العام
حضانات الأطفال هل تحتضن أطفالنا
تحديات كثيرة تواجه الآباء وهيئة التدريس في تربية الطفل في سن ما قبل المدرسة فالأم هي الشخص الوحيد القادر على تربية الطفل التربية الصحيحة والسليمة في مراحل عمره الأولى، ولكن الطريقة العصرية في المعيشة فرضت على الأم العاملة أن تشارك طرفا آخر في تربية أبنائها خلال ساعات عملها، إما بجلب عاملة منزل أو إلحاق أبنائها بدور الحضانات الخاصة، وبالرغم من وجود بعض الإيجابيات، فأن كلا الطريقين محفوف بالسلبيات، لذلك ارتأت التكوين البحث في دور الحضانات ومدى أهليتها، وطرح الكثير من الاستفهامات، والحلول المقترحة استعانة بالمختصين خلال الاستطلاع الآتي.
إعداد: أنوار البلوشية
بداية حدثتنا هدى الحراصية «أخصائية إعلام» عن تجربتها مع دور حضانات الأطفال، حيث قالت:» لدي طفلان في مرحلة الحضانة، الأول في عمر ثلاث سنوات، والآخر عمره سنة ونصف. التجربة تحمل قدرا كبيرا من المجازفة، لعدة أسباب منها، وجود عدد كبير من الأطفال في دور الحضانات الخاصة مقارنة بعدد المربيات العاملات فيها، كما نعلم صعوبة الاعتناء بطفل واحد فكيف يكون الوضع مع هذا العدد الكبير. واجه طفلاي صعوبة في البداية ولكن بمرور الوقت تحسن المستوى وذلك مما لمسته من تعلق الأطفال بالحضانة.
تضحية وضغوطات
في جانب تنظيم الوقت والصعوبات التي تواجهها الأم في ذلك ذكرت الحراصية: «التنظيم في جانب رعاية الأطفال والوظيفة يحمل في طياته الكثير من التضحية والضغوطات، لاسيما عندما يكون الأطفال في عمر صغير، ويكون اعتمادهم على الأم بشكل كامل، أحاول بقدر الإمكان إعطاء كل جانب حقه ولكن ذلك يتطلب جهدا كبيرا. الحضانة أفضل من العاملة المنزلية بسبب وجود إدارة وإشراف عليها. وأضافت: إجازة الأمومة لا تكفي أبدا، فكيف ترمي بطفل لم يكمل شهرين من عمره في أيدٍ غريبة! والطريف في الأمر أن من اشتراطات قبول الأطفال في الحضانات بأن لا يقل عمر الرضيع عن ثلاثة أشهر، بينما إجازة الأمومة تنتهي قبل أن يكمل الطفل شهرين! وترى هدى الحراصية للتسهيل على الأم في حال حصولها على وظيفة ولديها طفل دون سن المدرسة، ومن أنجح الحلول في تلك الحالة هو توفير حضانات بسعر معقول في مقر العمل، وزيادة فترة إجازة الأمومة.
أسعار مرتفعة وجودة منخفضة
وعن رأيها في أسعار الحضانات مقابل جودة الخدمات المقدمة قالت هدى الحراصية: أسعار الحضانات مبالغ فيها بشكل كبير مقارنة بالخدمات المقدمة، وخاصة عندما يصل عمر الطفل إلى سنتين أو ثلاث سنوات، فقد تقل الخدمات المقدمة له باعتبار أنه بلغ مرحلة الاعتماد على النفس بشكل أكبر، فهي من المشاكل التي أواجهها مع الحضانة، إلى جانب عدم الاهتمام بالطفل من الناحية التربوية وتعويده على السلوكيات الإيجابية. وقالت نادية الهوتية وهي أم لطفل في عمر الثانية: قوانين الحضانة إلى حد ما تتناسب مع متطلباتي كأم عاملة في توقيت احتضانهم لطفلي، وتواجد ابني في الحضانة ساعد على اندماجه مع الأطفال الآخرين، وقلل من اعتماده علي بمرور الوقت، ولكن المبالغ الكبيرة التي أدفعها لإدارة الحضانة لا تتوافق مع الخدمة المقدمة التي يقدمونها وذلك مما لمسته في عدم تقديم الاهتمام الكافي بالطفل من ناحية تعليمه السلوكيات التربوية الإيجابية، لذلك أرى من الضروري توفير مشرفات مؤهلات علميا، وبرامج دراسية تعليمية مدروسة ضمن البرنامج اليومي للطفل، وكذلك تفعيل التواصل مع أولياء الأمور.
الحضانات المنزلية
منى البلوشية، موظفة في القطاع الخاص، وأم لطفل في عمر سنة، تقول: بسبب ظروف عملي في القطاع الخاص اضطررت للبحث عن حضانة لابني، لذلك ألحقته بحضانة منزلية في نفس منطقة سكني، كثيرون عاتبوني على هذا الفعل ولكن بسبب العوائق التي واجهتني مع الحضانات الخاصة لم يكن أمامي إلا هذا الحل، فأسعار هذه الحضانات مرتفعة مقارنة بالدخل الأسري، وكذلك عدم توفرها بالقرب من منزلي، والتزامهم بأوقات محددة، تتناسب مع ساعات عمل الدوائر الحكومية، حيث لا يتحملون مسؤولية الطفل بعدها، وبحكم ظروف عملي في القطاع الخاص أضطر للمكوث في المكتب لساعات تمتد حتى العصر، ولا يوجد من أثق به لاصطحاب ابني من الحضانة ورعايته حتى انتهاء ساعات عملي. وتقول هدى الحراصية: بالرغم من المبالغ الكبيرة التي تتطلبها الحضانات الخاصة لم أثق بالحضانات المنزلية ذات السعر الأرخص، بسبب افتقارها للإشراف ومعايير السلامة، فهي غير مؤهلة لاستقبال عدد كبير من الأطفال ومكوثهم في ذلك المنزل لساعات طويلة خلال اليوم، ناهيك عن عدم توفر العاملات المؤهلات لمراقبة ورعاية الأطفال، فصاحبة الحضانة المنزلية تتولى القيام بكل الأدوار بنفسها.
مشروع مستقل
قابلنا أم مازن، صاحبة حضانة منزلية، حيث قالت: «انتقلت للسكن في المنطقة منذ 3 سنوات، وطوال هذه الفترة شهدت توافد الكثير من الأسر الجديدة للعيش بجوارنا، وأغلب هذه الأسر شابة وأطفالهم في سن صغيرة، والغالبية العظمى من الفتيات موظفات إما في قطاع حكومي أو خاص. كثيرا ما كنت أسمع شكوى جاراتي من الحضانات الخاصة وأسعارها المرتفعة، وكوني لا أعمل طلبت مني إحداهن بأن أعتني بابنها الصغير ذي العامين، بمقابل مبلغ مالي، وبالفعل أحببت الفكرة وكانت البداية. بعدها توافدت جاراتي الأخريات وأحضرن أطفالهن، فأصبحت أستقبل الأطفال وأرعاهم في منزلي، وبسبب عدم توفر المساحة الكافية فلا أستقبل إلا عددا بسيطا من الأطفال حسب قدراتي وطاقتي، وحتى الآن كل من أتعامل معهن لا يشتكين من جودة الخدمة التي أقدمها لهن، ومن باب آخر فقد حصلت على مصدر رزق. ولا يخضع عملي للرقابة أو الاشراف من قبل جهة معينة، ولكني أتقي الله وأرعى الأطفال بضمير، وأمهات الأطفال يثقن بي.
لا مجال للخطأ
تحدثت مياء الرحبية، مشرفة حضانة، تعمل في مجال إدارة وإشراف الحضانة منذ ما يقارب عشر سنوات، لديها تأهيل وظيفي في مجالها، وذكرت واقع الكثير من دور الحضانات في كيفية التعامل مع الطفل، ومدى أهمية ولي الأمر لإكمال منظومة التعاون لتوفير بيئة ملائمة في احتضان الطفل في دار الحضانة، حيث قالت: لدي خبرة كافية في التعامل مع الأطفال ولله الحمد، اكتسبتها من خلال ممارسة العمل في الحضانة والتعامل مع الأطفال، الإنسان المبدع يتعلم من أخطائه ولكن عندما يتعلق الأمر بالطفل فلا مجال للخطأ، حيث هي مسؤولية كبيرة ويجب الحذر فيها، من خلال الاندماج مع الأطفال يمكن التمييز بين أطباعهم وصفاتهم مما يؤدي إلى معرفة كيفية التعامل مع الطفل، فليس كل الأطفال من الممكن التعامل معهم بنفس الطريقة والأسلوب، فعالم الطفل بحر واسع، كل طفل له شخصية مميزة، وقدراتهم متفاوتة، بالتعامل مع الطفل من الممكن معرفة ذلك. فترة حضانة الطفل لدينا من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات ونصف، ومنها يتخرج الطفل حتى يلتحق بالمدرسة، ولدينا نظام الفئات، حيث نفصل الأطفال من ثلاثة أشهر إلى عمر سنتين في مبنى منفصل، والأطفال من سنتين فأكثر في مبنى آخر، ومن ناحية الغرف نقسم الأطفال إلى أربع فئات حسب العمر، فنظام الوحدات مطبق لدى أغلب الحضانات، وهي من أنجح الطرق في إدارة الحضانة للطفل.
وأضافت مياء الرحبية: وزارة التنمية الاجتماعية هي المسؤولة عن دور حضانات الأطفال، لديها الاهتمام بقدر المستطاع ولكن نطالب باهتمام أكبر لتأهيلنا نحن كمشرفات، وإقامة الدورات المناسبة لنا، فهي تقدم حلقات تعليمية لتقديم مقترحات في كيفية إدراج برامج للطفل، كما طرحت برنامجًا حضانيًا قابلاً للتطور وقمنا بتطبيق كل ما جاء في الحلقة، ولكن هذه الحلقات قليلة جدا وبين فترات طويلة، حيث تستجد الكثير من البرامج والطرق الحديثة التي نريد تعلمها لتطوير الأساليب في الحضانة، وكذلك مواكبة التطور في العصر الحديث، نحن بحاجة إلى برامج متقدمة أكثر لتطوير قدرات الطفل والإبداع في طريقة التعامل معه، ففي عصر التكنولوجيا أصبح الطفل أكثر وعيا لأدوات العصر الحديثة التي من الممكن أن تساعدنا في تنمية قدراته بشكل أسرع وأفضل.
رضى الناس غاية لا تدرك
وعن أولياء الأمور ذكرت مياء: كذلك أولياء الأمور متفاوتون في طريقة التعامل والتصرف مع الطفل وحاجاته، فتجهيز الطفل للحضانة كل صباح يختلف تماما عن تجهيز الطفل للمدرسة، فطفل الحضانة يجب أن تكون لديه مستلزماته وأغراضه الشخصية كل يوم عند ذهابه للحضانة، فهنا يكمن جزء كبير من المسؤولية على ولي الأمر، فكيفما يريد أن يكون طفله من ناحية حاجاته ومستلزماته يستطيع هو التحكم في هذا الجانب، حتى لا تقع المسؤولية بأكملها على عاتق الحضانة، فالتعاون الجيد بين ولي الأمر والحضانة هو ما يحقق الراحة والأمان للطفل. ونواجه التفاوت في نسبة اهتمام أولياء الأمور، فهناك من يبالغ كثيرا ومنهم من هو معتدل، ونحن نحاول التعامل بشكل لائق مع كل الفئات، ورضى الناس غاية لا تدرك، نحن نبذل أقصى الجهود لرعاية هذه الأمانة، ولكن هناك أمور تغيب عن ولي الأمر في كيفية التعامل مع طفله في حضانة تضم أكثر من طفل، ونتعامل مع دار الحضانة وكأنه بيتنا الثاني وهؤلاء الأطفال هم أبناؤنا ومسؤولون عنهم أمام ضمائرنا في رعايتهم قبل أن نكون مسؤولين أمام ولي الأمر، ونرى أننا نتعامل مع أرواح نحن مسؤولون عنها أمام الله سبحانه وتعالى. فكرة المجتمع عن الحضانة ليست صحيحة، فهم يرون أن الحضانة هي المكان الذي اصطحب إليه طفلي بسبب عدم وجود من يرعاه خلال انشغال الزوجين في فترات الدوام، وذلك يعني أن يتوفر شخص يرعاه طوال الوقت، ونظرة المجتمع لمشرفات الحضانة غير صحيحة فهم يرون المشرفة بأنها عاملة كعاملات المنازل، ولكن هي نظرة خاطئة، يجب تغيير هذا المفهوم في أذهان أفراد المجتمع، فمشرفات الحضانة عمانيات ومنهن مؤهلات ولديهن خبرة في التعامل الصحيح مع الطفل. وموظفة الحضانة يمكنها الإبداع والتطور واستخدام الأساليب الحديثة في التعامل مع الطفل، ناهيك عن وجوب عملها في كل المجالات فهي كالأم لهذا الطفل. فلذلك نحن نختار المشرفات والموظفات بحكم الخبرة والدراية الكافية مع الطفل، وهن متفاوتات كذلك في المؤهلات والتعامل، فطفل الحضانة لصغر سنه هناك طرق معينة لحمله والاهتمام به، وذلك يتطلب خبرة في التعامل لا يمكن اكتسابها إلا بالممارسة، فكثير ممن يتقدم للعمل لدينا ولديهن مؤهلات علمية ويتحدثن عدة لغات ولكن خبرتهن في التعامل مع الطفل الصغير منعدمة، لذلك نحن نعتمد بالدرجة الأولى على الخبرة ومن ثم المؤهلات العلمية التي تدعم الخبرة.
عدم تقاعس ولي الأمر
وذكرت سعاد البلوشية، مشرفة حضانة حيث قالت: احتضان الطفل يختلف حسب عمره، فمن ثلاثة أشهر تكون رعايته مختلفة حيث تقتصر فقط على إطعامه وتنظيفه والاهتمام في ساعات نومه وهكذا، فبمجرد ملاحطتي بأن الطفل أصبح يدرك ويستوعب أمورا أكثر بعد أن يكمل السنة الأولى من عمره نستخدم أساليب مختلفة في التعامل معه كتعليمه النطق واستيعاب الأصوات والحركات والألعاب البسيطة، وهكذا، فلكل فترة عمرية طريقة مختلفة في التعامل، ثم الانتقال إلى مرحلة عمر سنتين حيث يمكنه الجلوس وإمساك القلم كبداية، ومحاولة الكتابة بعدها، والطفل في عمر الحضانة ليس مجبرا على التعلم بشكل كبير، لأنه ما زال صغيرا، وفي بعض الأحيان أنامله لا تتحمل إمساك القلم بقوة والضغط للكتابة، ولكن هناك أولياء أمور يشتكون من عدم تعلم طفلهم الكتابة وحفظ الأرقام خلال فترة بسيطة من التحاقه للحضانة، فذلك أمر صعب جدا على الطفل الصغير استيعاب ذلك، ونحن لا نجبر الطفل على التعلم بسرعة، ولكن نعطيه نبذة بسيطة عن الحروف والأرقام والألوان وغيرها، فالطفل في هذا العمر تكفيه هذه النسبة من المعرفة، ويجب على ولي الأمر إدراك ذلك. ودور الحضانات هي دور رعاية خاصة ولكل صاحب حضانة خطط ومعايير مختلفة في إدارة حضانته، وعلى ولي الأمر اختيار الحضانة المناسبة التي تناسب طفله، وبشكل عام فكلما أراد حضانة أفضل لطفله يحتاج ذلك إلى تخصيص مبالغ أكبر، فالحضانة تضع أسعارها حسب الخدمات التي تقدمها وجودتها، فالجودة الممتازة تتطلب أموالا أكثر. ولا نستثني المبالغة في الأسعار، ففي بعض الحضانات مقارنة بتدني الخدمة المقدمة وفي كل مجال هناك من لا يراعي الحقوق، ولا يلتزم بالخطوط الصحيحة، ففي هذه الحالة يجب على ولي الأمر إدراك ذلك، وعدم التقاعس في بحث حضانة أفضل لطفله، تتناسب مع إمكانياته وحاجات طفله، والبعد عن الحضانات غير المؤهلة والمهيئة لطفله، ولا يجب البحث عن السعر المناسب فقط وإنما التركيز على جودة الحضانة بالدرجة الأولى. عالم الطفل واسع جدا ولا يمكن للحضانة لوحدها أن تستوعب كل ذلك، فيجب على ولي الأمر ووزارة التنمية الاجتماعية تكثيف الجهود مع الحضانة للإهتمام بالطفل وتطويره وتعليمه الأساليب والسلوكيات الصحيحة. وأرى يجب على وزارة التنمية الاجتماعية تكثيف المتابعة في خطط الحضانات المختلفة، فلا توجد خطة محددة تتبعها كل الحضانات، ولكن الحرص على المعايير الجيدة واجب على كل الحضانات، وكذلك ضبط الأسعار مقابل الخدمات المقدمة، وأيضا تقديم الدعم لتطوير الحضانات وتهيّئها بشكل ملاءم.
الحضانات كبديل اجتماعي لرعاية الأطفال
وفي محاور الموضوع تحدثت الدكتورة نادية بنت راشد المكتومية، متخصصة في المجال التربوي والأسري:
الأبناء زينة الحياة الدنيا، وتقديم الرعاية لهم على شتى الأصعدة من الواجبات الملقاة على عاتق الوالدين، وحتمت الحياة العصرية دخول مستجدات وتحديات كثيرة في حياة الأسرة والأبناء، ومن ضمن القضايا التي تواجهها الأسر العصرية العناية بالأطفال عند خروج المرأة للعمل، ولم تعانِ الأسر الممتدة هذه المشكلة لوجود الجدة أو أحد الأقارب الموجودين بالمنزل الذين يشرفون على رعاية الأطفال في غياب الأم عن البيت وخروجها للعمل، غير أن هذه المشكلة تظهر عند الأسر النووية وخاصة التي يكون فيها أهل الزوج أو الزوجة بعيدين عنهم لا يتأتى لهم تقديم الرعاية للأطفال عند خروج الأم للعمل، مما حتم البحث عن بدائل لرعاية الأطفال، فكان البديل الأسهل والأقل أمانا وهي عاملة المنزل، ومن وجهة نظري وتجربتي الشخصية لا أجد عاملة المنزل البديل الآمن لرعاية الطفل إطلاقا، فهي غير مؤهلة لذلك ناهيك عن ثقافتها وطبيعة شخصيتها التي لا نعرف عنها شيئا، بالإضافة لضغوطات الأعمال المنزلية. الوالدان هما المسؤولان مسؤولية تامة عن توفير الرعاية والجو الآمن للطفل عند خروجهما للعمل، حتى لو تحتم الأمر أخذ الأم إجازة لرعاية ابنها في سنوات عمره الأولى، فهذه رسالتها من رب البشر وأولويتها كأم في الحياة، من هنا أصبح وجود حضانات لائقة وبمستوى رعاية عالية الجودة مطلبا أساسيا لحل هذا التحدي، وتجنب ترك الطفل مع عاملة المنزل، والأضرار الجسدية والنفسية والاجتماعية التي تصيب الطفل من تركه عند عاملة المنزل، التي يعلمها معظمنا.
كم من حالة رأيتها تعاني من ترك الأطفال بأيدي عاملات المنازل، للأسف أصبحت الأولويات في دور الأم مغلوطة تحتاج لإعادة نظر، فكثير من النساء العاملات يضعن العمل أولوية قبل رعاية الأبناء، مما نتج عنه ترك الأبناء بيد عاملة المنزل، لو أدركت الأم دورها الحقيقي الذي أوكله الله إليها لتجنبنا الكثير من معاناة الطفولة، للأسف فتيات اليوم نشأن في مجتمع المرأة فيه عاملة ومهمة رعاية الأبناء موكلة لعاملات المنازل، فأصبحت الثقافة السائدة أن عمل المرأة أولوية مقدمة على رعاية الأبناء، مثل هذه الثقافة الخاطئة للأسف تنشأ عندما تسود دون أن يتصدى لها أحد لتصحيح مسارها، فكثير من الحوارات التي دارت بيني وبين فتيات اليوم يعتبرن هذه الثقافة صحيحة وهي الأساس، وأنا لا ألومهن لأن الفرد يستقي أفكاره وثقافته من بيئته والبيئة من حولهن تبيح هذا السلوك التربوي الخاطئ، إنما أحمل المسؤولية القائمين على تربية الناشئة والتربويين والمعنيين بأمر توعية وغرس القيم، ومن هذا المنبر أوجه نداء لكل أم بأنه لا مبرر لترك ابنك بأيدي عاملات المنازل بحجة الخروج للعمل، فأنت المسؤولة عن رعايته بشرع الله، ورعايته أولوية قبل خروجك للعمل، والمسؤولية تحتم البحث عن البدائل الآمنة والأيدي الأمينة لرعاية الطفل، وتلك مسؤولية الوالدين مسؤولية تامة سواء كان البديل الجدة أو العمة أو الخالة أو أية امرأة ثقة ترعى الطفل في غياب الأم، وكذلك من البدائل الجيدة هي الحضانة لكن ليس أي حضانة، فالحضانة قد تدمر الطفل إذا لم تكن بيئة مهيأة لاحتضانه بشكل آمن وفق معايير الجودة في الأمن والسلامة النفسية والجسدية.
للأسف بالرغم من وجود الحضانات كبديل لرعاية الطفل عند خروج الأم للعمل غير أن هذا البديل يعاني من إشكاليات منها:
عدم استيفاء الحضانات لمواصفات الأمن والسلامة النفسية والجسدية للطفل، بمعنى البيئة المكانية من مبنى وأثاث وتجهيزات غير مهيأة البتة لاستقبال ورعاية الطفل.
الكادر الموجود بالحضانات تنقصه الكفاءة في التعامل مع الطفل ورعايته، حيث نجد في بعض الحضانات عاملات من الجنسيات الآسيوية يوكل لهن رعاية الأطفال فما الفرق الذي نحدثه عندما ننقله من يد عاملة ليد عاملة أخرى في الحضانة!
هناك كادر آخر يعمل في الحضانات من الفتيات العمانيات فهن من يقمن بدور رعاية الطفل في بعض دور الحضانة، بدون أن يمتلكن الخبرة الكافية في رعاية الأطفال ودون تدريب مسبق، فتتولى رعاية الطفل دون وجود وعي أو منهاج في كيفية التعامل مع الخصائص العمرية لهذا السن فنجد الإهمال والعنف من صراخ وغيره في التعامل مع الأطفال وقد شهدت مواقف شخصيا لهذا الأمر فتصبح الحضانة بيئة مهددة للأمان النفسي والجسدي للطفل وتسبب له مشكلات لم تكن موجودة لديه من قبل.
الصبغة التجارية للحضانات التي توفر جودة في الخدمة، فهناك حضانات بالفعل مطابقة لمواصفات الأمن والسلامة وتقدم رعاية رفيعة المستوى للطفل لكن للأسف تكون التكلفة عالية فوق ميزانية الأسرة خاصة عندما يكون لدى الأسرة أكثر من طفل في عمر الحضانة، فلماذا لا يكون هناك بديل بوجود حضانات مدعومة من القطاع الحكومي والخاص تقدم خدمة ذات جودة وتدعم أمن الطفل وسلامة الأسرة لأن أطفال اليوم هم شباب الغد فهم استثمار بعيد الأمد للثروة البشرية داخل الدولة، لماذا لا يتم توفير حضانات ذات جودة في مؤسسات العمل حيث يسهل على الأم حمل طفلها بمعيتها والاطمئنان عليه في مكان عملها؟ بحيث تكون هناك مساهمة من جهة العمل ومن الأسرة في تكاليف هذه الحضانات، البدائل الآمنة كثيرة لكنها تحتاج لإرادة سياسية وجماهيرية لتلقى النور.
الأطفال أمانة في عنق الوالدين، ونعمة تستحق الشكر، وأولوية سنحاسب عليها عند الوقوف بين يد الديان، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، والمسؤولية تقع على الوالدين أولا وعلى الدولة ثانيا، في توفير البيئة والبدائل الآمنة لرعاية هذه الشريحة المهمة في المجتمع، فهي شراكة مجتمعية كلنا مسؤولون عنها، وبتكاتف الجهود نستطيع بعون الله القضاء على ثقافة تربية عاملات المنازل للأطفال، وإيجاد حضانات ترقى لرعاية فلذات أكبادنا «فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».
التحديات النفسية والعاطفية لطفل الحضانة
وتحدثت الدكتورة آمال أمبوسعيدية، طبيبة اختصاصية أول طب نفسي، زمالة كندية في اضطرابات المزاج والقلق ، جامعة تورونتو، عن التحديات النفسية والعاطفية لطفل الحضانة تقول:
إن مقدرة الطفل على التعلم والمساهمة بشكل فاعل في مجتمعه تقوم بشكل أساسي على مقدرة الطفل في التعلم المبكر وتهيئة الظروف الملائمة لذلك. ويبدأ التطور الاجتماعي والعاطفي لدى الطفل منذ ولادته ويتطور بشكل أساسي في سن ما قبل المدرسة، وعليه فإنه ينبغي أن تكون برامج ما قبل المدرسة على مستوى عالِ من المهنية والجودة في التدريس، لتساهم بشكل كبير في هذا التطور. إن الحفاظ على هذا المستوى من الجودة يعتبر من أولويات وزارات التربية في المجتمعات المتطورة التي تهدف بشكل جاد إلى تجهيز الطفل لمرحلة المدرسة.
وبرامج ما قبل المدرسة تقوم على معايير عالية تسهم بشكل كبير في تطوير المهارات الاجتماعية والأكاديمية التي يحتاج إليها الطفل للتقدم في السلم الأكاديمي.
إن أهم المعايير التي يجب التركيز على توفرها لدى هذه البرامج هو أن تكون صفوف الدراسة مكونة من مجموعات صغيرة وزيادة نسبة عدد المدرسين إلى الطلاب فيها.
إن المجموعات الدراسية الصغيرة تؤدي إلى تركيز اهتمام المدرس بشكل فردي لكل طالب مما يسهم لاحقا في تطوير مهارات التواصل لدى الطفل.
لقد أثبتت الأبحاث العلمية أن تعلم الطفل في مجموعة أصغر يعزز من تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية لديه، مما يؤدي إلى مستوى أكبر من الانضباط وتطوير المهارات الاجتماعية، والتركيز، وضبط النفس، وتعزيز العلاقات مع الآخرين، والتقليل من الآثار السلبية والمشاكل السلوكية .
كما أن التركيز على المستوى التأهيلي للمعلمين في هذه البرامج يعد من أهم عوامل نجاحها، حيث إنه ينبغي أن يكون المعلم قد اجتاز أربع سنوات تأهيلية في تخصص رياض الأطفال وما قبل المدرسة، ليتسنى له الإسهام بشكل مباشر في تطوير علاقاته مع طلبته، وتوفير بيئة آمنة للتعلم مما يسمح بمساندة هؤلاء الأطفال عاطفيا واجتماعيا بشكل سليم.
وقد أثبتت الأبحاث في مجال التدريس لسن ما قبل المدرسة أن الاهتمام برفع معايير التدريس بتقليل عدد الأطفال في الصف والتأهيل المكثف للمدرسين يسهم بشكل مباشر في تطوير مهارات الطفل، والتقليل من الاضطرابات السلوكية، وتعزيز قدرة الطفل على إنشاء العلاقات في سن مبكر مع مدرسيه وزملائه في الصف وحتى عائلته، كما يؤهله للدراسة في المراحل المتقدمة من المدرسة.
أما بالنسبة للمنهج الدراسي فلابد من توفير مناهج مدروسة ومعتمدة تناسب المستوى التطوري الفكري والعاطفي والاجتماعي للطفل في هذه السن. كما يجب توفير بيئة عمل محفزة لهيئة التدريس للمحافظة على الكوادر الجيدة والتركيز على جاهزية هيئة التدريس والتطوير الأكاديمي المستمر لهم.
وكذلك ينبغي التنسيق بين والدي الطفل ومدرسيه بشكل دوري لتهيئة بيئة تعليمية متجانسة للطفل في المنزل والمدرسة.
إن الكثير من الأطفال يقضون ساعات طويلة أسبوعيا تحت رعاية أشخاص آخرين غير آبائهم وهؤلاء تقوم عليهم مسؤولية ودور كبير في تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية لهؤلاء الأطفال، ولا يقل دورهم عن الوالدين في ترسيخ المهارات العاطفية والاجتماعية للطفل، وينبغي عليهم تقديم الرعاية والعطف تجاوبا مع حاجاته.
ويعد اللعب من أهم سلوكيات التواصل لدى الطفل في سن ما قبل المدرسة. فهو يكون من خلاله علاقات صداقة مما يؤدي إلى إحساسهم بالانتماء وتقبل الآخرين له.
كما يتعلم الطفل من خلال اللعب في هذه السن كيفية العمل في فريق وكيفية تطوير مهارات التعاون مع الآخرين.
ويجب الاشارة إلى أن سلوك الطفل في هذه السن يؤثر بشكل مباشر على طريقة تجاوب وتعامل المعلم معه وكذلك على طريقة تفاعل زملائه من الأطفال معه. إن العلاقة الإيجابية التي ينشئها الطفل في سن ما قبل المدرسة مع غيره من الأطفال تسهم بشكل كبير في تطوير مهاراته الدراسية في المستقبل وتؤدي إلى ارتباط المدرسة لديه بالمشاعر الإيجابية ويعزز من قيامه بالنشاطات المدرسية وتحصيل مدرسي أفضل.
بالمقابل إن العنف الذي قد يتعرض له الطفل في هذه السن من قبل زملائه من الأطفال قد يؤدي إلى صعوبات مستقبلية في التحصيل الأكاديمي والعلاقات الاجتماعية في سن المدرسة.
ولذلك فإنه من الضروري جدا أن تهتم هذه البرامج بتجهيز المعلمين للتدخل في حال ملاحظتهم لوجود صعوبات لدى الطفل مع زملائه، ومساعدة الطفل على تعلم كيفية حل النزاعات، والسيطرة على مشاعره، والاستجابة لمشاعر الآخرين بشكل سليم.
كما أن قضاء الطفل وقتا طويلا في رياض الأطفال غير المجهزة لاستيعابه عاطفيا وسلوكيا قد يؤدي إلى زيادة السلوك العدواني لديه .
إن إحدى أهم المهارات الاجتماعية والعاطفية التي يكتسبها الطفل في هذه السن هي مهارة ضبط النفس، ومقدرة الطفل على التحكم في مشاعره، والسيطرة على ردود أفعاله مما يمكنه من إتمام النشاطات الموكلة إليه.
إن مهارة ضبط النفس لدى الطفل لا تسهم فقط في تعزيز تكيفه مع زملائه بل تتعدى ذلك إلى تهيئته للتركيز في الصف الدراسي مما يسهم في تطوير مهاراته الأكاديمية.
و يعد السلوك العدواني من أبرز التحديات التي تواجه الآباء وهيئة التدريس في سن ما قبل المدرسة، فالسلوك العدواني المستمر في سن ما قبل المدرسة قد يستمر في حالات كثيرة إلى سن المدرسة ويؤدي إلى التغيب عن المدرسة، والتصرفات السلوكية العدوانية في سن المراهقة.
كما أن الأطفال الذين يظهرون سلوكا عدوانيا مبكرا معرضون إلى تمييز من قبل مدرسيهم وزملائهم في برامج ما قبل المدرسة، ويقلل من فرصهم في إنشاء صداقات وتعلم التآزر الاجتماعي، ولهذا فإن الكثير منهم يتولد لديهم عزوف عن الاندماج مع زملائهم، ومشاعر سلبية قد تصل إلى كره المدرسة، وتدهور في المستوى الأكاديمي، ونتيجة لإبراز هذا السلوك نفسه في سن مبكرة لذلك قد يتولد لدى الطفل احساس الرفض من قبل زملائه ومعلميه مبكرا، وقد يؤدي إلى إعاقة التطور الاجتماعي لديه بشكل دائم، ويبرز على شكل سلوكيات غير مقبولة في سن المدرسة، ويصبح من الصعب التغلب عليه.
وأخيرا تجب الإشارة إلى أن مقدرة الطفل على تطوير مهاراته ليصبح عضوا فاعلا في محيطه تقوم بشكل كبير على تطوره العاطفي والاجتماعي الذي يترسخ في سن ما قبل المدرسة، ولذلك فإن توفر برامج ما قبل المدرسة ذات الكفاءة العالية يسهم بشكل كبير في تطور الطفل .
هذا التطوير هو مسؤولية مشتركة بين المنزل والمدرسة، ولابد من توفير برامج تدريسية فاعلة كاستثمار حتمي للتطور الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
نشرت هذه المادة في العدد السادس من المجلة…