الفني

«الشارقة للمسرح الصحراوي» يحتفي بخمسة عروض عربية

أكد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة على أن نجاح مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي جاء مكتملًا ومحفزًا للانتقال إلى مرحلة جديدة في الفترة المقبلة وهي المسرح البحري. وكان سمو حاكم الشارقة قد افتتح في الثالث عشر من ديسمبر الماضي الدورة الرابعة من المهرجان شاركت فيها خمس مسرحيات عربية، من دولة الإمارات مسرحية «الفزعة»، ومن السلطنة «الهيم»، ومن مصر «عنترة» فيما قدمت تونس «خضراء» وموريتانيا مسرحية «فتيان الفريك».

الشارقة: خاص التكوين

 

وسط حضور جماهيري حرص على متابعة العروض يوميّا، ويملأ مدرجات المسرح المفتوح على كثبان الرمال في منطقة الكهيف، اختتمت فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي الذي تنظمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالإمارة، بالعرض العماني «الهيم» الذي قدمته فرقة الصحوة المسرحية، وهو من تأليف محمد بن سيف الرحبي وكتابة أشعار العرض مطر البريكي وإخراج أحمد البلوشي.
وكانت مصابيح المسرح تضيء الفضاء الممتد على فعاليات يومية وجمهور حريص على المتابعة، مع اهتمام كبير بالمهرجان تجلى من خلال عشرات اللوحات الإعلانية المضيئة على جوانب الشارع الموصل إلى مقر الحدث.
العروض الأربعة
احتفى العرض الإماراتي «الفزعة» الذي قدمته فرقة مسرح الشارقة الوطني بالبيئة الصحراوية وما تحمله من قيم حملها الإنسان العربي خاصة في علاقته مع الصحراء كالشهامة والنخوة وتلبية نداء الاستغاثة للمستجير.
و»الفزعة» من تأليف وأشعار سلطان النيادي، وإخراج محمد العامري، بمشاركة مجموعة من الفنانين المعروفين أبرزهم ومن بينهم أحمد الجسمي وإبراهيم سالم ومرعي الحليان وعبدالله مسعود.
واعتمد العرض المصري «عنترة» لفرقة «كريشن جروب»، وهو من إخراج ودراماتورج جمال ياقوت، على أسطورة الشاعر العربي المعروف عنترة بن شداد، واحتفى العرض بالسيرة «العنترية» من خلال المجاميع الكثيرة والمؤثرات الموسيقية والغنائية، ومن خلال جملة أشعار ومقاطع قدمت بلوحات فنية جميلة قصة كفاح عنترة من أجل إثبات نسبه الحر، وسعيه الدؤوب من أجل التخلص من نير العبودية، وإلحاحه على ضرورة أن يعترف شداد به ابنًا له، ثم سعيه المحموم للفوز بمحبوبته عبلة رغم صلف والدها مالك وعنجهيته، حيث رأى في عنترة الرجل الذي لا يشرّف القبيلة حتى وإن كان فارسها الأول وحامي حمى عرينها.
وحفلت مسرحية «فتيان الفريك» لفرقة جمعية المسرحيين بنواكشوط بالبساطة وهي تقدم فنون الصحراء في موريتانيا، والعرض من إعداد محمد آدمو وسلي عبد الرحمن، وإخراج سلي عبدالرحمن.
كما اعتمد العرض التونسي «خضراء» لفرقة فن الضفتين على «السيرة الهلالية» حيث استلم الكاتب حاتم الغرياني نص المسرحية من كتاب «الجازية» الذي ترجمه محمد المرزوقي، فيما قدم المخرج حافظ خليفة رؤية مبتكرة للنص من خلال إسقاطات عدة على المشهد الراهن سياسيا وثقافيا واجتماعيا.
ولقي العرض ثناء واسعا من النقاد والجمهور لما حفل به من عرض فني مبهر، عبر المجاميع أو الأداء، والمؤثرات الموسيقية، والحركة المتفاعلة حيث قيم الفروسية والذود عن الحمى، والتفاعل مع العرض على مستوى الأغنيات التي قدمها الفنان الكبير لطفي بوشناق، بموازاة الموسيقى التراثية الصحراوية، فكانت أرضية المسرح فضاء رحبا للحياة على تنوعها.
الندوة الفكرية
وبحثت الندوة الفكرية «المسرح الصحراوي بين الأصالة والمعاصرة» في محاولة لتحديد هوية لهكذا مفهوم ضمن جلسة مسائية أدارتها الباحثة اللبنانية سوزان علي، وقدم الباحث المغربي حسن يوسفي ورقة بعنوان «المسرح الصحراوي أصالة المفهوم ومعاصرة المنجز» ناقش فيها إمكانية النظر إلى المهرجان كمقترح جمالي وفكري، في حالة بناء وصيرورة في السياق العربي، وليس تجربة مسرحية فحسب، مشيرا إلى أنه «يتعين قراءته في ضوء ما يختزنه من دلالات الأصالة على مستوى صياغته، باعتباره مفهوما مسرحيًّا وتصورًا مميزًا لصناعة الفرجة من جهة، وباعتبار ما يبلوره من مقترحات جمالية معاصرة على صعيد الممارسة والمنجز المشهدي من جهة ثانية».
ورأى اليوسفي أن مقاربة مفهوم المسرح الصحراوي تأتي تأسيسًا على ثلاثة محاور، محور ثقافي وآخر معرفي وثالث جمالي، مضيفا أن مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي يمكن أن يقرأ في إطار دراسات ما بعد المستعمر ليظهر كيف يؤسس العرب لتمثيل سرد مضاد للثقافة العربية، كما يمثل بطبيعته المكانية أرضية للدرس والاختبار  لنوع من العلوم الإنسانية يعرف بـ «الجغرافيا الثقافية»، فيما يتيح على المستوى الجمالي فرصة مهمة للمنجز البحثي المتعلق بالفضاء المسرحي وتمثلاته روح العصر.
وفي ورقته التي حملت عنوان «المسرح والصحراء.. نحو مزاوجة بين التراث والحداثة» أكد الناقد والكاتب السوري هيثم الخواجة على أهمية مبادرة اقتراح مهرجان تستلهم عروضه موضوعاتها وأساليبها من البيئة الصحراوية، منوها بالأصداء التي رافقت الدورات الماضية للتدليل على المكانة المتقدمة التي أحرزها المهرجان حيث يمكن أن يكون «منصة للمزاوجة بين الإرث الحضاري العربي ومستحدثات الحداثة التقنية في الاضاءة والصوت وغيرها من الوسائل التكنولوجية»، فيما شدد الباحث المغربي مصطفى رمضاني على ضرورة وضع قواعد لمصطلح «المسرح الصحراوي»، طارحا سؤالا عما إذا كان من الممكن إضفاء مشروعية ما على مفهوم اصطلاحي عبر إقامة نشاط فني.
وأشار الناقد الجزائري إدريس قرقورة إلى الإمكانات التي يتيحها الفضاء الصحراوي، بوصفه مجتمعًا ونطاقًا جغرافيًّا، للمقاربة الفنية، مؤكدا أن هناك العديد من التجارب المسرحية التي قدمت في منصات دائرية وحلقية، خاصة في الجزائر، أكدت أن من الممكن والأفضل اعتماد هذا الشكل لتفاعل أكثر مع الجمهور.
وخصصت الجلسة الثانية من الندوة لعرض شهادات لفنانين شاركوا في دورات سابقة للمهرجان، بدأت بشهادة الفنان اللبناني جان قسيس الذي أكد على أن الخيال الإبداعي المسرحي ظل غافلا عن جماليات الصحراء برمالها وكثبانها وسكونها إلى أن جاء مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي «ليشكل سانحة مهمة لدراستها واستلهامها في قوالب وأشكال مسرحية مبدعة»، منوها بأهمية تأكيد الهوية العربية من خلال المسرح، ومبديا أسفه من حالة الاغتراب التي تعيشها العديد من التجارب المسرحية العربية واستغراقها في محاكاة التجارب الغربية.
وأشار المخرج الأردني فراس الريموني إلى نوعية من الجمهور تحضر فعاليات هذا المهرجان، فقد جاء بجمهور جديد ليس فقط كثير العدد ولكن من نوعية غير معهودة في المسرح التقليدي، فيما رأى المخرج  الموريتاني تقي سعيد أهمية النظر إلى مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي خارج إطار التصنيفات والتوقعات والمرجعيات المتعلقة بمسرح العلبة الايطالية سواء في ما يتعلق بالأداء التمثيلي أو المنظر المسرحي أو الصوت والتلوين وغير ذلك من تقنيات، مشيرًا إلى أن كل هذه الأدوات تعمل بطريقة مختلفة وتدل على شيء مختلف في المسرح الصحراوي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق