مقالات
في حياتها حياة لنا
حمدة الشامسية
تُمثل أخلاق الإنسان تجاه الطبيعة أرقى أشكال السمو الأخلاقي، فمن يُحسن للكائنات الحية من أشجار وطيور، فإنه أقدر على الإحسان للناس. (د. عمر عبدالكافي)
كنت في إحدى مقاهي جنيف أحتسي قهوتي، عندما لاحظت طيرًا صغيرًا حط على طبق جاري وشرع يشاركه فطيرته، لم يحرك الرجل ساكنا حتى انتهى الطير من تناول وجبته، وطار محلقا من حيث جاء، حينها شرع الرجل في إكمال الفطيرة، لم أستطع الا أن أقارن الوضع بوضع الحيوانات والطيور في بلاد المسلمين، و أعتذر هنا عن هذا التعميم الذي قد يجده البعض جائرا، لكنه مبني على مشاهداتي الشخصية خلال أسفاري بين القارات، حيث تختفي الحيوانات حيث يتواجد الإنسان، و دائما ما أستحضر ضيفاتي من القطط التي اعتادت اتخاذ سيارتي مأوى لها، فما أن تسمع صوت الباب حين أخرج حتى تولي هاربة، رغم كل محاولاتي لأن أثبت لها أنني لن أضرها، لكن يبدو أن الحيوانات تتعلم أيضا من التجارب، فنحن أمة لا نحترم الحياة، نقتلع الأشجار لنبني مكانها بيوتًا، حتى لو لم تكن الشجرة في طريقنا، ولن تعيق بناء منزلنا، نحن شعوب نصطاد الضب، والأرنب، والجربوع، والغزلان وكل الحيوانات البرية التي نعلم أنها أوشكت على الانقراض لا لحاجة سوى التسلية، نضحي في أعيادنا على عدد أفراد الأسرة بحيوانات دفعت حياتها ثمنا لثرائنا المالي، ينتهي بلحومها المقام في سلة المهملات، في منظر بشع ومؤلم بعد كل مناسبة، لا يحلو الفرح عندنا إلا بالتضحية بأرواح هذه الحيوانات التي سخرت لنا.
لا ريب أن تفر منا الحيوانات، و تقترب منهم، فقد علمناها على أن ظهورنا يعني الموت، في حين تعلم أن في ظهورهم حياة لها، مشاهد الاستخفاف بالحياة في بلادنا مؤسفة و مؤلمة في آن معا، من إهدار للموارد من مياه، و كهرباء، و طعام، متناسين الدور الذي من أجله وضعنا على هذا الكوكب، ومتناسين أن وجودنا مشروط بوجود هذه الكائنات والموارد، هذه الكائنات التي تعلمنا منها ومازلنا، لكننا عجزنا عن تعلم الدرس الأهم وهو احترام احق المخلوقات الأخرى بالعيش في سلام بيننا، لا يفترس الحيوان آخر إلا إذا كان جائعا، ولن يصيد أكثر من حاجته، لن ترعى الماشية في المراعي إلا بقدر ما يسد جوعها، ومتى ما شبعت توقفت، وحدنا من نقتل لمجرد القتل، و نتباهى بقدر الدماء التي سفكنا، والأشجار التي قطعنا، والمياه التي استهلكنا، فالله المستعان.