العام

ما هو سر الرسالة القادمة من ظفار إلى الخابورة وص ب: (588)؟

خاص: التكوين:

يعد عالم البريد والمراسلات عالما مليئا بالأسرار والحكايا التي لا يعرفها الكثيرون. إلا أن هواة جمع الطوابع المتخصصين والباحثين في التاريخ البريدي يملكون الكثير من هذه القصص المدهشة، مثل قصة الرسالة التي سيرويها لنا الباحث في التاريخ البريدي خالد المعمري. وهي رسالة أرسلت من محافظة ظفار إلى ولاية الخابورة في الباطنة. كان الإرسال في وقت لم يكن هناك مكتب للبريد في الخابورة، إلا أن غلاف الرسالة حمل على ظهره رقم صندوق بريدي هو(588). ترى ما قصة هذه الرسالة؟ وما سر هذا الرقم؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لوصولها، خاصة إذ أخذنا بعين الاعتبار أن الفارق الزمني بين إرسالها وافتتاح أول مكتب للبريد في الخابورة قرابة خمس سنوات.

ضعف التوثيق

يقول خالد المعمري: المتتبع للتاريخ البريدي في السلطنة وخارجها يهتم كثيرا بالمراحل التي مرت بها المراسلات الواردة  إلى عمان من الخارج، بالإضافة إلى المراسلات الداخلية. ويهتم الباحث دائما بتتبع أي رسالة منذ خروجها من المكان الذي أرسلت منه حتى وصولها إلى المستلم، حتى يتمكن الباحث من إجراء دراسة معمقة عليها، مبنية على حقائق، من أجل أن يتوصل إلى قصة الرسالة بأدق تفاصيلها. ولكن في حالة غياب المراجع التي نفتقر إليها في عمان وضعف التوثيق نجد أن الكثير من الحقائق مفقودة في هذا الجانب.

وما نسعى إليه الآن وهو جمع كل ما تيسر من معلومات دقيقة قائمة على مراجع التى نفتقرها، وبالتالي نعتمد على المصادر الأجنبة  التي عاصرت مراحل  البريد التى مرت بها السلطنة، منذ تأسيس أول وكالة بريدية واستخدام الطوابع الهندية في سلطنة عمان، أو عن طريق التوثيق الشفهي بالتواصل مع من خدم في البريد في فترات سابقة. وهنا حصل أمر غريب في الموضوع الذي سأسرده حول هذه الرسالة، وحتى عند تدوين هذا الكلام ما زال البحث مستمرا حتى نجد الجواب لسر اللغز الذي يحيط بها.

عسكري في طاقة

وعن الرسالة محور الموضوع يقول خالد المعمري: هذه الرسالة أرسلت بتاريخ 20 محرم 1393 هجرية الموافق 24 فبراير 1973م، من حصن طاقة بالمحافظة الجنوبية حيث يعمل مرسل الخطاب هذا  كعسكري بالحصن، واسمه محمد بن عبود بن سالم المعمري، الذي كان وقتها يقطن في بلدة خور الملح التابعة لولاية صحم. وتم تدوين العنوان إلى بندر الخابورة بولاية الخابورة حاليا. وكلمة بندر تعني مرسى للسفن أو المدينة الكبيرة والمعنى الأخير هو الأرجح، إذ كانت الخابورة وما زالت سوقا كبيرة وتشهد حركة تجارية نشطة.

خالد المعمري

تاريخ الإرسال حصلنا عليه من الرسالة الداخلية ومن تاريخ  الختم الموجود على الطابع. الرسالة بحوزتنا ولكن لا نستطيع نشرها حتى يتسنى لنا أخذ الإذن من بعض الأشخاص الذين ورد ذكر أسمائهم داخل الرسالة. وعنوان المستقبل كما هو واضح على ظهر المظروف من الخارج، بندر الخابورة ص ب: (588).

أرسلت الرسالة في وقت لم يكن هناك أي مكتب للبريد بالولاية ولا حتى وكالة بريدية في تلك الفترة، لأن البريد حسب المراجع افتتح سنة 1977م. ولكن عند سؤالي لصاحب أول وكالة بريدية بولاية الخابورة ذكر أن التاريخ الفعلي لافتتاح البريد ما بين 1979 و1980، وكان قبلها وكالة بريدية فقط، وهي عبادرة عن دكان صغير يقوم بتسهيل عملية بيع الطوابع واستلام الرسائل التى تصل من البريد المركزي، وكان أغلب الرسائل يصل من مصر بحكم وجود نسبة كبيرة من المعلمين المصريين. وقد باشرت هذه الوكالة العمل سنة واحدة فقط وهي 1978م.

ويستكمل خالد المعمري سرد القصة: ولكن عند وصول الظرف الذي هو محور الحديث هنا لم يكن هناك وكالة بريدية أو مكتب للبريد. واللافت أن وضع الإرسال مطابق للمعاير الدولية في إرسال أي رسالة، إلا أن تفاصيل الاستلام مبهمة كثيرا، وهو ما يضع البحث في حيرة عن طريقة استلام الرسالة. وفي هذا الشأن قمت بالذهاب إلى بريد عمان، الفرع الرئيسي، وسألت حول الموضوع، ولكن لم أجد ردا مقنعا. وهنا يتبدى لي احتمالان حول وصول هذه الرسالة إلى ولاية الخابورة.

الاحتمال الأول وجود صناديق في البريد المركزي مخصصة لكل الولايات التي لا توجد بها مكاتب بريد أو وكالة بريدية، ويجري الاتفاق مع أحد وجهاء أو تجار تلك الولاية باستلام البريد الوارد إلى السلطنة في ذاك الوقت. وهذا الافتراص لم يثبته بريد عمان، كما أنه لم ينفِه، لعدم وجود التوثيق. ولكن البحث جارٍ للتواصل مع الموظفين القدامى لبحث الموضوع.

الاحتمال الثاني يقوم متعهد من مسقط وبالأخص مطرح كونها مركز تبادل تجاري لكل الولايات، باستلام الرسائل الواردة من خارج عمان، وحتى من محافظة ظفار نظرا لأن الكثير من أهل الباطنة يعملون عسكرا هناك. وما يعزز هذا الافتراض كون المستلم أو الوسيط هو الحاج حمدان بن حيدر من كبار تجار الخابورة، الذي يجري استلام الرسائل من متجره الكائن بسوق الخابورة القديم، وله علاقات قوية مع أغلب تجار مطرح. ووفقا لهذا الاحتمال فإن البريد يجري إرساله عبر البحر من مطرح إلى الباطنة، ومن وهنا يبرز سبب استخدام كلمة “بندر” التي تعمي “مرسى السفن”، ولكن كل ذلك يظل مجرد افتراض.

ما هذا الرقم؟

ويختتم خالد المعمري حديثه موضحا الغموض الذي ما زال يكتنف الرسالة قائلا: ما يزيد الأمر غموضا وحيرة، وما شغل الباحثين خلال عرضي للمغلف أمام أهل الخبرة للبحث هو: لماذا كتب على الظرف رقم صندوق البريد، طالما أن الرسالة تأخذ مجراها للوصول حسب الطرق المتبعة سابقا؟

هل هو رقم وهمي؟ أو هل كان لكل ولاية رقم خاص؟ أو هو رقم تعريف للوسيط؟ نعم يوجد اليوم ببريد عمان لكل ولاية رمز خاص بها، وهو عبارة عن رقم. ولكن أيضا الرقم (588) لم يعطَ إلى أي ولاية حتى هذه اللحظة. وأيضا لم يكن يوجد صندوق بريدي في بريد الخابورة حتى فترة متأخرة. وما زال البحث جاريا عن سر الرقم (588).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

إغلاق