السياحي

في أوسـلو حيث «يمطرنا النـهار بورود معطرة بروح الشمس»  

حمود بن سالم السيابي 

 

جئتها في نوفمبر وهي تحتطب اليابس من الشجر لتصطلي، ولتمد مغرفتها في  حساء «الفاريكال» القادم من خراف الجبال لتتوسل الدفء، وتغص بلقيمات من لحوم غزال الرنة وهي تستمع بطبق الشتاء. كانت أوسلو باردة رغم أن الثلج لم يتساقط بعد. وكانت بيضاء وهي تختال كعارضة أزياء بمعاطف فرو المنك والثعالب وتمشي «الكات ووك» على سجادة من نثار الغيم في قاعة من البللور. وكان «أوبستفيلدر» شاعر النرويج المفتتن بالجمال محقَّاً وهو يتبعثر في قصيدته:
«هوت روحي
لا أعرف إلى أين
ولكن حيث لا شمس هناك»

وحين لامست إطارات «الأير شاتل» النرويجية مدرج مطار أوسلو غاردرموين لم تكن الشمس هناك أيضا. إلا أن الفارق مع  «أوبستفيلدر» أنني كنت أعرف أين تهوي الإطارات وأنا أقرأ الأحرف اللاتينية لصالة الوصول فأتنفس بلاد الجبال والبحيرات والثلج والدببة القطبية والحيتان المتشمسة والفايكنج. وبلمسة إسكندنافية تستقبل النرويج زوارها بمطارها الأنيق  وبالدهشة التي تسكبها القطارات الفاخرة لأوسلو مرورا بالجمال الذي يضرب أطنابه  في شوارع وميادين وسط البلد المتلألئ بقصر الملك هارلد الخامس وبذخ المعمار في مبنى  البرلمان إلى السحر الذي يحدثه شارع «كارل جوهان» المثقل بمزهرياته الحديدية الأشبه بمراجل الولائم في عمان. وحين ارتقيت ذرى «هولمان كولين» حيث تتزلج النرويج ومعها أوروبا تحت تمثال للملك أولاف الخامس فقد وعدت  التمثال بأن أعود إلى أوسلو في قابل الصيف لأتنفس كل ألوان أوسلو التي خبأها الشتاء. وها أنذا أبر بوعدي فأزورها برفقة سيدي الهلال بن سالم والبدر بن سالم فأزورها في عز الصيف في يوليو. ولقد جاءت الزيارة مسبوقة بالتمنيات في أن تكون النرويج القطبية مختلفة عن الطقس الحار الذي يجتاح أوروبا إلا إننا وجدنا الشمس التي تحرق روما هي نفس الشمس التي تتحجج بها صبايا باريس لتقلل الاحتشام،  وهي نفسها التي تحيل عشب «الهايد بارك» إلى حقل شعير أصفر، وهي ذاتها «أخت يوشع» التي تسوق غزلان الرنة والموض في النرويج إلي الينابيع لتغطس  وتشرب.
وهي نفس الشمس التي خلدها أوبستفيلدر في تساؤلاته:
«أين تذوي؟
وخيوط الشمس في كل مكان؟
هل صنع العالم من خيوط الشمس ؟
لينقع شعره في بحر من ضياء» ؟.
لقد رأيت وجهًا آخر لأوسلو كان قد غيبه الشتاء في زيارتي الأولى. ورأيت أوسلو شابة مرحة ومفعمة بالحياة. ورأيتها وقد تخلصت من كل الأسمال الداكنة،  وشنقت كل معاطف فرو «المنك» والثعالب على أوتدة الخزائن المعتمة. ورأيتها تصطف في طوابير أمام بائع المثلجات  في مقهى دار الأوبرا لتلعق الأيسكريم،  وتمد أذرعتها إلى البحر والأشرعة لتركب الموج وتمارس لياقتها في التجديف. ولم أكن بحاجة هذه المرة إلى «أوبستفيلدر»  الذي تركته يتتثاءب في ملفات جوجل فأنا أمشي في أوسلو تحت ديمة من قصائد الهلال وهو يسكب  فضته على لجين بحيرة «ستينغ فين» ويعرش بقريضه ليطال مرتفعات التزلج في «هولمان كولين» ويهيم في الشفق الذي يغطس في بحر بارنز وغموض الشمال ليلقي على كتفي أوسلو شالا عربيًا:
«سلام كفواح العبير رطيب
على « او سلو « حيث الجمال ضروب
وحيث العلى ركن من المجد شامخ
وحيث رفاه العيش ثم رغيب
وحيث صناع السلم مهنة أهلها
وخلق لهم في النائبات رحيب
تيممتها والقلب بالجرح نازف
و بي من قراع النائبات ندوب
احاول ان استقرئ الحسن عاليا
يفوح به عرف وينفح طيب
وتشرق من اضوائه  كل طرة
على «اوسلو « والمشرقات تجيب
فمن قُننٍ  تزهو،  وسهل كأنه  من الخلد فواح الرياض قشيب
و مرج وسيم الروض تحسده الربا
يكاد بموشيُّ  الجمال يريب»
ولم يكن فندق جراند محط رحالنا في زيارة الصيف كما كان هذا الفندق مناخنا في الشتاء، فسيارة الأجرة في الزيارة الجديدة كانت تسابق الريح لتسرع بنا نحو العقار ٩٨ في «ستانس جوفن»  حيث يفتح الشيخ العلامة إحسان بعدراني بيته وقلبه وعقله وجروحه. كان الشيخ العلامة إحسان بعدراني أحد أهم من خرج بهم السفير الهلال من سنواته العشر  في سوريا من صداقات  قبل أكذوبة ربيع العرب. ورغم أن بعدراني اصطف مع المطالبين برحيل النظام على العكس من الهلال الذي يرى النظام السوري رمحا عربيا إلا أن تقاطع المسارات لم يضعف حرارة الصداقة التي جعلتهما ينقسمان على النظام ويجتمعان على حب الشام.
وفي شرفة شقة الشيخ بعدراني في أوسلو المزدانة بأصائص الزرع التي تحاكي الحقيقة كانت دمشق حاضرة بفستقها وببقلاوتها وبحلويات «كول واشكور»  التي تستحث مرارة الفناجين.
إلا ان الياسمين الدمشقي لم يعش في أصائص الزرع الملونة فقد تعمد الغياب  عن شرفة الشيخ بعدراني وغاب باعة الياسمين. وكنت وما زلت منحازا للخط  الذي   يمثله الشيخ بعدراني و أرى الشام الأموية تخلع للأسف عمامة معاوية وتلبس ثوب الملالي، وأنها تحتشد كل ليلة لتلطم ولتلعن من تسميهم بقتلة أهل البيت. وكنت أراها تتبضع رغيف الخبز بالتومان وترفع على دكاكين الحميدية وباب توما لافتات «خوش آمديد».
وحين تكالب الجميع على إبادة الغوطة ناديتها:
يا غوطةَ الإِبَاءْ
يا رايةً تطاولُ السَّمَاءْ
يا كفناً يَرْعَفُ فردوساً وأنبياءْ
يا أيُّها الرُّمْحُ الذي يكتِبُ عَهْدَ الثَّأْرِ بالحِنَّاءْ
يا أيُّهَا السَّيْفُ الذي يَمْتَشِقُ الحتوفَ والفَنَاءْ
تداعَتِ الفُرْسُ مع الرُّوسِ لِكَسْرِ الكبرياءْ
لكنَّهُمْ  ما كَسَرُوا
إلَّا الشُّجَيْرَاتِ
وأمْشَاطَ النِّسَاءْ.
وبعد فنجان قهوة مرة مرارة المأساة السورية لبس العلامة الشيخ إحسان بعدراني قفطانه وعمامته وأسرعت به وبنا السيارة إلى مسجد الرحمة في «باروم» حيث أهل الصومال أقاموا أقدم المراكز الإسلامية في النرويج ليعتلي بعدراني المنبر ويتحدث في خطبة الجمعة عن مفردة الخير في القرآن الكريم،  ثم يأخذنا إلى شارع جرنلاند لتجمعنا طاولة الغداء في مطعم تركي فيطل الطيب أردوجان في عيون الأتراك بينما قصر تشرين استمر محور اشتباكات أحاديث المائدة  ونحن نتخندق في أمكنتنا دون أن نتزعزع قيد أنملة، ولا نعلم ما إذا كنا في اصطفافاتنا ظلمنا قصر تشرين أم ظلمنا تشرين ؟ ولكن المؤكد أننا نحب الشام ولم نظلم الشام. وبينما الشيخ بعدراني يشرح مشاهد الطريق من الميناء إلى أشهر حدائق المنحوتات إلى أكبر قلاع أوسلو إلى المساجد التي تنتشر في العاصمة منذ عرفت النرويج الإسلام كان الشاعر الهلال يستعيد في بائيته النرويجية اتفاق أوسلو الذي غاب عن أدبياته اسم القدس رغم أن الاتفاق يفترض أن يضع مرئيات للحل وعلى رأسها القدس الشريف كعاصمة لدولة فلسطين:
«اردد ذكر « الاتفاق» فانثني
وبي وجع ممابه وكروب
فلم يأت ذكر القدس فيه و ذلكم
مؤشر سوء بالخداع مريب
تبدى لناما بعدَه من خلاله
وذلك بادٍ لو وعته قلوب
ولكن للايام لا شك حكمها.
.وحكم الليالي في الانام غريب !
دخلنا مبنى الأوبرا ومشينا لكيلومترات إلى  مبنى «السيتي هول» وهي قاعة باذخة  تستثمرها البلدية كقاعة متعددة الأغراض. وقد وصف مضيفنا المبنى بأنه المكان الذي تعلن فيه جوائز السلام فذكرت وأنا أقلب الصور في ذاكرة هاتفي  لأستدعي مشاهد زيارتي للمبنى في الشتاء حين وقفت أمام تمثال الفريد نوبل المنتصب عند واجهة معهد نوبل النرويجي الذي يمثل أمانة اللجنة النرويجية لجائزة السلام ومن داخل جنباته تعلن الأسماء الفائزة بجائزة السلام كل عام.
وإن هذا المبني بدون تمثال نوبل وأنني سبق ونشرت في صفحتي بالفيسبوك وقفتي أمام المبنى  ورسالته:
وقفتُ طويلاً بصرحِ السلامْ
وقفتُ أعزِّي السلامَ
بموتِ السلامْ
وقفتُ أواسي النهارَ الذبيحَ
بسيفِ ندامى الظَّلامْ
وقفتُ لأُخْبِرَ  «أَلْفَرْدَ نَوْبَلْ»
عن الكارهينَ لِلَوْنِ الخُزامى
وَشَدْوِ اليَمامْ
وَقفْتُ أسائل بابَ الظلامِ
مُسَوِّغَ منحَ اللئامِ
جوائز عيسى عَلَيْهِ السلامْ
وقفتُ أسائل هذا التَّجَاهُلَ
للحبِّ والطُّهْرِ
وهذا التّبَنِّي للانتقامْ.
لقد كان تمثال «الفريد نوبل» باردا يومها فأدهشني لأنني اعتقدت أن كل الخامات يمكن أن تبرد الا الخام الذي صنع منه التمثال، فهو لرجل يوصي بوضع جائزة يكفر بها عن ذنب متفجر.
لقد اقتربت من شقوق الباب لعلي أرى الكيميائي «الفريدنوبل»  هناك يعالج الضد بالضد فيخترع ديناميتا يفجر الديناميت. لكنني رأيت صورا لأعداء السلام يتقلدون جوائز نوبل للسلام:
دنوتُ لتُلْسِعَ أَسْماعِي التَّمْتَماتْ
ف «بَيْجَنْ « يعومُ بِبَحْرِ الضَّحايا هنا
و « بَيْرَيْزَ « يَشْرِقُ بالقَهْقَهَاتْ
و « رَابِينُ « يُلْقِي بِسَمْعِ الحُضُورِ
نَشَازَ المزامير والغَمْغَمَاتْ
رأيْتُ الجَمَاجِمَ في ثَوْبِ « أُونْ سَانَ سُوتْشِي»
تُبَاهِي الزَّخَارِفَ والنَّمْنَمَاتْ
تَبَعْثَرَ « نَوْبَلُ « في الظَّالِمينَ
وطَالَتْ جوائِزَهُ الهَمْهَمَاتْ.
وبدأنا اليوم الثاني للزيارة بإفطار شامي على مائدة الشيخ إحسان بعدراني ومعنا الشام وتشرين وفارس والروس والأتراك وكنا نلتهم الإفطار ونتخندق حول نفس القضايا، فنستسمح الشام من رؤوسنا اليابسة ونحن نتوزع على مقاعد القطار إلى وسط البلد لنجوب أوسلو فنقف عند مبنى حزب العمال فنستعيد اليسار الذي ولى والاشتراكية التي تحتضر. ثم نقف في ميدان النمر  أحد أكبر ميادين أوسلو والذي يتوسطه تمثال عملاق من البرونز لنمر فيستقطب السياح لالتقاط الصور معه. ونواصل التجوال في بقية المعالم ثم نعود إلى «كارل جوهان جيت» لنتغدى في مطعم «جيبور»  على نغم هندي خافت والكثير من الفلفل والكثير من الصخب الشامي. وبعد الغداء قادنا مضيفنا إلى مسجد الرابطة الإسلامبة لنصلي الظهرين ونلتقي الكثير من العرب ومن بينهم الليبي «محمد بكره» الذي فاجأنا بسعة اطلاعه عن تفاصيل التفاصيل في الشأن العربي وما يمتلكه من معرفة بدقائق الأمور والتي لا تتأتى إلا لابن هذا القطر وذاك، فكان اللقاء مناسبة للحديث عن ليبيا والإسهام العماني في جمع الفرقاء لإعداد مسودة دستور للبلاد فأستشكل الحديث من جديد حول الجماهيرية العظمى قبل وبعد القذافي.
وفي الأصيل حملنا القطار إلى ذرى «كونجي فين» حيث وعدت تمثال الملك أولاف الخامس بالعودة فعدت فكان الصعود إلى الذرى التي كانت معتمة في الشتاء مختلفة وهي تطفح بكل الأللوان فكان الصعود من أجمل المشاوير. وفي المساء انحدرنا من الذرى ومعنا أوسلو بكامل افتتانها لنكون عند صلاة المغرب في المسجد الباكستاني لتجمعنا بعد الصلاة بجلسة مع إمامه الشاب. وكان استفتاح اليوم الثالث في الشرفة ككل مرة بزيتون وزيت الشام ومعنا المأساة السورية ككل مرة وقد أعادت بحيرة «ستينجين»  الشجن إلى بحيرة نبع بردى فمشينا على ضفافها ونحن نحتطب الشام وتشرين والضاحية والقيصرين بوتين ورجب طيب أردوجان.
وبينما يقترب الوقت من نهايته كنا نثقل ذاكرة الهواتف بمئات اللقطات من زرقة الماء إلى اخضرار الضفاف إلى اصفرار حقول الشعير كما عبرتُ عنها؛
اكْتَسَتْ حقول الشَّعيرِ
‏الذَّهبْ
والمناجلُ عمَّا قريبٍ تعودُ
‏ لتحْتَزَّ  زَهْوَ القصبْ
والدِّنانُ ستشربُ حتى الثُّمالاتِ كأسَ  النَّصبْ
‏ويبقى الخشاشُ تخوضُ به الريحُ حتى الرُّكَبْ
‏وأبقى أعاقرُ حزْنَ السُّهوبِ
‏لِأُجْلي الكُرَبْ.
وبينما الطائرة تبتعد عن أوسلو كان الآي فون يؤشر باللون الأزرق لعلامتي الصح ما يعني تسلُّم مضيفنا رسالة الشكر التي أرسلناها له:
شيخنا العلامة الأجل الدكتور إحسان بعدراني أعزه الله.
بعد تقبيل عمامتكم الشريفة.
لقد قرأنا كثيرا عن الليل الإسكندنافي الطويل ففوجئنا بعمامة الإسلام وهي تشرق لتصنع النهارات الطويلة لأوسلو. وسمعنا عن تفسخ وانحلال الشعوب في الدول الإسكندنافية فرأينا أوسلو تصلي خلف عمامتكم الشريفة الجمعة، وتحتشد في مساجد العاصمة وريفها لتؤمَّونها  للصلوات الخمس. وتصفحنا تاريخ الفايكنج وتوحش الرجال الذين كتبوه فوجدنا أوسلو تتشمس في الشرفات وهي تقرأ قصائد شاعر النرويج أوبستفيلدر «هل صنع العالم من خيوط الشمس لينقع شعره في بحر من ضياء» ؟ لقد كانت أوسلو تتقاطع والصورة التي شيطنها تاريخ الفايكنج ورفعوها راية على أشرعة سفن القرصان فرأيناها سبيكة من ضياء كعمامتكم المنيرة على مساجد الرحمة والرابطة وغيرها من المنارات التي تزاحم الاجراس. ورأينا بحيراتها فصوص زبرجد كعيني ابنة الملك «هارولد هارد» باني مدينة أوسلو. ورأينا اللون الأبيض يتكرر في النهار الصبوح والوجوه الباسمة وبياض البجعات التي تتسابق على بقايا فتات خبز الإفطار ، وبياض دببة القطب الشمالي. ولقد سمعنا كثيرا عن سحر الريف النرويجي فكان من سعد الطالع أن نسرج ابتهالاتكم ونحن نصعد الهضاب ليمخر بنا القطار غابات السرو والصفصاف ونطل من علياء المكان على عاصمة بحر الشمال وهي تأتزر زهو الربيع وتتجلبب فرح الصيف. وكان مسك الختام الطواف بالبحيرة فوداع الطواف من أركان عمرتنا إلى رحابكم. وعبر سنوات العمر حملتنا الأقدار نحو أجزاء عديدة في المعمورة فكانت رحلة النرويج هي الأجمل في سجل ارتحالنا الطويل، والإفطار على مائدة كرمكم في شرفة منزلكم في أوسلو من اللحظات التي ستبقى محفورة في الوجدان. ونحن نغادر المكان نحمل عطر عمامتكم الشريفة زادًا لسفرنا ويحدونا الرجاء لتكرار اللقاء هنا أو هناك. حفظكم الله شيخنا العلامة وأدامكم حصنا للإسلام وراية هدي وإشعاع، ونفع الله بكم البلاد والعباد. وبينما احتوتنا هامبورج بحرارتها وأدخلتنا دورة أخرى من تنازع الأدوية والأنين نعاود التقليب في ذاكرة الهاتف الملأى بالصور لنضع أوسلو كعاصمة للسلام وكمدينة بين أجمل الزيارات التي لم تمهر جوازاتنا عند الدخول لنتذكرها ونتذكر التاريخ ولكنها وضعت مهرا على عقولنا لنتذكرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق