وهو يقلب في بطون الكتب ويتصفح الجديد منها والقديم، ويسافر مع قلمه بحثا وتدوينا، ويجتمع مع أبنائه تعليما ومشاركة، تدخل “التكوين” إلى عالم الباحث والكاتب أحمد النوفلي الذي يقدم للقراء جانبا من برنامجه اليومي في ظل الحجر المنزلي الذي استثمره في مشاريع ثقافية وعائلية مهمة.
في البدء يتحدث أحمد النوفلي عن الدروس التي يمكن أن تستفيدها البشرية من هذه الجائحة فيقول: الحياة تسير، ولا تتوقف، بلا محاباة، فيموت من يموت، ويحيا من يحيا، هذا الناموس الكوني، بيد أن كورونا أوقف الناس جميعًا، جعل وقفة نظر، للتأمل، والتفكر، والاستشعار، لهذا الخطر العظيم، فالكل أخذ يراجع حساباته، النفسية والاجتماعية والفكرية والمالية، وعلى مستوى الدول تقف الدول مراجعة لسياساتها واقتصادها، وتعيد ترتيب أورقها من جديد.
ويمضي أحمد النوفلي موضحا أن هذه الجائحة، لها دورس مفيدة لجميع الناس، فهي تجعلنا ننظر إلى بعضنا نظرة محبة وود وإخاء وتعايش سلمي، بعيدًا عن الاعتبارات المصطنعة من الإيديولوجيات والتعصب الطائفي والديني والمناطقي والعرقي والمذهبي، ليعيش الناس جميعًا بأمان وتآلف أخوي، ومن الدروس أيضًا أن جائحة كورونا جعلت الناس تنظر إلى بعضها نظرة تعاون وبر وإحسان، وهي كلها قيم إنسانية عليا.
والمتفكر يلحظ أن من فوائد هذه الجائحة هدوء حركة السيارات، والتقليل من تحليق الطائرات، وتوقف السفن والقطارات، فساعد على التخفيف من ضجيج المصانع وتلوث البيئة، وعليه فكل ذلك تعود فائدته على الإنسان والبيئة عمومًا، لأن هذا التلوث يؤثر على صحة الإنسان والحيوان، وتوقفه ينقي البيئة ويحافظ على استمرارها.
وبالنسبة إلى دعوة البقاء في البيت مع جائحة كورونا يقول الباحث والكاتب أحمد النوفلي: أنا وأسرتي ملازمين للمنزل، واعتدت ذلك منذ سنوات، فمعظم وقتي في البيت، لذا لا أشعر بالممل، فقط الذي ممكن أن يكون إضافة لي، هو الخروج لممارسة العمل الميداني، وزيارة الأصدقاء أو زيارتهم لي لتداول الثقافة والمعرفة والفكر وحضور الفعاليات والأمسيات الثقافية، فقد توقف كل ذلك، فهنا صار تغير في برنامج الخروج من المنزل، ولكن مازالت متواصلًا عبر وسائل التواصل الاجتماعية، كما أني أشارك في البرامج الثقافية عن طريق التطبيقات التقنية الحديثة، وأستمع عبرها إلى محاضرات وكلمات قصيرة مفيدة.
ويضيف النوفلي مؤكدا استفادته المثلى من الحجر المنزلي: اعتيادي البقاء في البيت من أجل العائلة والقراءة زادني حماسة في ذلك، فصرت أدرس أبنائي الذين هم في الصف الرابع المنهج الدراسي فيما أنا قادر عليه من مواد، كاللغة العربية والتربية الإسلامية والدراسات الاجتماعية، بالإضافة إلى أني أمارس معهم الرياضة فترة العصر، وتارة بعد المغرب، وهو ما لم أكن أفعله سابقًا بصورة مستمرة.
أجل زاد حماسي للقراءة، ففتحت كتبًا كنت مؤجلًا قراءتها، فقرأت على سبيل المثال: كتاب “هيا نحضر عرسًا في اليونان” في أدب الرحلات لأخي جمال النوفلي، بالإضافة إلى كتابه الجديد “أنا والشيخ والأردن“، وكتاب “الحداثة والقرآن” لسعيد ناشيد، أيضًا قرأت بعض الدراسات التي تدرس المناهج القديمة في التراث الإسلامي ككتاب “الاستدلال في التفسير” للدكتور نايف الزهراني، وهي دراسة في منهج المفسر ابن جرير الطبري في الاستدلال على المعاني، وكتاب بعنوان “أصول التفسير في المؤلفات” وهي دراسة وصفية موازنة بين المؤلفات المسماة بـ”أصول التفسير” من إعداد وحدة أصول التفسير بمركز تفسير الدراسات القرآنية بالمملكة العربية السعودية، وأقرأ أيضًا في بعض أجزاء “تفسير ابن جرير الطبري“، كما قرأت “طبقات المفسرين” للسيوطي، بالإضافة إلى كتب مترجمة ككتاب “علم الأديان” لميشال مسلان، من ترجمة عزالدين عناية، وكتاب “الثورة الفرنسية وروح الثورات” لغوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، وكتاب “الكتب الممنوعة” للإيطالي ماريو إنفليزي، من ترجمة وفاء البيه، وكتاب “معارضة المسلمين الأوائل لتأويل القرآن” للمستشرق النرويجي هاريس بير كيلاند، من ترجمة قنيني عبدالقادر، وحاليًا أقرأ على مهل كتاب “الفهرست” لابن النديم، كل هذه الكتب وغيرها بالنسبة لي هي إضافة رائعة ومفيدة من خلال البقاء في المنزل.
ويستطرد الباحث أحمد النوفلي معددا فوائد بقائه في المنزل قائلا: كما أني أستغل وقتي في كتابة مشروع بحثي يتعلق بكتب التراث، والذي أعمل عليه منذ عام 2017م، وسأنشره عندما أنتهي منه، ولم أحدد لذلك وقتًا، أسأل الله العون والسداد.
ونحن عائلة صغيرة، لا يوجد لدينا عمل منزلي كثير، إلا أني أقوم بتنظيف وكنس حوش المنزل عندما يتسخ، وكذلك مجلس البيت، وتنظيف المكتبة وترتيبها، ولي وقتي المعتاد في مشاهدة التلفاز من برامج وأفلام ورسوم متحركة مع أبنائي، أشعر أن الوقت لا يكفي لإنهاء أعمالي من خلال البقاء في المنزل، تحدثت مع عائلتي ذات مرة ونحن في الحجر المنزلي قائلًا لهم: أتمنى أن يكون اليوم هذه الأيام 48 ساعة. ذلك لأن لدي أعمال أخرى أريد أن أنهيها خلال فترة الجائحة.
أما فيما يتعلق بالإجراءات الوقائية لدينا في السلطة فيرى النوفلي أنها كافية للحفاظ والوقاية من هذه الجائحة، ولكنه يأمل أن تزداد بحيث تعزل كل محافظة عن الأخرى، لأن هناك من يستهتر ولا يبالي بالتمسك بهذه الإجراءات الاحترازية، وما هي إلا أيام معدودة وسترتفع هذه الجائحة بإذن الله عزّوجل، وعلينا بالدعاء قولًا وفعلًا.