مقالات
شكوى
حمدة الشامسية
دراسة لجامعة ستانفورد نشرت عام 1996 أظهرت أن الشكوى و التذمر لمدة نصف ساعة فقط لها تأثير مدمر على الدماغ، سواء كنت أنت المشتكي أو كنت المشتكى له، فعند فحص الدماغ باشعة الرنين المغناطيسي وجد الباحثون أن التعرض لظروف ضاغطة لفترة طويلة يؤدي إلى انكماش (قرن آمون) في الدماغ، وهو الجزئية المسؤولة عن الذاكرة و التعلم والعاطفة في العقل البشري، من المؤسف على حد تعبير (ويل براون) صاحب كتاب (علم خال من الشكوى) بأن الانسان العادي يشتكي بمعدل 15 إلى 30 مرة في اليوم الواحد، و غالبا ما تكون الشكوى في غير محلها، أو أننا نشتكي لمن ليس بيده تغيير الأوضاع التي نتذمر منها، فالموظف الذي يشعر بالغبن على سبيل المثال من سوء تعامل رئيسه المباشر معه، أو سوء ظروف عمله بشكل عام لن يذهب مباشرة لمسؤوله المباشر ويضع الشكوى بين يديه، بل سيعمد إلى تسميم عقول زملائه وربما الزبائن وأصدقائه عندما يلتقي بهم و أهل بيته بهذه الشكاوي المتكررة، كما نشتكي طوال اليوم من الطقس الحار الذي لا يحتمل، وزحمة الطريق، ومشاكل عاملات المنازل، تشعر أحيانا بأننا نشتكي لمجرد الشكوى لا أكثر.
هناك مواقف تكون الشكوى فيها ضرورية لإصلاح وضع ما لكن من المفترض أن تقدم الشكوى البناء، وفقا لمقال جميل لغاري برنيسون على موقع كورن فيري نشر الشهر المنصرم، يقدم الكاتب ثلاث طرق للشكوى البناءة أولها أن تستخدم أسلوب الشطيرة في تقديم شكواك، بمعنى أن تثني على الخدمة المقدمة على سبيل المثال، ثم تقدم شكواك تتبعها باقتراحك لتحسين هذه الخدمة، واستخدم الكاتب المثال التالي: سمعت الكثير عنكم وكنت متشوقا لتجربة خدماتكم لكنني وجدت صعوبة للوصول لكم فهل من طريقة يمكنكم المساعدة لأنني فعلا أريد التعامل معكم، بهذا سيفعل مقدم الخدمة كل ما بوسعه لارضائك، ثانيا: لا تتذمر من وضع ساهمت فيه، كن شجاعا و تحمل مسؤلية قرارك، بمساهمتك في إصلاح الوضع، وإن كان ولابد من الشكوى من موقف آلمك من رئيسك المباشر أو زميل على سبيل المثال، فانتبه لأن للأبواب آذانًا كما يقال، وما ستقوله قد يكون له تأثير مدمر على علاقتك بزميلك و مسيرتك المهنية إن كان رئيسك في العمل، إذا كانت شكواك في غير محلها أو قيلت بأسلوب فيه مبالغة أو تجريح للطرف الثاني الذي سيسمعها..
وأخيرا احذف (لكن) التي تقتل المتعة من حواراتك مع زملائك، فكثير من الأحيان ما أن يهم شخص بطرح فكرة حتى يسرع البعض بمقاطعته: «نعم ولكن»، ينصح الكاتب هنا بأن تستبدلها ب «و» التي ستلطف النقد و تحوله إلى نقد بناء على سبيل المثال: «فكرة رائعة و يمكن أن تفكر في.» هنا ساهمت في إضافة قيمة للحوار عوضا عن تدمير الفكرة من الأساس، وهكذا أي نقد لو قيل في محله، وبأسلوب مناسب، ووقت مناسب أيضا، أما الشكوى و التذمر لمجرد الشكوى فسيكون لها تأثير مدمر على معنوياتك وصحتك على المدى الطويل، و تجعلك تشعر بانعدام الحيلة.