الثقافي

سعيدة بنت خاطر: الأغنية الوطنية العربية انعكاس للأوضاع .. ووجه من وجوه الثقافة السائدة

 

في الساحة الشعرية تبدو سعيدة خاطر علامة بارزة من الصعب تجاوز حضورها وهي التي أعطت للساحة حضورا امتد ما يقارب نصف قرن كانت فيه الشاعرة القادرة على كتابة العاطفة لتكون الكلمة المغنّاة، والباحثة القادرة على الغوص في التراث الشعري محليا وعربيا.. هي سعيدة بنت خاطر الفارسي، ابنة صور، والبحر، وكل بقعة عمانية كتبتها قصيدة فتفجّر نهر مشاعر يجعل من بيت الشعر صارية على مركب بوم يعبر بالنواخذة إلى الموانئ البعيدة، ومن القصيدة أمواج يعرف الساحل الصوري قراءتها فيتبتل بحر العرب صلاة في محراب بحور الشعر بين أنامل سعيدة خاطر. في نوفمبر يحلو الحديث عن الشعر، وعن الشعر الغنائي بالتحديد.. وما أجمله أن يكون مع الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسي.. فكان هذا الحوار.

حاورها: حسن المطروشي

لك إسهامات راسخة في مجال الأغنية الوطنية مع فنانين وملحنين بارزين .. كيف تتذكرين هذه الأعمال، وما أبرزها؟

هي أعمال عرفتني على كثير من الملحنين في الوطن العربي وسجلت اسمي في إذاعة القاهرة من ضمن كتاب الكلمة العرب، وربما أسهمت أغاني المهرجانات الطلابية في مزيد من التفاعل مع الملحنين والمطربين الخليجيين بالذات. ولعل أبرز الأغاني الوطنية التي كتبتها في بدايات مسيرتي في هذا المشوار، وحققت نقلة نوعية في كتابة الأغنية الوطنية العمانية لتركيزها على وصف جماليات عمان والارتباط العميق بالأرض، تلك الأغنية التي غناها المطرب العماني المعتزل أحمد الحارثي:

بلادي تغنى بها الملهمون

وألهمتِ الطير فوق الغصون

وهام الجمال بأرجائها

فألقى على الأرض سحر الفنون

وأغنية أخرى تغنى بها الفنان عبدلله الحتروشي تقول:

على ذرى شوامخ النخيلِ

وفي سرى نسيمها العليلِ

عمانُ حبٌّ رائعُ الأصولِ

عمانُ بوح ُالزهرِ للحقولِ

إلى جانب أغنية أخرى بصوت الفنانة العمانية رشا البلوشي وتقول:

الحب لك انتِ

وكل الغلا انتِ

وانت في ضمير القلب

وحدك تربعتي

ياساكنه دروبي

ياكحل في هدوبي

وهناك أغنية أخرى شدا بها الفنان محمد عبده:

تبسم ياحسن وضاح

تبسم وانشر الافراح

وطوق بالحلا مسقط

قلادة عطرها فواح

كما غنى لي.. عبدالحميد عبدلله، وهشام عباس، ونادية مصطفى، وأحمد فتحي، ود.عبد الرب إدريس، ومجموعة من المطربين العمانيين .

ما هي مقومات النص الغنائي الوطني الجيد، وهل يمكن لأي شاعر كتابته؟

بالطبع لكل فن مقومات وخصائص تميزه، وهناك من يتميز ويبرع فيه، والشاعر يكتب شعرا في أي مجال وفقا لموهبته، ولذا يمكن بالطبع لأي شاعر أن يكتب النص الغنائي، لكن درجة النجاح المطلوبة لن تتحقق للجميع. هناك شعراء قصيدة مجيدون لكنهم يخفقون في كتابة الأغنية نظرا لخصوصية فن كتابة الأغنية، فالأغنية الناجحة تحتاج لثراء نغمي، وشعور متدفق صادق، وصنعة ماهرة، والصنعة تعني التغييرات وفقا للجملة اللحنية إذا لزم الأمر، أو وفقا لإمكانية المطرب المؤدي للجملة الصوتية، فالأغنية ترتكز على ثلاثة محاور هامة، وهي نتاج عمل ثلاثي جماعي مركب الأبعاد، وكاتب الأغنية ينبغي أن يتميز بتلك الخاصية، ومن البدء ينبغي عليه أن يكتب الكلمات ملحنة وفق إيقاع نغمي يسكنه، ليسهل على الملحن وفق ذلك التدفق النغمي أن يلحنه بسلاسة، وعلى كاتب الأغنية أن يبتعد عن البحور ذات التفاعيل الطويلة المركبة، ويلجأ الى البحور الصافية أو المجزوءة والمشطورة تسهيلا للنقلات اللحنية والأداء الصوتي للمطرب.

الأغنية الوطنية في الغرب لها سمات خاصة بينما في العالم العربي تركز على معاني الحرب والقتال واستعراض القوة وتمجيد الأنظمة .. أين نحن من تلك المعاني السامية لمفهوم الأغنية الوطنية؟

الأغنية الوطنية العربية مثلها مثل الأوضاع الثقافية والفنية العربية، فالأغنية الوطنية هي انعكاس للأوضاع السياسية المتردية في العالم العربي وهي وجه من وجوه الثقافة السائدة لإعلام يمجد الفرد أكثر من تمجيده للوطن، لكن هناك أغان عربية وطنية اشتهرت مثل اغاني الأخوين بسيسو (موطني، ونحن الشباب) ومثل أغاني أبو القاسم الشابي، وأغاني الأخوان رحباني، وأغاني سيد درويش، وبيرم التونسي، ومؤخرا اغاني ميشيل خليفة، لا تمجد أحدا بل تشحن العاطفة السامية تجاه الأرض والوطن. والحقيقة أن الأغنية الوطنية تحمل روح الشاعر الذي يكتبها فإن كان شاعرا مسكونا بمشاعر حبه للوطن جاءت الكلمات بعيدة عن الشخصنة والتمجيد فعلى سبيل المثال كلمات الرحابنة التي غنتها فيروز لمعظم اقطار الوطن العربي، السعودية ومصر والأردن والشام ولبنان وفلسطين والعراق والكويت والبحرين.. وكانت فيروز ترفض رفضا قاطعا أن تغني لحاكم ما، مهما كانت شدة العلاقة والإلحاح في الطلب، فمن المعروف أن علاقة صداقة قوية تربط بين أسرة فيروز الرحابنة وأسرة الملك حسين ملك الأردن رحمه لله، وطلب منها الملك ذات مرة أن تغني له أو للأسرة الهاشمية فرفضت بشدة كون الأمر مبدأ تسير عليه منذ البدء، ولفيروز بصمة رائعة في الأغنية الوطنية في سائر أقطار الوطن العربي: مثل (مصر عادت شمسك الذهبِ، ويا شآم، وغنيتُ مكة أهلها الصيدا).

من هو أفضل مطرب عماني غنى للوطن، ومن هو أفضل شاعر يكتب الآن الأغنية الوطنية في عمان.. من وجهة نظر الدكتورة سعيده خاطر؟

الحقيقة لا أحب صيغة أفعل لأنها تنسف جهودا كثرا تساندت حتى تقدم هذا الأفضل على طريق راده وعبّده له آخرون حتى سلس له، هناك كثر غنوا للوطن ونجحوا جدا مثل عبدلله الصفراوي رحمه لله ومثل حمدان الوطني، وعبدلله الحتروشي وشادي عمان ومثل أحمد الحارثي ومسلم علي عبدالكريم، وعبدلله مبارك غدير، وسالم علي سعيد، ومثل نوال بنت سعود تلك المطربة العمانية ذات الصوت القوي التي أدت كثيرا من الأغاني الوطنية الحماسية لعل أشهرها أغنية “عمان يابلادي”، وأغنية “إنا لك الفدا”، من كلمات سعيد الصقلاوي، وكانت نوال تغني بالفصحى وهي لا تجيد نطق العربية، وتكتب لها الكلمات بالسواحلية ثم تحفظها جيدا ولا يمكن لأحد بعد أن يسمع أداء الأغنية أن يشك في أنها لا تتكلم العربية مطلقا!

البعض يرى أن الأعمال الوطنية لدينا تتسم بالموسمية والمناسباتية، أي أنها تنتهي بانتهاء المناسبة رغم ما يصرف عليها من أموال .. كيف ترين الوضع القائم؟

هذا ينطبق تماما على أغاني المهرجانات، بمختلف أنواعها، وبالرغم من صحة هذا القول، إلا أننا نجد أن هناك أغاني برزت بشكل جميل ومؤثر وظلتْ في الذاكرة الجمعية للناس مثل “صوت للنهضة نادى” للمرحوم عبدلله الطائي، ومثل “عام الشبيبة” للمرحوم عبدلله صخر، ومثل نشيد طعام الزراعة”، من كلماتي التي مزجتها بالموروث الشعبي مثل:

رزقك على لله ياطير يالله صباح الخير

طــلع الصبح فـهـيا للحـقول الخضر نمضي

نحصد الخير الجنيا وافرا من خير أرضِ

ومثل أغاني الأطفال التي كتبتها للمهرجانات الطفلية مثل النشيد الحاصل على المركز الأول في مهرجان الطفل:

(نحن أزهار الخمائل … نحن انوار الحياة

غدنا بالخير حافل …. يتهادى في بهاه)

أو المهرجانات الطلابية، لكن لكل قول استثناء طبعا.

لو سألناك كشاعرة وناقدة بين ما كان عليه الشعر الوطنيإن صحت تسميته، أو الشعر المتعلق بحب الديار والمكان في الأدب العربي القديم، وبين الشعر الوطني الذي يكتب حديثا .. هل ترين أن هذا الفن قد تطور أم انه تراجع؟

ذلك شعر الحنين وهو ليس بقصائد غنائية، إلا ما ندر، أو شعر التذكر كأن يقف الشاعر على أطلال الحبيبة ليتمنى لها الخصب والسقيا أي عودة الحياة إليها بعد محل، ولا شك أن ذلك الإرث العربي هو شعر صادق يبتعد عن المديح أو بالذات مديح التكسب، وهذا مختلف تماما عن ما يطلق عليه الشعر الوطني الحالي، فمن منا لا يتذكر قصائد الحنين التي كتبها شوقي بعد نفيه خارج مصر لأسبانيا والتي أشهرها سينيته:

وطني لو شغلت بالخلد عنه

نازعتني إليه في الخلد نفسي

لكن كما قلت إن معظم ذلك الشعر كتب ليقرأ لا ليغنّى، وذلك لاختلاف مواصفات كتابة الأغنية عن القصيدة المقروءة.

ما الذي يمنع المغنين حاليا من الاستفادة من الشعر القديم في الحنين وتذكر الديار والأوطان مثل ما يجري في مجال الغناء العاطفي والديني أحيانا؟

لا يمنع وقد كتب البعض في ذلك، لكن حتى الشعر الغنائي القديم قام جله على الغزل، ويتضح هذا في شيوع الصوت الخليجي الذي كان جله من تراث عمرو بن أبي ربيعه أو المجنون قيس بن الملوح أو بعض القصائد الغزلية الفائقة الشهرة مثل قصيدة يزيد بن معاوية:

نالت على يدها مالم تنله يدي

نقشا على معصم أوهتْ به جلدي

ويشهد بذلك شعر الموشحات وهو فن كتب غنائيا من الطراز الأول، فالأغنية التراثية تقوم وترتكز أساسا على الحب والغرام والتشوق، وهي عاطفة إنسانية نبيلة لن يتوقف الشعراء عن الكتابة فيها، أما أشعار الحنين والتذكار فموجودة حتى يومنا هذا في الغناء العربي على استحياء، إلا إذا كان الوضع يستدعي ذلك مثل قول صقر قريش عبدالرحمن الداخل:

تبدتْ لنا وسط الرصافة نخلة

تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل

فقلت شبيهي في التغرب والنوى

وطول التنائي عن بني وعن أهلي

نشأتِ بأرض أنت فيها غريبة

فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي .

ويظل الإنسان يكتب للحب سواء أكان ذلك غراما وتشوقا لشخص ما، أو حبا للوطن، أو حبا دينيا لله ورسوله، فالعاطفة هي مجال كتابة الأغنية بشكل عام.

نشر هذا الحوار في العدد الأول من مجلة التكوين…

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق