العام
في ذكرى الحريق الكبير للمسجد الأقصى
د. علي الريامي
قسم التاريخ/ جامعة السلطان قابوس
في الحادي عشر من شهر أغسطس 1969م، أقدم شاب أسترالي متطرف يدعى مايكل دينس من أتباع كنيسة الرب العالمية، على حرق المسجد الأقصى، وهو الحادث الذي أدى إلى تدمير الجناح الشرقي للجامع القبلي في الجهة الجنوبية من المسجد الأقصى، حيث طالت ألسنة اللهب أجزاء واسعة من المبنى بما في ذلك محراب نور الدين محمود زنكي(511-569هـ/1118-1174م)-وهو المحراب الخشبي الذي كان قد صنعه ليوضع في المسجد الأقصى إبان حروب تحرير القدس أيدي الصليبيين، لكن المنية وافته قبل أن يحقق حلمه، الذي أنجزه سلفه صلاح الدين الأيوبي سنة 583هـ/ 1187م، ولهذا المحراب رمزية خاصة في قلوب المقدسيين، والمسلمين عامة، باعتباره رمزاً من رموز الجهاد الإسلامي ضد قوى الاستكبار والطغيان-.
أثار حريق الأقصى ردود أفعال غاضبة يومها، وخرجت مظاهرات حاشدة، في كل بلدان العالم العربي والإسلامي منددة بهذا الفعل الإجرامي، وعلى إثر هذا الحادث تأسست منظمة التعاون الإسلامي، -وهي الفكرة التي يقال أن صاحبها كان جلالة الملك -المغفور له بإذن الله-فيصل بن عبد العزيز. أما حكومة الكيان الغاصب فكانت المستفيد الأكبر من الحادثة، فمن أمنياتها أن يمحى الأقصى من الوجود لتقيم عليه هيكل سليمان المزعوم.
بعد القبض على الجاني، والتحقيق معه ومحاكمته، تم إطلاق سراحه وترحيله بحجة أنه فاقد للأهلية العقلية، وهكذا كان من قدر الأقصى وأرض فلسطين أن تتوالى عليها النكبات، ولا تزال مستمرة، فتهويد القدس مستمر بأشكال مختلفة، ومعاناة المقدسيين تزداد يوماً بعد يوم، والتراجع العربي الإسلامي والتفريط بالمقدسات جزء من مسلسل متواصل، لعل آخر فصوله حتى الآن أخبار تطبيع دولة الإمارات العربية مع الكيان الصهيوني المحتل.
هكذا لا يكاد يوم يمر، إلا ودم ينزف في أرض مهد المسيح ومسرى الرسول محمد عليه السلام، ودموع أم ثكلى تمطر حزنا على وليدها الشهيد، لا لجرم إلا أنه ألقى حجرا، وشيخ طاعن في السن يُقصف فجرا، ورأس أسير في سجون الاحتلال قد اشتعل منه الرأس شيبا، وفتاة مقدسية تهرول خوفاً من ملاحفة جنود الاحتلال لها، هذا هو المشهد اليومي في أرض فلسطين، وإذ نتذكر في هذا اليوم حريق المسجد الأقصى فذاك أضعف الإيمان، في عالم تضيع فيه الحقوق إذا لم تستذكر؛ ليبقى أمل تطهير الأقصى دين معلق في رقابنا، في ظل ما نشهده من هرولة غير مسبوقة، يهدى من خلالها إكليل السلام لمن لا يستحق السلام، فكما يقول الشاعر عبد الرحمن العشماوي:
عجباً أيرعى للســــــــــــــــــلام عهوده من كان معتاداً على الإرهابِ
من مسجد الإسراء أدعوكم إلى ســـــــفر الزمان ودفتر الأحقابِ
فلعلــكم تجــدون في صفـحــاتـــــه ما قلتـه وتثمّنـــون خطــابِ