العام
المجتمع المدني في السلطنة بين طموح وتحدي
علي بن راشد المطاعني
في الذي الوقت الذي يشهد فيه المجتمع المدني في السلطنة تطورا كميا ونوعيا جيدا نوعا ما، تجسيدا لدولة المؤسسات والقانون الهادفة إلى تعزيز المشاركة الشعبية في إتخاذ القرار في شؤون البلاد، ومواكبة لتطور المجتمع العُماني كغيره من المجتمعات الناهضة والمتطلعة إلى أن يكون المجتمع المدني رديفا للمؤسسات الرسمية في العمل بمختلف المجالات عبر اتساع ميادينه وتشعبها، وإيجاد ذلك الصوت الذي يعكس مطالب بعض شرائح المجتمع وإيصال اسهاماتها إلى مسامع متخذي القرار، وايجاد آراء وأفكار مغايرة لما تقدمه المؤسسات الرسمية.
فضلا عن أن تطور المجتمع المدني في أي بلد يعد من سمات تطور الدول ورقي الشعوب وديمقراطية المجتمعات، وهذا ماتعمل قيادة الدولة بأعلى مستوياتها لترسيخه ميدانيا ليغدو جزءا من منظومة التحول الديمقراطي في البلاد وزيادة المشاركة السياسية في اتخاذ القرار .
إلا أن هذه المكاسب الكبيرة التي مُنحت لإنطلاقة المجتمع المدني في السلطنة، تواجهها بعض التحديات التي تعيق تطوره كي تلامس الطموحات والتطلعات وتلبي الرغبات المتعطشة للعمل المدني، ومنها عدم وجود تشريعات وقواعد تنظم بشكل فاعل مؤسسات المجتمع المدني في البلاد على نحو فاعل ليتواكب مع الطموحات الوطنية الرامية لإيجاد مجتمع مدني رديف للجهات الحكومية، ومواكب للمتغيرات العالمية التي تنظر للمجتمع المدني في أي دولة على أنه جزء لا يتجزأ من منظومة تقدمها وتأكيد كفالة حقوق الإنسان وحريته في التعبير.
إن تجربة مؤسسات المجتمع المدني في السلطنة لا تزال حديثة عهدٍ قياسا بالعديد من التجارب في دول العالم، لكن ذلك لا يمنع من انطلاقتها بشكل أفضل مما عليه الآن، هذا إذا استفادت من المناخ المتوفر في البلاد في تعزيز المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي والرغبة في إيجاد مجتمع مدني فاعل كجزء من التطور السياسي الذي تشهده البلاد .
وإذا وعت الجهات المختصة لماهية المجتمع المدني كضرورة في سياق التطور الإجتماعي وعملت على النهوض به وإستبعاد النظر إليه كأي دائرة خدمية لا تحظى بذلك الإهتمام المفترض، كما يتعين اعتباره وجهاً حضارياً أنيقاً للسلطنة في المحافل الدولية وكعنوان ناطقٍ لتقدم ورقي الدولة وتماسكها وديمقراطيتها.
الحقيقة المثلى تقول بأن المجتمع المدني في السلطنة يكتنفه الكثير من الضبابية وعدم التنظيم وتدني مستوى الوعي بمفاهيم العمل المدني وأسسه، والإقبال عليه وكيفية ممارسته بشكل يسهم في تعزيز مساهمته في رفد المجتمع مما يجعله اسير مساحة تحرك محدودة وظهور ضعيف في الساحة.
