الفني
ظهور صوت الملحن في الأغنية .. تقليد أم ابتكار؟
كتب: المحرر
سألت مرّة أحد الموسيقيين المتخصصين عن غياب المقدمات الموسيقية المطولة في الأغنية الحالية، مثلما كنا نسمعها سابقا في أعمال الفنانين السابقين مثل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ووردة الجزائرية، بل وفي بعض الأعمال الخليجية مثل أعمال فنان العرب محمد عبده.
كانت دهشتي كبيرة حينما قال لي ذلك الموسيقار بآن تلك المقدمات الموسيقية الطللية لم تكن في الأساس جزءا من الأغنية، وإنما هي نصيب الموسيقار لاستعراض مهاراته الموسيقية أو بعبارة أخرى عرض عضلاته في التأليف الموسيقي.
ووفقا لما قاله محدثي الموسيقار أن تلك المقدمات الموسيقية كانت تمثل تعويضا خاصا لدى الملحن، لأن المغني هو الذي يستأثر بالأغنية ويحظى بالشهرة، في حين يكون حظ الملحن قليلا جدا مقابل ما يحظى به المغني. وبالتالي جاءت هذه المقدمات الموسيقية كجزء من التعويض الذي يتلقاه الملحن ويثبت من خلالها إمكاناته الموسيقية ويظهر قدراته التلحينية.
ومع غياب المقدمات الموسيقية الطويلة والألحان الطربية من العيار الثقيل وجد الملحنون أنفسهم محصورين في تقديم الألحان للمطربين الذين يكسبون الأموال الطائلة ويحققون النجومية، بينما لا يحظى الملحن سوى بالنزر اليسير.
وقد برزت أخيرا ظاهرة جديدة في علاقة الملحن بالأغنية والمطرب. فقد لاحظنا حضور صوت الملحن بصورة لافتة في الكثير من الأغاني التي يلحنونها للفنانين. وفي الآونة الأخيرة ظهر صوت الملحن سهم في عمل جديد للفنان محمد عبده بعنوان (عذروب)، كما ظهر صوت الموسيقار السعودي ناصر الصالح في عدة أعمال أبرزها أغنية الفنانة الكويتية نوال (أبيك بجنبي الليلة)، وظهر أيضا ناصر الصالح شخصيا في فيديو كليب أغنية (سلام) لصابر الرباعي. وظهر صوت الملحن البحريني أحمد الهرمي في أغنية (تناديك) للفنان ماجد المهندس، وهي الأغنية التي حققت نجاحا كبيرا في منطقة الخليج. هذه الأمثلة وغيرها باتت تشكل ملمحا بارزا في الأغنية الحالية، لاسيما لدى الجيل الجديد من المطربين.
ونقف أمام هذه الظاهرة متسائلين عن أسبابها وتاريخها وأهدافها، وهل تمثل إضافة فنية حقيقية للعمل الفني أم هي نوع من التعويض للملحن من أجل أن يحظى بشيء من الحضور الجماهيري، أم هي محض تقليد ومسايرة لما يجري في الساحة الغنائية؟
نوع من التقديم
إزاء هذه الظاهرة يقول الموسيقي مسلم الكثيري: قد يكون هذا نوعا من أسلوب التقديم للأغنية، وربما يتوقع البعض أن ذلك يسهم في الترويج للأغنية ونجاحها بشكل أكبر، لاسيما إذا كان الملحن من الأسماء البارزة وتحظى أعماله بالقبول والنجاح لدى الجماهير. ومن جهة أخرى ربما يحقق ذلك شيئا لدى الملحن الذي يسجل حضوره الجماهيري عبر إطلالته القصيرة ضمن سياق أغنية بصوت فنان معروف. وبالتالي تكون الفائدة متبادلة بين كل من المطرب والملحن.
وهناك تجربة لدى الفنان أبو بكر سالم والشاعر حسين المحضار رحمهما الله، حيث كان المحضار يسمع أبو بكر سالم لحنا جديدا خلال اتصال هاتفي، فاتفقا على إدخال جزء من هذه المحادثة الهاتفية ضمن تسجيل العمل. وبالفعل طرح العمل مشتملا على فقرة تقديمية قصيرة يظهر فيها صوت المحضار وهو يقرأ الكلمات ويدندن باللحن، ثم يدخل صوت المغني الأصلي وهو أبو بكر سالم.
أما على المستوى الفني فأرى أنه ليست له أي قيمة أو إضافة حقيقية، وإنما هو تقليد يتبعه البعض للأسباب التي أشرنا إليها، وربما كانت هناك أسباب واعتبارات أخرى.
إثارة وترويج
الفنان فتحي محسن من جهته يرى أن هناك عدة أسباب تكمن وراء هذا الأمر الذي ابتدأ في السابق أشبه باجتهادات فردية ثم تحوّل لاحقا ليصبح ظاهرة واضحة للعيان. ولعل أهم الأسباب وأبرزها يكمن في التسويق للعمل والترويج له، اعتمادا على شعبية الملحن وحضوره الجماهيري إلى جانب ذلك خلق الإثارة لدى الجماهير ولفت الانتباه إلى حضور صوت الملحن مع المغني لدى جمهور هذا المغني ومعجبيه. إضافة إلى ذلك ربما يمثل ذلك موضة جديدة تهدف إلى التجديد وتمثل مسايرة لظاهرة مستحدثة في صناعة الأغنية تستهوي المغنين الذين يميلون إلى إدخال صوت الملحنين إلى أعمالهم، خصوصا عندما يكون صوت الملحن جميلا.
وهذا ليس بغريب على صناعة الأغنية، ففي السابق كان الملحن ربما يلجأ إلى طرح الأغنية على العود بصوته بعد أن يكون المطرب قد قدمها للجماهير بصوته هو، رغبة في المزيد من الترويج للأغنية وانتشارها على أوسع نطاق.
وهناك شواهد كثيرة في الغناء الخليجي في هذا المجال، فقد أدخل الفنان أبو بكر سالم صوته مع الفنان عبدالله الرويشد وبعض الفنانات، كما أدخل الملحن مشعل العروج صوته مع الفنانة نوال، وكان ذلك عملا مستساغا شكل لمسة جمالية مختلفة للأغنية، والقائمة تطول في هذا المجال.
ومهما تكن الأسباب والمسوغات، وبصرف النظر عن قبول الظاهرة ورفضها، إلا أن ميدان الفن هو فضاء التجديد والابتكار، وضرورة التكيف مع المستجدات والمتغيرات، وما هو صادم وغير متوقع، وما هو مستساغ وما هو غير مستساغ في أحيان كثيرة.