تلك الافكار الإلهامية تأتينا على هيئة ومضات مجهولة المصدر، أو موسيقى خافته يشعر بها القلب، فتأتي بشكل غير مادي بل هي طاقة وشعور، فتشعرنا بالإرتياح نحو المضي قدما الى هدفنا الإبداعي.
فالخيال هو تلك الصور المتوهمة والرؤى العقلية، والشخص الخيالي قادر على رؤية ما لا يراه الآخرون، ويكون عقله في حالة نشاط مستمر.
ويعد الخيال والإلهام ملكة فطرية لدى الجميع، الا ان الأغلبية منا قامو بإلغاءه لعدم إدراكهم بضرورته وتدريبه وتنشيطه للعقل.
وهو بذلك يأتي كخطوة أولى من خطوات الإبداع، فالعمل الإبداعي تكون بدايته فكرة أو صورة في ذهن المبدع يصقلها بالبحث والتقصي والتجريب والإبتكار.
وينتج الخيال من الفص الايمن من المخ، فيستحضر صورا ذهنية جديدة فيرسم تصورا للواقع الحالي بواقع إفتراضي أفضل.
وكان فلاسفة الإغريق ومن بينهم سقراط، يرون أن قول الشعر الجيد يأتي من الإلهام، فكان أرسطو يقول” أدركت أن الشعراء لا يكتبون الشعر لأنهم حكماء، بل لأن لديهم طبيعة أو همة قادرة على أن تبعث في نفسهم الحماس”
أما أرسطو فقد خالفه الرأي ورأى أن: “الشعر الجيد هو كذلك لأسباب يمكن الوصول اليها ومعرفة قوانينها”.
فراح يعمل على وضع القوانين لكي يهتدي بها الشعراء في إنتاجهم.
وعند سؤال الشاعر الدكتور وزير الإعلام والثقافة السعودي الشاعر الدكتور عبد العزيز خوجة عن إن كان للإلهام دور في شعره كان جوابه إيجابيا، واستلهم من علم الفيزياء؛ ليرسم صورة جميلة للإلهام بقوله: “في الكون سحابة كبيرة من الأيقونات الفكرية تسير أو تدور، وإذا أردنا أن نتكلم عن الشعر قلنا ان لدى الشاعر نصف هذه الأيقونات الإيجابية داخله، وهو يلتقطها ويشعر بها، وحينما يتفاعل مع أيون آخر في اللاشعور، يشعل هذا التفاعل الكيميائي بين اللامنظور الخارجي، والمنظور الداخلي، اللامنظور هو ما نسميه بالإلهام، يلتقطه المبدع حسب طريقته ومخزونه الثقافي وقابلياته وإمكاناته، وأضاف” يجب على الفنان أن يكون مستعدا لإبداع ما..فالإلهام يسبح في الكون، المهم توافر من يلتقطه ويتفاعل معه.
إذا من أين يأتي الإلهام ياترى؟ الإجابة على هذا السؤال متنوع كتنوع الكون من حولنا، ولا يمكن حصره في عناصر وعوامل محددة لنشير لها بالبنان، بأنها السبب الأول أو البذرة الأولى للإبداعات من حولنا كحل لمشكلة أو صياغة قصيدة أو مشروع إبتكاري. ومن هنا جاء حديثنا مع عدد من الأدباء والشعراء من صالون مقهى الأدب، الذي تأسس في أغسطس2019م، ويضم حوالي 53 عضوا من الأدباء الشباب، يسعون جميعا لإيصال رسالة الأدب من خلال عدد من الجلسات واللقاءات والنشر الإلكتروني والإصدارات الأدبية وهم ممن يحترفون فنون الكتابة الشعرية والنثرية، فكان حديثهم عن الإلهام كالتالي:
يقول الأزهر الشعيلي (شاعر) بأن الحديث عن مصادر الإلهام شيق ومعقد في ذات الوقت، وذلك لأن حصرها في قالب معين يفقدها ذلك السحر الذي تصنعه لحظة الخروج من العوالم المحسوسة الى العوالم الخفية الكامنة.
ويجد الشعيلي الإبداع في تلك التفاصيل الدقيقة البسيطة القريبة من الخيال في حياة الناس وتصرفاتهم وتفاعلهم مع أقرانهم، أو مع ما يحيط بهم من جمال كامن وظاهر تبعث في داخلي ملايين الأسئلة المتدفقة، فتصنع من اللحظة فكرة مدهشة ومختلفة للقصيدة.
كما يجد الإلهام في البحر والرمل والليل والقمر والنجوم والأفق والمسير بالسيارة والظلام، ويضيف قائلا:” وكل ما يجعلني أغرق في بحر التأمل والهروب من اللحظة والمكان”.
وتقول فتحية الفجرية عن الإبداع بأنه حالة أو شعور مفاجئ يحفز العقل لأداء نشاط غير مألوف، وهو إستثارة للإبداع، وانعاش للأفكار الخلاقة.
وتقول بأن الأشخاص الإستثنائيين مثل عازفي الكمان وأساطير الرياضة وبناة الإمبراطوريات، والقدة الأسطوريين حينما ينتجون أعمالهم لديهم روتين معين يلهمهم ليستمرو في إنتاج أعمال غاية في البراعة.
وتقدم نصيحة لكل الباحثين عن الإلهام وتقول: “لاحظ الأوقات والأماكن والأنشطة، وحياة الريف الهادئة، مياه البحر الصافية كالكريستال، ولمعان النجوم وسحر المدن، أو رؤية الفن”.
وعبدالله الهديفي يجد الإلهام في الكلمة المؤلمة والمشاهد المؤثرة والتي تجعلك تغوص في عمق سحيق من الشعور، كما يجد الإلهام من مناظر الغروب على الشواطئ الممتدة، ومن تلك الكتب المحفزة والمطلقة للأفكار أو من التأمل في وجوه العابرين من حولك.
أما منار سالم فتجد أن مصادر الإلهام تختلف من كاتب لآخر وأحيانا قد يفتقر بعض الكتاب الى الغلمام بمنابع الإلهام من حولهم.
وتجد منار الإلهام في الطبيعة بإعتبارها مصدر الإلهام الأول والهدوء والإستماع الى الموسيقى والقهوة وقراءة الكتب.
أما ميثاء الراشدية تستقي الإلهام من بعض الأشخاص، كذلك الشخص الذي قال لها يوما: “إن كنت تخشين من نظرة المجتمع لك فلا تكتبي حرفا، وإن كنت تنتظرين الثناء والمديح، فأريحينا من فضلك من هذا العبء”
وتقول بأنه لم يدر بأنه شحذ الهمة لدي، ووضع الخشب على النيران المضطرمة، ونسيها وهي تشتعل إشتعالا، وتضيف قائلة بأنها كلما همت بالكتابة تتذكر قوله ذاك.
كما أنها تجد الإلهام من المواقف والصور والأحلام.
أما محمود العبري (شاعر) وصاحب ديوان “تباريح” فيجد أن للحواس دور كبير في ترجمة المواقف والأحداث حسب الثقافة والمعتقدات ليصبها في قصيدة شعرية باهرة.
كما أنه يرى أن البيئة هي مصدر الإلهام المشترك لدى الجميع بما فيهم الكتاب والشعراء والفنانين.
ويقول أحمد العزري أن الإلهام فيما أكتب ينبع في اكثر الاوقات من فكرة تمر في مخيلتي وأحياناتمتمات بعض الكلمات تنساب في لحظة على لساني دون وجود طقس محدد لها أو تأثير من المحيل الذي أعيش فيه وبعد سريان الفكرة يتتابع فيض الخاطر ليكمل مسيرة الفكرة ليضعها في قالب مناسب.
وفي بعض الاحيان يتبع الإلهام موقفا ما يمر في الحياة سواء حزن او فرح أو مناسبة عابرة تسكب من مائها على مخيلتي لتصنع قالبا آخر من الكتابة.
ويرى قصي النبهاني أن الإلهام يعتمد على الحالة المزاجية للكاتب، فقد يلهمك شيء بسيط، ويكون كفيل بتحسين قدرتك على التفكير والتأمل، ككوب ساخن من الشاي أو القهوة.
وترى الكاتبة الروائية فاطمة المعولية مؤلفة رواية “يوم موت سعيد” أنها لازالت تنقب عن مكامن الإلهام من حولها، ولم تستطع الى الآن تحديد محفزات الإلهام الأقوى لديها، وتثير بذلك نقطة غاية في الأهمية، وهي أن نصنع مصادر الإلهام الخاصة بنا، ولا ننتظر الإلهام كمحض صدفة نادرة.
أما الكاتب سلطان آل ثاني صاحب المؤلفات العديدة، مخيزنة، صوت مكتوب، حدثتني مسقط، خط أصفر والتي لاقت رواجا كبيرا بين فئة الشباب، يجد أن الإلهام لديه دائما مقرون بالصوت، فيقول في هذا الشأن: أنا أدرك تماما تأثير الصوت في مخيلتي وتحديدا نغمته المميزة، فكثيرا ما تستشار قريحتي للكتابة نتيجة للإستماع الى صوت الموسيقى وهمس الطبيعة من حولي، فيستحثني ذلك للإنتاج والكتابة وخاصة عندما تجف القريحة.
وتابع قوله قائلا: أنا أعرف الأماكن التي أحتاج أن أزورها حتى أكتب وأقرأ قراءة عميقة محفزة للإلهام، بل انني أعرفها قبل زيارتها حتى.