مقالات

سَكْرة الحنين

حسن المطروشي

يغلق العالم عينية النحاسيتين الكبيرتين، ثم يغط في سباته العميق، مثل كائن أزلي جريح، بأشجاره وبحاره ومحيطاته وطيوره ومخلوقاته ودوابه وسوائمه وهوامه وكائناته الهائلة.
يغط العالم تحت جبة الليل، ويظل قلب وحيد … قلبك التائه في برية الحلم والحنين مثل جرس معلق على قارعة ريح عاصفة تهوي به في ممرات العالم ومجاهيله ومداراته البعيدة!
أنت الليلة ــ ككل ليلة ـــ منذور للرحيل لتجوب العالم، وتستحضر المدن والأرصفة والوجوه والأرواح، فثمة مارد خلف هذا الباب، سيفتح لك نوافذ السماء وبوابات الأرض، لتطلع على جحيمك وفراديسك معا!
تقلب كتاب شعر يحمل إهداء شاعر صديق، لا تعرف تحت أي سماء هو الآن، وأية جنية خطفته إلى بحارها اللامرئية!
تعود إلى معسكرك في الجيش، لتتذكر الجندي الجوّاب المترحل الذي كان يضع أمتعته في سيارته وينام فيها حيثما اتفق أن يداهمه الليل.
الذكرى المرة الأليمة التي لا تفارقك هي صورة ذلك الضابط المسن السقيم المصاب بالكبرياء وحب الذات والغطرسة والسكري، الذي سينظر إليك شزرا بعينين يطفحان حقدا، إذا تنحنح عند باب المكتب ولم تقم أنت تعظيما لتلك النحنحة البغيضة!
كان يريدك أن تكون أحد الحِمْلان الوادعة في القطيع الذي يستخدمه هو لأعماله الخاصة والمنزلية، في حين ترفض أنت ذلك لأنك مسكون بالكرامة والإباء، والمعرفة أيضا… المعرفة التي كان هو يدعيها ويكرهها كذلك، لأنه كان جاهلا. ………………….
استفق أيها القلب، لقد أوشك الصباح على الانبلاج … فما هي إلا سكرة الحنين!

 

ولَدَيْهِ للنَّجْوى رِفاقٌ خُلَّصٌ:
* فأرٌ جَريءٌ
غَيْرُ مُكْتَرِثٍ بَتاتًا
باحْتِدامِ مِزاجِهِ الليْليِّ،
* أشباحٌ بِقاماتٍ طِوالٍ 
تَحْرسُ الشُّبَّاكَ،
* تِلْفازٌ مُضيءٌ صامتٌ،
* والهاتفُ النّقّارُ مِنْ حِينٍ لآخَرَ
لا يَكفُّ عنِ الطَّنينِ:
(رسالةٌ مِنْ شاعِرٍ قَلِقٍ 
يُلَمِّعُ في مكانٍ ما 
مَدائحَهُ البليغَةَ 
في التناسُلِ والكُحولِ
وفي مَنامِ الأرصفةْ)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق