السياحي
سكوبيه تكذّب الانطباع الأول
بدر الوهيبي
عندما وصلنا سكوبيه ونحن نلتمس طريقنا إلى الشقة التي قمنا بحجزها مسبقًا؛ كانت المدينة تعرّف عن نفسها بشيء من الجمود والكآبة المختزلة في مبانيها اليوغسلافية ذات الصبغة الاشتراكية البليدة.
لم تكن تلك المشاهد محصورة في مقدونيا كما رأيتها تلك المرة؛ بل إنها صورة تكاد تطابق الأصل كالتي توجد في بلغراد وبريشتينا وسراييفو وبعضًا من زغرب.
ورثت الجمهوريات المتفككة من يوغسلافيا السابقة بنية تحتية تحاكي العهد الاشتراكي الذي كرّسه تيتو في دويلاته. مبانٍ اسمنتية باهتة لا تكاد ترى لها لونًا او شكلاً أنيقًا، كان هدفهم المساواة – كما أخبرنا المرشد- قبل أن تجد الدولة نفسها راعية للاقطاعية والفساد ومصادرة الحقوق والحريات.
لم نؤجل مهمة الكشف عن حقيقة سكوبيه طويلًا؛ فبعد وصولنا قررنا المضي نحو مركز العاصمة المقدونية علنا نجد ما يمحو عن ذهننا الانطباع الأول – الذي اعتدنا على صدقه-، ف المسافة من مقر سكننا إلى مركز المدينة قطعناها في ثلث ساعة مشيًا على الأقدام.
هذه المرة كذب الانطباع الأول؛ فمدينة سكوبية كشفت لنا عن جمالها وكأنها كانت تقول: “من أراد رؤية الجمال؛ يجب عليه المشي نحوه”. ليس الانطباع الأول وحده الذي تهدم أمامنا؛ ولكن بعض الحقائق نسفتها سكوبيه نسفًا أيضًا.
اكتشفنا وجود كثيف للأخوة المسلمين في العاصمة المقدونية على عكس ما تشير إليه إحصائيات جوجل، بل هم متمركزون في وسط المدينة ومتحكمون بمدينتها القديمة الجميلة. كانت تلك الدلالة عميقة في أنفسنا ونحن نشاهد المآذن سامقة في سماء سكوبيه وتعلو على تماثيل الإسكندر الأكبر الذي تمسكت به مقدونيا رغم ممانعة جارتها اليونان.
ولأن السفر يجعلك في قرارات مفاجئة لاتخاذ أصدقاء جدد؛ فإن “حقان” كتب اسمه في قائمتنا دون أن ينتظر ذبول وردة التعارف التي أزهرت عند مسجد “مراد باشا”. حقان أو “هاكان” لم تكن فرحته بلقيانا أقل من فرحتنا مما أدهش أعيننا في القرية القديمة.
وكما كانت الحلقات التركية المخبوزة بالسمسم “سميت” أيقونة للبسفور وأزقة سيركجي وتقسيم؛ فإنها كانت حاضرة في سكوبيه بصحبة أكواب الشاي رشيقة الخصر لتدلل على تواجد عثماني يناهز خمسة قرون في الأراضي البلقانية.