الثقافي

كتاب (أوكسجين الجبل) .. مغامر يروي رحلاته في جبال الحجر

يعد كتاب (أوكسجين الجبل: رحلات في جبال الحجر الشرقي والغربي في سلطنة عمان) لخالد بن سعيد العنقودي، الصادر عن مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والإعلان، كتابا فريدا من نوعه كون المؤلف يوثق فيه رحلاته ومغامراته الشائقة إلى العديد من بقاع السلطنة عابرا تضاريسها راصدا جماليات المكان، في مغامارت لا تخلو من المجازفة وركوب الأهوال ومواجهة الموت في كثير من الأحيان.

ويتذكر المؤلف بداياته الأولى حيث تم اتهامه بالجنون والتهور من قبل الكثير من الأقارب والمعارف, وفي هذا الصدد يقول: “ولا أنكر أنها مجازفة كبيرة، لكنني تمسكت بها وقررت الصمود حتى أحقق هدفي، ومن خلال هذه الرحلات والمغامرات فقد اكتسبت خبرة ومعلومات لا حصر لها، حيث تعرفت على ثقافات كثيرة من مختلف الجنسيات كالأمريكان والبولنديين والنمساويين والبريطانيين والبرازيليين والاسبان وغيرهم، ممن غامروا بمعيتنا، شاعرا من خلالهم بالامتنان لهم، كما علينا واجب الشكر بمدى النعمة التي نعيش فيها في بلادنا، حيث يكفي الاستماع إليهم بمدى صعوبة تسلق الجبال في بعض البلدان بعدما بات ينتشر فيها المسلحون وقطاع الطرق”.

ويضف المؤلف: “وعلى الرغم مما صادفته من مواقف عصيبة في بعض المغامرات الجبلية والتي كادت أن تؤدي بي إلى موت محتم كوني وحيدا دون رفيق، فقد أرتأيت نفسي تستحثني أن أقوم بتوثيق هذه الرحلات والمغامرات بعدما ساورني عدة مرات شعور نحو كثير من الأسئلة، هل يجب أن تمر جماليات هذه الجبال ومسالك الأمكنة المترامية الأطراف مرور الكرام دون توثيق ذكرها، حيث سيأتي يوم لن نجد جبلا خاليا من العمران نبحث عنه بعدما امتدت إليه يد الزحف من كل صوب مما سيؤدي في النهاية لا محالة إلى اختفائه دون رجعة”.

وفيما يتعلق بفكرة الكتاب يقول خالد العنقودي: “في هذا العمل قمت بتدوين ما يجدي تدوينه من المغامرات التي قمنا بها، وما بها بمواقفها الجميلة والعصيبة، والتي صادفناها، والعمل على إبرازها للعامة حتى تكون في يوم ما شيئا نافعا لي ولغيري، مرتجيا من هذا العمل الفائدة المرجوة، حيث لا يجب ولا تستحق منا أن تكون هذه المسالك مدفونة في الذاكرة فقط حيث مصيرها في النهاية الجهل والإهمال”.

ويلفت العنقودي: “أما هذه الصور التي أردفها في هذا العمل هي لرحلات ومغامرات قمنا بها عبر سنوات مع كثير من الرفاق منهم من هو على قيد الحياة ومنهم من رحل عنا، حيث إن تلكم الكلمات لم تكن سردا من خيال ولا من دلالة لفظية وإنما هي لمشاهد تعبّر عن دلالاتها الانزياحية والإيحائية تتكون معها دلالة التراكيب من معاني وصور الجمال في بلادنا الجميلة”.

 

مسارات الطبيعة

تضمن الكتاب تقديما جماليا ليحيى بن سالم المعشري جاء فيه: “في هذا الإصدار يسهب لنا المؤلف والكاتب في ذكر رحلاته ومغامراته في ربوع بلاده واصفًا مساراتها وطبيعتها الجبلية، حيث يضعنا صامتين وهو يغور بنا في أعماق الأسلوب السردي عبر التصوير التعبيري وكأنه يضربُ الأرض على خمار هذه الطبيعة مستمتعًا وهو يتلذذ بالمشاهد التي يراها تناغمًا وترياقًا بعدما ابتعد عن روتين الحياة المعتاد، وهو يهيم بنا مشيا كيفما شاءت قدماه في أعماق الصور المرئية التي يجدُ معها القارئ لذة رؤية قراءة الطبيعة بما تحويه من أمكنة. فهي ميزة متفردة للكاتب حيثُ لا يبرح أن يترك القارئ ينتهي من قراءة مغامرة إلا ويتوقف شغفًا لقراءة الأخرى، معرفا بها مسارات المشي في بلاده فتتشكل لديه فسيفساء وكأنها حجارة متصلة على خيط رفيع ليعيش تفاصيل الإيحاءات والهمسات التي أرادها الكاتب”.

 

البداية

في بداية الكتاب يستعرض المؤلف جانبا من أدوات المتسلق مؤكدا أن هذه الهواية لها أدواتها الخاصة التي عادة ما تكون بحوزة مشاة الجبال. وقد قسم المؤلف الكتاب إلى أربعة فصول. في الفصل الأول تحدث المؤلف عن البداية حيث بدأ بتعريف مبسط للجبل الذي يعرفه بأنه عبارة عن تكوين من التكوينات الجيولوجية المغمورة في باطن الأرض، وهو يرتفع نسبيا عن ما يجاوره من مناطق محددة بالارتفاع، هذا التكوين الجيولوجي يتميز بقمم صخرية جبلية منها ما تكون حادة يصعب المشي عندها، ومنها ما تمتاز بسفوح شديدة الارتفاع، كما أن رؤوس بعضها تمتاز بعلوها المرتفع حيث يجد ماشي ومتسلق الجبل صعوبة في ارتقائها.

كما أن بعض المسارات تبدأ من مستوى السهل، حيث يبدأ الارتفاع من 300 إلى 500 قدم ويسمى ذلك (سهل)، كما أن تحديد نقطة ارتفاع أي جبل دائما ما يكون بعد 500 قدم إلى أقل من الألف ويسمى في ذلك بالمصطلح المتعارف عليه (تل).

ويوضح خالد العنقودي: “أما مسارات المشي التي نسلكها في الجبال منها ما هي سلسلة جبلية مترابطة كسلسلة جبال الحجر الشرقي وسلسلة جبال الحجر الغربي، كما أن الجبال الظاهرة للعيان على سطح الأرض هي بمثابة (ثلث) الجبل وما تبقى منه يكون منغرسا تحت سطح الأرض، وهو الأساس المتين الممسك بقاعدة الجبل الأصلية، وبذلك يكون (الثلثان) من الجبل.

ومن خلال تلك المسارات مررنا على كثير من الجبال منها ما غمرها البحر منذ مئات بل آلاف السنين بعدما ترسبت مواده في قاع البحر مكونة في ذلك طبقات متنوعة بسبب تراجع مياه البحر إلى اليابسة، ومنها ما هي حزمة مخروطية الشكل وبركانية نتيجة تداخلات صخور نارية، وهي على شكل قباب وعلى شكل أحزمة. وفي هذا الفصل نقرأ عن جغرافية عمان وحنين العودة وفتى الجبل.

 

 

جبال الحجر الغربي

وفي الفصل الثاني يأخذ المؤلف قارئه إلى جبال الحجر الغربي, وفي هذا السياق يقول المؤلف : “تتميز السلطنة بتضاريس متنوعة ومختلفة تتوزع في مختلف الولايات من واحات النخيل والأودية والأفلاج والعيون بغزارة مياهها المتباينة والتي تقبع في شقوق هذه الجبال الشاهقة، هذه المشاهد هي سلسلة جبال الحجر الغربي وما تختزله هذه السلسلة من مشاهد الطبيعة الجبلية ذات التنوع الإحيائي والتي تعانق قمم السفوح الجبلية وهي تقع عند أطراف منحدرات قمم هذه الجبال المحفوفة بالمخاطر”.

ويستطرد خالد العنقودي قائلا: “هذه السلاسل الجبلية المترامية الأطراف شكلت جزءًا من تضاريس عمان والتي تمتد من جبال الحجر الشرقي والغربي مرورا بجبال محافظة ظفار كجبل سمحان وجبال القمر وانتهاء بجبال مسندم، حيث قامت بعض التجمعات والقرى الصغيرة في هذه الجبال بعدما كانوا يتنقلون بينها مشيا بالأقدام عندما لم تكن وسائل النقل تتوفر في ذلك الوقت.

كما أن هذه السلسلة باتت تحتضن كثيرا من المسارات الجبلية، والتي كان يسلكها الأجداد متنقلين بين القرى وهم من يربطهم نسيج اجتماعي فيما بينهم، حيث لم تكن للطرق في ذلك الوقت مكان فقد دأب الإنسان أن يبحث عن البديل عبر هذه المسارات الجبلية”.

 

جبال الحجر الشرقي

في الفصل الثالث يتابع خالد العنقودي مغامراته الشيقة إلى جبال الحجر الشرقي التي يصفها بأنها كسلسلة الحديد في تناسقها وقوتها وإبداع صانعها فهي من أجمل الجبال، حيث بها كثير من المسارات الجبلية التي تفضي إلى كثير من المناطق التي كان يسلكها الأجداد قديما وسط تضاريس صعبة بعدما تغلبوا عليها أثناء تنقلاتهم بين القرى، عندما لم يكن لوسائل النقل أي وجود في ذلك الوقت. هذه السلسلة المترامية الأطراف التي تمتاز بها جبال الحجر الشرقي جذبت هواة المشي نحو البحث عن أغوار هذه المسارات الجبلية في ربوع عمان.

وفي الفصل الرابع يفتح المؤلف مذكرات المغامرات الفردية ومنها مغامرات الموت وحلاته في وادي الطائيين مستذكرا الكثير من التفاصيل التي لا تخلو من المدهشة والمتعة والخيال، يسردها المؤلف عبر كتابه الذي يقع في 221 صفحة من الحجم الصغير مدعما بالصور الخلابة التي تعكس جانبا من أجواء الرحلات التي قام بها المؤلف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق