العام
التنظيم المالي لدى الأسر العمانية الشابة!
الأسرة الشابة تمثل فريق عمل مصغرًا، بالرغم من قلة عدد أفرادها إلا أن الأدوار فيها تنقسم بين الزوجين، ومع تعقيدات الحياة العصرية، لم تعد جهود الزوج لوحده كافية للنجاح، فكل عضو في الفريق عامل مساندة وبناء، أو عامل هدم عندما لا يتعاون ولا يهتم لأهداف ومستقبل الأسرة. إضافة إلى تدخل عناصر كثيرة في حياة الأسرة الشابة اليوم، فتحديات اليوم الاقتصادية متنوعة ومواجهتها مرهقة، فهي تتطلب دخلا ماليا جيدا لسد الحاجة في الأمور المعيشية اليومية، إضافة إلى التعامل مع أساسيات مهمة كالسكن والتعليم، والترفيه، للمحافظة على المستوى المعيشي الجيد لمستقبل الأسرة والأطفال. لذلك ارتأت التكوين إلى استطلاع خطط التنظيم المالي للأسر العمانية الشابة، وطرح بعض الحلول والنصائح المقدمة من قبل المختصين في هذا المجال.
استطلاع: أنوار البلوشية
بداية حدثنا ناصر بن سعيد الحبسي حيث قال: «بعد تخرجي من الدراسة الجامعية التحقت بالعمل في قطاع حكومي، ثم ارتبطت بالزواج بعد عام من استلامي للوظيفة، وبحكم الظروف لجأت إلى البنوك التجارية من أجل سد مستلزمات الزواج، وحتى الآن أكملت العام الثالث على زواجي ولي ابن واحد، ولازال جزء كبير من الراتب يذهب لسداد القسط البنكي. زوجتي لا تعمل في أي قطاع حكومي أو خاص، لذلك بدأنا قبل عدة أشهر بتخصيص مبلغ مالي بسيط كرأس مال لبداية مشروع صغير تديره زوجتي من المنزل، واستغلال مهارتها في صناعة البخور، فمتطلبات الحياة تستدعي إيجاد دخل آخر للأسرة إلى جانب راتب رب الأسرة!.»
تقسيم المهام
وهب العامري، موظف في قطاع حكومي، له رأي آخر خلافا عن رأي الحبسي حيث قال: أقوم بأعمال حرة لضمان المستقبل، حيث وضعت خطة للتنظيم المالي تمتد إلى خمس سنوات وإن شاء الله أسعى لتحقيقها خلال ثلاث سنوات. أسرتي صغيرة مكونة من أربعة أشخاص، وأهم ملامح هذه الخطة الاستقرار في منزل خاص بي، وهذا ما أعتبره أجمل الأحلام التي أسعى إلى تحقيقها في أقرب فرصة ممكنة، بالرغم من مرورنا أنا وزوجتي بصعوبات كثيرة وعوائق كانت تعرقل مسار خططنا، ولكن بإعادة التخطيط وتعاوننا تغلبنا عليها، ولله الحمد لا نواجه عادة أية صعوبات في تلبية متطلبات الحياة اليومية.
وأضاف «أنا أومن بضرورة التعاون بين الزوجين من أجل السير بسفينة الحياة الأسرية للوصول إلى بر الأمان، وتقسيم المهام بين الزوجين بأن يوفر الزوج الدخل المادي للأسرة، وتقوم الزوجة بتربية الأبناء ورعاية المنزل، وهذا هو التعاون الصحيح، ولا أرى حاجة إلى مساهمة زوجتي في البحث عن الدخل المادي للأسرة، فواجبها في رعاية الأبناء والمنزل أمر كافٍ لها، ولا أظن أنها تتحمل المزيد من الأعباء على كاهلها. فلا حاجة لتوفير كماليات لا نحتاجها، فما أراه ضروريا للحياة أقوم بتوفيره، لذلك الدخل الذي أجنيه كافٍ لي ولأسرتي لعيش حياة كريمة بعيدا عن المظاهر التي لا طائل منها.
مسارات متعددة
وتحدث بدر المعولي حول الأساسيات التي تحدد مسار التنظيم المالي للأسرة حيث قال:» مستوى دخل الأسرة من الأمور الأساسية التي تحدد المسار الذي يجب أن تتبعه الأسرة في تنظيم أمورها المالية، بأن يكون الزوج هو المعيل الوحيد للأسرة أم أن هناك فردًا آخر أو عدة أفراد مساعدين له، فذلك يشكل فارقا كبيرا. ففي حالة انفراد الزوج في مسؤوليات الأسرة فيجب أن يكون واعيا ومدركا في خطط التنظيم المالي، أما في حال اجتماع عدة أفراد في الدخل فيجب إيجاد خطة تعاون متكاملة. بسبب استقراري أنا وأسرتي الصغيرة في منزل العائلة، نتشارك أنا واثنان من إخوتي في مصروفات المنزل، مما أوجد لدي مسارين، الأول بأن أؤمن خططا طويلة المدى لأسرتي الصغيرة (زوجتي وبناتي الثلاثة)، والثاني بمشاركتي مع إخوتي. وبسبب عمل زوجتي في قطاع خاص، نشأ نوعٌ من التعاون من قبلها في تولي بعض المهام المتعلقة بمصاريف الأسرة، فطريقة الحياة العصرية ومتطلباتها الكثيرة تستدعي تقسيم المهام والمسؤوليات المادية بين الزوجين.»
استراتيجيات وخطط
عن الحلول والخطط المثلى للأسرة الشابة في التنظيم المالي تحدث ناصر بن هلال المقبالي، المدرب في الذكاء المالي، ومؤسس نادي المليونيريين العرب، قائلا: الأسرة هي فريق عمل متكامل، وينبغي على كل عضو في هذا الفريق أن يكون له دور بنّاء لنجاح هذا الفريق, قد يكون اجتهاد طرف واحد لتنظيم الوضع المالي جيدا، ولكن ذلك لا يؤدي إلى أي نتيجة إذا لم يتعاون معه الطرف الآخر, لذلك ينبغي على كلا الزوجين أن يكونا على وعي وإدراك بأهمية تنظيم وضعهم المالي, يفضل أن يجلس الزوجان معا ويحددا أولوياتهم المالية للفترة الزمنية الحالية، مثلا لهذا الشهر, ثم أولوياتهم للفترة الزمنية المستقبلية، مثلا للستة أشهر القادمة أو للسنة القادمة, وأولوياتهم وأهدافهم المالية للخمس سنوات أو العشر سنوات القادمة, بهذه الطريقة تتضح خارطة الطريق المالية للأسرة، وتصبح الأسرة على معرفة إلى أين تذهب بهم سفينتهم المالية, ويفضل أن تكتب كل هذه الأهداف والأولويات ويتفق عليها الطرفان, وإذا طرأ أي خروج عن هذه الخطة يقوم أحد الأطراف بتنبيه الطرف الآخر، والعودة للالتزام بالخطة وبالأولويات.
ترتيب الأولويات
وأضاف المقبالي: على سبيل المثال، قد يكون لدى الأسرة الآن ابن تخرج من المدرسة ويريد أن يدرس دراسة جامعية، ولكن لم يوفق للحصول على بعثة, وفي نفس الوقت تفكر الأم بتبديل سيارتها بأخرى جديدة، ما الأهم بالنسبة لهذه الأسرة؟ السيارة الجديدة أم تدريس الابن؟ مع العلم أن السيارة الحالية التي تستخدمها الأم جيدة ولم يمضِ وقت طويل على شرائها, قد يوافقني البعض الرأي بأن تدريس الابن أهم من شراء السيارة, هذا مثال توضيحي لترتيب الأولويات المالية, والأمر الآخر ينبغي على الأسرة عمل استراتيجية لإدارة مواردهم المالية، والتي قد تكون الراتب في الوقت الحالي, فينبغي عليهم تقسيم الراتب بطريقة تتناسب مع الأولوليات المالية الحالية، وأيضا مع الخطط المستقبلية, مثلا يفضل أن تدخر الأسرة مبلغ ماليًا شهريًا للاستثمار المستقبلي, وأيضا تتصدق بمبلغًا شهريًا معلوم على سبيل المثال 10% من الراتب, وهذا الفعل سيكون له أثر إيجابي كبير على كل الأسرة، وتحيط البركة عليهم وعلى أموالهم.
الادخار والاستثمار
لزيادة الدخل والمحافظة على المستوى المعيشي لمستقبل الأسرة والأطفال ذكر المدرب المالي ناصر المقبالي عدة نقاط حيث قال: نحن في عصر السرعة والسهولة واليسر، فكل ما يبنغي علينا فعله هو أن نوظف الحكمة لاستغلال هذه الميزات التي يتميز بها هذا العصر, يفضل أن تُخصص الأسرة حسابًا خاصًا لها للادخار من أجل الاستثمار, وتقوم بإيداع مبلغ ثابت ومعلوم، ويقترح أن يكون بنسبة 10% أو أكثر، بحسب وضع الأسرة، وإذا كانت هذه النسبة صعبة في الوقت الحالي على الأسرة فبإمكانها أن تبدأ بأقل من ذلك، ولكن الأهم أن تبدأ, لأن الخطوة الأولى هي التي تجلب بقية الخطوات التالية, ومع الوقت ستلاحظ الأسرة تكون مبالغ مالية جيدة في هذا الحساب, وستكون قادرة على استغلال الفرص المتاحة من حولها، ويفضل أن تكون في مشاريع ذات أرباح سريعة وليس استثمارات أرباحها على المدى البعيد، لأن احتياجات الأسرة قد تكون عاجلة وتحتاج إلى موارد مالية سريعة في الوقت الحالي, وأيضا ينبغي على الأسرة أن توظف قدراتها الحالية في الحصول على مصادر دخل أخرى غير الراتب، واستغلال الأصول الحالية لتوليد الأرباح، مثلا توظيف التكنولوجيا من هواتف متنقلة، أو حواسيب محمولة في الحصول على المال.
توظيف المهارات
وأورد المقبالي مثالا على حديثه موضحا: يمكن استخدام التسويق عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي, أو توظيف خبرات أفراد الأسرة ومهاراتهم للحصول على مصدر دخل إضافي, فعلى سبيل المثال وليس الحصر، إذا كانت الأم لديها خبرة في تعليم اللغة الانجليزية فبإمكانها أن تقوم بالارتباط مع معهد أو مركز تدريب تقدم لهم دورات تدريبية في اللغة الانجليزية, وأيضا إذا كان الأب لديه مهارات في التسويق والبيع فقد يستطيع توظيفها في عقد الصفقات التجارية والحصول على أرباح جيدة منها.
وفي ختام حديثه يلخص المقبالي رؤيته قائلا: الادخار, والاستثمار، وإدارة الأموال والأولويات بشكل جيد ومتزن, وبعد تكوين مبالغ جيدة وتدفقات نقدية مناسبة للأسرة, تبدأ الأسرة بالعمل على الاستثمارات بعيدة المدى كالعقارات و سيكون لها الدور الكبير في بناء مستقبل الأبناء المالي.
نشر الاستطلاع في العدد السادس…