الفني

مهرجان باخشي “الأوزبكي”: فنون الأمس جمال للحاضر والمستقبل

استضافت مدينة ترمذ الواقعة في أقصى نقطة في أوزبكستان على حدودها الأفغانية مهرجان فن باخشي الموسيقي الدولي، ليحتضن في دورته الأولى المقامة في الفترة من 5- 10 ابريل الماضي مجموعة كبيرة من الفرق المحلية ومشاركات دولية تمثلت في حضور نحو 160 شخصية من 74 دولة.

ترمذ- خاص للتكوين

وحظي الحفل باهتمام رسمي كبير حيث انطلق بحفل استعراضي مبهر أقيم تحت رعاية رئيس الجمهورية شوزكت ميرضيائيف، الذي أكد في كلمته على دور الثقافة في صنع السلام والتقارب بين الشعوب، ودور بلاده كحاضرة إسلامية أعطت العالم أعلاما معروفة مثل الترمذي والبخاري، منتقدا ضعف الاهتمام بالفنون التراثية بسبب زيادة تأثير «الثقافة العامة» والاستعراضات الفنية المعاصرة التي تحولت إلى وسيلة التجارة في عهد العولمة، مطالبا بضرورة حماية فن الفولكلور والحفاظ عليه وترويجه، منوها بدور مهرجان فن باخشي في المحافظة على التراث وتطوير القيم المتعلقة به.
وكان لافتا الحضور الكبير للحفل حيث استمتع الآلاف بالاستعراضات المقدمة على الخشبة الواسعة مع تشكيلات الورد في واجهتها الأمامية، مع امتداد الاستعراضات والأغاني إلى خارج الخشبة عبر الحديقة الكبيرة المستضيفة للفعالية، فكان اتساع اللوحة الواحدة مبهرا، كما هي اللفتة من الرئيس الأوزبكي الذي حيّا في كلمته الفنانين الكبار المعروفين في الحقل التراثي وأجلسهم إلى جواره اعترافا بدورهم في حفظ الفنون التقليدية.
الافتتاح: غناء وأساطير
وتضمن حفل الافتتاح مجموعة من اللوحات الجميلة بدأت بلوحة «محبوبتي» معبرة عن قيمة الإخلاص والوفاء، وتجسد مشاعر عاشق شاب تجاه محبوبته، على نحو فكاهي، قدمتها مجموعة من مدرسة تاسكنت العليا للرقص الوطني وتصميم الرقصات، ثم اغنية «يا صديقي» لفرقة نافاباهو، تضمنت عبارات المحبة والإخلاص المعبرة عن روح الشعب الأوزبكي، وقيمة الصداقة في حياة البشر.
ومن اللوحات الجميلة لوحة «أربعون فتاة» التي تروي أسطورة كاراكالباك، وهي ملحمة شهيرة تتحدث عن الجد الآتي من بلاد الترك وهو تامين مايتينز، وقصة صراعه مع الراهب ذي العين الواحدة والسير على السحاب، وصراع الفتيات الأربعين المحاربات ضد الغزاة المسيطرين على أرضهم.
ومازجت الاستعراضات بين الأغنيات التراثية والأساطير، فجاءت أغنية مافريجي ليوسف رجب (الرقصات لفرقة نافباهور) لتحتفي بنوع من الفنون الموسيقية الخاصة بالتراث البخاري، تجمع بين الموسيقى والغناء والرقص، وتستحوذ على إعجاب الجماهير بفرادتها وطابعها الخاص وعروضها الملونة وأنغامها البهيجة، وتتشكل مافريجي من تمازج الموسيقى البخارية وتطورها خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
ويعود الحفل مرة أخرى إلى الأساطير حيث «أوشيك غريب وشاخسانام» فتروي هذه الأسطورة قصة الحب بين ابنة السلطان شاخانام والشاب الفقير أوشيك غريب. يقوم السلطان بنفي الشاب الفقير لمدة سبع سنوات من أجل الحيلولة دون وقوع الزواج بين ابنته والشاب. وقد ذرفت أم غريب الدموع الغزيرة حتى أصيبت بالعمى.
وفي لحظة ما قرر السلطان زواج ابنته من شخص آخر، فطلبت الفتاة من أبيها إعلان الزواج على نحو واسع وإقامة الحفلات لمدة أربعين يوما، أملا منها في أن يصل الخبر إلى حبيبها خلال هذه الفترة ويقرر العودة لإنقاذها.
علم حبيبها غريب بالخبر فقرر العودة، ليصل في اليوم التاسع والثلاثين، أثناء مراسم عقد الزواج بينها وبين خطيبها الآخر، فقام بأداء أغنية هدية للعروس التي عرفته من خلال صوته. وتنتهي الحكاية باجتماع شمل غريب وشاخانام من جديد.
وقدمت في الحفل منوعات فلوكلورية بعنوان «إجلوة سعيدة وطني الحر» لفرقة باخشي، عبارة عن وصلة تتضمن كلمة شكر وعرفان من شعراء باخشي مهداة إلى المهرجان، تبعها استعراض (في حب الوطن)، وهو عرض موسيقي يتحدث عن حب الوطن والافتخار بتاريخ الأسلاف، من أجل المحافظة على الفنون الأوزبكية في باخشي وتطويرها، وتعليم هذا التراث الفني، حيث تجسد الفنون الباخشية أرقى أنواع الموسيقى الأوزبكية الأصيلة، ويبدأ مشوار تعلم الفنون الموسيقية عبر الدخول عميقا إلى عوالم العروض الموسيقية الشعرية، وسرد الحكايات الأسطورية التي تنقل من جيل إلى جيل.
كثافة جماهيرية
ويحتشد عشرات الآلاف يوميا في ميدان المهرجان لمتابعة الفنون الاستعراضية المقامة بكثافة في أرجاء الحديقة، حيث تؤدى المعزوفات والرقصات التقليدية في جنبات المكان، وعلى ضفاف الممرات العاجزة عن استيعاب الجمهور الكبير، فيما تتوزع الحرف التقليدية بكثرة لترسم كرنفالا حقيقيا لحياة الإنسان قديما وحديثا.
وكان لافتا حضور الأزياء التقليدية لكل منطقة في أوزبكستان مع مجسمات ضخمة للآلة الموسيقية الأشهر فيها، وهي «البزق» بوتريها المعروفين، مع نماذج للبيوت التراثية، كالتي تشبه الخيام أو المشكّلة من حجر الملح.
وشكّلت الإضاءة مع الموسيقى حالة فرحة خاصة أرادت للنسخة الأولى نجاحا يعطي للمهرجان انطلاقة قوية منذ البداية، وتجلّى اهتمام الحكومة بدعمه من خلال رعاية الرئيس لحفل الافتتاح والحضور الدائم لوزير الثقافة الأوزبكي، كما أعطت المشاركات الخارجية، خاصة من دول الجوار نكهة قوية، فحضرت الفنون الصينية والمنغولية وغيرها، لتقدم على خشبة المسرح الرئيسية مشاركاتها في المسابقة المقامة ضمن الحدث، وعلى تقاربها إلا أنها صنعت مساحة بهجة وتنوع لدى الجمهور الكبير.
وضمن فعاليات المهرجان أقيم المؤتمر العلمي التطبيقي الدولي بعنوان «دور فن باخشي الموسيقي في الحضارة العالمية» بمشاركة باحثين من أوزبكستان والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق