العام

“التكوين” تسأل المجربين .. تعدد الزوجات بين النجاح والفشل 

رغم وجود ظاهرة تعدد الزوجات في المجتمعات العربية والإسلامية، إلا أنها ضمن تعد المسكوت، ولا يجري طرحه ومناقشته، إلا في قليل من الأحيان، من زاوية الحلال والحرام والتأصيل الديني للمسألة. 

“التكوين” تفتح هذا الملف من زاويتها، لتطرح الموضوع على عدد من الرجال الذين خاضوا تجربة التعدد، ليتحدثوا عن الأسباب الحقيقية التي دعتهم للإقدام على هذه التجربة، وكيف وجدوا الحقيقة بعد خوض التجربة على أرض الواقع، وهل ينصحون غيرهم بالإقدام عليها.

 

استطلاع: التكوين

تمهيد وتدرج

يقول أبو الزهراء: الحقيقة أنا فخور بتجربتي، حيث بدأت بالتمهيد والمزاح والتلميح والتصريح بها في بعض الأحيان، وبشيء من الهدوء والتدرج لمدة تزيد عن  ثمان سنوات، سواء كان مع الزوجة أو مع الأبناء. بل دخلت في بعض التفاوض لتلبية بعض الشروط للزوجة الأولى، وكنت أعمل على تنفيذها وتحقيقها وأحتفظ بحقي بالزواج إلى أن جاء الوقت المناسب وتقدمت بخطبة الزوجة الثانية التي كانت مترددة كثيرا بالقبول أن تكون زوجة ثانية، وبادرتني بالسؤال البديهي الذي تسأله أي امرأة عن الأسباب التي تدفعني للزواج، وربما فاجأتها بالجواب أن زوجتي الأولى صاحبة دين وخلق وجمال ولا أعيب عليها شيئا إطلاقا، ولكن لي رغبة التعدد لأنه أمر مشروع ومباح وأجد في نفسي الرغبة في الزواج الثاني، ولدي الكفاءة والقدرة على إدارة أسرتين وبيتين، فأثار هذا الأمر دهشتها واستغرابها لأن العادة جرت أن بعض الأزواج يقدحون ويذمون في زوجتهم الأولى حتى يلاقوا قبولا واستحسانا من الزوجة الثانية.

ويضيف أبو الزهراء: اشترطت الزوجة الثانية أن تتواصل مع زوجتي الأولى وتأخذ موافقتها كشرط رئيسي لقبولها بالزواج مني فحاولت جاهدا إقناعها بصعوبة تحقق هذا الأمر، إلا أنها أصرت على ذلك، فما كان مني إلا أن فاتحت زوجتي الأولى، وبكل صراحة، بخطوبتي وأن الموضوع مشروط بموافقتها الصريحة على ذلك، فما كان منها إلا أن وافقت، بل وتعدى كرمها ذلك بأن حضرت حفل عقد القران هي وأولادها. وبفضل الله عز وجل مضى على هذه التجربة الناجحة أكثر من خمسة عشر عاما.

اشتراطات وضوابط

وحول رأي أبي الزهراء إذا ما كان ينصح بالتعدد فقد قال: الإسلام أباح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة إلى أربع نسوة، لكن لم يشرع هذا الأمر على إطلاقه، ولم يطلق الحبل على الغارب، بل وضع له الشروط والضوابط التي تنظمه، ومن بينها القدرة المالية والبدنية والعاطفية والإدارية في مواجهة ما قد يطرأ من الغيرة بين الضرات، وما ينتج عن ذلك من خلافات تؤثر على استقرار الأسرة وتماسكها. كما اشترط أن لا يخشى عدم العدل إذا جمع بين أكثر من امرأة، قال الله عز وجل: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة…) . 

ويرى أبو الزهراء أن موضوع التعدد يختلف من حالة لأخرى باختلاف الأحوال والظروف، ولا يوجد حكم واحد نستطيع تعميمه على الجميع، فقد يكون أفضل في حق شخص، ويكون الاقتصار على واحدة أفضل في حق آخر، بل قد يجب التعدد في حق بعضهم إن استطاع تحقيق العدل؛ كمن لا تعفّه زوجته لمرض أو لعجز، ويخشى على نفسه الفتنة والوقوع في الرذيلة، أو قد تكون الزوجة عقيما لا تنجب.

وفي كل الأحوال على الانسان أن يتقي الله عز وجل وأن يدرس موضوع التعدد بكل روية قبل أن يتخذ هذا القرار المصيري وذلك حتى يحافظ على أسرته، وتربية أولاده ويجنبهم الضياع والانحراف ولايعطي صورة سيئة عن التعدد، وحتى لا يتحول الحلال إلى حرام إذا غلبت مفاسده على مصالحه.

ويختتم أبو الزهراء حديثه قائلا: أتمنى أن لا يكون الهدف من التعدد هو مجرد نزوة وشهوة عابرة أومزاجية وطيشا يجر معه ضياعا وظلما كما نراه اليوم، للأسف الشديد، واقعا مريرا في مجتمعنا شوه الحكم السامية والأهداف النبيلة والمصلحة العامة من حكمة التعدد، وشوه الدين باسم الدين، والدين منه براء.

رحمة بالعباد

أما أبو ملاك فيبدأ حديثه مستشهدا بقول الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا).

يقول أبو ملاك: أباح الله التعدد في الزواج للرجل رحمة بعباده وحفظا للمرأة من الزلل ولتحقيق مصالح عظمى تعود على الزوجين والمجتمع بالخير حيث تتلخص هذه المصالح في نوعين مصالح عامة ومصالح خاصة. المصالح العامة وفقال لأب ملاك تتمثل في: معالجة العنوسه التي تعاني منها كثير من النساء وحفظا وصيانة للمرأة من الانحراف. وزيادة النسل وتكثير الأمة. أما المصالح الخاصة فتتمثل في:  زيادة القدرة الجنسية عند الرجل، والمرأة عاجزة عن تلبيتها لأسباب (كبر سن الزوجهة، كراهيتها لذلك طيلة فترة الحيض وغيرها. وعقم المرأة أو مرضها. نفور الرجل من المرأة أحيانا بسبب الخلاف الدائم بينهما، سواء بين الزوجين أو بين الأسرتين. وأضيف على ذلك الزواج التقليدي، والجميع يعرف ذلك، وخاصة في دول الخليج، والجفاف العاطفي إذ أن بعض النساء لا تظهر أنوثتها للرجل وهذا كثير مايعاني منه الرجال وبخاصة في زماننا هذا .

أما عن الأسباب التي دعت أبو ملاك للتعدد فإنه تدور حول بعض الأسباب التي ذكرها، وهو قد توفق في هذا الزواج، بفضل من الله ونعمة ثم حرص زوجتي على إسعادي ونجاح هذا المشروع القائم على المودة والرحمة. وبفضل من الله ونعمة مر على هذه التجربة ما يقارب الثمان سنوات ونحن نعيش حياة سعيدة مليئة بالمحبة والوئام، الزوجتان في تواصل وزيارات متبادلة فيما بينهما، والأولاد تسود بينهم المحبة وفي تواصل مستمر.

ويذكر أبو ملاك بعض الأسباب المعينه على ذلك من وجهة نظره وهي: التوفيق من الله عزوجل قبل كل شيء، والاستخاره والاستشاره للمختصين وأصحاب التجارب الناجحة في التعدد .ومحاورة الزوجة الأولى وإقناعها وتوضيح أسباب التعدد الحقيقية، إلى جانب عدم السماح لأي شخص كان من قريب أو بعيد أن يتدخل في هذا الموضوع، ويعتبر أمرا شخصيا، وليس لأحد الحق في التدخل في الحياة الزوجية، وذلك بالاتفاق مع الزوجتين  .بالإضافة إلى إشعار الزوجه الثانية بأهمية وقدر الزوجة الأولى والعكس تماما.

رفقا بهن

أما عن نصيحته بشأن التعدد فيقول أبو ملاك: عليه أولا أن يخاف الله قبل الخوف من البشر، ولا يقدم على التعدد إلا اذا كانت معه القدرة البدنية والمالية والقدرة على العدل بين زوجاته .

ثانيا: أن يحرص كل الحرص على وصية رسول الله ( رفقا بالقوارير) النساء نصف المجتمع، ويقال كل المجتمع والحياة لا تحلو إلا بهن، فرفقا بهن وعدم العبث بهن، كما نرى تجارب في التعدد تسيء لديننا الحنيف وتترك أثرا سيئا للتعدد. أخي الحبيب، إن لم تكن معك قدرة وسياسة على التعدد فلا تلعب بالقوارير. 

ومن خلال تجربتي الناجحة في التعدد أنصح بالتعدد لأن فيه منافع وخيرا كبيرا للرجل والمرأة وللمجتمع بصفة عامة، إذا توافرت الضوابط السابقة الذكر، فنحن الآن نعيشها، ولله الحمدوالمنه.

رغبات وتطلعات

ويشاركنا أيضا أبو محمد الذي بدأ قائلا: الأسباب التي دعتني  للتعدد هي أسباب ليست فريدة من نوعها، لكنها أسباب قد يلجأ إليها أي رجل أو تكون هي في متناول أفكاره، بينما في الواقع ليست  بالضرورة أن تكون أسبابا قوية للتعدد، لكن هكذا الرجل بشكل خاص يختزن بداخله رغبات وتطلعات وحب التغيير والتجربة في كل شي في هذه الحياة، ويبقى هناك عنصر أو عامل الحلال والحرام اللذين يضبطان تفكيره في خوض هذه التجربة أو تلبية تلك الرغبة  وإلا لجرب كل شي.

وفيما يتعلق بتجربته الشخصة يقول أبو محمد: إنني لا أستطيع أن أعتبرها تجربة ناجحة البتة، لأنها لم تكن كما كنت قد خططت لها وتمنيت أن تكون، فما حصل أن التفاهمات التي اتفقت عليها مع الطرف الثاني وأعني الزوجة الثانية قبل الزواج  لم تلتزم بها، مما أدى ذلك إلى وقوع خلافات وعدم تفاهم في كثير من الأمور الحياتية، خلقت بيننا مشاكل كبيرة أدت إلى ما أدت إليه من معاناة ومنغصات في التجربة، ولا زالت، ولكن بوتيرة أقل حدة من ذي قبل، لكن الامر يبقى غير محبذ .

أنصح ولا أنصح

أما بالنسبة لنصح الآخرين فيقول أبو محمد: إنني أنصح ولا انصح، أنصح في حالة الضرورة ووجود أسباب قوية. ويتعين على من يفكر في التعدد أن يتوخى الحذر في الاختيار الذي يجب أن يخضع للاختبار قبل الزواج، وأقصد بذلك أنا يكون هناك خط تواصل بين الطرفين لفترة من الزمن. وفي اعتقادي أن التواصل يبين ويكشف صفات وعادات وتفكير الطرفين، على أن يأخذ الطرفان في الاعتبار أن تواصلهما ليس من أجل التواصل فحسب، وإنما للتعرف على أفكار وتطلعات البعض، حيث يجب أن يكون التواصل تحت السيطرة الفكرية والعقلية وليس العاطفية، وأن لا يخرج عن الإطار الشرعي. ومن هنا ستتضح الأمور لدى الطرفين، وعلى أساساها سيمضيان أو يتقفان. ولا أنصح أن يتزوج الرجل من زوجة عاملة إذا ما كانت الأولى غير عاملة، إذ أن لهذا الشي دورا كبيرا في استقرار الحياة الزوجية وعدم استقرارها.

ويضيف أبو محمد أن على الطرفين أن يأخذا في اعتبارهما أن الكلام شيء والتنفيذ على أرض الواقع شي آخر، إذ أن بعد الزواج يتغير الكلام والالتزام بما جرى الاتفاق عليه، وخاصة من جانب المرأة، فهي أكثر من تخل بالشروط والتعهدات، بل حتى تصل إلى عدم الاعتراف بها في بعض الأحيان.

فشل ومعاناة

من جهته يقول أبو عبدالله: لا أستطيع القول أن تجربتي موفقة أو ناجحة، بل ربما هي أقرب للفشل والمعاناة، رغم ما بذلته في البداية من التمهيد لتحقيق زواج ناجح. ومهما قيل عن نجاح الزواج فإني من خلال التجربة أشعر أنه خيار صعب ويجب أن لا يلجأ إليه الإنسان إلا في أصعب الظروف. 

ويوضح أبو عبدالله أن في التعدد يفتقر الرجل إلى الاستقرار الذي كان يحظى به في ظل الزوجة الواحدة، فيظل وقته وعمره وماله وإحساسه موزعا ومقمسا بين أسرتين. فلا يستطيع أن يمنح أبناءه من الطرفين إلا جزءا من الوقت فيما يغيب عنهم في الوقت الذي يكون فيه مع الأسرة الأخرى. أما أولاد الزوجة الأولى، وإن رضيت أمهم وقبلت بالتعدد، فإنهم لن ينسوا أن أباهم تزوج بامرأة أخرى على أمهم. كما أنهم سيشعرون أنهم فقدوا جزءا من اهتمام أبيهم ومشاعره ووقته الذي كان يقضيه إلى جوارهم. أعتقد أننا ننظر للمسألة من ناحية سطحية جيدا عندما نتحدث فقط عن العدل بين الزوجتين والقدرة المالية. المسألة لها جوانب إنسانية أبعد وأعمق من ذلك، ولن يشعر بها الرجل إلا عندما يقع في التجربة.  

الوجه الآخر

ويضيف أبو عبدالله: شخصيا أشعر بندم كبير أنني أقدمت على هذه التجربة. أعيش صدمة حقيقية من المرأة التي بدت لي في فترة الخطوبة وكأنها ملاك يمشي على الأرض، تظاهرت باللطف والكياسة والرومانسية، أوحت لي بأنها تحب كل شي يتعلق بي وأنها تفهمني وتشبهني إلى حد كبير. وما أن تزوجنا حتى كشفت عن وجه آخر غير الذي كانت عليه. دخلنا في خلافات لا تنتهي كادت تودي بنا للطلاق، لولا أنه كان بيننا أطفال. نعيش الآن معا ولكن لا أحد يشعر بالآخر. 

لذا أقول أن التعدد موضوع يجب على الإنسان أن يتأنى فيه كثيرا، ويحاول أن يتجنبه قدر الإمكان، وأن لا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة الشديدة، وأن يختار جيدا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق