الفني
أحمد الطوقي: صورة واحدة تعلّم ما لا تعلّمه آلاف الكلمات
ليس أحمد الطوقي واحدًا من المصورين الذين يمكن أن تنساهم وتنسى أعمالهم الفنية بعد مضي لحظات من أول لقاء. بل هو أحد الأسماء التي حالما تجلس إليها تحاورها وتناقشها في الفن والإبداع التصويري تجد أنك تبحر إلى تلك الدهشة الجميلة التي يفرضها عليك عمل مميز ومبهر. وليست جمالية الصورة وحدها ما يمكن أن يجذبك إلى أحمد الطوقي، بل روحه الإنسانية التي تنعكس على تلك الأعمال التي يلتقطها، أعمال فنية لا توثق الجمال العماني فحسب، بل تعيد اكتشافه وتقدمه للعالم بطريقة مبهرة تجعل من الصعب على المتفحص في العمل الإبداعي ترك تلك الأعمال للنظر إلى غيرها. عن أحمد الطوقي، ومسيرته الإبداعية، والتصوير، ورفاق الضوء، وعمان اللوحة الإبداعية الأجمل التي كانت سر كثير من المصورين العمانيين؛ كان هذا اللقاء وهذا الحوار….
حوار: هلال البادي
أخيرًا حققت جائزة عالمية، هي جائزة ناشونال جرافيك عن صورتك التي توثق لحظة ذهبية لانطلاق سباق للهجن العمانية، لنتحدث عن هذه التجربة، تجربة المشاركة في مثل هذه المسابقة، وشعورك وأنت تصل إلى المحطة النهائية وإعلان فوزك.
أعتقد أن الوصول إلى ناشيونال جيوغرافيك هو أمنية عظيمة لكل مصور بأي وسيلة كانت سواء عن طريق الفوز في مسابقتها السنوية أو عن طريق نشر الأعمال في المجلة المعروفة. وفي حقيقة الأمر لم يخطر ببالي أن أحقق هذا الفوز خصوصا أن فكرة الاشتراك في المسابقة جاءت باقتراح من أحد الأصدقاء المصورين والمعجب بشدة بصورة عرضة الجمال وكان دائما يردد أن الصورة مختلفة تماما عمّا نشاهده من صور كثيرة ومكررة لعرضة الجمال. ومنذ الأيام الأولى لمشاركتي في المسابقة تم اختيارها كإعلان للمسابقة وتم نشرها في موقع ناشيونال جيوغرافيك وفي حساب تويتر والانستغرام وغيرها من المواقع.وتم الإعلان عن الفائزين في قناة CBS الأمريكية وهي الراعي الإعلامي للمسابقة وكان لدي شعور رائع عند مشاهدتي لإعلان الفائزين وذكر اسمي وعمان في القناة.. أعتقد أن الثمرة الكبيرة لهذا الفوز هي أن هناك الآلاف وربما الملايين من الناس في العالم سمعوا بدولة اسمها سلطنة عمان لأول مرة وأنا متأكد أن الكثيرين قاموا بالبحث عن عمان في محركات البحث الإلكترونية.
تمثل صور الطوقي وأعماله الفنية لحظات متعددة من الحياة العمانية، لحظات تذهب إلى النبش وراء الماضي واكتشاف أسرار الجمال العماني في التراث والطبيعة والوجوه، لماذا هذا الولع بالمفردات العمانية؟
دائما أذكر لأصدقائي المصورين أن الكثير من الكنوز الثقافية والتراثية والطبيعية في عمان لم تحظ بنصيب وافر من التصوير والتغطية الضوئية، ونحن كمصورين وأبناء هذا البلد العظيم لابد أن تكون لنا بصمة في هذا البلد لا نكتفي فقط بمجرد الفوز في المسابقات والحصول على ميدالية من هنا وهناك، ولكن لابد ان تكون لنا مساهمة فاعلة في إخراج هذه الكنوز لهذا العالم وتعريفهم بعمان وتاريخها وتراثها وطبيعتهابأسلوب فوتوغرافي جديد ومعاصر يتماشى مع المستوى الفني العالمي.ويوجد من المصورين العمانيين من يقومون بهذا العمل بطريقة مذهلة من أمثال إبراهيم البوسعيدي وأحمد الشكيلي وغيرهما من المصورين. وهناك صوت يهمس في أذني يخبرني بالإسراع والتكثيف من التوثيق الفني لمختلف الحياة العمانية وخصوصا التقليدية منها قبل ان تمر السنين وتطغى المدنية على كل شيء.
تبدو أكثر ولعا بالتقاط فنيات الحياة الطبيعية العمانية من جبال وسهول ووديان وصحارٍ، هل لأنها المواضيع التي تبدو سهلة ودائمة الوجود، أم لأن الطبيعة العمانية هي لوحة إبداعية حقيقية، لم نلتفت إليها بعد؟
ربما لا توجد منطقة في العالم العربي مثل عمان بها هذا التنوع الطبيعي العجيب، فلدينا السهول والجبال والوديان والصحراء والبحر والشواطئ وكلها مصدر إلهام لنا كمصورين، فعلى سبيل المثال صحراء الربع الخالي الممتدة من محافظة ظفار إلى ولاية عبري أعتبرها بالنسبة لي مكاني المفضل لقضاء بعض الأيام بعيدا عن صخب المدينة ورنات الهاتف النقال، فهناك أستمتع بالصمت الصاخب للصحراء ورمال كثبانها العالية الذهبية، وبالليل هناك متعة أخرى بصحبة مجرة درب التبانة وفيها تجبر لا إراديا بالتفكر في عظمة الخالق سبحانه وتعالى وإبداعه في خلق هذا الكون الواسع الممتد.والتصوير الضوئي في الصحراء له ميزته وهي القدرة على التقاط الصور في كل وقت.ففي الصباح نلتقط ضوء أشعة الشمس الملامس للرمال مشكلاً الألوان الذهبية وفي الظهيرة نلتقط الظلال والخطوط المتشكلة من الكثبان وبالليل نلتقط صور النجوم.
الطبيعة العمانية هي القاسم المشترك بينك وبين المصورين الضوئيين أحمد الشكيلي وسالم الوردي، ومع ذلك لكل واحد منكم بصمته الخاصة وطريقته في تقديم هذه اللوحة العمانية الجميلة، ما السر يا ترى في هذا الاختلاف مع العلم أنكم غالبا تذهبون سوية لرحلات التصوير إلى الأماكن ذاتها؟
الفن بشكل عام متعلق بشخص الفنان الناجح وحده ومهما تأثر هذا الفنان بغيره من الفنانين والمدارس الفنية فسوف تظل لديه بصمته الخاصة في أعماله، وكذلك التصوير الضوئي،فنجد أن معظم المصورين الناجحين لديهم أسلوبهم وبصمتهم الخاصة في إخراج أعمالهم. فمثلا قد نقوم نحن الثلاثة (الطوقي والوردي والشكيلي ) بتصوير نفس المنظر في نفس المكان والتوقيت ولكن ننتج صورا مختلفة، قد يرجع الاختلاف إلى نوعية العدسة المستخدمة أو إعدادات التصوير أو حتى طريقة وأسلوب المعالجة الرقمية.
لنتحدث عن البدايات:هل كنت تتوقع في يوم ما أن تكون مصورا فوتوغرافيا؟ ألم ترغب في شيء آخر من الفنون غير التصوير؟
في بداية دراستي الابتدائية والإعدادية كانت ميولي فنية، فبشكل سنوي كنت أحصل على تكريم من المدرسة في مجال التربية الفنية، بعدها انتقلت للتصميم الرقمي والجرافكس ولكني لم أستمر طويلا، وشرارة التصوير الأولى كانت عندما مسكت مجلة بريطانية متخصصة في التصوير Digital Camera World في ٢٠٠٧ وأعجبت أيما إعجاب بالصور المعروضة فيها وطريقة التقاطها، وفي نفس الوقت كنت من متابعي موقع betterphoto.comالذي يحتوي على مسابقة شهرية للمصورين المشتركين في هذا الموقع وكنت أتابع نتائج هذه المسابقة شهرا بشهر، وفي ٢٠٠٨ اشتركت في هذا الموقع وشاركت بعدد من الصور فازت إحداها بالمركز الأول وكان ذلك هو الفوز الأول في مسيرتي الضوئية.وما زلت أتابع المعارض الفنية للرسامين العمانيين وأحاول قدر الإمكان حضور هذه المعارض والاستفادة من تجارب الرسامين ومتابعة ميولهم وأساليبهم الفنية لاعتقادي التام ان الفن يكمّل بعضه البعض.
كيف كانت بداية التصوير؟
أول كاميرا رقمية اقتنيتها كانت في ٢٠٠٢م وكانت نيكون بجودة ٢ ميجابكسل وأذكر أني قمت بتصوير قرية المنزفة لأحد الأصدقاء الباحثين في التراث والتاريخ العماني لاستخدام الصور في أحد أبحاثه ومشاريعه، أما البداية الحقيقية والجادة فكانت في ٢٠٠٧ عندما كنت موظفا في وزارة الاقتصاد الوطني وقمت بشراء أول كاميرا كانون أحادية العدسة ومباشرة التحقت بنادي التصوير الضوئي وكان لاشتراكي فيه نقلة كبيرة في تنمية مهاراتي الضوئية والفائدة الكبرى هي التعرف والاختلاط بالمصورين العمانيين. وكانت أول مشاركة لي هي عمل عرض شرائح لصور قمت بالتقاطها في ماليزيا. وفي ٢٠٠٩ تفرغت لأعمالي الخاصة في التصوير بعد استقالتي من الوظيفة الحكومية.
مـــاذا عـــن دور الــجــمــعــيــة الـعـمـانــيـة للتصوير الفوتوغرافي؟
مجتمع التصوير الفوتوغرافي العماني الحقيقي يوجد في جمعية التصوير الضوئي، والمتعة الحقيقية في التصوير هي بالاختلاط بمجموعة من المصورين الذين يحملون نفس الشغف الضوئي، ووجود جمعية التصوير الضوئي له الدور الكبير في نشر ثقافة التصوير الضوئي في عمان، والقائمون على جمعية التصوير الضوئي وعلى رأسهم إبراهيم البوسعيدي رئيس مجلس الإدارة وأحمد البوسعيدي مدير الجمعية لهم دور كبير في قيام الجمعية بدورها على أكمل وجه من خلال إقامة المعارض الجماعية والشخصية للمصورين والمسابقات والحلقات والدورات المجانية وغيرها من الخدمات المجانية التي تقدمها كل ذلك في سبيل الرقي ونشر ثقافة التصوير الضوئي لمختلف شرائح المجتمع.
اليوم يبدو فن التصوير فنا سهلا لانتشار آلات التصوير الأحادية، وكاميرات الهواتف النقالة ووجود برامج التعديل على الحواسيب، وأيضا الشبكات الاجتماعية المتخصصة في الصورة، ألا يشكل هذا الأمر تحديا أمام المصور الفوتوغرافي المبدع؟ وكيف يمكن أن تكون التقنية وثورتها عاملا مساندا له؟
الكاميرا عند المصور هي بمثابة ريشة الرسام، فليست العبرة بقيمة وإمكانيات هذه الكاميرا بقدر كمية الشغف الموجود لدى هذا المصور.فالكاميرا هي مجرد أداة تدخل فيها الاضاءة وتتشكل الصورة، ولكن العمل الأكبر هو لدى المصور وهل هو قادر على مشاهدة وتخيل اللحظة الضوئية التي أمامه.نعم هناك الكثير والكثير من المصورين في هذه الأيام ولكن كثرتهم مثل الزبد القليل منهم من يبهر المشاهدين والبعض يشتري الكاميرا بداعي التوثيق والبعض الآخر من أجل أعماله التجارية ومنهم من يحب اقتناء معدات التصوير كشغف حب اقتناء السيارات والهواتف وغيرها.
من المصور الفوتوغرافي الذي يعده أحمد الطوقي مثالا له؟ ولماذا؟
ART WOLFE مصور أمريكي مهتم بتصوير ثقافات الشعوب والحياة البرية وأيضا المناظر الطبيعية، وهو أحد أبرز مصوري العالم خلال القرن الماضي. لـ ART WOLFE سلسة تلفزيونية مشهورة اسمها TRAVELS TO THE EDGE يستعرض في كل حلقة زيارة لإحدى دول العالم وأبرز ما يميز هذا الشعب من ثقافة وتاريخ وطبيعة واثناء التجوال يقوم بالتقاط مجموعة من الصور وهو أسلوب رائع لإيصال معلومة مهمة وهي المعاناة التي يعانيها المصور من أجل الحصول على صورة واحدة، وايضا أسلوب جيد لتعليم المصور المبتدئ كيفية التقاط الصور من تعريض.
لنتحدث عن تجربة تأليف كتاب في التصوير الفوتوغرافي، لماذا سعيت إلى تأليف كتاب متخصص في التصوير الضوئي؟ علما بأن كتبا مماثلة موجودة رغم أنها مترجمة؟
نعم هناك الكثير من المؤلفات الأجنبية في مجال التصوير الضوئي، ولكن الكتب العربية في هذا المجال قليلة جدا وإن وجدت فهي كتب تحتوي على دروس لمعدات قديمة أو أنها كتب أكاديمية مملة وقد تنفر المصور المبتدئ من عالم التصوير. لذا جاءت الفكرة بتأليف كتاب بأسلوب سهل وممتع يحبب المصور الراغب في تعلم التصوير، وفي كتابة الدروس اتبعت الأسلوب السهل والممتع بحيث يستمر المصور في متابعة قراءة الكتاب إلى النهاية.ويحتوي الكتاب على الكثير من الصور نظرا لأهمية الصورة الضوئية في التغذية البصرية، وقد تعلّم صورة واحدة ما لا تعلّمه آلاف الكلمات.غالبية الصور الموجودة في الكتاب تم التقاطها في عمان وهذا درس للمصورين المبتدئين بأن الصورة موجودة في كل مكان فليست هناك حاجة للسفر خارج عمان من أجل الحصول على صورة فنية إبداعية.
في كلمتين، ماذا تعني كاميرا كانون لأحمد الطوقي؟
شغف ممتع
أخيرا، فيم يفكر أحمد الطوقي حاليا؟
اتجاهاتي الأخيرة اختلفت عن السابق حيث كنت أقوم بالتصوير بشكل عشوائي مرة في الصحراء ومرة في الجبل ومرة في الأسواق بداعي المتعة ولهفة الخروج بنتيجة مرضية.أما الآن فأقوم بالعمل والتخطيط لإخراج مجموعة من الإصدارات المصورة العمانية بعضها متخصص وبعضها عام.
نشر الحوار في العدد السابع من مجلة التكوين…