الثقافي
مشروع أرشيف أبيدوس.. في مواجهة الرواية الاستعمارية عن علم المصريات
أرشيف أبيدوس هو مشروع طموح تقوده مصر ويشارك فيه عدد من الجهات الحكومية وغير الحكومية بهدف تأمين مصدر مهم للمعلومات التي تتعلق بحقبة محددة في تاريخ مصر الحديث. وهو أحد المشاريع الهامة والواعدة التي تم اختيارها ضمن قائمة المشاريع المرشحة لجائزة إيكروم- الشارقة للممارسات الجيدة في حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية، في دورتها الحالية لعام 2019-2020، والتي ينظمها كل عامين مكتب إيكروم- الشارقة، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة.
يركز أرشيف أبيدوس على المصادر والوثائق التاريخية المكتشفة مؤخراً والتي تقدم صورة مغايرة عن الفكرة التقليدية للتاريخ المصري الحديث، وتتوعد، كما يقول فريق المشروع، “مواجهة الرواية الاستعمارية السائدة عن علم المصريات والمساهمة في رؤية أكثر شمولية لتاريخه ودوره في التراث العالمي”.
يتكون الأرشيف من آلاف الوثائق والسجلات المكتوبة بواسطة موظفي هيئة الآثار المصرية خلال الفترة من عام 1820 ولغاية 1960، والتي تناقش موضوعات متنوعة تتعلق غالباً بتراث وآثار مصر، وتشمل أنواع مختلفة مثل ”الرسائل الرسمية، الاخطارات، الشكاوى، النشرات، التصاريح، والمذكرات التي كتبها العاملون في مجال التراث المصري، الذين لم يتم الإشارة إليهم حتى الآن أو إلى دورهم الإيجابي في حماية وإدارة تراثهم الثقافي.
ولا تكتفي هذه الوثائق بتقديم وجهات نظر جديدة لإضافتها إلى المجال المتنامي لعلم المصريات فحسب، بل كانت سبباً باقتراح طرق جديدة لدراسة دور السكان الأصليين في علم الآثار خلال الحقبة الاستعمارية. في الواقع، لقد مضى وقت طويل على قيام الجماعات والأفراد المهمشة بقيادة مشاريع توضح ادوارهم وأدوار آخرين مثلهم في القصص التاريخية.
لم يكن الحصول على هذه الوثائق التاريخية بالأمر الهيّن، فقد قام فريق العمل للمشروع بجهود كبيرة للوصول إليها ومعالجتها وحفظها وتصنيفها. ولقد كان الكثير من هذه الوثائق في حالة مادية يرثى لها، كما كانت موزعة بشكل فوضوي دون دراسة أو عزل أو تنسيق، مما عرض الكثير منها للضياع أو التلف أو الاهتراء، الأمر الذي وضع عبئاً إضافياً على فريق المشروع، الذي حاول أن يتبع منهجية عمل واضحة ومحددة ومعترف بها خلال كافة مراحل العمل ضمن المشروع.
وتشمل منهجية العمل هذه سبع مراحل أساسية، هي: عملية الفرز والتصنيف للوثائق؛ ترقيم كل وثيقة ضمن الكتالوج الخاص بالمشروع؛ التصوير الفوتوغرافي قبل عمليات الترميم؛ عمليات الترميم والصيانة المختلفة؛ التصوير الفوتوغرافي بعد عمليات الترميم؛ التسجيل والترجمة لكل وثيقة؛ وأخيراً أعمال التخزين والحفظ.
أما عملية الترميم على وجه الخصوص فتتم، كما يقول فريق العمل، وفقاً لخطوات دقيقة وتبعاً لنوع وحالة كل وثيقة على حدة، حيث يقوم الفريق بدايةً بفحص الوثيقة وتوثيقها، وتصوير مظاهر التلف المختلفة الموجودة بها، والتي تتنوع بين وجود أوساخ وأتربة، قطوع، أجزاء منفصلة، أجزاء مفقودة، بقع لونية، إصابات فطرية، تلف حشري، جفاف، التواءات وثنايا، بهتان وتلف بالأحبار، تأكل، وما إلى ذلك. ويقوم فريق العمل بعد ذلك بالتدخل لمعالجة كل وثيقة حسب الحاجة المطلوبة وتنظيفها وترميمها والبحث عن الأجزاء المقتطعة منها ولصقها ووضعها في متناول اليد من جديد بشكل فني جيد يحفظها ضمن الأرشيف لسنين طويلة قادمة.
ومن خلال أعمال الحفظ والترميم والأرشفة لتلك الوثائق المهمة يهدف المشروع إلى التأكد من وصولها إلى الأجيال القادمة، وجعلها سهلة المنال للاستفادة من المعلومات التاريخية التي تتضمنها. ولا شك أن الدراسة المستمرة لأرشيف أبيدوس ونشره ستحقق إضافة كبيرة للذاكرة الاجتماعية للمواقع الأثرية المصرية، كما سوف تؤكد بالسرد التاريخي الطرق التي شارك بها المصريون بتراثهم الغني خلال سنوات تأسيس علم المصريات.
ولعرض بعض جوانب المشروع، تم مؤخراً تنظيم معرض في متحف سوهاج تحت عنوان ”حضرة صاحب العزة”، حيث تناول وجهة نظر علم المصريات المبكر من خلال تسليط الضوء على مساهمات المصريين خلافاً لتلك المكتوبة بمنظور أوروبي، وذلك بالاعتماد على بعض الوثائق الموجودة ضمن أرشيف أبيدوس. واستمر المعرض من أغسطس/آب 2018 ولغاية مايو/أيار 2019، وشكل بداية ممتازة للحديث عن هذا المشروع الرائع والتأكيد على مساهمات المصريين في إدارة تراثهم الثقافي.
شمل المعرض عدد من الوثائق الهامة التي تعود إلى الحقبة ما بين أعوام (1880-1950)، وقد اختار فريق العمل للمشروع 60 وثيقة تاريخية حول عدد من الموضوعات التي تتعلق بالعمل الأثري، وإدارة المواقع التاريخية. واختير اسم المعرض “حضرة صاحب العزة” بسبب وجود عدد كبير من الوثائق التاريخية التي ذكر فيها عدد من الألقاب، من بينها خطاب موجه من مدير عام مصلحة الآثار آنذاك، بيير لاكو، لمفتش آثار سوهاج يبلغه فيه بضرورة الاستعداد لزيارة سلطان مصر “صاحب العظمة” للموقع.