارات مُتاحة للتنقل بين أنثروبولوجيا المجتمع المتنوعة لمدينة صور” مشيرة إلى أننا “نحن نكبر ولكن المدن لا تكبر فينا .. تظل طفلة تركض معنا في الدروب ظلًا وارفًا، وغناءً، وماء، وطيورًا تحلق في حدقاتنا إلى الزرقة” .
تشير الكاتبة إلى أننا نُصاب بلوثة النوستالجيا “فنغدو ورقة خريف تساقطت على الأرض تحركها الريح ولا تنوء إلّا بتلك الخشخشة الفارغة المستسلمة لنوبات الريح، حين تضربنا رائحة البحر تذرنا نهبًا لنداءات الطفولة، لانحسار الماء عند أقدامنا الغائرة، لفحيح الموج وهو يتمدد على سطح البحر وهو يضرب صخور الساحل ثم تهدأ بعد فورانها وكأنها توشوش في أذن الكون، كان هناك دائمًا استسلام فطري لتلك القوى الطبيعية الخارقة والتي يرسلها الله لتحرك سكون الكون”.
وتتنوع فصول الكتاب لتتناول حالات صورية مؤثرة في خضم هذا الحنين إلى الماضي، فتكتب عن شخصيات وأمكنة وأحداث، فمثلا تكتب عن السفينة الصورية سمحة التي غرقت عام 1958: شراع سمحة الذي غدر ببحارته وهم يشددون قبضاتهم على حبال الخلاص بأيادٍ شققها الجهد، وأمضَّها الإعياء، وأوهنها المصير المحتوم، بآمال بائسة متكسرة متخاذلة، آمال ينسفها غضب الموج المتفجر نسفًا، الموج المتفجر حممًا من كل حدب وصوب، الموج المساقط كسفًا من السماء كجبال عاتية تنهال على سطح سمحة، تطمرها بالماء والملح .. القلوب تلهج والأعين تغور في محاجرها، والأفئدة الملأى بالسكينة تضطرب، يتصايحون: “أفرغوا السفينة من بضائعها ، يتراكضون، يقذفون في البحر نفائس الدنيا، يرمون تعب الموانئ وحصيلة الغربة، أعمارهم الممتدة بين بر وبحر، خطواتهم المتراكضة بين موجتين مسالمة وغادرة، وتلك الثقة المتأرجحة – الثقة بالماء- المتضاربة يين الشك واليقين، بل بين الإيمان بالبحر والكفر به .
كما تقترب من حارتهم القديمة لتسجل حنينها عن “دكانة عمي مسعود” حيث “الباب الذي كان يزهر فرحةً وأغانيَ وحلوىً بمذاقات الألوان ومقاساتِ الفرح، هو ذاته الذي ينبت الآن رائحةَ حنطةٍ بعيدةٍ معقودةً على أطراف شالات الجدات، وبُحَّةَ فقدٍ حزينة … كان صوته أجراسَ فرحٍ ومواءً خافتًا يُثير ضحكاتنا الصغيرة”، لكنه “الآن حين تُنازعه الريحُ فتقفُ فردتُه العتيقةُ خائرةَ القوى تنوحُ كصوتِ “يازرة” عتيقة على بئرٍ معطلةٍ تتقافز حولها أطيافُ الراحلين، البابُ الذي كان يعلقُ الفرحَ للطفولة؛ دمىً وسياراتٍ وظباءً وأحصنةً، يخزنُ لحظاتِ الانطلاقِ للمرح والتفلت من تلك المشقةِ اللذيذة في لحظاتِ العمل بين أيدي الأمهات والجدات في بساتين النخيل ومواسم الحصاد”.
يذكر أن كتاب “نوستالجيا صورية” صادر عن دار لبان للنشر، وهو الإصدار الثالث والعشرين في سلسلة إصداراتها التي بدأتها قبل شهرين تقريبا.