فمن الناحية التشريعية يحتاج العمل المدني إلى إصدار قانون مؤسسات المجتمع المدني، فالقانون الحالي للجمعيات الأهلية الصادر عام 1984 لا يلبي متطلبات المرحلة الراهنة ولا القادمة، ولا يتواكب مع المتغيرات التي تسهم في تطوير مؤسسات المجتمع المدني في السلطنة، فالأطر والتشريعات التي يدار بها تعيق تطوره على أرض الواقع، فالإشتراطات المعقدة لإنشاء جمعيات وطول فترة الترخيص لا تساعد على إستتباب الأمر لها ميدانيا، كما أن القيود التي يضعها القانون الحالي والتي تحد من قدرتها على الحركة من الطبيعي أن تثبط من الهمم وتحد من رغبة الفعاليات المجتمعية لإنشاء مؤسسات مجتمع مدني فاعلة، كما أن الإجراءات المثبطة للعمل المدني وممارسته وافتراض ما يمكن تسميته بسوء النية المسبقة في أي خطوة واشتراطات الحصول على موافقات اجرائية وغيرها من العوائق الإدارية تقف بالمرصاد لأي نشاط تنظمه جمعيات المجتمع المدني، فهذه الأطر وتلك الآليات من الطبيعي أن لا تحفز المجتمع المدني على النشوء والتطور .
كل ذلك يتطلب التعجيل بإصدار قانون الجمعيات الأهلية لما له من أهمية في تنظيم مؤسسات المجتمع المدني على نحو أفضل ويبلور عملها بشكل صحيح ويطلق لها المجال للإستثمار في ما يسهم في تفعيل مشروعاتها وبرامجها فضلا عن تنظيم إدارة العمل في الجمعيات على نحو صحيح وشفاف يرتقي بهذه التجربة الى ما نتطلع اليه كغيرها من تجارب المشاركة التي تشق طريقها الامام في البلاد .
فإذا كنا نقدر وجهة نظر وزارة التنمية الإجتماعية التي تعمل على الإشراف على مؤسسات المجتمع المدني، والقائلة بعدم تدخلها في تنظيم الجمعيات داخليا قدر الإمكان، وابتعادها عن إدارات الجمعيات وكيفية ممارسة سلطاتها، ومن ثم لا تكترث بالأخطاء التي تعيق تطور هذه الجمعيات مما يجعلها منفرة للعمل المدني الذي هو من اختصاصها لعدم وجود الرقيب والمتابع، كما أن الضعف الإداري وعدم تأهل العاملين والأعضاء بها، يفضى إلى قيادات تفتقر للكفاءة والمقدرة على إدارة الأمور بنحو علمي وسليم، كما أن البعض أمسى ينعت المجتمع المدني بأنه امتداد للعمل الوظيفي وموغل في التبعية وعدم الإستقلالية، فهذا التحدي يمكن معالجته باخضاعها للأنظمة الإدارية والمالية السليمة و تطبيق نظام الحوكمة في اجراءاتها.
أما الوعي بأهمية مؤسسات المجتمع المدني لا يزال متدنيا يعكسه ضعف الإقبال على ممارسته، وهو الآخر يحتاج إلى دفعة إعلامية توعوية إرشادية موجهة لأفراد المجتمع المدني لإيضاح أهميتها وجدواها .
بالطبع نتفهم بعض المخاوف من التجاذبات السياسية والفئويات وغيرها من التباينات وموجات التطرف الفكري والعقائدي التي تعصف بعالمنا اليوم، التوجس خيفةً من ارتباط بعض الجمعيات بجهات خارجية مشبوهة، فضلا عن جدلية الممارسات الخاطئة التي من الممكن أن يمارسها البعض انطلاقا من المجتمع المدني ، كل تلك النقاط من الممكن ضبطها وتقنينها بشكل مؤطر ومحكم عبر القانون المقترح وما يتضمنه من تشريعات تصفد كل جنوح يخل بأهدافها.
نأمل أن نعيد النظر بعمق لا يشوبه الحذر المبالغ فيه للنهوض بمؤسسات المجتمع المدني من كل الجوانب، والعمل على تهيئة كل الظروف لها للانطلاق، فالعمل التطوعي قيمة وجهد يبذل بدون مقابل لا يجب أن يواجه تحديات إجرائية عقيمة في دولة تؤمن بالمشاركة السياسية وتتطلع لمساهمة الجميع من خلال القنوات الرسمية والأهلية، فقد حان الوقت المناسب لإعطاءها دفعة قوية للأمام.
ولأن إنكار كل الجهد دافعٌ لقتل الروح الإيجابية في النهوض بالمجتمع المدني في السلطنة و هذا ما لا يرتضيه احد طبعا .