العام
استبيان بحقوق الكاتب وواجباته لبلورة ميثاق مباديء
سعيد الصقلاوي
(رئيس الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء)
تمثل الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء إحدى الركائز الفاعلة في ميدان المجتمع المدني. وقد بذلت عبر مجالس إداراتها المتعاقبة منذ تأسيسها جهودا ملموسة ومرت بتجارب وتجاذبات أكدت على أهميتها ورسخت تجربتها في مجال العمل النقابي الواعي. الشاعر المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي يترأس مجلس إدارة الجمعية الآن لدورتين متعاقبتين. وهو من الأسماء البارزة في المشهد الثقافي العماني الحديث، وقد عايش تحولات المجتمع المدني منذ بدايات عصر النهضة المباركة إلى الآن. في هذا الحوار يتحدث الصقلاوي عن جانب من تاريخ المجتمع المدني في عمان، كما يوضح رؤيته حول مفهوم العمل المدني، إلى جانب خطة الجمعية للارتقاء بهذا العمل.
رديف التكافل
يستهل سعيد الصقلاوي حديثه مبينا رؤيته حول مفهوم مصطلح «المجتمع المدني» قائلا: أنظر إلى هذا المصطلح بأنه يتماهى إلى حد بعيد مع مفهوم (التكافل) في الإسلام. بمعنى أنه لابد من تعاضد الجهات وتكاملها من أجل خدمة المجتمع، لأن الجهة المفردة لا تستطيع أن تقدم كل الخدمات. وبالتالي لا بد من وجود أذرع مساعدة لهذه الجهة، وهي الجهة الرسمية المسؤولة، فتتكافل جهود هذه الأذرع جميعا.
ويضيف الصقلاوي: فإذا اتفقنا على هذا المفهموم فإن فكرة خدمة المجتمع المدني تنطلق من أصغر جهد إلى أكبره، كأن يساعد صديق صديقه، أو وجود فريق صغير في حيٍّ معين، أو وجود جمعية تقوم بعمل اجتماعي معين مهما صغر أو كبر. وهذا ما نسميه التكافل أو ما يمكن أن نطلق عليه بـ (الخدمة الاجتماعية).
إيمان بالعطاء
ويرى سعيد الصقلاوي أن الذي يتبنى القيام بعمل اجتماعي يتوجب عليه أن لا يتوخى الحصول على أي عائد أو منفعة شخصية من عمله، إيمانا منه بالعطاء والمشاركة، وإيمانا منه أيضا بالمثوبة من الله سبحانه وتعالى، لأن خير الناس أنفعهم للناس. وبالتالي ينبغي أن يعمل المجتمع على إيجاد الكثير من هذه الأذرع المساندة التي تقدم له خدمات مختلفة. إذ لا ينبغي أن نركن فقط إلى الجهة الرسمية، وإنما ينبغي أن نقدم هذه المشاريع إلى الجهات الرسمية المعنية ونطالب بدعمها، سواء ماديا أو معنويا أو قانونيا أو سياسيا أو غير ذلك، ضمن أدوارها المختلفة. فإذا قمنا بذلك فإننا نضمن قوة هذه الجبهة المجتمعية لتصبح محصّنة ومتماسكة، وقادرة على مقاومة أي تحديات، ويصبح المجتمع صلبا وصامدا، بوجود أفراد وجمعيات فاعلة تعمل على تقوية هذا المجمتع وتعزيز أواصره.
تعزيز الجبهة الداخلية
وتطرق سعيد الصقلاوي إلى نطاق عمل المجتمع المدني والأفق الذي يشتغل فيه، لا سيما الجانب السياسي فيقول: السياسة تنقسم إلى قسمين: السياسة الخارجية وتعنى بعلاقات الدولة ورعاية مصالحها الدولية. والسياسة الداخلية وتنقسم بدورها إلى أقسام منها السياسة الاجتماعية وهي التي ينتمي إليها الأفراد والمؤسسات الفاعلون في الشأن الاجتماعي. فإذا استطعنا أن نوعّي المجتمع بما يسمى التضامن أو التكافل وتعزيز الجبهة الداخلية فإننا بالضرورة ندخل في ما يسمى بالسياسة الأمنية، لأننا أسهمنا في توعية المجتمع وأزلنا عنه ما يعانيه من أمراض وعلل، وبالتالي يصبح المجتمع متعافيا، وقد ساهمنا في خدمة ما يسمى بالأمن الاجتماعي وإن لم نكن أعضاء رسميين أو حكوميين في هذا الفريق، وإنما عبر جهود نقابية وتوعوية مخلصة. وعلى الجهات الرسمية أن تبذل المزيد من الدعم والتشجيع لهذه الجهود المجتمعية.
في كل بيت
أما فيما يتعلق بجمعية الكتّاب والأدباء ودورها فيوضح الصقلاوي قائلا: طموحنا أن تكون الجمعية في كل بيت، ونأمل أن نصل الأجيال بعضها ببعض، وأن يكون العمل الثقافي عملا متواصلا، يبدأ من الصغر وينمو في مرحلة الشباب ويزهر فيما بعد الشباب ويحقق رسوخه لاحقا. وبالتالي هناك سلسلة متواصلة من التتابعات متربطة ببعضها البض.
ولكي نصل إلى هذا الهدف فإنه ينبغي أن نؤسس لمنظومة ثقافية تعنى بشؤون هؤلاء الكتّاب ابتداء من مرحلة الكاتب الصغير وصولا إلى مرحلة الكاتب الكبير. ولذلك فإننا في الجمعية نعد الخطى لتحقيق هذه الأحلام.
ويردف سعيد الصقلاوي موضحا: من جهة أخرى نرى أن بعض الكتّاب سواء على المستوى المحلي أو العربي أو حتى العالمي، لديهم نوع من الإحباط وعدم الرضا، لذلك نجدهم محبطين ومتشنجين. ونسعى من خلال الجمعية إلى دراسة هذه الظاهرة ومعالجتها. وقد أعددنا استبيانا للكتّاب فيما يرونه من حقوق الكاتب وواجباته تجاه المجتمع والسلطة والكاتب الآخر وسقف الحرية والتعبير. وعلى ضوء ذلك ستتم بلورة هذه الأفكار وصياغتها على هيئة ميثاق تلتزم به جميع الجهات، بحيث يكون بمثابة المبادئ الأخلاقية.
نظرة تاريخية
وعن معايشته لتطور المجتمع المدني في عمان قال الشاعر سعيد الصقلاوي: في مطالع السبعينيات كان العمل الاجتماعي مربوطا بجمعيات المرأة العمانية والأندية الرياضية. وفي عام 1983م أنشئت أول مؤسسة ثقافية تقوم على العمل التطوعي، وهي النادي الثقافي. وقد كانت فكرة جميلة وطموحة باركها مولانا جلالة السلطان، وكنت ضمن العاملين فيها إلى جوار مجموعة من الأسماء البارزة مثل الدكتور علي موسى وعلي مكي والسيد سعود بن إبراهيم والدكتور سالم بن حمدان الأخزمي. كنا حينها نؤسس لمرحلة جديدة من العمل الثقافي من خلال العمل التطوعي، في إطار مؤسس. كان المشهد الثقافي مشمولا في هذا النادي الذي انطلقت منه أغلب الجمعيات الحالية مثل الفنون التشكيلية والتصوير الضوئي وهواة العود والمسرح والسينما، وحتى معرض الكتاب، بما في ذلك فكرة مجلة نزوى التي تأسست في النادي الثقافي ثم بعد ذلك صدرت رسميا عن وزارة الإعلام. ويضيف الصقلاوي: وبعد أن تشكلت هذه الجمعيات وأثبتت حضورها الفعّال، بات من الضرورة تشكيل جمعية للكتّاب والأدباء، لتكون رديفة للنادي الثقافي. وقد كانت المطالبة بإنشاء الجمعية قبل إنشاء النادي الثقافي منذ نهاية السبعينيات. ونحن نتوقع أن تزداد هذه الجمعيات، وهذا أمر صحي من أجل ضمان تطور المجتمع وتقدمه. وهذه الجمعيات تحتاج إلى مساندة، وهنا يأتي دور الدولة في دعم هذه الجمعيات التي تقوم بأدوار كبيرة يتعذر على المؤسسة الرسمية القيام بها بمفردها، ولكن تقوم بها هذه الجمعيات بأقل التكاليف نظرا لكونها تطوعية وغير مدفوعة الأجر. لذلك يتعين على الدولة تقديم كافة أسباب الدعم لهذه الجمعيات وتوفر لها الحماية اللازمة ماليا ومعنويا وقانونيا من أجل مواصلة عملها وأداء رسالتها.
عوامل النجاح
ويلخص الشاعر المهندس سعيد الصقلاوي أهم عوامل نجاح المجتمع المدني قائلا: أهم عامل في عمل هذه الجمعيات هو أن تعي الإدارات أن هذه الجمعية هي ملك الجميع وهي بيت الجميع. كما يتوجب أن يعي الأعضاء أن هؤلاء الذين يديرون الجمعية هم من بينهم وإخوانهم ولا يهتمون إلا بخدمتهم وخدمة المجتمع. إن وجود هذه العلاقة الانسجامية بين العضو في مجتمع الكتاب وبين الإدارة من شأنه أن يولد التعاون وتضافر الجهود ويؤدي إلى نتائج إيجابية كبيرة. فقد يخطئ مجلس الإدارة لكن ينبغي أن لا يستمر في الخطأ، كما أنه لا ينبغي إقصاء الآخر أو استبعاد فئة دون غيرها ولا ينبغي إنكار جهود الآخرين وعدم الاعتراف بما قدموه، حتى تنتج هذه الجهود ولو كانت بسيطة.